الاستطان الفنيقي في غرب البحر المتوسط
Site: | Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2 |
Cours: | تاريخ حضارة بلاد المغرب القديم |
Livre: | الاستطان الفنيقي في غرب البحر المتوسط |
Imprimé par: | Visiteur anonyme |
Date: | Saturday 23 November 2024, 15:26 |
Description
في هذا الشأن، يقول جون رايت Raitt" قبل ثلاثة آلاف سنة كان ساحل الشمال الأفريقي بالنسبة للفينيقيين مرشدا صالحا ومفيدا، وكان أيضا ملجأ لهم في رحلاتهم الطويلة إلى الأماكن المجهولة، ورغم أن الفينيقيين كانوا بحارة عظاما، إلا أنهم لم يكونوا يرغبون في الإبحار بعيدا عن اليابسة المؤنسة، في الليل الموحش أو في الشتاء العاصف، مما جعل البحارة منهم الذين شرعوا في البداية يتجهون من موانىء المشرق صوب الغرب عبر المتوسط، قصد التجارة في المعادن بشبه جزيرة إيبيريا...أخذوا يتلمسون طريقهم بحذر في بداية الأمر و فيما بعد نحو سواحل شمال أفريقيا، ومع مرور الزمن سرعان ما وجد هؤلاء القوم بعض المرافىء الطبيعية الآمنة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط..
وفي نفس الموضوع، يذكر الباحث محمد حسين فنطر أن الفينيقيين كانوا قد بدأوا التردد على غربي البحر المتوسط منذ أواخر الألف الأولى قبل الميلاد، أين أقاموا جسرا عملاقا بين الحوضين مستفيدين في ذلك من ظروف عسكرية وتقنية، منها أفول نجم الأسطول الإيجي، مما جعل أبواب البحر مفتوحة أمامهم وقد كان ذلك في حدود 1200 قبل الميلاد أي غداة غزو شعوب البحر.
كان الفينيقيون قد أسسوا المئات من مراكز الاستيطان المؤقتة والدائمة، إذ كانت رحلاتهم التجارية نحو غرب المتوسط وبخاصة نحو قادس الإسبانية وليكسوس على المحيط الأطلسي دافعا قويا لتمتين العلاقات مع المغاربة القدامى، هذه الأخيرة التي تطورت لتجسد الحضور الفينيقي في كافة أرجاء المغرب القديم.
مر التوسع الفينيقي في الحوض الغربي للمتوسط بمرحلتين الأولى هي مرحلة الارتياد الباكرة و الثانية هي مرحلة الاستيطان.
بالنسبة لمرحلة الارتياد الباكرة:
تميزت تلك المرحلة برحلات استكشافية تجارية بحتة للبحث عن معادن الفضة و النحاس للعودة بها مصنعة لبيعها من جديد أما فترتها فهي القرن الثالث عشر ق.م. أما تاريخها فقد كان أثناء ازدهار المدن الفينيقية في القرن الثالث عشر أما نتائجها فكانت تأسيس محطات تجارية في شبه جزيرة أيبيريا و نذكر محطة قادس سنة 1110 ق.م و بلاد المغرب القديم و نذكر محطات ليكسوس سنة 1110 ق.م و أوتيكا سنة 1101 ق.م.
أما مرحلة الاستيطان يتم تقسمها إلى:
1. لاستيطان الفينيقي - البوني في المغرب الأقصى
انطلق الفينيقيون في توسعاتهم نحو المحيط الأطلسي متجاوزين أعمدة هرقل، كتجار وكمكتشفين لمناطق النفوذ، لذا عرفت تلك المنطقة ظهور مستوطنات باكرة فكانت ليكسوس، من أهمها والتي أسست خارج حوض البحر المتوسط، حيث أشار إلى (Strabon) بقوله: إن الفينيقيين الذين أجتازوا أعمدة هرقل، كانوا قد أسسوا مستوطنات على شواطىء البحر الخارجي بعد وقت قصير من حرب طروادة، كما يذكر بلين القديم أن مستوطنة ليكسوس أقدم من أوتيكا.
لقد استمر الحضور الفينيقي بمدينة ليكسوس، سواء قبل تأسيس قرطاج أوبعدها، حيث أخذت هذه الأخيرة زمام الريادة في حوض البحر المتوسط، وفي هذا يذكر الباحث عزت زكى حامد قادوس قائلا: " منذ القرن الخامس قبل الميلاد سيطرت قرطاجة على المنطقة المغربية من الساحل الأفريقي وانطبعت هذه المنطقة بالطابع القرطاجى، سواء في الناحية الاجتماعية أو الدينية، حيث استمرت هناك عادة حرق الأولاد الصغار في محرقة الوفاة وتقديمهم كقرابين للآلهة وخاصة بعل حمون الإله الرئيسي والإلهة تانيت".
ويذكر الباحث محمد رضوان العزيفي: أن علاقة منطقة المغرب الأقصى مع الفينيقيين كانت قد انطلقت باكرا مع الإبحارات الفينيقية الأولى نحو أقصى الغرب المتوسطي، أما تأسيس مدينة ليكسوس فكان إبان القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
في حين يطرح البعض قضية الاختلاف بين التواريخ التي تقدمها المصادر الأدبية، وتلك التي تفرزها المصادر الأثرية، حيث لاتتجاوز المكتشفات الأثرية القرن السابع قبل الميلاد في ليكسوس، وفي طنجة.
نستطيع تفسير هذا بتعرض المغرب القديم للعديد من حملات التهديم خلال مراحل عديدة من تاريخه. فضلا عن قلة الأبحاث الأثرية في مجال الحضارة الفينيقية.
ويمكن لنا تلمس معالم الحضور الفينيقي البوني في منطقة المغرب الأقصى من خلال مجموعة من المواقع هي على الشكل الآتي:
1.1. ليكسوس
يأتي تأسيس مدينة ليكسوس لأغراض أستراتيجية أكثر منها اقتصادية، على غرار نظيرتها في شبه جزيرة إيبيريا قادس)، كما تجدر الإشارة إلى أن ليكسوس عرفت بمدينة تشميش Tichemiche أي مدينة الشمس.
ويذكر الباحث محمد حسين فنطر: أن ليكسوس بالمغرب كانت قد أقيمت قبالة جديرة بالقرب من عمودي هيرقليس وهي المنطقة التي تعرف اليوم بجبل طارق، أما اسم المدينة فقد وجد مسطورا بأحرف بونية حديثة على نقود متأخرة في صيغة لكش.
ومنه، فإن ليكسوس هي واحدة من أهم المدن التي تعكس الحضور الفينيقي البوني على الساحل الأطلسي إلى جانب موجادور التي لاتقل أهمية عن ليكسوس .
وتتواجد أطلال موقع ليكسوس على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات شرق العرائش على يسار الطريق الرئيسية المؤدية من الرباط إلى طنجة حيث تتناثر معظم المباني فوق ربوة الشميس وعلى منحدراتها، وهي الربوة التي تشرف حواشيها الجنوبية والغربية على الضفة اليمنى لواد اللكوس
مدينة ليكسوس الاثرية
تقع مدينة ليكسوس الأثرية على بعد ثلاث كيلومترات ونصف شمال شرق مدينة العرائش على الضفة اليمنى لوادي ليكسو تعرف باسم ارسيلا تقع فوق هضبة مطلة على الساحل الأطلسي
1.2. موغاديرMogador
يعتبر موقع موغادير أحد المواقع الهامة التي تعكس الاستيطان الفينيقي بها، فمن خلال الحفريات التي انطلقت منذ سنة1950 .في جزيرة موغادور التي أثبتت أدلة حول الاستيطان الفينيقي بالتوالي، موانىء فينيقية تعود إلى القرن السابع ق.م ،إلى غاية صعود يوبا الثاني للحكم في القرن الأول قبل الميلادي وبعده.
إن أقدم طبقة تم اكتشافها بموغادير ترجع إلى القرن السابع ق.م، فقد اشتهرت هذه المنطقة بصناعة الأرجوان مما أعطاها شهرة كبيرة، وهو ما دفع بلينوس إلى وصفها بأنها إحدى الجزر الأرجوانية، وقد سمي أرجوان المنطقة بأرجوان (getule)لتميزه عن الصوري.
كما قدمت لنا منطقة موغادير العديد من النماذج الفخارية ذات الطابع البوني.
1.3. فوليبيليس Volubilis
تعرف هذه المدينة بإسم وليلى أو قصر فرعون، حيث ورد ذكرها عند الجغرافي بطليموس وكذا بلينوس بأنها مدينة تقع في الداخل في المنطقة الجنوبية للمملكة الموريطانية، كما أنها كانت مدينة ملكية مما جعلها تنال حظوة مميزة في ما يخص تمويلها
1.4. تموسيدة Thamusida
من خلال الحفريات التي تمت بين سنة 1959 و 1962 والتي مكنت من إبراز مستويات ما قبل الوجود الروماني بالمدينة، بفضل القيام بأربعة أسبار في المدينة، تم الكشف عن أقدم مستوى يحتوى إلى جانب الفخار المطلي لبنزا de Banasa على فوهة لقنديل يعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد وبعض الشذرات من الفخار الأتروسكي كمباني يمكن أن نؤرخ هذا المستوى بالفترة الممتدة من القرن الثاني قبل الميلاد إلى بداية القرن الأول قبل الميلاد
1.5. كواس
عرفت مدينة كواس بكونها مركزا هاما لصناعة الفخار، حيث أن غالبية إنتاجها كانت مخصصة للصناعات، فمنها المرتبطة بالبحر ومنها المتعلقة بالزيوت إلى جانب نقل المشتقات الفلاحية، مثل القناديل والأواني ثم التماثيل. وحتى الجرار المصنوعة لفترة أولى متأثرة بنظيرتها الاسبانية والعالم البوني
1.6. طنجة
رتبطت مدينة طنجة بالميثولوجيا القديمة، التي تقول أنها بنيت على يد هرقل الذي لم يكن سوى مالقرت الفينيقي، وهو مايقود إلى اعتباران تلك المدينة فينيقية الأصل.
يعتبر موقع طنجة ذا أهمية كبيرة، فقد ضمن للفينيقيين السيطرة على البحر المتوسط و الاطلسى في نفس الوقت هو غير بعيد عن المغارة، التي تزعم الأسطورة أن هرقل استراح فيها بعد عمله المضنى في بناء الأعمدة، وبالقرب منها توجد واحدة من أقدم المعامل الخاصة بالسمك.
إن الحضور الفينيقي البوني لايمكن حصره في المواقع السالفة الذكر، بل يمتد في تأثيراته إلى مناطق الداخل، خاصة وأن منطقة المغرب تشكل مركزا رئيسيا في إشرافها على بوابتي البحر المتوسط والأطلسي
2. الاستيطان الفينيقي – البوني في نوميديا
تعتبر الجزائر بإطارها الجغرافي وموقعها ضمن لوبيا القديمة التي امتدت من أقصى حدود مصر الفرعونية إلى حدود المحيط الأطلسي، حيث أن الظروف العامة التي عرفها شرق المتوسط والتي سبق وأن تطرقنا، والمتمثلة في غزوة شعوب البحر المدمرة التي اجتاحت بلاد الإغريق وآسيا الصغرى ثم الساحل الفينيقي، والتي كان من نتائجها أن فتحت الطريق أمام البحارة الفينيقيين للمتاجرة مع شعوب البحر المتوسط.
لذا، كانت مرحلة الأرتياد الباكرة لغربي البحر المتوسط وبلاد المغرب القديم مع فترة ازدهار المدن الفينيقية على الساحل اللبناني السوري الحالي منذ حوالي القرن الثاني عشر قبل الميلاد، حيث ساعدت مجموعة من العوامل على ذلك ونذكر منها:
- بعد منطقة الحوض الغربي للبحر المتوسط عن الصراعات التي كانت سائدة في شرقه.
انكباب سكان لوبة على اقتناء البضائع المصنعة التي كانت يأتي بها الفينيقيون ومقايضتها بالمواد الخام التي كانت متوفرة لديهم مثل : تبر الذهب وجلود الحيوانات المفترسة، ثم الملح والأسماك المجففة.
. توفر المعادن الثمينة في شبه جزيرة أيبيريا، وعلى رأسها معادن الفضة والقصدير وكذا الرصاص.
وجود الأخشاب بكثرة في جبال الأطلس وهو ما ساعدهم على إصلاح قواربهم وسفنهم التي كانت وسيلتهم الأساسية.
توفر الخلجان الطبيعية في سواحل غربي المتوسط والتي كانت تساعدهم على الرسو ليلا للاستراحة من عناء التجديف أثناء النهار، أو عندما تضطرهم العواصف القوية لذلك.
هذا الحضور الذي يرى بشأنه الباحث محمد الهادي حارش أنه يمكن أن نتلمسه على مرحلتين أساسيتين هما مرحلة الارتياد والاستكشاف (ماقبل تأسيس قرطاج) ومرحلة الاستيطان والاستغلال ( مابعد تأسيس قرطاج)
وهو نفس الطرح الذي يراه الباحث غانم محمد الصغير والعديد من الباحثين الدارسين لمنطقة المغرب القديم، فلكل مرحلة من المراحل السابقة خصوصياتها ومظاهرها وكذا نتائجها إذا كنا نرى أن المرحلة الأولى عرفت بداية الاتصالات وكسب الثقة بين السكان المحليين والفينيقيين من خلال التجارة، والتي يصفها هيرودوت بالمساومة الخرساء، والتي تقوم أساسا على الثقة المتبادلة بعيدا عن أساليب المكر والغدر، فإن المرحلة الثانية.تتميز بالاستقرار والانصهار الحضاري.
ومثلت الرحلات الأولى مرحلة الاستكشاف ومنها رحلة حنون Hannon الذي دار حول السواحل الإفريقية ومنها سواحل المغرب القديم، ورحلة سيلاكسSylax والذي تنقل بين شواطىء الهند وشبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر ومنه إلى البحر المتوسط حوالي منتصف القرن الرابع ق.م، لذا فقد تضمنت هذه الرحلة قائمة بأسماء العديد من المحطات القديمة مع اتخاذ إيكوسيم الجزائر العاصمة كنقطة انطلاق نحو الغرب والشرق، ومن هنا ظهرت مراكز فنيقية منها
2.1. إيكوسيم (ICOSIUM / ALGER
عرفت الجزائر العاصمة ب ايكوسيونIkosion ، وايكوسيم Icosium حيث أشارت العديد من المصادر القديمة إليها فضلا عن رحلة سيلاكس ، فقد عرفت في العهد الروماني تحت اسم اكوزيوم، وفي العهد الإسلامي الجزائر.
ويرى البعض أن تلك التسمية كانت على أساس أن هرقل قد مر بالمنطقة التي أسست بها المدينة وترك مجموعة من أصحابه التجار البالغ عددهم عشرين فردا، وهم الذين أسسوا(ايكوسيم)، وحتى لايستأثر أحدهم بتسميتها دون الآخرين، أطلقوا عليها اسم رقم عددهم الذي هو عشرون ويعني في اللغة اللاتينية ايكوسي(Eikosi) وهذا ما يعني أن تأسيس المدينة كان قد تم على يد قادمين جدد تقودهم شخصية أسطورية " هرقل" الذي يمكن أن يعني الإله "بعل ملقارت" الصوري، في حين أن بعض التنقيبات التي جرت أعطتنا فخارا يعود إلى القرن الثالث والثاني قبل الميلاد ونقيشة نيو بونية.
والشواهد الأثرية الدالة على الحضور البوني بالمدينة عديدة، ومن أهم ما عثر عليه نذكر مايلي:
- نصب تذكاري بوني بأرضية نهج القصر القديم وهو عبارة عن واجهة معبد بوني محفور في الصخر يعلوه شكل مثلث ومدخل يمثل كوة توجد بها صورة تمثال ربما كان للإله بعل حامون.
عثر سنة 1848 م بحديقة سيدي عبد الرحمان الثعالبي على قبر بوني وجدت به فخاريات وتميمة مصرية وبعض الهدايا الجنائزية المصنوعة من الزجاج
2.2. تيبازة
هي واحدة من المحطات الفينيقية البونية، يعتقد أن اسمها سامي لم يشهد تغييرا حيث نزل بها التجار الفينيقيين لأغراض تجارية نظرا لملائمتها للظروف المساعدة على ذلك، والمتمثلة أساسا في الرمل والميلان المبسط الذي يسمح بجر السفن إلى اليابسة ليلا.
أخذت تيبازة مكانتها وأهميتها منذ نهاية القرن السادس ق.م، هذا وقد قدمت لنا الحفريات التي جرت بالمنطقة العديد من الشواهد الهامة الدالة على الحضور الفينيقي البوني بها
2.3. يول IOL / CHERCHEL
يعتقد بعض المؤرخين والدارسين للمدن الجزائرية القديمة أن اسم إيول "شرشال الحالية"، ربما أخذ من إحدى أسماء الآلهة الفينيقية، حيث ذكرت شرشال ضمن قائمة الأماكن التي ذكرها سيلاكس في رحلته، مع الإشارة إلى أن أيول كانت تتمتع بنظام الميناءين المعمول به لدى العديد من المدن الفينيقية
2.4. كارتينا CARTENNA / TENES
يسود الاعتقاد أن اسم كارتينا ( تنس الحالية) فينيقي ليبي الأصل مكون من جزأين الأول" كرت" ويعني المدينة والثاني ليبي "تينا" وهو الذي اشتق منه فيما بعد اسم المدينة الحالي تنس، كما وردت إشارات لدى استرابون تتحدث عن مناجم النحاس القريبة من كارتينا.
ويرى س. جزيل الذي يقول بأن اسم المدينة ورد في رحلة سيلاكس تحت اسم شلكا chalca
2.5. رشقون RACHGOUN
تقع جزيرة رشقون في عرض الخليج الذي يصب فيه وادي تافنة، ولاتبعد عن اليابسة إلا بمقدار 2كلم، ولاتزيد مساحتها على 15 هكتار، وهي موقع وميناء هام ذكر في رحلة سيلاكس، لقد أجريت العديد من الحفريات برشقون أشهرها تلك التي قام بها فويمو في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، حيث كشفت على مراكز التجمع السكاني الذي يتوسط مرتفع الجزيرة فضلا عن المقبرة البونية ورشقون تعد ميناء هاما شهدت الحضور الفينيقي ثم البوني بها، حيث تشير المؤشرات التاريخية إلى أن الاستقرار بالجزيرة كان في حدود القرن السابع قبل الميلاد
2.6. سيقاSIGA / TAKEMBRIT
تذكر المصادر القديمة سيقا، حيث يتحدث بلين عنها بأنها تقع على الشاطئ الإفريقي المقابل لمدينة ملقا الإسبانية والآثار القديمة لمدينة سيفاقس التي تقع بقرية تكمبريت TAKEMBRIT على الجهة اليسرى لوادي تافنة. ولقد تحدث عنها العديد من المؤرخين مثل البكري وجزيل وتيتيوس ليفيوس، نظرا لما لها من موقع هام ودور رئيسي في ربط العلاقات بين المستوطنات القرطاجية في أسبانيا
2.7. روس غونيةRUSGUNIAE / CAP MATIFOU
روس غونية"برج البحري حاليا"أحد المواقع القريبة من ايكوسيم ويسود الاعتقاد أن التسمية ذات أصول بونية، وقد كشفت الحفريات التي جرت في روس غونيه على بقايا أطلال المدينة الرومانية التي يعتقد بأنها بنيت على أنقاض المدينة البونية، فقد عثر على العشرات من النصب البونية الجديدة، كما أن الشروط الطبيعية والجغرافية تؤكد أهمية الموقع البحرية
2.8. روسيبيكاريRUSUBBICARI / MERS EL-HADJEDJE
عرف موقع روسيبيكاري حاليا بمرسى الحجاج وهو مرفأ بوني، ولم يبق من آثاره المندثرة إلا بقايا المدينة الرومانية والإسلامية، وعلى بعد 17 كلم من مرسى الحجاج نجد رأس جينات CAP DJINET أين عثر على نقيشتين بونيتين وتجمع الدراسات التاريخية التي تناولت دراسة النقيشتين بأن تاريخهما يتجاوز القرن الثاني قبل الميلاد
2.9. روسو كورو RUSUCURRU / DELLYS
يعرف موقع رسوكورو بدلس حاليا، حيث يتميز موقعه بحمايته من الرياح الغربية، كما ورد ذكره لدى المصادر القديمة إذ ترى معظم الدراسات التاريخية أنه لايستبعد أن تكون رسوكورو محطة تجارية بونية أنشأت قبل الاحتلال الروماني، وقد عثر بموقع دلس القديم على عدة شواهد تذكارية تدل على مدى تأثير الحضارة البونية في المنطقة، كما وجد من بين تلك النصب رمز للإلهة تانيت، وتم العثور أيضا على نقود قرطاجية ترجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد
2.10. يجيجلي : (IGILGILI / DJIDJELLI)
تعد ايجيجلي ( جيجل الحالية)أحد المواقع الهامة المتمركزة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث أشير إليها لدى كل من بلين، ورحلة سيلاكس والنقوش اللاتينية، كما أن التنقيبات غرب مدينة جيجل على الطريق الذي يربطها ببجاية وبمقارنة الأدوات الأثرية التي عثر عليها في هذا الموقع الأخير والتي ضمت فخاريات شبيهة بتلك التي عثر عليها في قرطاجة ومعطية بصقلية ثم سردينيا ومالطة، مما يؤرخ للمنطقة بالقرن السادس والخامس قبل الميلاد كبداية للاستيطان بجيجل البونية
3. نماذج للمواقع الفينيقية البونية في المغرب الأدنى
تكاد تجمع أغلب المصادر التاريخية على أن بداية التوسع الفينيقي في الحوض الغربي للبحر المتوسط يتزامن مع غزو شعوب البحر، حيث كانوا يهيمنون على الطرق في حوض البحر المتوسط إلى غاية حدود القرن الثاني عشر قبل الميلاد، مما ساعد الفينيقيين على تنمية وزيادة نشاطهم البحري بعد تقهقره بسبب المنافسة الإغريقية نتيجة غزوة شعوب البحر.
إضافة إلى بحثهم الحثيث لإسكان الفائض السكاني، واستفحال الخطر الأشوري العراقي في عهد آشور ناصر بعل856-883 ق م والضريبة التي فرضها على مدن الساحل الفنيقي، فأصبح الفينيقيون محاصرون من كل الاتجاهات فصار المخرج الوحيد هو البحر
لذلك نراهم يؤسسون المحطات التجارية في حوالي الألف الأولى قبل الميلاد في كل من قبرص ورودس، ثم ثيرا وكوثيرا، ثاسوس، وكريت، كما تدل الشواهد الأثرية على أن هؤلاء القوم كانوا قد قدموا إلى صقلية في نهاية الألف الثانية قبل الميلاد.
يرى الباحث محمد الصغير غانم أن التجار الفينيقيين كانوا قد حلوا ببلاد المغرب منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وأن مستوطنة أوتيكا (Utica) قد أسست في تلك المرحلة وفي نفس الموضوع، يشير يوستن (Justin) هناك سببين لإقامة أوتيكا في شمال إفريقيا أولهما احتشاد السكان في صور، وثانيهما محاولة إخراج الشباب من المدينة والتخلص من مشاكلهم التي قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بمصالح الطبقة الارستقراطية الحاكمة، خاصة وأن صور كانت تعاني من المشاكل الداخلية والمتمثلة أساسا في زيادة عدد السكان والصراع ثم التنافس مع القوى المجاورة على صعيد الملاحة والتجارة في البحر الأبيض المتوسط، كم أن وجود مستهلك يقبل بالسلع الفنيقية ويقدم لهم سلع مهمة كالمعادن والإنتاج الحيواني فهو أمر مهم.
وتعزيزا لما ذكرنا، نورد ما أورده الباحث محمد حسين فنطر:
" لقد أجمع المؤّرخون القدامى على أن مدينة أوتيكا من أقدم المصارف التي أقامها الفينيقيون في بلاد المغرب، فكانت محطة يرتكز عليها الأسطول الفينيقي للتزود بالماء والميرة ولتمكين الّنواتي من الراحة وترميم السفن إن عطبت أثناء رحلة طويلة في بحر متقّلب، ذي نزوات، لا يخلوا من الصخور ويعج بالقراصنة،... ومن المدن التي أسسها الفينيقيون بالقطر، هيبون وهي التي تحمل اسم بنزرت ، حيث أسس الفينيقيون مدينة هدرتيم وهو اسم فينيقي الأصل حوله الرومان إلى هدروميتوم بإضافة اللاحق اللاتيني توم على الجذر السامي، وأصبحت المدينة بعد الفتح الإسلامي تسمى سوسة، ومن المستوطنات الفينيقية لابد من ذكر لمطة التي تقع على الشاطئ جنوب سوسة تفصلها مسافة عنها تقدر بثلاثين كلم، أما عن اسمها القديم فلا نعرف إلا الصيغة اللاتينية، فبعد الغزو الروماني أصبحت تدعى لبتيس وتسميها بعض
النصوص لبتيس الصغرى ولعلها لقبت بالصغرى مقارنة بمدينة أخرى تقع بالجماهيرية الليبية وتسمى لبتيس الكبرى،...على أن قرطاج تبقى أعظم المستوطنات الفينيقية.
يمثل تأسيس قرطاج حدثا مركزيا في مجرى التوسع الفينيقي في غرب المتوسط، إذ تطورت هذه المدينة لتضطلع بدور هام في مستقبل الفينيقيين وكذا مستقبل البربر معا.
وقد تطورت قرطاج إلى مدينة –دولة ثم إلى عاصمة استقطبت مصالح الفينيقيين غرب المتوسط حيث تمكنوا من تأصيل الظاهرة الحضارية البونية " التي تمثل نتاجا مشتركا بين الفينيقيين والبربر، إضافة إلى مختلف شعوب محيطهم الجديد وتفاعلهم معها".
ولئن لم يكن تأسيس قرطاج في أواخر القرن التاسع قبل الميلاد (814ق م) حدثا مستجدا، حيث أن أولى المراكز الفينيقية المشار إليها سابقا ترجع إلى أواخر القرن الثاني عشر ق م، فإن قرطاج – خلافا لسابقاتها – انفردت بأهم الأدوار التاريخية لذلك تبدو في مظهر المركز الذي يختزل التاريخ البوني.
يتضح ذلك من خلال المكانة التي أولتها المصادر التاريخية الإغريقية واللاتينية لتأسيس قرطاج، وهي روايات تتجاوز في صيغتها التاريخية