Section outline

  • مستويات اللغة العربية وخصائص المنطوق والمكتوب 

    أهداف الدّرس:

    الهدف الخاص: تحديد مستويات اللغة العربية، وبيان خصائصها.

    الهدفان الإجرائيان: 

    يتوقّع منك عزيزي الطالب، بعد فراغك من دراسة المحاضرة أن تكون قادرا على أن:

    - تحدّد مستويات اللغة العربية.

    - تبيّن خصائصها. 

     

    القراءات المساعدة: 

    1- عبد العزيز عبد المجيد. اللغة العربية أصولها النفسية وطرق تدريسها.

    2- علي أحمد مذكور. تدريس فنون اللغة العربية.

    3- Khaoula Taleb Ibrahimi.  Les Algerien(s) et leur(s) langue(s) .élèments pour une approche sociolinguistique de la société algérienne

    4- عبد الرحمن الحاج صالح. بحوث ودراسات في اللسانيات العربية.

     

                                                      الدرس                                                   

    ماهية اللغة:

         اللغة عند علماء النفس " الوسيلة التي يمكن بواسطتها تحليل أي صورة أو فكرة ذهنية إلى أجزائها أو خصائصها، والتي بها يمكن تركيب هذه الصورة مرة أخرى في أذهاننا أو أذهان غيرنا بواسطة تأليف كلمات ووضعها في ترتيب خاص... ومعنى هذا أن عملية التصور للمضامين والمدلولات ضرورية قبل أن تصدر الكلمات والتراكيب من المتكلم أو الكاتب، كما أن معرفة اللغة المنطوقة أو المكتوبة لكل من السامع والقارئ ضرورية أيضا كي تتم عملية التصور للمضامين لديهما أيضا. وعلى هذا فاللغة لا تستعمل للتعبير فقط، لكنها تستعمل أيضا لإثارة أفكار السامع والقارئ ومشاعرهما، وقد تدفعهما للحركة والعمل"([1]).

         وحتى يتحقق مثل هذا التحليل للوصول إلى الدلالة، ويتحقق فعل التفاعل مع المدلول، كان لزاما على اللغة أن يخضع نتاج متكلمها لما يخضع له نظامها، فيمر بالضرورة في عملية التحليل على المستويات المختلفة التي ينبني عليها. فاللغة نظام؛ وكل نظام يتشكّل من عناصر يخدم بعضها بعضا، عن طريق ما يتوافر من علاقات أوجدها المتكلّم بينها. وهي علاقات تحتكم إلى قواعد وقوانين تؤطّرها. وهذا النظام سيتجسّد لدى المتكلّم قدرة ذهنية مكتسبة، يمثلها نسق يتكوّن من رموز اعتباطية منطوقة، يتواصل بها مع أفراد مجتمعه. ومن هذا سيتقرر لدى الباحثين مجموعة من الحقائق التي تنطوي عليها طبيعة اللغة، وهي:

    1- إن اللغة قدرة ذهنية، تتكوّن من مجموع المعارف اللغوية، بما فيها المعاني والمفردات والأصوات والقواعد التي تنتظمها جميعا. تتولد، وتنمو في ذهن المتكلم، فتمكّنه من إنتاج عبارات لغته نطقا أو كتابة. كما تمكنه من فهم مضامين ما ينتجه أفراد مجموعته من هذه العبارات.

    2- هذه القدرة تكتسب، ولا يولد الإنسان مزوّدا بها، وإنما يولد ولديه الاستعداد الفطريّ لاكتسابها، ويدفعه لهذا الاكتساب شعوره بالانتماء إلى مجموعته البشرية.

    3- هذه القدرة المكتسبة، تتمثّل، في طبيعتها، في نسق متفق عليه بين أفراد جماعته اللغوية. وتدخل في تكوين هذا النسق، في العادة، وحدات أو أنساق أخرى متفرعة، يرتبط بعضها بالبعض الآخر. وهذه الوحدات أو الأنساق المتفرعة هي:

    أ- النسق الصوتي ب- النسق الصرفي جـ - النسق الإعرابي أو النحوي د- النسق الدلالي  هـ - النسق البلاغي..

    4- اللغة ليست غاية في ذاتها، وإنما هي أداة، يتواصل بها أفراد مجتمع معين لتستقيم علاقاتهم، وتسير أمور حياتهم.

    خصائص اللغة العربية([2]): ‏

        واللغة العربية لغة سامية؛ وهي إحدى أكثر اللغات انتشارا في العالم، وتتميز بمجموعة من الخصائص ‏أهمها: ‏

    - لغة غنية بأصواتها: حيث يرى الباحثون أنّ اللغة العربية تملك أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات، إذ تتوزع مخارج الحروف بين الشفتين وأقصى الحلق. وعلى الرغم من تقلباتها الصرفية، تبقى هذه المخارج محافظة على صفاتها المحسنة، مثل: الهمس ‏والجهر، والشدة والرخاوة واللين، والاستعلاء والاستفال، والتفخيم والترقيق، والقلقلة والغنة، والإطباق ‏والانفتاح، والاستطالة والتفشي، وغيرها. ‏

    وتظل اللغة العربية: «أوفر عددا في أصوات المخارج التي لا تلتبس، ولا تتكرر بمجرد الضغط ‏عليها، فليس هناك مخرج صوتي واحد ناقص في الحروف العربية، وإنما تعتمد هذه اللغة على تقسيم الحروف ‏على حسب موقعها من أجهزة النطق».‏

    - لغة اشتقاق: لا يخفى على أي باحث في اللغة العربية أنها لغة غنية بأسر المفردات، حيث إن كل أسرة تنطلق ‏مما يعرف بالأصل أو الجذر، وبإمكان كل جذر أن تتولد منه عشرات الجذوع (تقسيم الجذور إلى جذوع هي ‏فكرة الباحث المعجمي التونسي إبراهيم بن مراد)، وبذلك تكون اللغة العربية من أغنى اللغات من حيث عدد ‏ألفاظها أو مخزونها اللغوي. ‏

    - لغة صيغ: نقصد بذلك أن الاشتقاق مصدر مهم من مصادر توليد الصيغ في اللغة العربية وإثرائها، ذلك أن ‏كل جذر أو أصل – كما ذكرنا - يمكننا من بناء مجموعة من الصيغ؛ يتحكم في قالبها ووضع سننها ما يعرف ‏في اللغة العربية بالميزان الصرفي. ‏

    - لغة تصريف: نقصد بالتصريف إخضاع الكلمات العربية إلى أنواع شتى من التغيرات التي تحدث بفعل الزيادة ‏أو الحذف أو القلب أو الإعلال أو غير ذلك. ‏

    - لغة تركيب: تتنوع مفردات اللغة العربية من حيث حضورها أو شكلها بين ثلاثة أنواع هي: المفرد البسيط، والمركب، والمعقد، حيث يمثل المفرد أكثر أصناف مفردات اللغة العربية حضورا في مقابل المركب والمعقد، وإذا ‏شئنا التعريف بالمركب نقول: «إنه تلك الوحدة اللغوية المركبة من كلمتين للدلالة على معنى واحد»‏؛ وأمثلته ‏في اللغة العربية كثيرة منها: المركب الوصفي، المركب المزجي، المركب الإضافي، والمركب العددي. أما المعقد ( ‏النوع الثالث من الوحدات اللغوية) فنقصد به:« الجمع بين أكثر من كلمتين للدلالة على معنى واحد »؛‏ ‏ومن أمثلته في اللغة العربية: أسماء الأعلام والعبارات التحليلية والعبارات الاصطلاحية والأمثال وغيرها.‏

    - لغة متنوعة الأساليب: تتميز اللغة العربية بوجود أنماط مختلفة من الجمل، سواء من الناحية التركيبية أم من ‏الناحية البلاغية، حيث يمكن تقسيمها إلى جمل اسمية وأخرى فعلية، أو إلى جمل خبرية وأخرى إنشائية، ويبدو ‏أن ذلك سبب اشتهار العربية بسعتها، وكثرة أدواتها التي تميز أنواع الجمل من حيث بلاغتها، وهو سر من ‏أسرار جمال أساليبها، وبلاغة عباراتها وجزالة ألفاظها. ‏

    - لغة تعبير عن المقاصد: هو أمر يجعلنا نتحدث عن قضية حرية الرتبة، لأنها الأساس في غنى العربية بالتعابير ‏المختلفة والمتنوعة، فالتقديم والتأخير في الجملتين الاسمية والفعلية يزيد من قيمة اللفظ وقوة معناه. ‏

    - لغة تتميز بظاهرة النقل: أي إنها لغة ترجمة؛ تقبل أن ينقل منها أو إليها طواعية، ويكون ذلك من خلال ‏عملية الترجمة إما بالمعنى، وإما بالنقل الحرفي (الدخيل) أو بالنقل بواسطة إخضاع المنقول إليها من خلال ‏إخضاعه لقواعدها (المعرّب). ‏

    - لغة غنية بوسائل التعبير عن الأزمنة النحوية: إن اللغة العربية لا تكتفي بإضافة حروف أو حذف أخرى من ‏الأفعال للدلالة على الأحداث في أزمنتها المختلفة، بل إنها توظف جملة من الأدوات التي تخول لها ذلك، ‏نذكر منها: النواسخ التي تحرك الأحداث نحو أزمنتها المقصودة.  

    مستويات اللغة العربية:

         المقصود بالمستوى اللغوي؛ الحد الذي تتميّز فيه اللغة بجانبها الوظيفي، وتظهر فيه مختلف أداءاتها لدى الأفراد الناطقين بها، مرتبطة بجملة من المعطيات؛ كالمقام، وطبيعة المتكلم، واللغة المستعملة، حيث يظهر الاختلاف في هذا الاستعمال، والذي يكون فيه التركيب والصوت، والصرف، معالم تبرزه([3]). وعلى هذا نجد للعربية مستويات، هي:

         العربية الفصيحة؛ وتتجلى في اللغة المكتوبة إلى مستوى أدنى، حيث العربية الأقل فصاحة، ثم الأدنى حيث العربية الدارجة أو (الدارجات) على الأصح، وهي لغة الحديث والتواصل أو لغة المشافهة. والحقيقة أن هذا التفريع له ما يؤصله عند الباحثين، حيث يرى (و. مارساي/ w.Marcais) أن اللغة العربية تتسم بظاهرة الازدواجية (la diglossie)، فهي بين لغة أدبية مكتوبة، ولهجات تمثل لغة التخاطب بين عامة الناس ومثقفيهم([4]). وهذا الذي يذهب إليه أيضا (فيرغيسون/ Ferguson.C ) حين يعتبر هذه الظاهرة  " وضعية لغوية ثابتة نسبيا "([5])، تتكون من نمطين أحدهما عالي التصنيف تمثله اللغة الأدبية، والآخر أدنى تمثله اللهجات. لكن يجب التفطن إلى أن هذه الظاهرة لا تعني وجود كيانين مستقلين جمعتهما جملة من الخصائص المشتركة، بل هو هيكل واحد، تتدرج فيه مستويات اللغة وفق سلم تواصلي، يتجه من مستوى اللغة الأكثر معيارية إلى مستوى اللغة الأقل معيارية وفق ما تذهب إليه (خولة طالب إبراهيمي) على النحو التالي:

    1.     العربية الكلاسيكية أو المعيارية.

    2.      العربية النمطية أو المعاصرة.

    3.      العربية تحت النمطية، تمثلها لغة المشافهة.

    4.      عربية المتمدرسين المستعملة خارج المدرسة أو الجامعة.

    5.      اللهجات(الدارجات) المستعملة في الحي أو المدينة أو في بعض المناطق([6]).

       وهذا الذي يكرسه الواقع، حين يعمد المتكلم إلى استعمال المستوى اللغوي المناسب للمقام المناسب. ويذهب الأستاذ (عبد الرحمن الحاج صالح) إلى أنّ العربية كغيرها من اللغات تتعدد فيها المستويات، يقول: " كل لغة في الدنيا يكون لها كتابة فهي على مستويين: لغة التخاطب اليومي، وفيها بالضرورة اقتصاد في الأداء (اختزال، واختلاس، وحذف، وإدغام، وغير ذلك)، ولغة ثقافة تعلّم في المدارس، وتؤلّف بها الكتب، ويتخاطب بها في المقامات التي فيها احترام؛ كالخطب، والمحاضرات، ووسائل الإعلام غالباً. وقد تكون إحداهما قريبةً من الأخرى؛ مثل الفرنسية المستعملة في الشارع وفي البيوت، وسبب ذلك هو وجود نسبة مئوية قليلة جداً من الأميين في الشعب الفرنسي، أو من ضعيفي الثقافة "[7]. فالباحث يقرّر أنّ اللغة العربية كغيرها من لغات المجتمعات البشرية، هي على مستويين؛ مستوى لغة التخاطب اليومي (اللهجات)، ومستوى لغة الثقافة (لغة الكتابة، أي؛ لغة التعلم والمتعلمين)، وبينهما مسافة استعمال – قد تزيد أو تنقص – بسبب مجموعة من العوامل. 

         وقد رأى بعض الباحثين، أنّ مستويات اللغة تتباين تبعاً لتباين مستويات وأحوال الإنسان المتكلم، حيث يفرض الاستعمال الوظيفيّ لها تشكلا ظلّ معروفا عند العرب منذ القديم. لهذا صنف مستوياتها وفق الآتي:

    1- اللغة الفصحى: هي التي تحتل أعلى مراتب التعبير العربي، حيث تنطوي فيها الشروط والصفات المثالية للفصاحة والبلاغة على صعيد المسبوكات التركيبية، أو المفردات الكلمية، أو التوافقات السياقية أو الحمولات المعنوية. ولعلّه يقابل عند بعضهم مستوى الفصحى التراثية، هذا النموذج المعياريّ المثاليّ، الذي قلما يستخدم في الحياة اليومية في الوقت الحاضر.

         إن من أمثلة هذه اللغة ما هو مجموع بين جلدتي المصحف الشريف، وفي أشعار الجاهليين، ومنثوراتهم، فضلا عن مكتوبات فصحاء كتّاب العربية، كابن المقفع، والجاحظ، وأبي حيان التوحيدي، والرافعي، حيث السلامة البالغة، النائية عن اللحن والتحريف.

    2- اللغة الفصيحة: وهي التي يمثلها المستوى الذي تتحقق فيه شروط سلامة اللغة، في حدودها الدنيا من غير ملامسة حدود اللحن اللغوي، والتحريف الدلالي. وهذا المستوى يقابل عند البعض أيضا الفصيحة المعاصرة، وهو مستوى يلقى الدعم من المجامع اللغوية التي تعمل على تزويد اللغة فيه بالمصطلحات والألفاظ الحديثة.   

         ويـمثُل هذا المستوى من اللغة أكثر مكتوبات التراث العربي القديم، وكثير من الكتابات المعاصرة، ككتابات: زكي مبارك، وعباس العقاد، ومحمود شاكر، وشرف الدين الموسوي، ومحسن الأمين، وغيرهم ممن بدؤوا تعليمهم في نطاق المؤسسات التعليمية الكلاسيكية؛ كجامعة الأزهر، والقرويين، والزيتونة، والحوزات العلمية في النجف، وقم، وغيرها.

    3- اللغة الثالثة: هي المتشكلة في الكلام العربي الذي يمتزج فيه صحيح الكلام مع سقيمه، ويختلط فيه قويم التعابير وتراكيبها مع ما استمْرأ عَوامُّ المثقفين استعماله من كلمات وتعابير وتراكيب عائلة عن سنن العربية، وحائدة عن أصولها، ومائلة عن تقاليدها، وخارقة لقواعدها سواءً الأصيلة أو المتولدة من تطويرات صائبة.

         هذا المستوى نراه طاغياً على الساحة الإعلامية بكل صورها، من صحافة، وتلفاز،  وإذاعة مسموعة، فضلا عن الكتب البحثية الفكرية، والأعمال الإبداعية؛ كالرواية والقصة.

    4 - اللغة العامية (الدارجة- المحكية): هي التي تمازج فيها الخطأ مع الصواب، وتواشج القويم فيها مع السقيم، فانتشأ من ذلك المزيج كيان لغوي هجين، تبناه أكثر الناس؛ لسهولة مأتاه، وتيسر تعاطيه، وتحرر قوانينه، وميوعة معاييره. 

         لقد بسطت العامية نفوذها منذ زمن تليد بعيد، حيث كان مبتدأ ذلك ماثلا في شيوع اللحن والتحريف، وسط التداول اللغوي بين العوام؛ بتأثير مباشر من طرف الأعاجم الذين دخلوا الإسلام، واستوطنوا بلاد العرب، واستوطن العرب بلادهم في ظل تمازج سكاني، جغرافي منذ أواسط القرن الأول الهجري.

         لقد اغتنى هذا المستوى اللغوي بخصائص صوتية، وقاعدية، وتركيبة غزيرة، حائدة عن سنن العربية الأصيلة؛ فأسهم في ذلك اضمحلال الوعي الثقافي لدى عوام الناس، وغفلتهم عن أهمية استعمال لغة سليمة بريئة من التحريفات والتشويهات.

    وعموما فإنّ العلاقة بين العامية والعربية الأصيلة، لم تخرج عن كونها علاقة أصل بفروع، تلكم الفروع التي لا تنفك عن أصلها، ولو لم تكن وفـيّةً له، فهي على الأقل لا تزال دائرة في سوائه، وقابعة في ظله .

         إذاً لا يصح نعت العامية بأنها لا قاعدية مطلقا، أو بأنها لقيطة بلا أصول. إنما هي لهجات غير فصيحة، فاقدة للتهذيب القاعدي، والدقة التأصيلية؛ لتمردها عن الأصول والتقاليد الأصلية للغة العربية الأم التي كانت موزعة إلى لهجات فصيحة تتداولها قبائل الأعراب الأولين .

         لقد عمل بعض الباحثين على تقوية علاقة الفصحى باللهجات العامية، وتوكيد شدة الصلة بينهما؛ في سبيل النظر إلى العامية بوصفها مكوناً من مكونات الفصحى، أي أنها امتداد تاريخي للهجات القبائل العربية القديمة الفصيحة. كان من أهم من وكَّد هذا في دراساته كل من : حفني ناصف قبل أكثر من مئة عام، وإبراهيم أنيس سنة 1946م، وهادي العلوي سنة 1983م.

         وتكاد تنحصر مخالفات العامية للفصحى في عدد من التباينات الصوتية، والبنائية، والدلالية([8]) .

    فروقات المنطوق والمكتوب:

         الفروقات بين اللغة منطوقة واللغة مكتوبة كثيرة، متنوعة، لعل من أبرزها ما يلي:

     

    1 - اللغة في الأساس أصوات قبل ان تكون رموزا مخطوطة. ومقولة ابن جني   ان اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، مقولة مدركة لجوهر اللغة المزدوج؛ أي الصوتي والتواصلي في آن، مع العلم أن ثمة لغات كثيرة لا زالت مستعملة اليوم، ليس لها معادل مكتوب، ومع هذا فإنها تفي بأغراض الناطقين بها، وتقوم بوظيفتها الإنسانية التواصلية.  

     

    2 - ان الكتابة محكومة بعنصر المكان أو بحامل يحتل حيزا مكانيا مرئيا، وبطيئا. واليد الكاتبة لا تملك سرعة الفم الناطق. أما الكلام فإنه محكوم بالزمن كما أنه محكوم بالهواء كحامل طبيعي له. ثم إن للصوت مسارا واحدا. أما الكتابة وبحكم أنها اعتباطية تختار المسار الذي تريده. من اليمين إلى اليسار كما في حالة العربية والفارسية، أو من اليسار إلى اليمين كما في حالة الفرنسية وغيرها، أو من الأعلى إلى الأسفل كما في اليابانية مثلا. دون أن يؤدي هذا الاختلاف إلى عدم مقروئية المكتوب.

     

    3 - الحضور والغياب من علامات الخلاف أيضا بين المكتوب والمنطوق؛ فالمنطوق يتطلب بل يشترط حضورا (من هنا المحاضرة المتسمة بالحضور وبالصوت معا) متزامنا للطرفين المتكلم والمستمع، بخلاف المكتوب الذي لا يتم في أغلب الأحيان إلا في ظل غياب طرف من الطرفين.(أقول أغلب الأحيان لأنّ الدردشة على الانترنت قضمت قليلا من هذا الشرط) مع ما يعنيه ذلك من احتمالات كثيرة منها: عدم وصول المكتوب، أو عدم الرد عليه في حال وصوله وعدم معرفتي برد فعل المتلقي عليه، مما يجعلني عاجزا عن استغلال مفهوم التغذية الراجعة لتغيير مسار رد فعل المتلقي. من هنا ثمة التباس في هوية المكتوب، فهو من ناحية يخرج من محدودية الزمن المحكوم بها الصوت، ولكنه يسقط مجددا في فخ الزمن، بحكم الانتظار لتحقيق الغاية التواصلية. من هنا شبه (Fernand Carton / وهو عالم بالصوتيات) الكتابة بالمونولوغ والكلام بالديالوغ.

    4- لا يوجد شعب لديه مشكلة مع أصوات لغته، ولكن بالمقابل يكاد لا يوجد شعب ليست لديه مشكلة مع كتابة أصوات لغته.

    خصائص اللغة المنطوقة:

    1- اللغة المنطوقة أسبق من اللغة المكتوبة.

    2- الكلام المنطوق أكثر تواجدا وحضورا من الكلام المكتوب.

    3- الكلام المنطوق قابل للتغير بخلاف المكتوب الذي يتصف بالثبات.

    4- المنطوق معرّض للضياع والنسيان، بخلاف المكتوب.

    5- اللغة المنطوقة تمتاز بإظهار صفات صوتية كالنبر والتنغيم والقلقلة.. بخلاف المكتوب الذي يفتقد هذه الصفات.

    خصائص اللغة المكتوبة:

    1- الكتابة أدوم في الزمان وأطول بقاء من المنطوق.

    2- الكتابة أحفظ للموروث، فتتناقله الأجيال.

    3- الكتابة مقيدة للمنطوق، وتحد من التغيير فيه.

    4- نظام اللغة المكتوب أرقى من نظام اللغة المنطوق.

    :الهوامش 

    [1] عبد العزيز عبد المجيد. اللغة العربية أصولها النفسية وطرق تدريسها. ج1. ط4. دار المعارف. دون تاريخ. القاهرة. ص: 15. 

    [2]  ينظر، علي أحمد مذكور، تدريس فنون اللغة العربية. دار الشواف للنشر والتوزيع. القاهرة. 1991. ص: 37 وما بعدها.

    [3] رحمون حكيم. مستويات استعمال اللغة العربية بين الواقع والبديل. مذكرة لنيل شهادة الماجستير. غير مطبوعة. قسم الأدب العربي. كلية الآداب واللغات. جامعة مولود معمري. الجزائر. 2011. ص: 67.

    [4] W. Marcais. la langue arabe dans l’Afrique du nord . in Revue pédagogique . n°= 1. Alger. 1931. P: 401.

    [5] Fergusson Charles. Diglossia. in Word n°=2 . Tome15. 1959. p: 336.

    [6] Khaoula Taleb Ibrahimi.  Les Algerien(s) et leur(s) langue(s) .élèments pour une  ينظر،           

     approche sociolinguistique de la société algérienne. 2² èdition. Les Editions El Hikma . Alger 1997.p : 70.

     [7]  عبد الرحمن الحاج صالح. بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج1. موفم للنشر. الجزائر. 2007. ص: 64.

    [8]  ينظر، أحمد حسن. اللغة العربية وتعدد المستويات. https://arbtech.ahlamontada.com/t559-topic