النموذج النسقي في الإتصال:
تعتبر المدرسة النسقية من أهم وأبرز المدارس التي تعمقت في دراسة الظاهرة الإتصالية حيث تعتبر نظرية الإتصال التي نشأة بمعهد البحوث العقلية MRI تحت إشراف العالم غريغوري باتيسون أبرز نظرية قامت في هذا المجال حيث أين لا يمكن تناول دراسة الاتصالات دون ذكر عمل (MRI) في معهد البحوث العقلية بـ (بالو ألتو) الذي قام بوضع هذا التحليل في مركز البحوث بالطب العقلي، وهو طاقم متعدد التخصصات جمع تحت رئاسة غريغوري باتسون (G. Bateson) ذو التكوين الأنتربولوجي وج. هالي (J. Halay) طالب بالإتصال، وج. ويكلاند (J. Weakland) مهندس بالكيمياء المؤطر بالأنتربولوجيا والطبيبان العقليان د. جاكسون (D.Jakson) وفراي (W.Fry)، بالإضافة إلى الفيلسوف اللغوي النفساني ب. فتزلافيك (P.Watzlawick) ( Rougeul, 2003: p21)، بحيث أنهم درسوا التأثيرات العملية للاتصال البشري، بمعنى تأثيرها على السلوك بعلاقاته خاصة بالاضطراب، فقد اهتمت هذه المدرسة بدراسة اضطراب الاتصال والأنساق الأسرية (Marie Rose et Christan, 1996: p53)، كما ترى أيضا أن الظواهر الحية وغير الحية تتميز بتركيبة معقدة، والإنسان باعتباره خاضع لهذه النظرة فإن معالجة مشاكله لا تتم إلا في شكلها المعقد، فعلى المعالج أن يركز عمله على النسق أكثر من تركيزه على الاضطراب أو على العرض، وذلك في الإطار الجماعي، ويقصد هنا الأسرة، أحد أفرادها أو أي جماعة انتماء.
مفهوم الإتصال وفق النموذج النسقي:
لفهم معنى الاتصال لابد من التطرق إلى ثلاث زوايا:
-الأولى: دراسة العلاقة بين عناصر النسق
-الثانية: دراسة العلاقة بين العناصر ومعانيها، فالعلاقة هنا علاقة دلالة
-الثالثة: دراسة العنصر من حيث مدلوله، مقارنة بما يناسبه، فالعلاقة هنا علاقة مرجعية .
الأهمية الأساسية للاتصال: يستند نموذج مدرسة بالو ألتو (Palo Alto) على المسلمة الأساسية التي مفادها أنه من المستحيل عدم الاتصال، لأنه من غير الممكن أن لا يكون هناك سلوك، فالسكون، الصمت التام هما عبارة عن سلوكيات تعتبر كرسالة تستجيب لرسائل أخرى، لذا يعتبر السلوك جوهر كل الاتصالات وفي رأي فرجينيا ساتير (V.Satir) " الشخص المختل وظيفيا هو الذي لم يتعلم كيفية الاتصال الملائم، وليست له إمكانيات لإدراك نفسه أو تأويلها بطريقة صحيحة ولا لتأويل الرسالات من العالم الخارجي بطريقة سوية، وبهذا الشأن تكون المفاهيم التي ستركز عليها أفعاله مشوهة، ومجهوداته للتكيف مع الواقع غير ملائمة ".
المسلمات الخمس للاتصالات: المسلمات الخمس للاتصال، والتي تعني المبادئ الموجهة للاتصال والمتمثلة في:
المسلمة 01:
- استحالة عدم الاتصال أو لا يمكن أن تتصل (L' impossibilité de ne pas communiquer): مفادها أن كل اتصال هو سلوك، وهذا الأخير ليس له نقيضه، بمعنى أخر من غير ممكن أن لا يكون لدينا سلوك، وإذا تقبلنا فكرة أنه داخل التفاعلات كل سلوك لديه قيمة رسالة، أي أنه عبارة عن اتصال، هذه المسلمة تقتضي أنه كل وضعية تتضمن شخصين أو أكثر هي وضعية اتصال، وأن سلسة من الاتصالات المتبادلة بين الأفراد تسمى التفاعل هناك ارتباط وثيق بين عمليتي الاتصال والتفاعل، فالأول شرط أساسي لحدوث الثاني، إذ لا يمكن للفرد التفاعل مع الأخر أو الجماعة، إذ هو لم يتصل بهم
المسلمة 02:
- مستويات الاتصال: المحتوى والعلاقة ( Niveaux de la communication : contenu et relation) : حسب المصطلحات المقتبسة من باتسون (Batson) نقول بأن هاتين العمليتين تمثل جانبي العلامة، وجانب النظام لكل الاتصالات، والرسالة من جانب العلامة هي نقل خبر، وفي الاتصال البشري هذا المصطلح مرادف لمحتوى الرسالة، أما جانب النظام على العكس، فإنه يختار الطريقة التي بها نستمع إلى الرسالة، وبالتالي هي العلاقة بين الشركاء وعليه، فإن كل اتصال يحتوي على جانبين: المحتوى والعلاقة لدرجة
أن هذه الأخيرة تشمل الأولى، وتصبح بدورها ما بعد أو ما فوق الاتصال كما يمكن أن يكون هناك تناقض بين المستويين وهذا ما يسمى بالاتصال المتناقض أو الرسالة المتناقضة، وهي التي تتضمن في نفس الوقت محتويين متعارضين، وتظهر خطورة هذا النوع من الاتصال عندما يتلقى الفرد محتواه، ولا تكون لديه القدرة للخروج من هذا الإطار المفروض عليه بحيث لا يمكن مناقشته، أو بإظهار عدم التوافق، وهذا ما سماه باتسون (Batson) بـ " المأزق المزدوج" وهي أساس الفصام، وكنموذج للاتصال المتناقض .
المسلمة 03:
- تجزئة سلسة الأحداث (La ponctuation de la séquence des faits): إن طبيعة العلاقة تعود إلى تجزئة سلسة الاتصالات مابين الشركاء بأمرين :
- الطريقة التي من خلالها يقوم الشركاء بتجزئة اتصالاتهم عن طريق علاقة تفاعلية
- تتعين بوجهة النظر كل من سلوك المتفاعل وشريكه ، فالترقيم ينظم أفعال السلوكات، وبالتالي فهو أساسي لاستمرار التفاعل، وأن عدم الاتفاق في طريقة ترقيم سلسلة الاتصالات هي نتيجة لعدد معتبر من الصراعات حول العلاقة.
المسلمة 04 :
- الاتصال اللفظي وغير اللفظي (Communication dégitale et analogique): الكلام اللفظي يجتاز النمو المنطقي والمعقد جدا أو الملائم، لكنه يفتقد إلى علم الدلالة الملائم للعلاقة، على غرار الكلام غير اللفظي فهو يجتاز علم الدلالة، وليس النحو الملائم بتعريف غير مبهم لطبيعة العلاقات
المسلمة 05:
- التفاعلات التناظرية والتكاملية ((les interactions symétriques et complémentaire: يتسم التفاعل التناظري بتصغير الفروق، فالشركاء هم في نفس المستوى، ويمكن القول بأنهم يتخذون وضعية مرآتية، فكل منهم يتبادل مع الآخر نفس السلوك، فالعدوانية مثلا ترد على العدوانية، ويلاحظ هذا أيضا في التبادلات اللفظية حيث تكون الإجابة على السؤال بطرح سؤال آخر، أما في ما يخص التفاعل التكاملي فهو على العكس تماما حيث، نجد حدة الفروق، فأحد الشركاء يأخذ وضعية تسمى (القمة) أو (العليا) والأخرى تسمى بالوضعية (الدنيا) أو (السفلى)، وهي تخص علاقة (أم - طفل) (معلم - تلميذ)، (طبيب - مريض) وهنا يجب أن تكون الوضعية العليا هي القوية والسفلى هي الضعيفة، ذلك لأنه ليس هناك وضعية دنيا أكثر من وضعية الرضيع حديث الولادة، ومع ذلك كل حياة الزوجين تنظم بفضله، وكلا النوعين من السلوكيات يؤدي دورا تكامليا وتعاقديا في العلاقات الإنسانية، وما هو مرضي هو التصلب في نوع معين من هذه التفاعلات فالتصلب هو علاقة تناظرية يمكن أن تتطور إلى تنافس وانفعال، وبالتالي إلى تصاعد والاضطرابات المتتابعة للعلاقة التكاملية - المرضية - هي ذات طابع أكثر لإنكار الآخر في حين أن العلاقات التناظرية هي ذات طابع مرفض.
[2]- ما بعد الاتصال، ما وراء الاتصال، ما فوق الاتصال: بالنسبة إلى فلافيل (J.H.Flavell) يحيل ما وراء الاتصال إلى معرفة الفرد للعوامل التي تتدخل في سلوك، سواء كان كلام أم لا، يشارك بنشاط اتصال معين، وخاصة معرفة العوامل المرتبطة بالأشخاص المتفاعلين في المهمة المراد إنجازها في استراتيجية المتحدث، ويفترض كتاب آخرين أن معناها يستند فقط إلى السيطرة الواعية على الأوجه غير الكلامية للوضع الاتصالي.