3. انواع الانتحار كظاهرة اجتماعية :

3.1. مختلف انواع الانتحار

الانتحار الأناني

فالمجتمعات ذات الضمير الجمعي القوي تمنع التيارات الاجتماعية الوقائية والشاملة التي تنبع من ذلك الضمير حدوث وانتشار الانتحار الأناني فيها. عندما تضعف هذه التيارات الاجتماعية يتمكن الأفراد وبسهوله من تجاوز الضمير الجمعي ويفعلون ما يريدون. في الوحدات الاجتماعية الكبرى ذات الضمير الجمعي الضعيف، يترك الأفراد للجري وراء مصالحهم الخاصة بأي طريقة يريدونها. مثل هذه الأنانية غير المكبوحة "غالبا ما تقود إلى قدر كبير من الاستياء والضجر بما أنه لايمكن إشباع كل الحاجات وحتى التي يمكن إشباعها تنتج حاجات أكثر وأكثر، كما أنها تنتج الاستياء المطلق للعديد من الناس كما تدفع بعضهم إلى الانتحار.

وما هو مثير للاهتمام أن دوركايم هنا يعيد تأكيد أهمية العوامل الاجتماعية، حتى في الانتحار الأناني الذي يعتقد فيه أن الفرد حر من كل قيود اجتماعية. الفاعلون ليسوا أحراراً أبداً من قوة الجماعة " مهما كان الإنسان فرديا يبقي هناك دائماً شئ جماعي- الكآبة والسوداوية الناتجة من المبالغة في الفردية. إن الأنسان يؤثر علي المشاركة من خلال الحزن عندما لا يكون لديه ما يمكن تحقيقه بها "

تنبيه 

إن حالة الانتحار الأناني تشير إلى أنه حتى في أكثر الأفعال فردية وخصوصية تكون الحقائق الاجتماعية هي المحدد الأساسي.

الانتحار الإيثاري

النوع الثاني من الانتحار الذي ناقشه دوركايم هو الانتحار الإيثاري. في حين أن الانتحار الأناني غالباً ما يحدث عندما يكون الاندماج الاجتماعي ضعيف جداً اما الانتحار الإيثاري يحدث عندما يكون "الاندماج الاجتماعي قوي جداً." الفرد يجبر حرفيا علي ارتكاب فعل الانتحار

وبشكل عام إن الذين يرتكبون فعل الانتحار الإيثاري يفعلون ذلك لأنهم يحسون أن ذلك هو واجبهم.. مثلما في الانتحار الأناني اعتبر دوركايم أن التيارات الاجتماعية السوداوية هي سبب معدلات الانتحار الإيثاري العالية. في حين أن معدلات الانتحار الأناني العالية تنتج من التمزق والاكتئاب الحزين فإن الزيادة في معدلات الانتحار الإيثاري تأتى من الأمل لأنها تعتمد علي الاعتقاد في التصور الجميل لما بعد هذه الحياة

مثال 

ربما يكون أفضل نموذج للانتحار الإيثاري ذلك الانتحار الجماعي لاتباع "ريفيرنيد جيم جونز " في جونزتاون، غيانا. لقد تناولوا وبوعي كامل مشروب سام وفي بعض الحالات سقوا أطفالهم أيضا. من الواضح أنهم ارتكبوا الانتحار لأنهم دفعوا بقوة أو بهدوء إلى الموت من أجل اتباع جمعية جونز المتعصبة.

الانتحار اللامعياري

النوع الأساسي من أنواع الانتحار الذي ناقشه دوركايم هو الانتحار اللامعياري ويحدث عندما تضطرب ضوابط المجتمع. وترتفع معدلات الانتحار اللامعياري إذا كانت طبيعة الاضطراب إيجابية (الانتعاش الاقتصادي مثلا ) أو سلبية (الكساد الاقتصادي ). كلا النوعين من الاضطراب يؤدى إلى التعطيل المؤقت للجماعة عن أداء دورها السلطوي علي الأفراد. وتقود هذه التيارات إلى الزيادة في معدلات الانتحار المعياري. من السهل تصور هذا في حالات الكساد. إغلاق مصنع نتيجة للكساد الاقتصادي ربما يؤدي إلى فقدان وظيفة ونتيجة ذلك أن الفرد ينقطع عن تأثير ضوابط الشركة والوظيفة. الانفصال عن مثل هذه البنيات – لأسرة, الدين, الدولة مثلاً – يترك الفرد فريسة لأثر تيارات اللامعيارية. يبدو أنه من الصعب تخيل أثر الانتعاش الاقتصادي. في هذه الحالة يمكن القول أن النجاح المفاجئ ربما يقود الأفراد بعيداًً عن البنيات التقليدية التى نشأوا فيها. النجاح الاقتصادي ربما يقود الفرد إلى ترك عمله والانتقال إلى مجتمع جديد وربما يتخذ زوجة جديدة. كل هذه التغيرات تؤدى إلى اضطراب أثر ضوابط البنيات الموجودة وتترك الفرد في فترات الانتعاش الاقتصادي فريسة للتيارات الاجتماعية اللامعيارية. الزيادة في معدلات الانتحار اللامعيارى خلال فترات اضطراب الحياة الاجتماعية منسجمة مع رؤية دوركايم عن الأثر الضار لنزوات الفرد عندما يتحرر من القيود الخارجية. فعندما يتحرر الناس يصبحون عبيداً لنزواتهم ونتيجة لذلك، يرى دوركايم أنهم يقومون بسلسلة واسعة من الأفعال المدمرة تشمل قتل أنفسهم في أعداد أكبر مما هو معتاد

الانتحار القدري

ناقشه دوركايم في إحدى حواشي كتابه (الانتحار). ففي حين أن الانتحار اللامعيارى يحدث في الحالات التى تضعف فيها الضوابط فان الانتحار القدري يحدث في الحالات التى تكون فيها الضوابط متجاوزة للحد المرغوب فيه. وصف دوركايم الذين يرتكبون فعل الانتحار القدري بأنهم "أشخاص مستقبلهم مغلق بقسوة ونزواتهم خنقت بعنف عن طريق نظام قهري " المثال التقليدي هو الرقيق الذى يقتل نفسه بسب عدم الأمل المصاحب للضوابط القاهرة لكل أفعاله. الزيادة في الضوابط – القهر – تطلق العنان لتيارات السوداوية والتي بدورها تتسبب في ارتفاع معدلات الانتحار القدري