Aperçu des sections

  • حركة الكشوفات الجغرافية الأوربية

  • الاستيطان ومناطق النفوذ الأوربي في الأمريكيتين

  • الاستيطان الإنجليزي في أمريكا الشمالية ومؤثراته الحضارية

    كانت السفن الإنجليزية صغيرة وتتمتّع بالسرعة؛ مما ساهم في تسهيل حركة الهجرة إلى العالم الجديد.

                                                                 

  • محاضرة حرب الاستقلال الأمريكية 1775-1783

  • الحركات الثورية التحررية في أمريكا اللاتينية

                                                                                                                                                        

  • محاضرة: سياسة العزلة الأمريكية وفق مبدأ مونرو

    تهدف هذه المحاضرة إلى معرفة السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية عقب استقلالها؛ وخاصة بعد استقلال الجمهوريات اللاتينية، حيث اعتمدت مبدأ جديدا في عام 1824م ت،حت مسمى 'سياسة العزلة' وفق مبدأ الرئيس الأمريكي جيمس مونرو

    • 1- من هو مونرو؟: جيمس مونرو James Monroe عضو الكونغرس الأمريكي، ثم وزيرا مفوضا للو.م.أ في كل من فرنسا وبريطانيا، انتخب عام 1816م رئيسا للو.م.أ لأوّل مرة، تسلّم الرئاسة في وقت تألّق فيه نجم الجمهوريين وتقهقر الفيدراليون، الذين اتخذوا عدة مواقف وقرارات لا تستجيب لرغبات وتطلعات الشعب الأمريكي. يوصف عهده بعهد 'الشعور الطيب'.

      2- ظهور مبدأ مونرو: ظهر هذا المبدأ خلال فترة رئاسته الثانية للو.م.أ التي بدأت عام 1820م، وقد من خلال الرسالة التي أرسلها "مونرو" إلى الكونغرس الأمريكي في 2 ديسمبر 1823م، وبُني هذا المبدأ على أساسين اثنين:

      - منع امتداد واستمرار الاستعمار الأوربي، وإنشاء مستعمرات أوربية جديدة في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

      - منع أوربا من التدخل في استقلال شعوب القارة الأمريكية أو تهديدها، مقابل التزام الو.م.أ بعدم التورط في القضايا الأوربية الخاصة بأوربا.

              جاء "مبدأ مونرو" جوابا على خطط روسيا التوسعية ( طالبت بمدّ حدودها إلى جنوبي ألاسكا حتى خط عرض 51°، وهذا معناه وصول النفوذ الروسي إلى منطقة "أوريغون"، وهو الأمر الذي عارضته كل من الو.م.أ وبريطانيا لكونه يتناقض مع مصالحهما...)، وقامتا باحتلال أوريغون عام 1818م. أما هدفه الحقيقي فهو تحويل الأمريكيتين إلى منطقة نفوذ للو م أ تحت غطاء: 'أمريكا للأمريكيين'.

          يُعدّ هذا المبدأ كذلك بمثابة إعلانا أمريكيا صريحا بعدم التدخل في شؤون العالم القديم، وهو ما أوصى به الرئيس الأول "جورج واشنطن" في خطابه الأخير، إذ حثّ الأمريكيين على ضرورة أن تظل الو.م.أ بعيدة عن الصراع الأوربي حتى تتجنب الدخول في حروب مدمّرة لكيانها وحضارتها. هناك جانب آخر مهم ساعد على تبني "مبدأ مونرو" ويتمثّل في الثورات التي حدثت في أمريكا اللاتينية ضد الاستعمار الاسباني بصفة خاصة، والهادفة إلى الاستقلال عن اسبانيا، وقد تمكنت هذه البلدان بعد ثورات عارمة من الحصول على حريتها عام 1822م، ولم يبق بعد هذا التاريخ للاستعمار الاسباني في العالم الجيد إلا مركزا ضعيفا تمثّل في "بورتوريكو" و"كوبا". وكانت دول الحلف الرباعي في أوربا أو "الحلف المقدّس" وهي: روسيا القيصرية، بروسيا، النمسا وفرنسا البربونية، قد ناصرت ودعّمت اسبانيا ضد هذه الشعوب الطامحة للتحرر، وقررت التدخل بإرسال الجيوش إلى هناك لقمع الثورات الشعبية، فعارض الأمريكيون ذلك وكان "مبدأ مونرو" ردا صريحا ومباشرا على هذا التدخل.

      والواقع أنّ العزلة التي مرّت بها الو.م.أ لم تكن عزلة سياسية أو انقطاع تام عن العالم الأوربي وإنما هي عزلة عن اختيار، وفق القرار السياسي المناسب لمصالحها، فالمبدأ هو عبارة عن تفرّغ الو.م.أ للنظر في قضاياها الداخلية أولا ثم التوجّه إلى قضايا الدول الأمريكية، وقد ساعدها ذلك على التوسع باتجاه الغرب والتوغّل السياسي والاقتصادي في القارة الأمريكية. وقد تجسّد ذلك في السياسة الأمريكية من خلال تدخّلها في "قضية تكساس" عندما انفصلت عن المكسيك، و في "المسألة الكوبية" حينما ثارت كوبا ضد اسبانيا عام 1895م، فقد أعلنت الو.م.أ الحرب على اسبانيا عام 1898م، ودامت هذه الحرب حوالي الشهرين والنصف، وكانت نتيجتها الأولى طرد الإسبان من جميع الأراضي الأمريكية في مناطق المحيط الهادي، بعدها قامت الو.م.أ بضم بورتوريكو وجزر هاواي، كما أقامت قاعدة عسكرية في كوبا، وهكذا حلّ نفوذها محل النفوذ الاسباني الذي استعمر البلاد منذ الكشوفات الجغرافية للعالم الجديد. فمبدأ 'مونرو' إستراتيجية سياسية أمريكية للابتعاد عن مشاكل أوربا وصراعاتها الداخلية.

      3- موقف الدول الأوربية من السياسة الأمريكية:

      دعّمت بريطانيا "مبدأ مونرو" لأنه موجّه ضد فرنسا واسبانيا، وكانت تراقب تطوّرات الموقف في بلدان أمريكا اللاتينية حتى قبل صدور هذا المبدأ، فقد وجّهت إنذارا إلى فرنسا في 9 أكتوبر 1823م تحذّرها من التدخل في شؤون بلدان أمريكا اللاتينية من خلال مساعدة اسبانيا في إجهاض ثورة الشعوب اللاتينية في أمريكا الوسطى والجنوبية.

       كما تشير المصادر التاريخية إلى وجود تفاهم ضمني بين الو.م.أ و بريطانيا بشأن هذا المبدأ؛ لأنّه ليس موجها ضد بريطانيا بقدر ما هو موجه ضد مطالب روسيا التوسعية والتدخل الأوربي الرامي لوقف الثورات التحررية، أي ضد الحلف الرباعي المعادي لاستقلال الجمهوريات اللاتينية، وبالتالي فلا خلاف بين الدولتين خاصة وأنّ الو.م.أ كانت تنظر إلى البحرية البريطانية على أنّها بمثابة دعم وحماية لها (غطاء الأسطول البريطاني) ضد أي هجوم بحري تقوم به دول أوربية أخرى ضدها أو ضد الجمهوريات في قارة أمريكا الجنوبية، كما يؤكد هذا الطرح دعم البريطانيين لاستقلال الأرجنتين والمكسيك وكولومبيا وبوليفيا و البيرو والشيلي، كما أنّ بريطانيا لم تدخل في "الحلف المقدس" مع الدول الأربعة. وهذا بهدف الوصول إلى أسواق أمريكا الجنوبية؛ فاستولت لهذا الغرض على جزيرة فوكلاند، كما ساهمت في شقّ قناة بنما إلى جانب الو م أ عام 1850م.

      أما دول الحلف الرباعي فقد رفضت مبدأ مونرو، ونشب صراع مرير بين فرنسا والأرجنتين بين عامي 1840 و 1846 حول منطقة لابلاتا. كما تدخّلت فرنسا في شؤون المكسيك بالقوة العسكرية بين عامي 1861-1867 في عهد نابليون الثالث.

      4- انعكاسات مبدأ مونرو:

      - أفادت سياسة العزلة الو.م.أ كثيرا على المستوى الداخلي، وسمح لها هذا المبدأ بالتدخل في شؤون الجمهوريات اللاتينية في أمريكا الوسطى والجنوبية وفي جزر الكراييبي، فطبّقت أمريكا على هذه الدول نظام الوصاية والحماية، وفي أحيان أخرى جعلت نفسها وسيطا لحل النزاعات القائمة بينها. فالملاحظ إذن أنّ الو.م.أ قد استغلّت  "مبدأ مونرو" لبسط نفوذها في القارة الأمريكية،  وذلك برفعها لشعار "أمريكا للأمريكيين".

      - على الصعيد الاقتصادي، غمرت الو.م.أ بمصنوعاتها ومنتجاتها أسواق أمريكا اللاتينية وقامت بحركة تجارية واسعة في هذه المناطق، كما تنافست الشركات التجارية والمصرفية الأمريكية في توظيف  واستثمار رؤوس أموالها في مشروعات اقتصادية  ضخمة هناك.

      - تولّدت في بلدان أمريكا اللاتينية موجة من السخط والاستياء تجاه سياسة الو.م.أ، وكرد فعل على هذا التدخل قامت حركة مناهضة لها، ومقاومة "للاستعمار الجديد" الذي قامت به الو.م.أ في هذه القارة، ومع مرور الوقت ساد نوع من البغض الشديد للولايات المتحدة في أوساط شعوب أمريكا الوسطى والجنوبية.

      5- جامعة الدول الأمريكية:

      تطبيقا للقواعد التي ارتكز عليها "مبدأ مونرو"، ارتأت الو.م.أ أن تعمل على إيجاد نوع من الترابط والصلات الرسمية بين دول القارة الأمريكية ذات الإقليم الواحد والمقومات المشتركة، ويكون ذلك في شكل هيئة أو منظمة أو جامعة واحدة؛ مما يساعد على تثبيت دعائم أأأ نفوذها السياسي والاقتصادي باعتبارها الدولة الأقوى والأكبر بين دول القارة، ومن هنا لابد أن تكون السيادة العليا لها.

      بدأ تفكير الو.م.أ في إنشاء "جامعة الدول الأمريكية" منذ عام 1881م، وأخرجت الفكرة إلى حيز التنفيذ عام 1889م عندما دعت الدول الأمريكية إلى "مؤتمر واشنطن" لدراسة إنشاء نوع من الاتحاد الجمركي والنقدي، والعمل في الوقت ذاته على مدّ خط للسكة الحديدية يربط المكسيك بالأرجنتين كوسيلة للمواصلات السريعة. بعدها تم إنشاء "الاتحاد الأمريكي" الذي ضم عشرين دولة لكنّه بقي اتحادا شكليا أكثر منه عملي وتنفيذي، وهذا نظرا لعدم وجود مقومات التكافؤ الاقتصادي والسياسي وكذلك بسبب وجود خلافات حادة بين هذه الدول، رغم  إقرار مبدأ الحل السلمي للمنازعات التي تحدث بينها.

      استبدل اسم "الاتحاد" باسم جديد هو "جامعة الدول الأمريكية" وكان ذلك في عام 1948م، بعد اجتماع عقدفي"بوقوتا" عاصمة "كولومبيا" ووضع لها دستورا جديدا، وكان هذا تحت تأثير سياسة الرئيس الأمريكي "فرانكلن روزفلت" الذي عمل على إقامة نوع من العلاقات الودية القائمة على الاحترام المتبادل والندية بين جميع هذه الدول، وقد نُظّمت أجهزة هذه الجامعة على شاكلة أجهزة منظمة الأمم المتحدة، ومع ذلك ظلت هذه الجامعة مجرد منظمة إقليمية أمريكية لا تسود بين أعضائها الثقة والمحبة الصادقة وهذا لسببين جوهريين:

      1-  انشغال الو.م.أ بالمسائل الاستعمارية العالمية والصراعات الأوربية  وتخليها عن "مبدأ العزلة" تدريجيا،  وتجسّد ذلك من خلال مشاركتها في الحربين العالميتين الأولى ثم الثانية.

      2- تغلغل المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي–آنذاك- في بعض دول أمريكا اللاتينية، والتي أصبحت تنتهج سياسة مناهضة للسياسة الأمريكية.

      6- مظاهر كسر العزلة الأمريكية:

      كانت الدوافع الاقتصادية  والسياسية العامل الرئيسي في تخلي الولايات المتحدة عن عزلتها والعمل بـ"مبدأ مونرو"، وقد تجلى ذلك من خلا ل عدة مواقف نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

      - في أواخر عهد الرئيس "وليام ماكينلي"، بدأت الو.م.أ تحاول كسر عزلتها بشكل تدريجي خاصة بعدما انتهت مرحلة البناء الداخلي والامتداد نحو الغرب من جهة، ومد النفوذ في أمريكا الوسطى والجنوبية من جهة أخرى.

      - أعلنت الحكومة الأمريكية بأنه على الدول الأوربية وغيرها أن لا تفرض أي ضرائب جديدة على الصينيين، وقد جاء هذا الطلب في السادس من شهر سبتمبر عام 1899م، عندما أرسل وزير خارجية أمريكا "جون هاي john hay" رسالة إلى الدول التي استحوذت على مناطق نفوذ لها في الصين يطالبها فيها بالاعتراف بمبدأ حرية التبادل التجاري في تلك المناطق دون قيود، ويدخل هذا في سياق سياسة جديدة للو.م.أ ووفـق مبـدأ دبلوماسي جديـد للو.م.أ سُمّي "سياسة الباب المفتوح open door policy".

      - تدخّلت الو.م.أ كوسيط في الصراع بين روسيا القيصرية واليابان عام 1905م في عهد الرئيس الأمريكي "ثيودور روزفلت" وتم عقد الصلح بين الدولتين على الأراضي الأمريكية وتحت رعايتها.

      - توسَّعَ مفهوم كسر مبدأ العزلة الأمريكية في عهد الرئيس "وودرو ولسن woodrow Wilson" منذ عام 1913م، ثم انكسر تماما بدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى.

  • محاضرة: الحرب الأهلية الأمريكية

    تتناول هذه المحاضرة الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، والتي اندلعت داخل الولايات المتحدة الأمريكية بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية، وكانت لها عدة قضايا مسبّبة لهذه الحرب، وتمخّضت عنها العديد من النتائج، لعلّ أبرزها نجاح الرئيس أبراهام لنكولن في تحرير العبيد، والحفاظ على النظام الفيدرالي في الو.م.أ

    • بمقتضى معاهدة باريس 1783م؛ أصبحت هناك 13 ولاية أمريكية تشكّل دولة واحدة؛ لكن هذه الولايات الأمريكية لم تكن منسجمة وكان تربط بينها فكرة المواطنة والقوانين الجديدة فقط.

      أولا: القضايا الأساسية المُسبّبة للحرب:

      1- قضية الرقيق السود: انقسمت الآراء بخصوص قضية تحرير العبيد إلى اتّجاهين اثنين:

      أ- اتجاه يطالب بإبقاء الرق؛ لأنه يساعد على تعمير الأرض وزراعتها واستيطانها بأقل تكلفة اقتصادية ممكنة.

      ب- اتجاه يرى ضرورة إلغاء العبودية؛ لأن فيها ظلم واضح لفئة بشرية معيّنة، ولكون الرقّ يميّز بين أفراد المجتمع الواحد، المتعايش في ظل قانون واحد ومواطنة واحدة، وآمال وآلام مشتركة، ولأن الرقّ ولّد الكره والحقد بين فئات المجتمع في الو. م.أ، وفيه تعدّي على حقوق الإنسان الأساسية وعلى رأسها الحرية.

               لقد تبنّت الولايات الشمالية هذا الموقف ووضعته قيد التنفيذ، فألغى دستور ولاية 'ماساشوست' الرقّ عام 1780م، كما حرّر دستور ولاية 'نيويورك' العبيد عام 1799م، وعملت 'بنسلفانيا' على تحرير العبيد تدريجيا، كما مُنع إدخال العبيد إلى الولايات الجديدة المنضمّة حديثًا إلى الاتحاد مثل: وسكانس، ميتشغان، إلينوى، إنديانا وأوهايو.

               يجب أن نعرف أيضا؛ أنّ هناك عدة أسباب جعلت الولايات الجنوبية تتمسّك بالرقيق: كازدهار زراعة القطن وكثرة الطلب عليه، واتّساع نطاق زراعة قصب السكر أيضا، كما أنّ الرقيق كانوا يمثّلون مصدرا اقتصاديا مهمّا وثروة لدى الرجل الأبيض، وقد بلغ عدد العبيد السّود عام 1850م، ما يفوق 3 مليون نسمة أي 1/8 من مجموع سكان الو م أ.

               منذ عام 1818م وصل عدد الولايات التي تقرّ الرقّ إلى 10 ولايات، بينما الولايات التي ترفضه وتعارض استمراره هي 11 ولاية، وحينما دخلت ولايتي "ميسوري" و"ألاباما" في الاتحاد الأمريكي، حدثت مشكلة بين الشمال والجنوب، بعدما اشترطت ولاية "ألاباما" أن تحتفظ بمبدأ إقرار الرقّ فيها. وهكذا تحت ضغط مشكلة تحرير العبيد، بدأت مؤشرات وعلامات الانفصال تظهر في الولايات الجنوبية، فهدّدت ولاية "كارولينا الجنوبية" بذلك صراحة عام 1832م، حيث كتب حاكمها: "إنّ العبيد هم حجر الزاوية في اقتصاد ولايتنا". وعليه ستبقى مشكلة الرقيق نقطة خلاف جوهرية بين الشمال والجنوب إلى غاية اشتعال الحرب الأهلية.

      2- قضية تكساس: كانت "تكساس" تابعة للمكسيك، لكن حركة الهجرة الأمريكية الكبيرة إليها أعطت للأمريكيين نفوذا واسعا هناك، فصاروا يضغطون على حكومة بلادهم من أجل ضمّ هذه الولاية إلى 'الاتحاد الأمريكي'، كما شجّع هؤلاء المهاجرين حركة الاستقلال التي قامت بها 'تكساس' ضد الحكومة المكسيكية، هذه الأخيرة حاولت مقاومة ووقف تدفق المهاجرين الأمريكيين، وذلك باستصدار قوانين عام 1830م، التي تضمّنت فرض ضرائب جمركية عالية على الحدود بين تكساس والو.م.أ، كما رفعت عدد أفراد الجيش المكسيكي بتكساس، وشجّعت الأوربيين والمكسيكيين على حدّ سواء؛ لاستيطان أرض تكساس والاستثمار الاقتصادي بها، مقابل تشديد إجراءات دخول الأمريكيين.

               كلّ هذا بهدف خلق نوع من السيطرة والتفوّق للعنصر المكسيكي في مواجهة العنصر الأمريكي المهاجر لتلك المنطقة. لكن هذه السياسة المطبقة من قبل الحكومة المكسيكية كانت لها نتائج عكسية، حيث تأزّم الوضع وأعلن الأمريكيون استقلالهم عن المكسيك في شهر مارس عام 1836م، فاشتعلت الحرب بين الطرفين، وكان النصر حليف الأمريكيين، فحقّقت تكساس استقلالها عام 1837م.

               والواقع أنّ موقف الو.م.أ  بقيادة الرئيس 'جاكسون؛ من "قضية تكساس" كان موقفا متردّدا، إذ رفضت في البداية مساعدة الثوار الأمريكيين هناك، بسبب معارضة الولايات الشمالية انضمامها للاتحاد، ولكون "تكساس" ولاية تقع في الجنوب وتُقرّ بمبدأ الرقّ، وفي الوقت نفسه اعترفت الو.م.أ باستقلال "تكساس"، كأسلوب من أساليب فتح الباب مع الحكومة الجديدة هناك...لكن بعـد ذلـك انضمت "تكساس" إلى الاتحاد تحـت ضغط الولايات الجنوبية عام 1845م، فبرزت مشكلة جديدة أُضيفت إلى المشاكل السابقة بين الشمال والجنوب.

      3- قضية تفوّق الشمال على الجنوب: كانت الولايات الشمالية أكثر تقدّما وأكثر غنى، وأنظمتها الداخلية أكثر استقرارا وتجاوبا مع متطلبات الحياة المدنية الحديثة. وتميّزت مناطق الشمال بكونها ولايات صناعية وتجارية وحتى زراعية، وذات موقع استراتيجي مهمّ، وسواحل طويلة، بها موانئ ومراكز بحرية هامة. كما كانت أكثر تفوّقا من الناحية العلمية والثقافية والفكرية، هذه العوامل وغيرها جعلت السكان الجنوبيين يشعرون بعقدة النّقص أمام نظرائهم الشماليين، كما أنّ الشماليين كانوا يعدّون أنفسهم المواطنين الأصليين (اليانكي)؛ لأنّهم أوّل من وصل إلى أمريكا واستوطنها، ولأنّهم شكّلوا نواة حرب الاستقلال ( التي انطلقت من مدينة بوسطن)؛ لذلك كبرت رغبة الجنوبيين في الانفصال، وعملوا على تحقيق الاستقلال عن الشمال، خشية سيطرة ولايات الشمال على  أجهزة الاتحاد الفيدرالي الأمريكي.

      4- القضايا الاقتصادية: صار هناك تباين واضح بين الولايات، فالولايات الشمالية الشرقية رأسمالية حرة، تجتمع فيها الثروة ورؤوس الأموال، ولذلك طالب سكّانها الحكومة الفيدرالية بسنّ القوانين التي تساهم في تنشيط الصناعة والتجارة، وتحدّ من المنافسة الخارجية عن طريق دعم الصناعة الوطنية، كما طالبوا بتحسين طرق المواصلات وتشجيع الهجرة خاصة القادمة من أوربا، لحاجتهم الماسة إلى يد عاملة متمرّسة ومتخصصة، وطالبوا الحكومة أيضا بإصدار عملة مركزية تدعم الاقتصاد الأمريكي.

               أما في الولايات الجنوبية والغربية، فنجد التركيز الكبير فيها على النشاط الزراعي، ففي الجنوب برز كبار المزارعين وملاّك الأراضي وسادة العبيد، بينما في الغرب نجد صغار المزارعين. وكان هدف الجميع دعم الزراعة والمحافظة على قوانين الرقّ، وتوسيع ملكية الأراضي واستيطانها وجلب مزيد من العبيد لخدمتها، فطالبوا الحكومة بتشجيع بيع منتجاتهم في الخارج، خصوصا في الأسواق الأوربية وإنجلترا تحديدا؛ لأنّ ذلك سيعود عليهم بأرباح طائلة.

               ولقد وقف المزارعون ضد فرض ضرائب جمركية عالية على المنتجات المحلية المصدّرة (ثورة 'ووتر تاون' في ولاية ماساشوست مثلا)، كما طالبوا ببقاء العملة المحلية الخاصة بكل ولاية والتابعة للمجلس التشريعي، وفي ذات الوقت سعى أهالي الجنوب إلى التوسّع غربا وامتلاك أراضي بالمجان، وهو الأمر الذي عارضه الشماليون، خشية هجرة عمّالهم إلى المناطق الجديدة.

               وفضلا عن الخلاف المذكور وتضارب المصالح الاقتصادية، كان هناك تباين في المستوى الاجتماعي بين الشمال والجنوب، وحتى من ناحية التطوّر العمراني ونمط الحياة، وبالتالي تمايز الفئات الاجتماعية للمجتمع الأمريكي بين الشمال والجنوب. وحتى عدد سكان الشّمال كان يفوق نظيره بالجنوب، فازدادت هوّة الخلاف والشقاق اتّساعا؛ مما أدّى إلى في النهاية اندلاع الحرب، التي عرفت بـ "الحرب الأهلية الأمريكية" أو "حرب الإخوة".

      ثانيا: اشتعال فتيل الحرب الأهلية:

               أدّى انتخاب 'أبراهام لنكولن' (محرّر العبيد) رئيسا للو.م.أ، مرشّحا عن الحزب الجمهوري سنة 1860م إلى غضب الولايات الجنوبية وخشيتها م صدور قانون يلغي الرقّ، فأعلنت "كارولينا الجنوبية" الانفصال عن الاتحاد الأمريكي، ثم انسحبت كل من "فلوريدا"، "ألاباما"،"ميسيسيبي"، "تكساس"، "لوزيانا"و "جورجيا"، وانسلخت بذلك سبع ولايات جنوبية عن الشمال وعن الاتحاد الأمريكي.

               والحق أنّه ليس كل سكان الجنوب كانوا مع فكرة الانفصال، بل هناك الكثيرين الذين حاربوا إلى جانب الشمال المؤيد لبقاء الاتحاد والساعي للحفاظ على الوحدة، أضف إلى هذا أعداد السود الذين أيدوا الشمال؛ لأنه يعمل على تحريرهم من ظلم أسيادهم في الجنوب، ومن  الغريب في الأمر أنّ نسبة هائلة من الرجال السود، بقوا في الجنوب يعملون في أراضي أسيادهم ملاك الأراضي، مما سمح لهؤلاء المزارعين البيض بالاشتراك في الحرب ضد الشمال ( كما تشير بعض الكتابات التاريخية).

               لقد تمكّنت سبع ولايات جنوبية من الاجتماع في مدينة "مونتغومري" في شهر فيفري عام 1861م، وشكّلت ائتلافا سُمّي "الولايات الأمريكية المتحالفة Confiderate states of america وانتخب "جيفرسون ديفس Jefferson Davis" رئيسا مؤقّتا لها، وهكذا تشكّلت لأول مرة منذ الاستقلال عن بريطانيا، دولة أمريكية جنوبية خارجة عن الاتحاد الأمريكي، متمسّكة بمبدأ الرقّ والعمل به.

               وقفت ولايات الشمال الثلاثة والعشرون (23) موقفا متصلبا تجاه ما حدث، وأصرّت على المحافظة على الاتحاد بأي ثمن، وكان الرئيس "لنكولن" حريصا على بقاء الاتحاد قائما وتحرير العبيد ولو بشكل تدريجي، ورغم طرح العديد من مشاريع التسوية لحل الأزمة بين الشمال والجنوب، من بينها "مشروع كرتندن"، إلا أنّ الرئيس الأمريكي "لنكولن" رفضها جملة وتفصيلا، مُعتبرا إياها حلولا مؤقتة لمشكلة تحتاج إلى حل جذري، كما أصرّ على حل المشكلة ولو باستخدام السلاح فرفض مطالب الجنوب بخصوص موضوع الرق.

      ثالثا: جبهات القتال أثناء الحرب:

               في البداية نشير إلى أنّ الشمال كان متفوّقا على الجنوب من حيث عدد السكان. ففي الجنوب كان هناك ما يناهز 9 ملايين نسمة ثلثهم من الرقيق السود، أما الولايات الشمالية فيقطنها حوالي 23مليون نسمة، كما كانت هذه الأخيرة متقدّمة في آلياتها وأسلحتها الحربية وصناعاتها، بينما كان الجنوبيون يراهنون على إطالة أمد الحرب، ويخطّطون لكسب ودّ كل من بريطانيا وفرنسا لشراء الأسلحة منهما، رغم بقاء أربع ولايات من الجنوب وفية للاتحاد وهي: "ميسوري"، "كنتاكي"، "دويلار" و"ماريلاند"، وهو ما شكّل عمقا استراتيجيا هاما لصالح ولايات الشمال خلال فترة الحرب، حيث أعاق هجمات الجنوبيين على الشمال، وقد عرفت الحرب ثلاث جبهات رئيسية:

      أ- جبهة الشرق: وتشمل المنطقة الممتدة بين جبال الأبالاش والمحيط الأطلسي، و بها مدينتان هامتان هما: نيويورك عاصمة الشمال و ريتشموند بفرجينيا عاصمة الجنوب، وقد سعى كل طرف للسيطرة على عاصمة الطرف الآخر.

      ب- الجبهة البحرية: عندما بدأت الحرب ضرَب أسطول الشمال الحصار على السواحل الجنوبية، لكن ذلك الحصار لم يثبت فعاليته إلا بعد مدة، واستطاعت القوات البحرية الجنوبية تحقيق عدد من الانتصارات، لكن تفوّق الشمال بدا واضحا ابتداء من عام 1863م بفضل جهود القائد البحري "دايفيد فراغوت David fragut"، الذي نجح في إخضاع ولايتي "المسيسبي" و "نيو أورليانز".

      ج- جبهة المسيسبي: احتل الجنرال "غرانت" ميناء ممفيس، ثم زحف جنوبا وانتصر في "فيكسبرغ" وكان ذلك في شهر جويلية 1863م، وتمّ عزل ولايتي "أركنزاس" و"تكساس" عن باقي الجنوب، كما احتل الشماليون "ريتشموند" عاصمة الجنوبيين واستسلم القائد "لي" في فرجينيا بتاريخ 13 أفريل 1865م.

               بالإضافة إلى الجبهة الدبلوماسية، التي حقّق فيها الشماليون أيضا التفوّق؛ على اعتبار أنّهم أكثر حنكة سياسية، وأكثر قدرة على الإقناع؛ ولأنّ وجهة نظر لنكولن (محرر العبيد) بخصوص الرقيق خاصة نالت تأييد الكثير من الدول والقوى الدولية آنذاك وتعاطف الشعوب الأوربية والبريطانيين على وجه التحديد.

       

      رابعا: نتائج الحرب الأهلية الأمريكية: تمخّضت عن الحرب الأهلية عدة نتائج مسّت مختلف الجوانب:

      بشريا: خلفت هذه الحرب خسائر فادحة في الأرواح من الجانبين، فقد خسر الشمال قرابة 360 ألف جندي، أما الجنوب فخسر 250 ألف مقاتل، كما خلقت "حرب الإخوة" حاجزا نفسيا بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية، و ترسّخت فكرة سيئة لدى الشماليين عن الجنوبيين بعد عملهم هذا، والذي أدّى إلى إشعال الحرب.

      اجتماعيا: أدّت الحرب إلى تدنّي المستوى المعيشي في الجنوب؛ بفعل التضخّم الاقتصادي وارتفاع الأسعار وندرة المواد الأساسية، كما تعرّضت البلاد بكاملها إلى الأوبئة وانتشار الأمراض المعدية، مما خلّف وفاة الكثيرين.

      سياسيا: عملت الحكومة الفيدرالية على التخفيف من حدّة الخلاف، ومحاولة إيجاد جوّ من التفاهم بين الشمال والجنوب، وحاربت الفكرة القائلة بتفوّق وتسلّط الشماليين، فدفعت في اتجاه الصلح، عن طريق إعادة تشكيل حكومات موالية للاتّحاد في الولايات الجنوبية المهزومة. وقضت الحرب الأهلية على"مبدأ حقوق الولايات"، واستطاعت أن تحافظ على الاتحاد بين الولايات باستخدام القوة العسكرية.

      دوليا: استفادت اسبانيا من اندلاع الحرب، فثبّتت كيانها في مناطق الكراييبي وأمريكا الوسطى والجنوبية، كما حدث تدخّل بريطاني وآخر فرنسي في شؤون الو.م.أ إبّان هذه الحرب، وقد عدّته الولايات المتحدة انتهاك لمبدأ مونرو.

      اقتصاديا: عمّت أرض القارة الأمريكية الشمالية - بعد أن وضعت الحرب أوزارها- موجة من العمل الجاد في سبيل بناء وترميم ما أتلفته الحرب، وقد ساعد هذا على خلق حياة جديدة ساهمت في التخفيف من حدّة الخلاف والتباين بين الشمال والجنوب، كما دفعت جدّية المواطن الأمريكي واجتهاده وحسن تدبير قادته، بالولايات المتحدة الأمريكية إلى تبوّأ الصدارة العالمية على مختلف الأصعدة، بعد عقود قليلة من نهاية الحرب الأهلية الأمريكية.

      تشريعيا: إصدار قانونين سنة 1865م عن الكونغرس الأمريكي الموحد لإلغاء الرق نهائيا ودفعت حكومة الولايات المتحدة تعويضات خاصة بتحرير الرقيق. كما تمّت صياغة دستور أمريكي جديد، أسّس لنظام اتحادي فيدرالي، وحدّد سلطات الحكومة المركزية للو م أ، ونظامها الرئاسي القائم إلى يومنا هذا.

                         طبّقت الو م أ 'سياسة العزلة' وفق مبدأ 'مونرو' بشكل فردي دون تدخل بريطانيا أو غيرها، وقد استمرّت هذه السياسة لعقود طويلة من الزمن، وهو ما سمح لأمريكا بتطوير وبناء نفسها من الداخل، وبسط نفوذها على الأمريكيتين كقوة كبرى.

  • الولايات المتحدة الأمريكية والحربان العالميتان

  • اختبار الخروج

    • يهدف هذا الاختبار إلى قياس مدى فهم الطالب لمجمل المحاضرات المقدمة في مقياس تاريخ أوربا والأمريكيتين