الاستطان الفنيقي في غرب البحر المتوسط
في هذا الشأن، يقول جون رايت Raitt" قبل ثلاثة آلاف سنة كان ساحل الشمال الأفريقي بالنسبة للفينيقيين مرشدا صالحا ومفيدا، وكان أيضا ملجأ لهم في رحلاتهم الطويلة إلى الأماكن المجهولة، ورغم أن الفينيقيين كانوا بحارة عظاما، إلا أنهم لم يكونوا يرغبون في الإبحار بعيدا عن اليابسة المؤنسة، في الليل الموحش أو في الشتاء العاصف، مما جعل البحارة منهم الذين شرعوا في البداية يتجهون من موانىء المشرق صوب الغرب عبر المتوسط، قصد التجارة في المعادن بشبه جزيرة إيبيريا...أخذوا يتلمسون طريقهم بحذر في بداية الأمر و فيما بعد نحو سواحل شمال أفريقيا، ومع مرور الزمن سرعان ما وجد هؤلاء القوم بعض المرافىء الطبيعية الآمنة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط..
وفي نفس الموضوع، يذكر الباحث محمد حسين فنطر أن الفينيقيين كانوا قد بدأوا التردد على غربي البحر المتوسط منذ أواخر الألف الأولى قبل الميلاد، أين أقاموا جسرا عملاقا بين الحوضين مستفيدين في ذلك من ظروف عسكرية وتقنية، منها أفول نجم الأسطول الإيجي، مما جعل أبواب البحر مفتوحة أمامهم وقد كان ذلك في حدود 1200 قبل الميلاد أي غداة غزو شعوب البحر.
كان الفينيقيون قد أسسوا المئات من مراكز الاستيطان المؤقتة والدائمة، إذ كانت رحلاتهم التجارية نحو غرب المتوسط وبخاصة نحو قادس الإسبانية وليكسوس على المحيط الأطلسي دافعا قويا لتمتين العلاقات مع المغاربة القدامى، هذه الأخيرة التي تطورت لتجسد الحضور الفينيقي في كافة أرجاء المغرب القديم.
مر التوسع الفينيقي في الحوض الغربي للمتوسط بمرحلتين الأولى هي مرحلة الارتياد الباكرة و الثانية هي مرحلة الاستيطان.
بالنسبة لمرحلة الارتياد الباكرة:
تميزت تلك المرحلة برحلات استكشافية تجارية بحتة للبحث عن معادن الفضة و النحاس للعودة بها مصنعة لبيعها من جديد أما فترتها فهي القرن الثالث عشر ق.م. أما تاريخها فقد كان أثناء ازدهار المدن الفينيقية في القرن الثالث عشر أما نتائجها فكانت تأسيس محطات تجارية في شبه جزيرة أيبيريا و نذكر محطة قادس سنة 1110 ق.م و بلاد المغرب القديم و نذكر محطات ليكسوس سنة 1110 ق.م و أوتيكا سنة 1101 ق.م.
أما مرحلة الاستيطان يتم تقسمها إلى:
2. الاستيطان الفينيقي – البوني في نوميديا
2.1. إيكوسيم (ICOSIUM / ALGER
عرفت الجزائر العاصمة ب ايكوسيونIkosion ، وايكوسيم Icosium حيث أشارت العديد من المصادر القديمة إليها فضلا عن رحلة سيلاكس ، فقد عرفت في العهد الروماني تحت اسم اكوزيوم، وفي العهد الإسلامي الجزائر.
ويرى البعض أن تلك التسمية كانت على أساس أن هرقل قد مر بالمنطقة التي أسست بها المدينة وترك مجموعة من أصحابه التجار البالغ عددهم عشرين فردا، وهم الذين أسسوا(ايكوسيم)، وحتى لايستأثر أحدهم بتسميتها دون الآخرين، أطلقوا عليها اسم رقم عددهم الذي هو عشرون ويعني في اللغة اللاتينية ايكوسي(Eikosi) وهذا ما يعني أن تأسيس المدينة كان قد تم على يد قادمين جدد تقودهم شخصية أسطورية " هرقل" الذي يمكن أن يعني الإله "بعل ملقارت" الصوري، في حين أن بعض التنقيبات التي جرت أعطتنا فخارا يعود إلى القرن الثالث والثاني قبل الميلاد ونقيشة نيو بونية.
والشواهد الأثرية الدالة على الحضور البوني بالمدينة عديدة، ومن أهم ما عثر عليه نذكر مايلي:
- نصب تذكاري بوني بأرضية نهج القصر القديم وهو عبارة عن واجهة معبد بوني محفور في الصخر يعلوه شكل مثلث ومدخل يمثل كوة توجد بها صورة تمثال ربما كان للإله بعل حامون.
عثر سنة 1848 م بحديقة سيدي عبد الرحمان الثعالبي على قبر بوني وجدت به فخاريات وتميمة مصرية وبعض الهدايا الجنائزية المصنوعة من الزجاج