2. الاستيطان الفينيقي – البوني في نوميديا

تعتبر الجزائر بإطارها الجغرافي وموقعها ضمن لوبيا القديمة التي امتدت من أقصى حدود مصر الفرعونية إلى حدود المحيط الأطلسي، حيث أن الظروف العامة التي عرفها شرق المتوسط والتي سبق وأن تطرقنا، والمتمثلة في غزوة شعوب البحر المدمرة التي اجتاحت بلاد الإغريق وآسيا الصغرى ثم الساحل الفينيقي، والتي كان من نتائجها أن فتحت الطريق أمام البحارة الفينيقيين للمتاجرة مع شعوب البحر المتوسط.
لذا، كانت مرحلة الأرتياد الباكرة لغربي البحر المتوسط وبلاد المغرب القديم مع فترة ازدهار المدن الفينيقية على الساحل اللبناني السوري الحالي منذ حوالي القرن الثاني عشر قبل الميلاد، حيث ساعدت مجموعة من العوامل على ذلك ونذكر منها:
- بعد منطقة الحوض الغربي للبحر المتوسط عن الصراعات التي كانت سائدة في شرقه.
انكباب سكان لوبة على اقتناء البضائع المصنعة التي كانت يأتي بها الفينيقيون ومقايضتها بالمواد الخام التي كانت متوفرة لديهم مثل : تبر الذهب وجلود الحيوانات المفترسة، ثم الملح والأسماك المجففة.
. توفر المعادن الثمينة في شبه جزيرة أيبيريا، وعلى رأسها معادن الفضة والقصدير وكذا الرصاص.
وجود الأخشاب بكثرة في جبال الأطلس وهو ما ساعدهم على إصلاح قواربهم وسفنهم التي كانت وسيلتهم الأساسية.
توفر الخلجان الطبيعية في سواحل غربي المتوسط والتي كانت تساعدهم على الرسو ليلا للاستراحة من عناء التجديف أثناء النهار، أو عندما تضطرهم العواصف القوية لذلك.
هذا الحضور الذي يرى بشأنه الباحث محمد الهادي حارش أنه يمكن أن نتلمسه على مرحلتين أساسيتين هما مرحلة الارتياد والاستكشاف (ماقبل تأسيس قرطاج) ومرحلة الاستيطان والاستغلال ( مابعد تأسيس قرطاج)
وهو نفس الطرح الذي يراه الباحث غانم محمد الصغير والعديد من الباحثين الدارسين لمنطقة المغرب القديم، فلكل مرحلة من المراحل السابقة خصوصياتها ومظاهرها وكذا نتائجها إذا كنا نرى أن المرحلة الأولى عرفت بداية الاتصالات وكسب الثقة بين السكان المحليين والفينيقيين من خلال التجارة، والتي يصفها هيرودوت بالمساومة الخرساء، والتي تقوم أساسا على الثقة المتبادلة بعيدا عن أساليب المكر والغدر، فإن المرحلة الثانية.تتميز بالاستقرار والانصهار الحضاري.
ومثلت الرحلات الأولى مرحلة الاستكشاف ومنها رحلة حنون Hannon الذي دار حول السواحل الإفريقية ومنها سواحل المغرب القديم، ورحلة سيلاكسSylax والذي تنقل بين شواطىء الهند وشبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر ومنه إلى البحر المتوسط حوالي منتصف القرن الرابع ق.م، لذا فقد تضمنت هذه الرحلة قائمة بأسماء العديد من المحطات القديمة مع اتخاذ إيكوسيم الجزائر العاصمة كنقطة انطلاق نحو الغرب والشرق، ومن هنا ظهرت مراكز فنيقية منها