المحاضرة الأولى :كتابة الهامش

 1-تعريف الهامش:

1-1 لغة:

ورد في لسان العرب في مادة (ه .م. ش)«الهَمْشةُ: الكلامُ والحركةُ،هَمَشَ وهَمِشَ القومُ فهم يَهمِشون وتَهَامشوا.وامرأة هَمْشى الحديثِ،بالتحريك:تُكْثِرُ الكلامَ وتُجَلِّبُ.والهَمِشُ:السريعُ العمل بأصابعه.وهَمَشَ الجرادُ:تحرَّك ليَثُور.»[1]

يظهر من هذا التعريف اللّغوي،أنّ الهمش في اللّغة هو الصوت وكثرة الكلام والحركة،على نحو مخصوص،وبذلك فيبتعد هذا المعنى عن الدلالة الاصطلاحية للهامش؛بالمفهوم المنهجي .وقد عرف العرب نظام الحواشي،وإن لم يعرفوا نظام الهوامش.حيث ورد في تعريفها:«الحشو من الكلام:الفَضْلُ الذي لا يعتمد عليه،وكذلك هو من الناس،(...) وحَشْوُ الإبل وحاشِيَتَها:صغارها،وكذلك حواشيها،واحدتها حاشيةٌ،(...)وحاشية كلّ شيء:جانبه وطرفه(...) وهؤلاء حاشيته أي أَهله وخاصَّتُه»[2] فطالما وجدنا السلف يستعمل حاشية،وشروح الحواشي،وهي ما تجمع من تعليقات وإضافات يُسجلها طالب العلم مستفيدا من شرح أستاذه،أو فهمه للمسألة،وهناك من المحدثين من استخرج منها كتب النكت واللطائف،من تجميع هذه الشروح.

1-2 اصطلاحا:

مما تقدّم يتبيّن لنا أنّ الهامش من مشمولات العصر الحديث،الذي اتصل بالطباعة،فالهامش هو كلّ ما يخرج عن متن الصفحة،يفصله خط،يُقدر بثلث الصفحة«الهامش والحاشية والذّيل،ألفاظ،مختلفة المعنى في الاصطلاح،ولكننا اعتدنا استعمالها،وكأننا لا نرى لبسا في الدلالة،(...) أمّا الحاشية،فهي تعني لغة جانب الشيء وطرفه،وماعلى حاشية الكتاب من شروح والزيادات،،كما تعني لفظة الذيل آخر كلّ شيء،وهنا تعني آخر الصفحة،أو آخر البحث أو آخر الكتاب(...)على العموم،ما نعنيه-هنا- بالهامش،هو ما يخرج عن النصّ من الشروح والإحالات والتعليقات ...ويفصله عنها خط أو سطر،بقدر نصف صفحة»[3] فالهامش في الأصل كلّ ما يُحيط بمتن ما،من الأعلى والأسفل وعن اليمين وعن اليسار،وأخذ على سبيل الحصر،في تقنيات البحث،دلالة أسفل الورقة،لذلك نجد في تعريف حده قول قاموس«هامش بياض:  margin1-المنطقة غير المطبوعة بين النصّ المطبوع وحواف الصفحة،وإنّ الاتساع النسبي للهوامش عامل هام لأنّها توازن الصفحة المطبوعة وتكون النسبة المثالية كالآتي :هامش علوي2 ،هامش خارجي 3 ،هامش سفلي أو الذيل 4،هامش داخلي 1.5»[4] أمّا ذيل الصفحة فهو المصطلح المقابل لنظيره الإنجليزيFoot notes.

2-موقع الهامش:

تتعد مواقع الهامش،حسب الباحثين وأغراضهم،وأنماط كتاباتهم،« وعادة ما يكون الهامش،في ذيل الصفحة،وإن كان الإتجاه عند كثير من الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية، أنّهم يجمعونها في نهاية الرسالة أو الكتاب، أو يجعلون لكلّ فصل هوامشه المستقلة التي توضع في آخره،ولهذه الطريقة مزيتها من حيث سرعة المراجعة والطباعة،ولكنها تكلف القارئ المدقق عناءً كبيرًا وسط فيض من الملحوظات الأخرى خاصة عندما تقع في نهاية البحث كلّه.»[5]

نستنتج من هذا القول،أنّ لكلّ موقع من مواقع كتابة هامش إيجابياته وسلبياته،فالأشهر في التوثيق الكلاسيكي اللاتيني،اعتماد أسفل الصفحة مباشرة،ومن محاسن هذه الطريقة أنّ التغيير والتعديل في حالتي التصحيح والإضافة،لا يتجاوزها،لغيرها من الصفحات،ولكن في الوقت نفسه،يقع التشويش في قراءة البحث،حيث تنتقل العين القارئة من متن البحث إلى حواشيه السفلى،في حين أنّ اعتماد الهوامش في آخر البحث أو آخر الفصل،يُجنب عين القارئ هذا الاضطراب،وهذا من إيجابياته،لكن نذكر من أهم سلبياته وأكبرها،أنّ تغيير هامش واحد أو إحالة واحدة،سيمس التعديل بكلّ الفصل أو البحث،علاوة على صعوبة البحث عن الهامش المطلوب،أو الإحالة المبحوث عنها،فهي قد تتجاوزت مئتا أو ثلاثمائة  200 أو300،وهذا ما يصعب البحث في كلّ هذا الركام،مقارنة بعدد محدود لا يتجاوز ربّما عشر إحالات وهوامش في ذيل الصفحة.

3-وظائف الهامش:

تبيّن لنا أنّ الهامش هو نصّ إضافي وملحق،لكن هذه التبعية والإلحاق للنصّ/المتن المركزي لا تعني غياب الفاعلية والقيمة المعرفية،ولعلّ أبرز وظائف هي[6]:

1-توثيق مصدر المعلومة المذكورة في المتن:

وهنا يُدلل الباحث على مصداقية بحثه ويمكن الوثوق في نتائجه،كما هي حجة على أمانته.وهي أهم وظيفة وهي الأوسع نطاقا في البحوث العلمية .

2-تخريج الآيات القرآنية والأحاديث:

يُستفاد من الهامش كذلك في تخريج الآيات القرآنية،بذكر اسم السورة،ورقمها،وإن رأى بعض المنهجيين،أفضلية تخريج الآية القرآنية في المتن،وليس الهامش لبركة القرآن ومحبته في القلوب،،وكذلك الأمر مع الحديث النبوي الشريف،فيعود الباحث لكتب الحديث الستة،من أجل تخريجه وتبيان راويه وبابه من الكتاب ورقمه،ودرجة صحته، ويذكر الباحث غيرها من آيات الكتب المقدسة إن كان الباحث وظفها،نذكر مثالا مما وظفته طالبة،تتحدث عن مكانة المرأة في الكتب المقدسة،فقالت: واليهودية والمسيحية يعتبران المرأة في فترة حيضها نجسة ومن يقترب منها هو أيضا نجس وتبين هذا في كتاب المقدس )سفر اللاوين :) نجسة ومن يقترب منها هو أيضا نجس وتبين هذا في كتاب المقدس )سفر اللاويين)

 وإذا كانت امرأة لها سيل، وكان سيلها دمّا في لحمها فسبعة أيام تكون في طمثها، وكل من مسَّها يكون نجسًا إلى المساء۝ وكل ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجسًا، وكل ما تجلس عليه يكون نجسًا۝ وكل منْ مسَّ فرْشها يغْسِّلُ ثياب هُويستحِّمُّ بماءٍ ويكون نجسًا۝ وكل من مسّ متاعا تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسا إلى المساء۝ وإن كان على الفراش أو على المتاع الذى هي جالسة عليه عندما يمسه يكون نجسا إلى المساء۝وإن اضطجع معها رجل وكان طمثها عليها يكون نجسًا تبعة أيام، وكل فراش يضطجع عليه يكون نجسًا »[7]

3-التنويه بالشكر:

بعض هذه الأمثلة مأخوذة من الكتب من مثل :«ننوه بالشكر إلى السيد رضوان دوابي حيث نبهنا للفرق بين البعل والزوج.»[8]وههنا الباحث لا يُفرد صفحة خاصة من الصفحات الأولى في البحث،التي تحوي الشكر والعرفان،وإنّما الشكر هنا محله الهامش،دلالة حسن أخلاق الباحث،حيث يشيد بمن دعمه في توضيح مسألة ما،أو قدّم له عنونا يتعلق في تيسير جزئية ما .

4-التعليق والإضافة في الهامش:

«لقد احتلّت العيد موقعًا بارزًا في مجال الدّراسات النقدية العربيّة المعاصرة جعلها محلّ اهتمام من قِبَلِ عديد النقاد· »

5-التعريف بالأعلام(الشخصيات) والأماكن الواردة في البحث:

وهناك عدة معايير للتعريف،منها لا نُعرف شخصية قديمة من قاموس/معجم حديث،ويُفضل استبعاد الويكيبيديا(الموسوعة الحرة)؛ذلك أنّ أيّ شخص،غير مؤهل يمكن أن يكتب فيها،وقد تحوي معلومات خاطئة،ويلجأ الباحث إلى معاجم الأعلام القديمة والحديثة،مثل معجم الأعلام للزركلي،والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي،وقد يستفيد الباحث أكثر من المعاجم المتخصصة،من مثل معجم جورج طرابيشي في الفلسفة"معجم الفلاسفة"،أمّا التعريف بالأماكن والمناطق،فيعود الباحث إلى معجم البلدان لياقوت الحموي،وللأطالس الجغرافية. فيعرف العلم بذكر اسمه الكامل وتاريخ ولادته ووفاته،ويُعوض بعلامة استفهام في حالة كونه لا يزال عل قيد الحياة،أو مجهول تاريخ الوفاة،مع تحديد جنسيته،ووظيفته،فنان،أو موسيقي،أورسام،أو سياسي،أو ناقد...،مع ذكر أهم أعماله: كتبه،أو لوحاته أو سيمفونياته،وقد يذهب بعضهم حتى لذكر أشهر أقواله،وكلّ هذا مع إيجاز شديد.

وفيما يلي نقدّم أمثلة مما أنجزه طلبتي الذين أشرفت على بحوثهم :

إميل فرانسوا زولا  Emil zola: (1840_1902)[9]:كاتب وروائي فرنسي يمثل أهم نموذج لممثلي المذهب الطبيعي في الأدب، عمل في الصحافة، دافع في مقالاته عن الفنانين رينوار ومونيه و بيستارو، درس نظريات الفيلسوف تين في العلم الوصفي ونظرية الوراثة الطبيعية فأدخلها في الرّواية وتعقب دورها في عائلة روغونماكار وغيرها عبر الأجيال. من مؤلفاته:( معدة باريس(سوق الهال)، وغلطة الأب موريه وأوجين روغون والحانة(وهي حول حياة العمال وإدمانهم الخمرة)، وصفحة حب، ونانا، وأمسيات ميدانMédan  وسعادة السيدات، وفرح الحياة...) ينظر: عبد الرّزاق الأصفر، المذاهب الأدبية لدى الغرب مع ترجمات ونصوص لأبرز أعلامها دراسة، اتحاد الكُتّاب العرب،د.ب، د.ط، 1999،ص153



[2]  See :https://www.bibliography.com/apa/listing-multiple-works-by-the-same-author-in-apa-references/2022/3/13


[1] ابن منظور،المعجم السابق،مج9، مادة (ه.م.ش)ص.135

[2] ابن منظور،المعجم السابق،مج2،مادة (ح.ش.ا)ص.466

[3] خالد إبراهيم يوسف،المرجع السابق،ص.106

[4]  أحمد محمد الشامي،سيد حسب الله،المعجم الموسوعي،لمصطلحات المعلومات والمكتبات،دار المريخ(المملكة العربية السعودية)،دط،1988،ص.706

 محمد زكريا عناني،المرجع السابق،ص.33[5]

[6] يُنظر:حمدي أبو الفتوح عُطيفة،المرجع السابق،ص.503 ،504  

[7]  نجيب جرجس،تفسير الكتاب المقدس سفر اللاويين،بيت مدارس الأحد )شبرا(،ط129 ، 1991 ، ص. 121

[8]   محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، فقه المرأة (الوصية،الإرث،القوامة، التعددية،اللباس)،دراسات إسلامية معاصرة(4)، الأهالي للطباعة والنشر(سورية)،ط1،2000،هامش ص.379

· «ممن كتب عن يمنى العيد نذكر:

-محمد سويرتي،النقد البنيويّ والنصّ الرّوائيّ(نماذج تحليليّة في النّقد العربيّ المنهج البنيويّ-البنية-الشخصيّة)،إفريقيا،1991

-مرجع مذكور:Mohamed Ould bouleiba,critique littéraire occidentale,critiqاue litéraire arabe,textes croisés

 محمّد – الخبو،الخطاب القصصي في الرّواية العربية المعاصرة،دار صامد للنّشر،صفاقس،تونس،2003» ينظر:هامش:محمد الخبو،مداخل إلى الخطاب الإحالي في الرواية،دار نهى للطباعة والنشر(تونس)، ،2006، ط 1ص.12

[9]  التعريف من إنجاز الطالبتين:سلمى هسة،صفية دبشون،الخطاب الواصف في الكتابة النسوية،بثينة العيسى أنموذجا،مذكرة ماستر،إشراف،ريمة برقراق،قسم اللّغة والأدب العربي،كلّية الآداب،جامعة سطيف 2 (الجزائر)،ص.14

Modifié le: Thursday 5 May 2022, 20:18