3. انواع الانتحار كظاهرة اجتماعية :

انواع الانتحار كظاهرة اجتماعية :

اختار دوركايم دراسة ظاهرة الانتحار بدلاً عن العديد من الظواهر الاجتماعية الأخرى لانه ظاهرة ملموسة ومحددة. كما أن هنالك قدر جيد من المعلومات عن الانتحار ويعتبر بواسطة العديد من الناس فعلاً خاصاً وشخصياً.

شرح دوركايم فكرة التيارات الاجتماعية في كتابه قواعد المنهج الاجتماعي لكنه استخدمها كمؤشر توضيحي أساسي في دراسة ميدانية أصبحت نموذجاً لتطور الدراسات الميدانية الأمريكية. حيث وضح دوركايم أن الحقائق الاجتماعية وخاصة التيارات الاجتماعية مستقلة عن الفرد وقاهرة له. يعتقد دوركايم أنه إذا تمكن من توضيح أن لعلم الاجتماع دور يلعبه في توضيح ما يبدوأنه فعل فردى مثل الانتحار فإنه يصبح من الممكن توسيع مجال علم الاجتماع لدراسة ظواهر هى أكثر انفتاحاً للتحليل السوسيولوجى. أخيرا اختار دوركايم دراسة الانتحار لأنه إذا تمكن من إقناع المجتمع العلمي بدراسته لهذه الظاهرة سيكون لعلم الاجتماع فرصة أكبر في الحصول على الاعتراف من العالم الأكاديمي.

كعالم اجتماع لم يكن دوركايم مهتماً بدراسة لماذا أن شخصاً محدداً ينتحر. هذا يجب أن يترك لعالم النفس. لكن دوركايم كان مهتماً بتوضيح التباين في معدلات الانتحار، أي أنه كان مهتما بلماذا نجد أن مجموعة معينة لها معدل انتحار أعلى من الأخرى. يفترض دوركايم أن العوامل البيولوجية، والنفسية الاجتماعية تبقى ثابتة من مجموعة لأخرى ومن وقت لاخر. وإذا كانت هنالك اختلافات في معدل الانتحار من مجموعة لأخرى أو من وقت لأخر يرى دوركايم أن الاختلاف يرجع إلى الاختلاف في العوامل الاجتماعية وتحديدا ً التيارات الاجتماعية.

وكملتزم بالبحث الميداني لم يكتف دوركايم بإبعاد الأسباب الأخرى التى ربما تؤدى إلى الاختلاف في معدلات الانتحار وإنما قام باختبار تلك الأسباب ميدانيا ً .

بدأ كتابه عن الانتحار بسلسلة من الأفكار المغايرة عن أسباب الانتحار. من ذلك الحالة المرضية النفسية للفرد، العرق، الوراثة والمناخ .

في حين أن دوركايم عرض قدراً واسعاً من الحقائق ورفضها كمسبب لاختلاف معدلات الانتحار، لكن حجته الأوضح والتي تنسجم مع مجمل تصوره كانت حول علاقة العوامل العرقية مع تلك الاختلافات. أحد أسباب رفض العرق هو أن معدلات الانتحار تتباين وسط المجموعات ذات الأصل العرقي الواحد. وإذا كان العرق سبباً مؤثرا في تباين معدلات الانتحار فيمكننا أن نفترض أن له أثراً مشابها على مختلف المجموعات. دليل آخر ضد أهمية العرق في تباين معدلات الانتحار هو التغير في تلك المعدلات وسط عرق معين عندما ينتقل من مجتمع إلى آخر. وإذا كان العرق حقيقة اجتماعية ذات علاقة يجب أن يكون لها نفس الأثر في مختلف المجتمعات. بالرغم من أن حجة دوركايم هنا ليست كافية جداً وربما تكون حججه حول العوامل الأخرى التى رفضها أضعف ،. ثم نظر في المعلومات الخاصة بالعامل الجغرافي و خلص إلى أنه ليس له أي أهمية. قبل دوركايم أن انتحار بعض الأفراد ربما يكون بسبب التقليد، لكن هذا عامل ضعيف جداً وليس له أي تأثير على معدلات الانتحار الكلية. وأخيراً رفض نظرية التقليد كعامل هام لرؤيته أن حقيقة اجتماعية ما تكون فقط نتيجة حقيقة اجتماعية أخرى. وبما أن التقليد عامل اجتماعي نفسي لن يكون له في نسقه أية أهمية في تباين معدلات الانتحار وخلص إلى أن "معدلات الانتحار الاجتماعي يمكن توضيحها فقط سوسيولوجيا.ً". من ناحية فهو يقول أن المجموعات المختلفة لها ضمير جمعي مختلف وتمثلات جمعية مختلفة أيضاً. من الناحية الأخرى هذا ينتج تيارات اجتماعية متباينة ذات أثر تبايني على معدلات الانتحار. إحدى طرق دراسة الانتحار هي المقارنة بين مختلف المجتمعات أو الأنواع الأخرى من المجموعات. من ناحية أخرى يري دوركايم أن التغير في الضمير الجمعي يقود إلى تغير في التيارات الاجتماعية والتي بدورها تؤدي إلى التباين في معدلات الانتحار. أدى هذا إلى الدراسة التاريخية للتغيرات في معدلات الانتحار ضمن مجموعة معينة. في كلتا الحالتين، ثقافياً أو تاريخياً فأن منطق الحجة هو نفسه التباين أو التغير في الضمير الجمعي الذي يؤدي إلى تباين أو تغير في التيارات الاجتماعية وهذا بدوره يؤدي إلى تباين في معدلات الانتحار.

ملاحظة

كان دوركايم واضحا حول الدور الأساسي الذي تلعبه التيارات الاجتماعية في تسبيب الانتحار كل مجموعة اجتماعية لها استعداد جماعي للفعل، خاص بها، وهو مصدر الاستعداد الفردي وليس نتيجته. وهو يتكون من تيارات من الأنانية، الإيثار أو اللامعيارية تتخلل كل المجتمع. هذه النزعات للجسم الاجتماعي ككل، وبتأثيرها علي الأفراد تدفعهم إلى الانتحار