الهجرة السرية وتجارة المخدرات
وقد أضحى موضوع الهجرة هاجس يؤرق بال السياسيين في كل البلدان الاوربية بالنظر الى ما تطرحه من مسائل أمنية وبالتالي أصبح ملفا ساخنا تتمحور حوله الحياة السياسية في البعض منها خوفا من التطرف الإسلامي، العنصرية، وأعمال العنف والإرهاب[8].
مما جعلها تعمل على التضييق على نظام التأشيرات والقيام بالطرد الفردي والجماعي، والدخول في اتفاقيات مع البلدان المصدرة لها، وخاصة المغرب الذي يعتبر البوابة التي تصل افريقيا بأوربا في محاولة لاحتواء الظاهرة.
وقد تم التعاون بين المغرب والإتحاد الأوربي لمعالجة ظاهرة الهجرة السرية، وبرز هذا التعاون في اللقاءات المتعددة بين الطرفين وكذلك في اعلان برشلونة[9] الذي تمت الإشارة فيه الى الدور الذي تلعبه الهجرة في العلاقات الأورومتوسطة، والإتفاق على تكتيف التعاون من أجل تخفيف وطئتها بواسطة برامج التأهيل المهني وخلق فرص الشغل وغيرها.
وقد نص الإتفاق المبرم بين المغرب والإتحاد الأوربي سنة 1996 على اطلاق حوار يتناول كل القضايا المتعلقة بالهجرة والإجراءات الواجب اتخاذها للحد من الظاهرة. تلت ذلك مجموعة من اللقاءات والإجتماعات الثنائية والجماعية[10] في محاولة لاحتواء الظاهرة ونذكر منها:
- عقد المؤتمر السنوي المتوسطي لمنظمة الأمن والتعاون بأوروبا الذي تم في الرباط شهر شتنبر 2005 في موضوع خصوصية دور هذه المنظمة في سياسات الهجرة والإندماج.
- تنظيم مؤتمر في المغرب في اكتوبر 2005 شارك فيه وزراء داخلية دول 5+5 لمناقشة تزايد الهجرة السرية الى أوربا ووضع خطة مشتركة لمواجهة الظاهرة.
- عقد المؤتمر الأوروبي الإفريقي الأول لمكافحة الهجرة السرية بالرباط في 2006 بمشاركة العديد من الدول الإفريقية والأوروبية والعربية لإقامة شراكة وثيقة بين الدول التي يأتي منها المهاجرون والدول التي يتوجهون اليها والربط بين المساعدات والتنمية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية بتعزيز الرقابة على الحدود، واتفاقيات إعادة قبول المهاجرين السريين.
- عقد مؤتمر باريس في نونبر [11]2008، ويعتبر هذا المؤتمر مرحلة ثانية بعد عقد مؤتمر الرباط، وقد شاركت فيه دول الإتحاد الأوربي و27 دولة افريقية و 5 دول عربية. كما انه أتى بعد شهر من اعتماد الإتحاد الأوروبي "اتفاقية للهجرة واللجوء" باقتراح من فرنسا.
وقد اعتمد مؤتمر بارس برنامجا للتعاون في الفترة ما بين عامي 2009 و 2011 في تنظيم الهجرة الشرعية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتعزيز التنسيق والربط بين الهجرة والتنمية.
كما ان موضوع الهجرة أصبح رهانا رئيسيا وشعارا انتخابيا للعديد من السياسيين بدول الإتحاد الأوربي ولعل السباق نحو الرئاسة في فرنسا قد أخذ نفس المنحى إذ أن المرشح الإشتراكي فرانسوا هولاند راهن على مسألة الهجرة والتي عززت من حظوظه بالفوز في الجولة الاولى برئاسة الجمهورية الفرنسية حيث حصل تقريبا على 28 في المائة من اصوات الناخبين الفرنسيين مقابل 27 في المائة للرئيس الجمهوري الأسبق نيكولا ساركوزي في الإنتخابات التي اجريت يوم الأحد 22/04/2012.
لقد اصبحت ظاهرة الهجرة الموضوع المحوري في العلاقات المغربية الأوربية، والأمر الذي استدعى اتخاذ عدة تدابير مهمة لمعالجتها، وهكذا فقد قام المغرب بعدة مبادرات منها: مبادرة احداث مديرية للهجرة ومراقبة الحدود بوزارة الداخلية، والتي تعمل على مكافحة شبكة تهريب البشر ومراقبة الحدود، وكذلك عمل على تحيين وتوحيد النصوص التشريعية المنظمة لدخول الأجانب وإقامتهم بالمملكة وتجميعها في نص قانوني واحد وموحد ويتعلق الأمر بقانون رقم03-02، الذي جاء في روحه متلائما مع الإتفاقيات الدولية المتعلقة بمحاربة الهجرة السرية مكرسا لما التزمت به المملكة المغربية في مجال احترام حقوق الإنسان[12].
وبقراءة لما جاء في مواد القانون رقم 02-03 المتعلق بدخول واقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير الشرعية الصادر الأمر بتنفيذه ظهير شريف 03.1.196 بتاريخ 16 رمضان 1424 الموافق ل 11 نونبر 2003،[13]وخاصة القسم الثاني المتعلق بالأحكام الزجرية المتعلقة بالهجرة غير المشروعة، نجد ان العقوبات السجنية تصل الى خمسة عشر سنة في حين أن الغرامات قد تصل الى 1000000 درهم، وهذا ان دل على شيء فعلى حرص المملكة المغربية على الدفاع على مصالحها لكون الهجرة غير مشروعة تشكل عامل تهديد وعدم استمرار للمغرب قبل الإتحاد الأوربي، وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية والتعاون المغربي الأسبق السيد الطيب الفاسي الفهري:"ان المغرب لن يكون دركيالأوربا" لحمايتها من زحف التصحر والإتجار الدولي في البشر والهجرة السرية والإتجار الدولي في المخدرات، ومكافحة الإرهاب كون كل هذه الآفات الخطيرة تهدد أمن واستقرار المغرب بالدرجة الأولى، فالمغرب يدافع عن مصلحته كما هو الشأن لأوروبا، لذلك سياشرك في تدبير الأزمات، وسيطور شراكته من اجل السلم، والأمن في افريقيا[14].
ومن الجانب الأوربي، عملت الدول الأوربية على اتخاذ مجموعة من الإجراءات الأمنية للحد من الظاهرة ومنها إنشاء مراكز الإعتقال خاصة بالمهاجرين غير الشرعيين الذين يتم القبض عليهم على السواحل الأوروبية، حيث يتم احتجازهم بها الى حين ترحيلهم الى بلدانهم ولا توجد في هذه المراكز ادنى المعايير المطلوبة فيه للإعتقال. وهو الامر الذي جعل المنظمات الحقوقية تنتقد تلك المراكز خاصة فيما يتعلق بوجود مزاعم المعاملة السيئة وغير الإنسانية بحق المحتجزين بشهادة الصليب الأحمر ومفوضية شؤون اللاجئين[15].
وبخصوص تشديد الحراسة على الحدود الأوربية، اتخذت الدول الأوربية العديد من الإجراءات الأمنية على طول سواحلها نذكر منها: المشروع الاسباني الممول من طرف الإتحاد الأوربي والقاضي بناء جدار حدودي يصل علوه الى ست أمتار، مجهز برادار للمسافات البعيدة وبكاميرات الصور الحرارية وأجهزة للرؤية في الظلام وبالأشعة تحت الحمراء، وقد قامت اسبانيا موازاة مع ذلك بإنشاء مراكز للمراقبة الإليكترونية مجهزة بوسائل إشعار ليلي ورادارات ودعمت هذه المراكز بجهاز سيف وهو جهاز مدمج لحراسة المضيق بالإضافة الى مشروع إطلاق قمر اصطناعي اطلق عله اسم "شبكة الحصان البحري" لمراقبة عمليات الهجرة السرية ببوغاز جبل طارق بين افريقيا واوربا، بتكلفة تقدر بأكثر من 3,5 مليون اورو. ومن شأن هذا الإنجاز مساعدة الدوريات العسكرية البحرية، خاصة المغربية والإسبانية اللتين تشتغلان بشكل مشترك منذ 2003 في إطار التعاون الأمني الأورومتوسطي لمحاربة الشبكات المختصة في تهريب البشر، التي تعتمد على تجهيزات ومعدات لوجيستية جد متطورة.
وكمحصلة للتعاون الثنائي المغربي الأوروبي في مجال محاربة الهجرة السرية، فقد انخفض عدد المهاجرين السريين نحو اوربا، وتعزز التعاون المغربي الإسباني في نفس الإتجاه عن طريق مجموعات العمل الدائمة بين البلدين في مجال الهجرة، كما تمت الإشادة بدور الحكومة المغربية ومختلف الأجهزة الأمنية للحد من الظاهرة بالرغم من تزايد عدد القوافل القادمة من منطقة الساحل وجنوب الصحراء الإفريقية المتسللة الى المغرب[16]. اذ اشار تقرير صادر عن وزارة الداخلية الإسبانية الى ارتفاع ملحوظ في عدد المهاجرين اللذين تم ايقافهم، وصل الى ازيد من 2000 مهاجر سري خلال سنة 2008.
ان المقاربة التي انتهجها الإتحاد الأوربي للحد من ظاهرة الهجرة السرية تبقى غير عملية لكونها تهمل الأسباب والظروف المحيطة بها من جهة ولكون هذا النوع من الحلول مكلف بالفعل، فبموجب الإتفاقيات الثنائية بين الإتحاد الأوربي وبعض دول جنوب المتوسط ومنها المغرب فإنه يدفع الملايين من اجل مشروعات مثل: رفع قدرات الحراسة على الحدود والدعم اللوجيستي المتمثل في طائرات المراقبة وبناء معسكرات الإحتجاز، وكان من الأوفق التركيز على دعم مشروعات تنموية وخاصة في المناطق المصدرة للهجرة السرية وخلق فرص العمل بها، وفي هذا السياق قال العاهل المغربي الملك محمد السادس:" وامام تزايد تدفق الهجرة غير الشرعية من دنيا الفقر الى عالم الغنى، فإنها تقتضي معالجة شمولية لا تنحصر في الجانب الأمني فحسب لأنه غير كاف وحده، اذا لم يتم العمل على معالجة دوافعها الإقتصاديةوالإجتماعية بالدول المصدرة لها، ولن يتأتى ذلك الا بتوفير الدعم الضروري للتنمية المحلية للشعوب الإفريقية الشقيقة، بما يمكنها من الإستقرار والعيش الكريم في اوطانها، في ظل الرخاء المشترك والأمن الشامل[17].
نافلة القول ان ظاهرة الهجرة غير الشرعية تتحمل المسؤولية فيها حكومات الدول الإفريقية التي ينطلق منها المهاجرون لأنها عاجزة من تأمين الحياة الكريمة لأبنائها وتحديث المجتمع والإخفاق في مشاريع التنمية التي تنتهجها، كما يتحمل المسؤولية كذلك الإتحاد الأوربي لأنه يتبنى سياسة أمنية صرفة بالنظر لمصالحه فقط وإغلاق حدوده دون دراسة أسباب الهجرة السرية في الدول المصدرة لها.
2- محاربة المخدرات: ان المقام لا يسعنا هنا للحديث باسهاب عن ظاهرة انتشار المخدرات تجارة وزراعة وتسويقا بالمنطقة الأورومتوسطية وسأكتفي بالحديث عن أوجه التعاون المغربي الأوربي في مجال محاربة هذه الظاهرة.
ونظرا لكون انتشار المخدرات تشكل تهديدا حقيقيا للأمن والإستقرار بمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة مع وجود عصابات منظمة تنقل المخدرات برا وبحرا وجوا فضلا عن الإتجار في البشر والأسلحة وتزوير العملات، والتعاون والتنسيق مع المنظمات الإرهابية وتمويلها.
ولمواجهة هذه الظاهرة كان لابد من تفعيل تعاون اورومغربي لأن المغرب يعتبر المزود الأول لأوربا الحشيش حيث تعتبر اسبانيا اول الدول عالميا من حيث كمية المخدرات المحجوزة، ورغم كل المجهودات التي بدلتها المغرب من اجل تخفيف حدة التهريب نحو اوربا الا ان شبكات التهريب يعمل على تطوير آلياتها[18] مما يجعل التعاون مع الجانب الأوربي ضروريا للتخفيف من هذه الظاهرة باعتباره افضل وسيلة وانجعها للتغلب على هذا المشكل الذي اصبح ظاهرة مجتمعة ذات ابعاد خطيرة.
ولهذه الغاية تم ادراج موضوع مكافحة المخدرات في المادة 62 من الباب الخامس من اتفاقية الشراكة الموقعة بين المغرب والمجموعة الأوروبية، اذ تم التنصيص على:
1- تحسين فعاليات السياسات والإجراءات التطبيقية لمنع ومحاربة انتاج وعرض والإتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية.
2- القضاء على كل استهلاك غير شرعي لتلك المواد.
3- التعاون في وضع استراتيجيات لتحقيق الأهداف المشتركة.
4- التنسيق والاستشارة بين الأطراف المتعاقدة في الأنشطة والمبادرات التي تقوم بها كل دولة على حدة.
5- العمل على احداث وتوسيع المؤسسات الصحية الأجتماعية ومراكز الإعلام لمعالجة المدمنين على المخدرات وإعادة ادماجهم في المجتمع.
وقد حظي الموضوع باهتمام كبير اذ تم التنصيص عليه في بنود اعلان برشلونة حيث تمت الإشارة الى التعاون في مجال مكافحة وانتشار وتنوع الجرائم المنظمة ومحاربة المخدرات بكل اشكالها[19]. وفي اطار الشراكة الأورومغربية قامت السلطات المغربية بسن قوانين تجرم كل مظاهر انتاج وتصنيع وتسويق المخدرات، وتم احداث العديد من نقط الحراسة والمراقبة على طول الساحل المتوسطي ونشر فرق من القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة بالإضافة الى تعزيز المراقبة بالموانئ والمطارات ونقط الحدود وتعزيزها بمعدات حديثة ومتطورة.
ومن جانبه قام الإتحاد الأوربي بمنح هبات مالية وقروض لتطوير البنيات التحتية للأقاليم الشمالية التي تعد المنتج الرئيسي للمخدرات، كما اقر الإتحاد الأوربي في اطار برنامج ميدا اعداد استراتيجية متعددة القطاعات بمساهمة البنك الأوربي للأستثمار لمحاربة زراعة المخدرات وتشجيع المبادرات التنموية لمنطقة الشمال وتحسين مداخيل وظروف عيش سكانها.
وفي اطار التعاون الأورومغربي تم القيام بعدة مبادرات في مجال تكوين اطر تقنية وعملية، كما احدث الجانبان جهازا لتبادل المعلومات المتعلقة بتحرك مهربي المخدرات واطلق عليه اسم "مارنفو" اضافة الى انشاء جهاز للمراقبة الجوية والبحرية سمي بعملية سندباد.
وقد وقع المغرب عدة اتفاقيات مع دول الإتحاد الأوروبي بهدف الحرب على المخدرات ومنها، اتفاقية التعاون من اجل مكافحة آفة المخدرات بمدينة الرباط سنة 1987 دخلت حيز التنفيذ سنة 1992 والبروتوكول الملحق بها والموقع بتاريخ 4 يوليوز 1997 بمدينة مالكا الإسبانية، ومع ايطاليا عقد اتفاقية سنة 1987 بمدينة الرباط اعقبه بروتوكول وقع بروما سنة 1996. وفي اطار هذا التنسيق تم القاء القبض على مجموعة من مهربي المخدرات، ففي سنة 2008 تم اعتقال 16 شخصا في اشبيلية وهو ما اطلق عليه عملية غوريا حيث تم ضبط 622 كلغ من الحشيش هربت من شمال المغرب.
وفي سنة 2009 تم ضبط حوالي سبعة اطنان من المخدرات خرجت من ميناء طنجة وسبتة، وتم اعتقال مائة شخص جلهم مغاربة، كما تم احباط عملية تهريب حوالي 2000 كلغ من الشيرا من طرف مصالح الحرس المدني الإسباني.
وبتاريخ 13 ابريل 2012 تمكنت مصالح الشرطة المغربية بتنسيق مع نظيرتها الفرنسية من تفكيك شبكة اجرامية تنشط في تهريب المخدرات انطلاقا من المغرب في اتجاه فرنسا حيث تم القاء القبض على 6 اشخاص وحجز حوالي طن و 200 كلغ من مخدر الحشيش والآليات المستخدمة في خفر تلك المخدرات، وتدخل هذه العملية في اطار التعاون الأمني المغربي الفرنسي في مجال مكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود وخاصة الإتجار غير المشروع في المخدرات.
ورغم كل هذه الجهود المبدولة الا انه يجب الاشارة الى ان كل هذه الاتفاقيات المبرمة للحد من ظاهرة انتاج وتسويق وتهريب المخدرات بقيت قاصرة لطغيان الهاجس الامني وغياب الجانب الاجتماعي والتنموي خاصة في منطقة الشمال التي تعاني من عدة اخلالاتسوسيو اقتصادية.