2. الضمير الجمعي في المجتمع
الضمير الجمعي في المجتمع
كان كتاب قواعد المنهج في علم الاجتماع العمل الرئيسي الثاني لدور كايم و الذي قدم فيه تصورا ً جديدا ً ل الضمير الجمعي و يؤكد دور كايم أنه ينتج عن تجمع عقول الأفراد و التحامها ، نوع من الوحدة السيكولوجية تتميز عن الأفراد ذاتهم و هذا النتاج الجمعي ليس هو مجموع الأجزاء ، ذلك أن الجماعة تمارس أنماطا ً من التفكير و الشعور و السلوك مختلفة تماما ً عن الأفراد الذين يكونونها ، و هذا هو الذي يجعل من الضروري أن يبدأ تحليل سلوك الجماعة بدراسة ظواهر جمعية بدلا ً من دراسة الأفراد .
فمن العسير أن نفسر الظواهر الاجتماعية على أساس العمليات النفسية للفرد ، لأن هذه العمليات لا تستطيع بذاتها أن تؤدي إلى إيجاد تصورات جمعية للعواطف و غير ذلك من الميول الجماعية .
و هذه الظواهر الجمعية تمارس ضغطا ً قويا ً على الأفراد بحيث تصبح السمات العامة المميزة لأعضاء الجماعة نتيجة مترتبة عن هذا الضغط ، على الرغم من أن ذلك لا يبدو واضحا ً للأفراد، و لقد أوضح وجهة نظره في كتابه " قواعد المنهج في علم الاجتماع " باعتبارها تمثل تعديلا ً جزئيا ً للموقف الذي تبناه في كتاب " تقسيم العمل الاجتماعي " فقد ذهب في كتابه هذا إلى أن الضمير الجمعي يتألف من التصورات و العواطف الشائعة بين الأفراد و الذين يكونون غالبية أعضاء الجماعة أما في " قواعد المنهج " فنجد أن التماثل العقلي و العاطفي بين غالبية الأعضاء مستمد من الضغط الذي يمارسه الضمير الجمعي على كل منهم
و أصدق مثال على ذلك أنه في وقت الثورات التي تقوم بها الشعوب ضد نظام ما فإن هناك عقل جمعي يحركها مما يجعلها تتصرف كفرد واحد و ما إن تتولى السلطة حتى توقع الجزاءات و بطريقة آلية دون تفكير في حق كل من كان يخالفها ، و لعل الثورة الفرنسية نفسها التي لمس دور كايم مخاطرها تدلنا على ذلك ، و لكن بعد مضي فترة من الزمن يبدأ هذا العقل الجمعي بالتغير البطيء لدخول عناصر عديدة تغير من خطه الذي بدأه حتى يتشكل عقلا ً جمعيا ً آخر قد يكون مخالف تماما ً للعقل الجمعي الذي كان هو المحرك الأساسي للثورة .