1. الظواهر الاجتماعية كأشياء :
نسجت الفلسفة الوضعية التي عبر عنها كونت عن تصوره لعلم الاجتماع خيوط فكر دوركايم، ويتبدى هذا بوضوح في تأكيده على ضرورة تناول الظاهرات الاجتماعية كأشياء، وهو التأكيد الذي يعني صراحة أو ضمنا محاكاة العلوم الطبيعية وتطبيق نظرتها وتصوراتها للظاهرات الطبيعية على الظاهراتويتأكد هذا التوجه لدى دوركايم من أخذه بالفكر العضوي الذي أقام مماثلة بين الظاهرة الاجتماعية، والظاهرة البيولوجية.
أي أن دوركايم يؤكد على أن علم الإجتماع ما كان له أن يوجد إلاّ عندما شعر المفكرين بأن الظواهر الاجتماعية أشياء ذات وجود حقيقي وبأنه يمكن دراستها حتى وإن لم تكن أشياء مادية بمعنى الكلمة . يقول دوركايم:" إن الظواهر الإجتماعية أشياء ويجب أن تدرس على أنها أشياء ، وإذا أردنا البرهنة على صدق هذه القضية فلسنا في حاجة إلى دراسة طبيعة هذه الظواهر دراسة فلسفية "
يوضح دوركايم معنى الشيئية بقوله :" إننا لا نقول في الواقع أن الظواهر الاجتماعية أشياء مادية ، ولكننا نقول إنها جديرة بأن توصف بأنها كالظواهر الطبيعية تماما ... ، ومعنى أن نعتبر الظواهر الاجتماعية على أنها أشياء هو دراستها بنفس الطريقة التي تدرس بها الظواهر الطبيعية ، أن نتحرر من كل فكرة سابقة حول هذه الظواهر ، وأن تأتي معرفتنا بها من الخارج عن طريق الملاحظة والمشاهدة ، وليس من الداخل عن طريق التأمل والاستبطان ، وليس معنى أننا نعالج طائفة خاصة من الظواهر على أنها أشياء هو أننا ندخل هذه الظواهر في طائفة خاصة من الكائنات الطبيعية ، بل معنى ذلك أننا نسلك حيالها مسلكا عقليا خالصا أي أننا نأخذ في دراستها وقد تمسكنا بهذا المبدأ الآتي ، وهو أننا نجهل كل سيء عن حقيقتها ، وأننا لا نستطيع الكشف عن خواصها الذاتية وعن الأسباب المجهولة التي تخضع لها عن طريق الملاحظة الداخلية مهما بلغت هذه الطريقة مبلغا كبيرا من الدقة .