Résumé de section
-
الباب الثاني
العقــــــد Le contrat
المواد من 54 إلى 123 من القانون المدني
دراسة العقد كمصدر للالتزام (النظرية العامة للعقد) تقتضي منا أولا دراسة كيفية تكوين العقد، أي البحث في شروط انعقاد العقد وفي شروط صحته ثم الانتقال ثانياً إلى تحديد الآثار المترتبة على انعقاده، ولكن قبل هذا وذلك جدير بنا الوقوف عند ماهية العقد، من خلال تعريفه وبيان أساس قوته الملزمة ثم التقسيمات المختلفة له، وذلك على الشكل التالي:
مبحث التمهيدي: ماهية العقد
الفصل الأول: تكوين العقد
الفصل الثاني: آثار العقد
مبحث التمهيدي
ماهية العقد
المطلب الأول
التعـريف بالــــــــــــعقد
يعرف العقد على أنه توافق ارادتين او أكثر على احداث أثر قانوني معين، سواء تمثل هذا الاثر في إنشاء الالتزام او تعديله او نقله او انهائه، ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا ان العقد يقوم على أمرين رئيسيين هما:
الأول: هو توافق ارادتين او أكثر: فالالتزام العقدي لا ينشأ إلا عن إرادتين متطابقتين فأكثر بحيث تعجز الإرادة الواحدة والمنفردة على إنشاء العقد وإن كانت قادرة على أن تكون مصدرا للالتزام وعليه فالعقد تصرف قانوني صادر عن جانبين.
الثاني: الغرض من العقد هو إنشاء الالتزام أو تعديله او نقله او الغائه: أي يتمخط على إنشاء علاقة قانونية ملزمة بحيث لا يكفي توافق الارادتين لقيام العقد، بل لابد من أن تتجه الإرادتين إلى إحداث آثار قانونية تمكن أحد الطرفين من مسائلة الطرف الآخر عند الاخلال بها، وبالمقابل إذا لم تتجه الإرادة إلى ذلك فلا نكون بصدد عقد كما هو الحال عند توافق الإرادتين على حضور وليمة او نزهة او ما الى ذلك.
ويعرف المشرع الجزائري العقد بنفس التعريف الوارد بالقانون الفرنسي بنص المادة 1101 منه، حيث تنص المادة 54 من القانون المدني على ما يلي" العقد اتفاق يلتزم بموجبه شخص او عدة اشخاص آخرين نحو شخص او عدة اشخاص آخرين بمنح أو فعل او عدم فعل شيء ما"
ويلاحظ من خلال هذا النص ما يلي:
-المشرع يميز بين العقد والاتفاق فيجعل دور العقد مقصورا فقط على إنشاء الالتزام دون تعديله او نقله او انهائه كما هو الحال بالنسبة للاتفاق.
-المشرع من خلال نص المادة 54 في حقيقة الامر نجده لا يعرف العقد وإنما يعرف الالتزام من خلال أحد مصادره وهو العقد.
- المشرع أدخل نفسه في مسألة التعريف وهي اليوم من صميم اختصاص الفقه، فكان الأولى له حذف نص المادة 54 أسوةً بالمشرع المصري.
- استعمل المشرع مصطلح "منح" "فعل" و" عدم فعل شيء ما" وهي مصطلحات تقليدية لا تبرز بدقة جوهر مضمون الالتزام مما ترتب عليه سوء في صياغة نص المادة 54 ق م.
المطلب الثاني
العقد والاتفاق
يذهب بعض شراح القانون المدني إلى التمييز بين العقد والاتفاق، فيعتبرون الاتفاق جنس والعقد نوع. فالعقد عندهم بالنسبة إلى الاتفاق هو بعض من كل، حيث يرى البعض بأن العقد يقتصر مجاله فقط على الاتفاقات التي اهتم المشرع بتنظيمها وخصها بأسماء معينة (العقود المسماة) كالبيع والايجار، أما اصطلاح الاتفاق فينصرف الى الاتفاقات التي تغص بها الحياة اليومية والتي لم ينظمها المشرع بعد (العقود غير المسماة).
ويذهب البعض الآخر الى القول بأن العقد يقتصر فقط على إنشاء الالتزام كما في البيع دون تعديله، كما في الاتفاق على اقتران اجل بالالتزام ودون نقله كما في حوالة وحوالة الدين ودون زواله كما في الوفاء، في حين ينصرف مصطلح الاتفاق عندهم إلى إنشاء الالتزام وتعديله ونقله وانهائه.
وأهمية التفرقة هذه في نظر هؤلاء الشراح تظهر اساساً بالنسبة للأهلية، إذ هي تختلف في العقد عنها في الاتفاق، غير أن هذه التفرقة مهجورة الآن ولا أهمية لها، لأن الأهلية في العقد تختلف باختلاف العقود ذاتها، فالأهلية اللازمة لصحة للبيع تختلف عن الأهلية اللازمة لصحة الإيجار، كما تختلف في العقد الواحد من متعاقد لآخر كما في عقد الهبة، فالأهلية التي تشترط في الواهب غير الاهلية التي تشترط في الموهوب له.
إن التميز السابق بين العقد والاتفاق تمييز لا أهمية عملية او علمية له تذكر، لأجل ذلك نادى الفقه الحديث بعدم التمييز بينهما واعتبارهما مجرد مصطلحين مترادفين وان العقد اتفاق إرادتين او أكثر على ترتيب أثر قانوني معين، بإنشاء الالتزام او تعديله او نقله او انهائه.
المطلب الثالث
مجال العقد
من خلال التعريف السابق للعقد يتبين أن مجال العقد يتحدد فقط بالاتفاقات التي تدخل في نطاق القانون الخاص وفي دائرة المعاملات المالية، حيث يخرج من مجاله الاتفاقات المتعلقة بفروع القانون العام كالمعاهدات الدولية، واتفاقات النائب الناخب، فالأولى تحكمها قواعد القانون الدولي العام والثانية تحكمها قواعد القانون الدستوري.
وتخرج كذلك من مجال العقد الاتفاقات التي تبرمها الدولة باعتبارها صاحبة سلطة تمثل المصلحة العامة مع الافراد، فهذه العقود الإدارية تخرج من مجال نظرية العقد وتخضع للقانون والقضاء الإداريين.
وعليه فمجال العقد هو دائرة القانون الخاص وفي حدود الاتفاق المتعلقة بالذمة المالية ومنه يخرج أيضا من مجال العقد الروابط المتعلقة بالأحوال الشخصية على الرغم من إنتاجها لبعض الروابط المالية كالزواج والطلاق.
المطلب الرابع
أساس القوة الملزمة للعقد أو مبدأ سلطان الإرادة
يقصد بمبدأ سلطان الإرادة (Principe de l'autonomie de la volonte) حرية الإرادة وكفايتها في إنشاء العقود والتصرفات القانونية وفي تحديد آثارها، فالإرادة هي أساس قدرة العقد على إنشاء الالتزام وأساس قوته الملزمة لعاقديه، ومن خلال هذا التعريف يتضح أن مبدأ سلطان الارادة يتضمن قاعدتين أساسيتين هما:
قاعدة الرضائية: وتعني ان الارادة وحدها كافية لإنشاء العقد والتصرف القانوني بوجه عام دون الحاجة لان تفرغ في شكل معين.
حرية الإرادة في تحديد آثار العقد: فالإرادة المشتركة للمتعاقدين حرة في تحديد الآثار المترتبة على العقد (الالتزامات)، بحيث لا توجد هذه الالتزامات إلا بالقدر وفي الحدود التي رسمها المتعاقدان، وبمعنى آخر فإن بنود العقد هي فقط من وضع المتعاقدين دون تدخل من أي طرف كان وهذا ما عبر عنه المشرع الجزائري بنص المادة 106 من القانون المدني التي تنص" العقد شريعة المتعاقدين لا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، او للأسباب التي يقررها القانون".
أولا: نشأة وتطور مبدأ سلطان الإرادة.
لم تَعرف الشرائع القديمة كالقانون الروماني مبدأ سلطان الارادة، خاصة فيما يتعلق بكفاية الإرادة لإنشاء التصرف القانوني دون ضرورة بأن يأتي في شكل معين، حيث ظلت القاعدة السائدة في القانون الروماني هي الشكلية أما الرضائية فهي الاستثناء، بحيث بحسب الأصل لا يكفي فيه توافق الارادتين لقيام العقد بل يجب فوق ذلك اتخاذ إجراءات شكلية معينة (تبادل عبارات معينة أو كتابة صيغة معينة وإما تسليم شيء ما).
وفي العصور الوسطى ساد مبدأ سلطان الكنيسة وكان للمبادئ التي نادى بها القانون الكنسي الأثر الكبير في انتشار مبدأ سلطان الإرادة حيث كانت الكنيسة تدعو الى احترام العهود والمواثيق واعتبرت الإخلال بها في بادئ الأمر خطيئة دينية ثم إخلالا بالتزام قانوني. وبهذا يكون القانون الكنسي بمثابة مهد لمبدأ سلطان الإرادة، حيث يعتبر أن كل اتفاق يكون ملزماً ولو تجرد من الشكل فكان الأصل هنا رضائية العقود.
وازداد تطور مبدأ سلطان الارادة في القرنين الثامن والتاسع عشر بفعل عوامل متعددة أهمها انتشار المذهب الفردي الذي يقدس الحرية الفردية، ويجعل للقانون غاية واحدة هي ضمان هذه الحرية، فسادت فكرة استقلال الإرادة كأساس لكل النظم القانونية والاقتصادية والاجتماعية (من ذلك قاعدة دعه يعمل دعه يمر لأدم سميث، ومن تطبيقاتها في هذا المجال دعه يتعاقد كيف يشاء)، وقد جاء القانون الفرنسي مشبعا بهذه الأفكار.
بعد هذا الازدهار الذي عرفه مبدا سلطان الارادة بدا المبدأ في التقلص خلال القرن 20 تحت تأثير المبادئ الاشتراكية والتغيرات الاقتصادية والسياسية، فعلى العكس من المذهب الفردي ينادي المذهب الاشتراكي بتغليب مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد، وعليه ليس للإرادة القدرة والسلطان على إنشاء العقد وتحديد آثاره إلا في الحدود ووفق الشروط التي يحددها المجتمع(القانون). فليس للإرادة سلطان فوق سلطان القانون الناطق بمصلحة الجماعة. فهذا الوضع ترتب عليه تراجع مبدأ سلطان الإرادة من خلال ظهور عقود لا يعتد فيها بالإرادة والحرية الفردية مثل عقد العمل، عقد الشركة وعقود الإذعان…. الخ
ثانيا: النتائج المترتبة على مبدأ سلطان الارادة
يترتب على الأخذ بمبدأ سلطان الإرادة النتائج التالية:
1-الالتزامات الإرادية هي الأصل
2- حرية التعاقد وعدم التعاقد
3- حرية تحديد آثار العقد
4- نسبية الأثر الملزم للعقد
5- القوة الملزمة للعقد
1-الالتزامات الإرادية هي الأصل: فلا يلتزم الشخص بحسب الاصل الا وفقا لإرادته فهو الأعلم بما يحقق مصالحه، لان الشخص لا يمكن أن يريد ما هو ضد مصلحته ولهذا كل التزام يقبله الشخص بإرادته الحرة لا يكون إلا عدلا ويقتصر دور القانون على حماية الحرية فكل عقد أبرم بحرية تامة هو عدل كامل مهما كانت شروطه، وإذا اقتضت حاجة المجتمع فرض بعض الالتزامات على الأفراد رغما عن ارادتهم فيجب حصر هذه الحالات إلى أضيق الحدود.
2- حرية التعاقد وعدم التعاقد: وفقا لمبدأ سلطان الإرادة للفرد كامل الحرية في أن يتعاقد او ان لا يتعاقد، بحيث لا يمكن إجباره على الدخول في علاقة عقدية دون رضاه، كما له حرية اختيار الشخص الذي يتعاقد معه.
كما يقصد بمبدأ حرية التعاقد ايضا ان ارادة المتعاقدين وحدها كافية لإبرام العقد بمجرد تبادل الإيجاب والقبول دون الحاجة لان تفرغ في شكل معين وهذا هو مبدأ الرضائية في العقود.
وحرية عدم التعاقد تقتضي بأنه لا يمكن إجبار الفرد على الدخول في علاقة تعاقدية لا يرغب فيها دون رضاه، حتى ولو كان في ذلك مصلحة أكيدة له، وبهذا يرفض مبدأ سلطان الإرادة وجود ما يسمى بالعقود الجبرية.
3-حرية تحديد آثار العقد: لإرادة المتعاقدين كامل الحرية في تحديد مضمون وشروط العقد بحيث لا يلتزم الفرد إلا بما أراد أن يٌلزم به نفسه، فالفرد حر في أن يتعاقد وفق ما يريد وبالشروط التي يرتضيها، وبهذا للأفراد ان يبرموا ما شاءوا من العقود، وإن أراد المشرع التدخل لتنظم طائفة من العقود (العقود المسماة) فإن تدخله هذا يجب أن يكون بموجب قواعد مفسرة ومكملة لإرادة المتعاقدين عند عدم الاتفاق على خلافها. وللمتعاقدين كامل الحرية في الاخذ بهذه التنظيم النموذجي او تركه ووضع تنظيمات اخرى، وان وجدت بعض القواعد الآمرة في هذا الشأن فيجب أن تكون بمثابة الاستثناء وأن يكون هدفها حماية إرادة المتعاقدين ذاتها كما في القواعد المتعلقة بالأهلية وعقود الإذعان…. الخ
4-القوة الملزمة للعقد: يقصد بالقوة الملزمة للعقد أن العقد يلزم المتعاقدين مثلما يلزم القانون أفراد المجتمع، وأساس هذه الإلزامية هو مبدا سلطان الإرادة نفسه، لأن بنود العقد وشروطه هي من وضع الارادة الحرة للمتعاقدين، ولهذا يعتبر العقد شريعة المتعاقدين، فإذا كان الشخص حر في الدخول في العقد بإرادته فإنه غير حر في الخروج منه أو تعديل بنوده بإرادته وحده، لان العقد وليد ارادتين فلا تنقضه الإرادة الواحدة.
ومبدأ القوة الملزمة للعقد يسري ايضا على القاضي فلا يحق له وفقا لهذا المبدأ تعديل العقد أو انهاؤه بحجه انه غير عادل أو أن الظروف التي أبرم في ظلها قد تغيرت، ويقتصر دور القاضي فقط على تفسيره وتكييفه، وهو في عمله هذا يجب أن يبحث عن الإرادة الحقيقية للمتعاقدين.
وتبعا لما تقدم القوة الملزمة للعقد تجد أساسا لها في مبدأ سلطان الارادة وتعني أن العقد شريعة المتعاقدين أي قانون المتعاقدين بحيث لا يجوز نقضه أو تعديله الا باتفاق الطرفين، أي أن العقد يقوم مقام القانون بالنسبة لعاقديه طبقا للمادة 106 من القانون المدني والمادة 1134 من القانون المدني الفرنسي.
5-مبدأ نسبية الأثر الملزم للعقد: يقتضي مبدأ سلطان الارادة ان الارادة لا تلزم إلا صاحبها وعليه فالعقد لا ينشأ الالتزام الا في ذمة أحد المتعاقدين أو كلاهما، فلا يجوز أن ينشأ الالتزام في ذمة الغير الذي لم يكن طرفا بالعقد وهذا ما يٌعبر عنه بمبدأ نسبية آثار العقد، فلا يٌحمل الشخص بالالتزام ولا يكسب حقاً ناشئاً عن عقد ما لم يكن طرفاً فيه.
ثانيا: القيود الواردة على مبدأ سلطان الارادة
بعد الانتشار الواسع للمذاهب الاشتراكية والاجتماعية وبعد التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عرفها العالم خلال القرن العشرين (20) فٌرضت بعض القيود على مبدأ سلطان الإرادة نذكر أهمها:
1-القيود الواردة على حرية التعاقد وعدم التعاقد: إذا كان مبدأ سلطان الارادة يتطلب حرية الإرادة في التعاقد وعدم التعاقد فإن هذا المبدأ خضع للتقييد بما يلي:
-حرية التعاقد مقيدة بالتوسع المستمر لمفهوم النظام العام والآداب العامة: بحيث لا يمكن للإرادة الدخول في علاقة تعاقدية مخالفة للنظام العام، فكل عقد يبرم على شكل يخالف النظام العام والآداب العامة يكون باطلا بطلانا مطلقا، والملاحظ ان فكرة النظام العام والآداب العامة هذه فكرة مطاطة وتعرف اتساعاً كبيراً في الدول التي تتبنى النهج الاشتراكي كما تعرف الكثير من التغيير والتحوير في محتواها.
-حرية عدم التعاقد قيدت مع ظهور ما يسمى بالعقود الجبرية: التي يجبر فيها الشخص على إبرامها كعقود التأمين الجبري والتزام التجار ببيع السلع لكل من يتقدم لشرائها (فالتاجر هنا مجبر على التعاقد وغير حر في اختيار شخص المتعاقد معه). فهذه الأخيرة عقود جبرية مفروضة لا يمكن للمتعاقد رفضها.
2-القيود الواردة على حرية تحديد آثار العقد: اذا كان مبدأ سلطان الارادة يتطلب أن يترك أمر تحديد بنود وشروط العقد للإرادة الحرة والمشتركة للمتعاقدين دون تدخل من طرف المشرع، إلا أن هذا المبدأ قد شمله بعض التقييد حيث كثيرا ما يتدخل المشرع لتحديد آثار وبنود بعض العقود بموجب قواعد آمرة لا يجوز الخروج عليها والاتفاق على مخالفتها، مثل عقد العمل الذي يحدد فيه المشرع بصفة مسبقة بموجب قواعد آمرة حقوق وواجبات العامل ورب العمل، ونفس الشيء بالنسبة لعقد الشركة وعقد التأمين، وهو ما يجعلنا نقترب من مرحلة العقد الموجه او ما يسمى أيضا بالعقد النظام(أو عقود الانضمام لاقتصار دور الارادة على ابداء الرغبة في الدخول في العقد فقط دون مناقشة باقي المسائل المتعلقة بالعقد).
3- القيود الواردة على مبدأ القوة الملزمة للعقد: إذا كان مبدأ سلطان الإرادة يجعل من العقد شريعة وقانون المتعاقدين بحيث يلزم كلا المتعاقدين بما تضمنه من بنود ولا يجوز نقضه أو تعديله الا باتفاق الطرفين، فإن جل التشريعات أجازت تدخل القاضي لتعديل بعض بنود العقد او اعفاء أحد طرفيه منها، ومن الحالات التي يجيز فيها المشرع للقاضي التدخل لتعديل العقد نذكر ما يلي:
-المادة 106 من القانون المدني العقد شريعة المتعاقدين لا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقرها القانون. (هذا النص أقر المبدأ والاستثناء)
-المادة 107 من القانون المدني يجوز للقاضي تبعا للظروف وبعد مراعاة مصلحة الطرفين أن يتدخل لرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، وهذا خاص بحالة الظروف الطارئة والاستثنائية
-المادة 110 من القانون المدني في عقود الإذعان يجوز للقاضي تعديل الشروط التعسفية في هذا العقد وله حتى إعفاء الطرف الضعيف المذعن منها وفقا لما تقضي به العدالة.
-المادة 184/02 من القانون المدني أجاز المشرع للقاضي التدخل لتعديل الشرط الجزائي إذا كان مبالغاً فيه بشكل لا يتناسب مع الضرر الذي أصاب الدائن.
4-القيود الواردة على مبدأ نسبية الأثر الملزم للعقد: فإذا كان مبدأ سلطان الارادة يتطلب بان لا يكون للعقد قوة ملزمة إلا لمن كانوا طرفا فيه أي لمن شاركت ارادتهم في انشائه فإنه استثناء من ذلك فإن القانون وفي حالات خاصة جعل آثار العقد تمتد الى الغير بحكم القانون كما في حالة عقد المقاولة الذي يبرم بين المقاول رب العمل، حيث يجيز المشرع لعمال المقاول وللمقاول من الباطن و عماله على الرغم من أنهم ليسوا أطرافا في عقد المقاولة الأصلي الرجوع بطريق الدعوى المباشرة مباشرة على ربط العمل بما لا يجاوز القدر الذي يكون فيه مدينا للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى، انظر المادة 565 من القانون المدني ونفس الحكم ينطبق في عقد الوكالة بنص المادة 580 ق م و المادة 507 ق م بشأن الايجار الفرعي او الايجار من الباطن(وهي حالات الدعوى المباشرة).
5-تراجع مبدأ الرضائية في العقود: إذا كان مبدأ سلطان الارادة يتطلب كفاية الإرادة وحدها لانعقاد العقد بحيث يكفي فقط توافق الارادتين لقيام العقد، الا ان المشرع وفي حالات معينة يقر عدم كفاية الإرادة لانعقاد العقد طبقا للمادة 59 من القانون المدني والتي تنص "يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين (مبدأ الرضائية)، دون الإخلال بالنصوص القانونية" وبالتالي قيد مبدأ الرضائية بمبدأ آخر وهو مبدأ الشكلية.
وتطبيقا لنص المادة 59 ق م تفرض المادة 324 مكرر من القانون المدني تحرير العقود المتعلقة بالحقوق العينية العقارية في شكل رسمي وإلا كانت باطلة كما يشترط لترتيب آثارها (نقل الملكية) أن تخضع لإجراءات الشهر العقاري.
6-اتساع نطاق الالتزامات غير الإرادية: بفعل التطورات الاقتصادية والاجتماعية اتسع نطاق الالتزامات غير الإرادية التي تنشأ عن القانون، العمل غير المشروع والإثراء بلا سبب، حيث نجد مثلا قواعد وأحكام المسؤولية التقصيرية قد تطورت فبعد ان قامت على فكرة الخطأ ظهرت المسؤولية دون خطأ على أساس تحمل التبعة أو المسؤولية الموضوعية، وهذا نتيجة الثورة الصناعية واستخدام الآلات الخطرة.
المطلب الخامس
تقسيمات العقود
للعقود تقسيمات مختلفة بحسب الزاوية التي ينظر منها الى هذه العقود، ولما كان تقسيم العقود عمل فقهي يقوم به الفقهاء بسبب بحثهم في القواعد التي تحكم كل طائفة من العقود وليس من عمل المشرع، فان جل التشريعات الحديثة تحاشت تحديد أنواع العقود إلا أن المشرع الجزائري خرج عن هذا التوجه حيث حاول بموجب المواد من 55 الى 58 ق م التعريف بأقسام العقود نقلا عن القانون الفرنسي، والأسوء من هذا انه لم يستوف كل التقسيمات حتى تلك التي وردت في القانون الفرنسي(من العقود التي لم يعرف بها المشرع الجزائري العقود الفورية والزمنية، العقود الرضائية والعقود الشكلية والعينية، العقود البسيطة والمركبة، العقود المسماة وغير المسماة)، زيادة عن ذلك يخلط المشرع الجزائري بين العقد المحدد والعقد التبادلي وبين عقد المعاوضة والعقد التبادلي إلى جانب سوء صياغة نص المادة 55 ق م .
ومن أهم التقسيمات التي وضعها الفقه للعقد نذكر ما يلي:
1- من حيث تنظيم المشرع للعقود، تنقسم العقود إلى عقود مسماة وأخرى غير مسماة
2- من حيث تكييف العقد، تنقسم العقود إلى عقود بسيطة وأخرى مركبة
3- من حيث مدى كفاية الإرادة في تكوين العقد تنقسم العقود إلى عقود رضائية، عقود شكلية واخرى عينية.
4- من حيث آثار العقد، تنقسم العقود إلى عقود ملزمة للجانبين وعقود ملزمة لجانب واحد.
5- من حيث مدى تبادل العطاءات، تنقسم العقود إلى عقود معاوضة وعقود تبرع
6- من حيث دور عنصر الزمن في تحديد قيمة الالتزامات الناشئة عن العقد، تنقسم العقود الى عقود فورية وعقود زمنيه مستمرة.
7- من حيث مدى إمكان تحديد قيمة الالتزامات الناشئة عن عقد العقود وقت انعقادها، تنقسم العقود إلى عقود محددة القيمة وعقود احتمالية.
اولا: العقود المسماة والعقود غير المسماة
1- العقد المسمى: هو ذلك العقد الذي خصه المشرع اسم خاص وتكفل بتنظيمه وبيان احكامه الخاصة، وهذا لذعته بين الناس وانتشاره في معاملاتهم، وقد نظم المشرع الجزائري هذه الطائفة من العقود بموجب المواد من 351 الى 673 من القانون المدني، ومن ذلك عقد البيع، عقد الإيجار، العارية، عقد الوكالة…...الخ
2 - العقد غير المسمى: هو ذاك العقد الذي لم يخصه المشرع باسم خاص ولا بأحكام خاصة بحيث لم يضع له تنظيما تشريعيا يحدد القواعد التي تحكمه، والأصل في العقود غير المسماة أنها لا تقع تحت حصر، فالإرادة حرة في إنشاء ما تشاء من العقود في حدود النظام العام والآداب العامة، مثل عقد الفندقة، عقود الطبع والنشر، عقود الإعلان وعقود الرعاية(كلما انتشرت هذه العقود غير المسماة وازدادت اهميتها كلما اهتم بها المشرع وتدخل بتنظيمها وبذلك يدرجها ضمن العقود المسماة، كما فعل مع عقد التسيير حيث أصبح هذا الأخير عقداً مسمى بعد تنظيم المشرع لأحكامه بموجب القانون 89/01 المؤرخ في 07/02/1989 المعدل للقانون المدني).
أهمية التقسيم:
تكمن أهمية تقسيم العقود إلى عقود مسماة وغير مسماة في معرفة وتحديد القواعد الواجبة التطبيق على كل عقد خاصة عند إغفال المتعاقدين الاتفاق على مسألة ما.
فالعقد المسمى يخضع للقواعد القانونية الواردة في شأنه (القواعد التي تحكم عقد البيع مثلا هي تلك الواردة بالمواد من 351 الى 412 من القانون المدني)، وهي قواعد مفسرة مكملة لإرادة المتعاقدين، بحيث لا تطبق الا إذا لم يتفق المتعاقدين على خلافها، كما لا تطبق القواعد العامة الخاصة بالعقد (المواد من 54 إلى 123 من القانون المدني) إلا إذا لم يوجد اتفاق بين المتعاقدين ولم يوجد نص خاص بهذا العقد المسمى ضمن التشريع المنظم له.
أما العقد غير المسمى فيخضع للاتفاق المتعاقدين، وفي حال إغفالهم الاتفاق على مسألة ما وجب تطبيق القواعد العامة لنظرية الالتزام الخاصة بالعقد (المواد من 54 الى 123 من القانون المدني). كما يمكن ومن قبيل القياس تطبيق احكام العقود المسماة الأقرب إلى هذا العقد غير المسمى.
والملاحظ أن وصف عقد معين بأنه مسمى او غير مسمى مسألة ليست بيد المتعاقدين وانما هي من صميم اختصاص القاضي الذي لا يتقيد بالتكييف والتسمية التي يعطيها المتعاقدين للعقد وإنما يتقيد في ذلك بمضمون العقد ذاته.
ثانيا: العقود البسيطة والعقود المركبة
1- العقد البسيط: هو ذلك العقد الذي لا يشتمل إلا على احكام عقد واحد فقط أي لا يتناول المتعاقدين من خلال العقد إلا عملية قانونية واحدة، بيع فقط او ايجار فقط….. مثل عقد البيع الإيجار، الصلح، القسمة…… الخ.
2- العقد المركب: فهو ذلك العقد الذي يشتمل على أكثر من عقد واحد أي يتناول أكثر من عملية قانونية واحدة، مثل بيع وايجار أو عمل وايجار، فالعقد المركب إذا يجمع بين عدة عقود لتحقيق اهداف معينه يعجز العقد البسيط أو العقد الواحد عن تحقيقها، مثل عقد الفندقة فهو يتضمن عقد إيجار بالنسبة للغرفة وعقد بيع بالنسبة للطعام وعقد وديعة بالنسبة للأمتعة…الخ.
أهمية التقسيم: تكمن أهمية تقسيم العقود إلى بسيطة ومركبة في معرفة وتحديد القواعد الواجب التطبيق على كل عقد عند إغفال المتعاقدين الاتفاق على مسألة ما.
- بالنسبة للعقد البسيط لا يطرح أي إشكال فاذا كان العقد مسمى تطبق عليه الأحكام التي أوردها المشرع بشأنه، وإن كان غير مسمى تطبق عليه الأحكام العامة لنظرية الالتزام أي أحكام نظرية العقد.
- بالنسبة للعقد المركب مميز بين فرضين:
الأول أن يكون المتعاقدين يهدفان للوصول الى عدة اغراض، في هذه الحالة لا يطرح أي إشكال بحيث تخضع كل مسألة لأحكام العقد الخاص بها، فمثلا في عقد الاقامة بفندق بشأن ما يتعلق بالغرفة تطبق احكام عقد الايجار، وبشأن تقديم الطعام تطبق أحكام البيع وهكذا (في هذه الصورة تتعدد أهداف كل من صاحب الفندق والنزيل بالفندق، والناحية الغالبة في هذا العقد هي ناحية الايجار -بالنسبة للأمتعة تطبق أحكام عقد الوديعة وبالنسبة لتقديم الخدمات تطبق احكام عقد المقاولة وهكذا…. الخ).
الثاني أن يرمي المتعاقدين إلى تحقيق هدف واحد من العمليات القانونية المختلفة التي يشتمل عليها العقد المركب، في هذه الحالة يجب تغليب أحكام العقد الذي يعتبر أساسيا و جوهريا في هذه العمليات لتطبق دون سواها على العقد المركب كله، كما في حالة البيع بطريق الإيجار وهو الايجار الذي ينقلب الى عقد بيع بعد دفع كل الأقساط، هذا العقد مركب من عملية الإيجار والبيع الهدف منه واحد وهو نقل ملكية الشيء محل العقد، والعقد الذي يعتبر جوهريا هنا هو عقد البيع، فإذا لم يتفق المتعاقدان حول مسالة ما وأراد أحدهما تطبيق احكام عقد الايجار وتمسك الاخر بأحكام عقد البيع، وجب تطبيق أحكام هذا الأخير أي البيع طبقا لما تقدم وطبقا لنص المادة 363 فقرة الثالثة من القانون المدني.
ثالثا: العقود الرضائية والعقود الشكلية والعقود العينية
1- العقد الرضائي: هو ذلك العقد الذي يكفي لانعقاده مجرد توافق إرادة المتعاقدين دون اشتراط إفراغ هذا التراضي في شكل معين أو اتباع اجراءات معينة، فالعقد الرضائي إذن لا يحتاج إلى شكلية معينة لانعقاده صحيحا والأصل في العقود هو رضائيتها طبقا لمبدأ سلطان وطبقا للمادة 59 من القانون المدني، وعليه فأركان العقد الرضائي ثلاث: التراضي، المحل والسبب.
2-العقد الشكلي: هو ذلك العقد الذي يلزم لانعقاد إفراغ رضاء المتعاقدين في شكل معين يحدده القانون فلا يكفي مجرد التراضي لانعقاده بل يجب زيادة عن ذلك وجوب تحرير هذا التراضي وهذا العقد في شكل رسمي وإلا وقع العقد باطلا، ومن العقود الشكلية في التشريع الجزائري بيع العقار، بيع المحل التجاري، عقد الشركة، عقد الرهن الرسمي طبقا للمادة 883 ق م، وكل تصرف من شأنه إنشاء أو نقل حق عيني عقاري طبقا للمادة 324 مكرر 01 من القانون المدني، وعليه أركان العقد شكلي أربع: التراضي، المحل، السبب والشكلية.
وتسمى هذه الشكلية بشكلية الانعقاد بحيث تعتبر ركنا في العقد فلا ينعقد الا إذا تم تحريره في الشكل الرسمي المطلوب والا كان باطلا بطلانا مطلقا، وهذا خلافا للشكلية المطلوبة للإثبات والشكلية المطلوبة للنفاذ.
وفي بعض العقود والتصرفات القانونية لا يقبل المشرع إثباتها إلا بالكتابة مثل التصرفات التي تزيد قيمتها عن 10.000 د ج طبقا للمادة 333 ق م والوصية طبقا للمادة 191 من قانون الأسرة، فالكتابة في هذه الحالة لا تعتبر ركنا في العقد وعليه لا يترتب على تخلفها بطلان العقد.
زيادة على ما تقدم يشترط المشرع في تصرفات اخرى اتباع اجراءات معينة لنفاذ هذه التصرفات فيما بين المتعاقدين وفي مواجهة الغير كما هو الحال في اشتراط إخضاع التصرفات الواردة على العقار لإجراءات الشهر العقاري وهذا ما يسمى بشكلية النفاذ، فإذا لم يتم إخضاع العقد لإجراءات الشهر العقاري ضل العقد صحيحا لأن الشهر ليس ركنا في العقد غير أنه غير قادر على ترتيب آثاره فيما بين المتعاقدين والغير، ففي بيع العقار مثلا اذا لم يحرر البيع في عقد رسمي كان البيع باطلا وإذا حرر في عقد رسمي كان البيع صحيحا لكنه لا ينقل الملكية إلى المشتري إلا بعد إخضاعه لإجراءات الشهر العقاري( الرسمية ركن أو شرط انعقاد، والشهر شرط نفاذ).
ويلاحظ اخيرا انه يمكن للعقد الرضائي أن يصبح عقدا شكليا بإرادة الطرفين إذا تم الاتفاق على أن العقد لا ينعقد الا إذا تم تحريره في شكل رسمي، وهذا إذا انصرفت إرادتهما الى اعتبار العقد غير منعقداً وباطلا إذا لم يحرر في هذا الشكل. اما إذا انصرفت إرادتهما إلى الحصول فقط على وسيلة لإثبات العقد يبقى رضائيا ولا تحول عدم الكتابة دون انعقاد العقد صحيحا لأنها شكلية اثبات فقط وليست شكلية انعقاد طبقا للاتفاق الحاصل بين العاقدين.
3-العقد العيني: هو ذلك العقد الذي لا يكفي لانعقاده قيام التراضي فقط بين طرفيه، بل يجب فوق ذلك ضرورة تسليم العين محل التعاقد فلا ينعقد العقد الا بالتسليم او القبض، أي يعتبر التسليم ركنا فيه إلى جانب التراضي، المحل والسبب، ومن العقود العينية في القانون الفرنسي والتي ورثها عن القانون الروماني عقد الوديعة، القرض، العارية وعقد الرهن الحيازي.
وبالرجوع إلى التشريع الجزائري نجد أن العقد الوحيد الذي يعتبر عقداً عينياً هو عقد الهبة الوارد على المنقول طبقا لنص المادة 206 من قانون الأسرة التي تنص على ما يلي "تنعقد الهبة بالإيجاب والقبول وتتم الحيازة ومراعاة أحكام قانون التوثيق في العقارات والإجراءات الخاصة في المنقولات وإذا اختل أحد القيود السابقة بطلت الهبة".
رابعا: العقود الملزمة للجانبين والعقود الملزمة لجانب واحد
1- العقد الملزم للجانبين أو العقد التبادلي: العقد الملزم للجانبين طبقا للمادة 55 من القانون المدني هو ذلك العقد الذي ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كلا المتعاقدين، أي يتبادل كلا طرفيه الالتزامات الناشئة عنه فيكون كلاهما دائن ومدين في نفس الوقت، كما في عقد البيع وعقد الإيجار فيلتزم البائع بنقل الملكية وهو في ذلك مدين للمشتري الدائن، ويلتزم المشتري بدفع الثمن وهو بذلك مدين للبائع الدائن. وفي عقد الإيجار يلتزم المؤجر كمدين بتمكين المستأجر الدائن من الانتفاع بالعين المؤجرة، ويلتزم المستأجر كمدين بدفع الاجرة الى المؤجر وهو دائن بهذا الالتزام.
2- العقد الملزم لجانب واحد: طبقا للمادة 56 ق م هو العقد الذي ينشئ الالتزامات على عاتق أحد المتعاقدين دون الآخر، فلا يتبادل كلا طرفيه الالتزامات التي تنشأ عن العقد، بحيث تقع على أحد طرفيه فقط، فيكون أحدهما دائن غير مدين والآخر مدينا غير دائن، مثل عقد الوديعة دون أجر طبقا للمادة 590 من ق م وعقد الهبة طبقا المادة 202 ق الاسرة، حيث يلتزم في عقد الهبة الواهب وهو مدين فقط بتسليم الشيء الموهوب الى الموهوب له وهو دائن فقط من دون أن يلتزم هذا الأخير بشيء.(يختلف العقد الملزم لجانب واحد عن التصرف بإرادة منفردة في أن الأول عقد يتم بتطابق إرادتين وإن كان لا يلزم الا طرفا واحدا خلافا للثاني الذي يعد عملا قانونيا صادرا عن إرادة واحدة فقط فلا يعتبر عقدا كالوصية والوعد بجائزة…).
أهمية التقسيم: تكمن أهمية هذا التقسيم في المسائل التالية:
- من حيث الدفع بعدم التنفيذ
- من حيث الفسخ
- من حيث تحمل التبعة
1- من حيث الدفع بعدم التنفيذ: طبقا للمادة 123 ق م الدفع بعدم التنفيذ مقصور تطبيقه فقط عن العقود الملزمة للجانبين دون العقود الملزمة لجانب واحد، فإذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الأداء وامتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه جاز للمتعاقد الآخر أن يمتنع عن تنفيذ ما عليه من التزام إلى أن ينفذ المتعاقد الآخر ما التزم به. وهذا هو الدفع بعدم التنفيذ وبهذا لا مجال لأعماله في العقود الملزمة لجانب واحد بحيث إذا لم ينفذ المدين ما التزم به ليس في ذمة الدائن أي التزام يمكنه الامتناع عن تنفيذه عن طريق التمسك بالدفع بعدم التنفيذ، فمن مصلحة الدائن هنا طلب التنفيذ العيني للالتزام او العقد.
2- من حيث الفسخ: طبقا للمادة 119 من القانون المدني مجال تطبيق الفسخ هو العقود الملزمة للجانبين فقط بحيث يترتب عليه انحلال الرابطة العقدية، فإذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ ما عليه من التزام جاز المتعاقد الآخر طلب الفسخ حتى يتخلص ويتحلل مما عليه من التزام، وعليه لا مجال لإعمال الفسخ في العقود الملزمة لجانب واحد لأنه عند إخلال المدين بما التزم به لا يوجد اي التزام يقابله في ذمة الدائن حتى يسعى لطلب الفسخ قصد التخلص منه، وعليه من مصلحته طلب التنفيذ العيني دون الفسخ كما في الدفع بعدم التنفيذ.
3- من حيث تحمل التبعة: طبقا للمادة 121 من القانون المدني ينقض الالتزام إذا استحاله على المدين تنفيذه بسبب أجنبي لا يد فيه، ويتحمل تبعة هذا الهلاك في العقود الملزمة للجانبين المدين وفي العقود الملزمة لجانب واحد الدائن.
- في العقود الملزمة للجانبين يترتب على انقضاء التزام أحد المتعاقدين بسبب استحالة تنفيذه (سقط من النص العربي للمادة كلمة "استحالة" انظر النص الفرنسي لنفس المادة par suite d'impossibilité d'execution)، انقضاء الالتزام المقابل له في ذمة المتعاقد الآخر وينفسخ العقد بقوة القانون طبقا للمادة 121 ق م، ويتحمل تبعة هذا الهلاك المتعاقد الذي اصبح تنفيذ التزامه مستحيلا أي المدين به، ففي عقد البيع مثلا إذا هلك الشيء المبيع بقوة قاهرة انقضى التزام البائع(مدين) بنقل الملكية وينقضي معه التزام المشتري بدفع الثمن وله رد الثمن ان كان قد دفعه إلى البائع ومن ثم يتحمل هذه الخسارة البائع باعتباره مدينا بالالتزام الذي هلك محله، ولا يمكنه مطالبة المشتري بالثمن( يعتبر دائنا بالنسبة للالتزام الذي استحالة تنفيذه)
- اما في العقود الملزمة لجانب واحد فإن تبعة الهلاك يتحملها الدائن دون المدين، لأنه إذا استحال على المدين تنفيذ التزامه بسبب اجنبي لا يد له فيه انقضى التزامه، ولن يخسر المدين هنا شيئا لأن هذا الانقضاء بالنسبة له يقوم مقام تنفيذ الالتزام و ليس لالتزامه ما يقابله في ذمة المتعاقد الآخر ينقي بإنقضائه، ففي عقد الهبة مثلا إذا هلك الشيء الموهوب بيد الواهب وهو المدين بنقل الملكية استحال عليه تسليمه الى الموهوب له( الدائن)، وبالتالي يزول التزام الواهب ولن يحصل الموهوب له على شيء، ومن ثم يتحمل الموهوب له وهو دائن غير مدين تبعة استحاله التنفيذ ولا يتحملها الواهب( المدين) ،لأنه في كلا الحالين التنفيذ أو الانقضاء يخرج محل الهبة من الذمة المالية للواهب دون أن يحصل على شيء، وهذا هو نفس الحكم بالنسبة للوديعة بغير أجر إذا استحال على المودع لديه رد الشيء الموُدع بسبب اجنبي يتحمل الخسارة المودع وهو الدائن.
خامسا: عقود المعاوضة وعقود التبرع
1- عقود المعاوضة: هي تلك العقود التي يأخذ فيها كل متعاقد مقابلا لما يعطيه للمتعاقد الاخر، اي يتبادل فيها المتعاقدان العطاءات وليس الالتزامات[1] ، مثل عقد البيع وعقد المقايضة وعقد الايجار، فالبائع ينقل ملكية الشيء المبيع ويحصل مقابل ذلك على الثمن، والمشتري يدفع الثمن ويحصل نظير ذلك على الشيء المبيع...الخ.
2- عقود التبرع: عقود التبرع هي تلك العقود التي لا يأخذ فيها أحد المتعاقدين مقابلا لما يعطيه للمتعاقد الآخر وبالمقابل لا يقدم ولا يعطي المتعاقد الآخر مقابلا لما حصل عليه، مثل عقد الهبة بدون عوض والوديعة بدون اجر وعقد العارية المادة 538 ق م، ففي عقد الهبة ينقل الواهب ملكية شيء معين للموهوب له دون ان يحصل على شيء، والموهوب له يحصل على الشيء الموهوب دون أن يعطي شيء.
و الجدير بالملاحظة ان اغلب عقود المعاوضة هي عقود ملزمة للجانبين واغلب عقود التبرع عقود ملزمة لجانب واحد، غير أنه لا يوجد تلازم بين هذين التقسيمين فأحدهما أساسه مدى تبادل الالتزامات والثاني أساسه مدى تبادل العطاءات بحيث يمكن أن تكون عقود التبرع عقود ملزمة للجانبين كما هو الحال في الهبة مع التكليف او بعوض وعقد العارية، فهي عقود تبرع ملزمة للجانبين(المادة 538 من القانون المدني والمادة 202 من قانون الأسرة)، كما يمكن أن تكون عقود المعاوضة عقودا ملزمة لجانب واحد فقط كما في عقد الوعد بالبيع المنزل لجانب واحد فهو لا يلزم الا الواعد إلا أنه عقد معاوضة وليس تبرع.
أهمية التقسيم: تكمن أهمية تقسيم العقود إلى معاوضة وتبرع فيما يلي:
* من حيث الأهلية اللازمة للتعاقد.
* من حيث أثر الغلط في شخص المتعاقد معه.
* من حيث مدى قيام الالتزام بالضمان (ضمان العيوب الخفية وضمان الاستحقاق).
* من حيث مدى وحجم مسؤولية المتعاقد عن عدم التنفيذ.
* من حيث شروط الدعوى البوليصية.
أ- من حيث الأهلية: يشترط المشرع في عقود التبرع توافر الأهلية الكاملة في المتبرع أي بلوغه 19 سنة دون أي عارض من عوارض الاهلية وإلا كان التصرف التبرع باطلا بطلانا مطلقا، لأنه ضارا به ضررا محضا.
أما في عقود المعاوضة فتكفي الأهلية الناقصة(التمييز) ببلوغه المتصرف سن 13 سنة دون جنون أو عته للانعقاد التصرف صحيحا وان كان قابلا للإبطال ابطال مستقبلا لمصلحة ناقص الأهلية طبقا للقانون المدني وموقوفا طبقا لقانون الأسرة، وهذا لأنها عقود دائر بين النفع والضرر.
ب- من حيث الغلط في شخص المتعاقد معه: في عقود التبرع يعتبر شخص المتعاقد معه أي المتبرع إليه محل اعتبار في العقد إذ لا يتبرع الفرد لأيّ كان، لذا يعتبر الغلط في شخص المتبرع له غلطاً جوهرياً يجعل العقد قابلا للإبطال لمصلحة من وقع في الغلط، كمن يهب مالا لزوجته معتقدا أنها لا تزال في ذمته في حين أن عدة طلاقها منه قد انقضت.
اما في عقود المعاوضة فإن الغلط في شخص المتعاقد معه لا يعتبر غلطا جوهريا فهو غير مؤثر في العقد إلا إذا أثبت من وقع في الغلط أن الشخص الذي تعاقد معه محل اعتبار خاص، كما في عقد الشركة، ففي عقد البيع مثلاً يستوي أن يتعاقد البائع مع زيد او عمر او غيرهما لان هدفه الجوهري هو الحصول على الثمن دون أهمية لشخصية المشتري.
ج- من حيث الالتزام بالضمان (ضمان العيوب الخفية وضمان الاستحقاق): الاصل ان الالتزام بالضمان لا يقوم الا في عقود المعاوضة، حيث يضمن البائع خلو الشيء المبيع من العيوب الخفية كما يضمن استحقاق الشيء المبيع للمشتري، أما في عقود التبرع فالأصل فيها لا يضمن فيها المتبرع لا استحقاق الشيء المتبرع به ولا خلوه من العيوب للمتبرع له، إلا إذا تعمد المتبرع بسوء نية إخفاء العيب او سبب الاستحقاق للغير كما في عقد العارية طبقا للمادة 541 ق م.
د- من حيث مدى وحجم مسؤولية المتعاقد عن عدم التنفيذ: ان مسؤولية المتبرع أخف من مسؤوليه غير المتبرع(المعاوض)، كما أن مسؤولية المتبرع له أشد من مسؤوليه المعاوض معه، ونجد هذا واضحا وجليا في العقود التي يمكن أن تكون عقود معاوضة كما يمكن أن تكون عقود تبرع، كعقود الوديعة، العارية، الوكالة وعقد القرض، فمن صور تخفيف مسؤولية المتبرع عدم التزامه بالضمان إلا عند الغش.
ففي عقد الوديعة مثلا طبقا للمادة 592 ق م إذا كانت الوديعة بدون اجر(تبرع) وجب على المودع لديه أن يبذل من العناية في حفظ الشيء المودع ما يبذله في حفظ ماله الخاص، أما اذا كانت باجر فيجب عليه دوما أن يبذل في ذلك عناية الرجل المعتاد، وعليه لا يسأل المودع لديه في الوديعة التبرعية عن إتلاف محل الوديعة إذا بذل في المحافظة عليه ما يبذله في المحافظة على ماله الخاص، حتى ولو كانت عنايته دون عناية الرجل المعتاد (كما لو كان رجل مهمل).
اما إذا كانت الوديعة بأجر(بعوض) فيسأل عن ذلك التلف لأنه تلقى مقابلا للوديعة وبالتالي عليه أن يبذل على الاقل في حفظ الشيء المودع عناية الرجل المعتاد (تشديد المسؤولية بالنسبة للمتصرف اليه).
ه- من حيث شروط الدعوى البوليصية (المادة 192 ق م): الدعوى البوليصية او دعوى عدم نفاذ تصرفات المدين هي الدعوى التي يرفعها الدائن للطعن في التصرفات التي يجريها المدين والضارة به، أي تلك التي من شأنها أن تؤدي إلى إعسار المدين أو الزيادة اعساره (والاعسار معناه زيادة قيمة الديون الثابتة في ذمة المدين على ما في ذمته من المال انظر المادة 193 ق م وهذا لأجل عدم نفاذها في حقه، وتختلف شروط رفع هذه الدعوى بحسب طبيعة التصرف الذي قام به المدين.
فاذا كان التصرف الذي قام به المدين تصرفا بعوض (عقد معاوضة) يشترط لقبول دعوى الدائن ان يثبت هذا الأخير غش المدين وعلم المتصرف اليه بهذا الغش، أي يثبت علم المدين أن هذا التصرف من شأنه ان يؤدي الى اعساره او الزيادة في ذلك طبقا للمادة 192/01 ق م.
اما إذا كان التصرف الذي قام به المدين تصرف دون عوض أي عقد تبرع فلا يكلف الدائن بإثبات غش المدين لأنه مفترض طالما أن التبرع يؤدي إلى إعساره أو الزيادة في ذلك طبقا للمادة 192/03 ق م، فالأولى للمدين قضاء ما عليه من ديون ثم التبرع، كما أن مصلحة الدائن أولى بالاعتبار من مصلحة المتبرع إليه. فالمشرع هنا يفترض الغش فيمن يمتنع عن الوفاء بما عليه من ديون ثم يتبرع للغير إذا كان هذا التبرع يؤدي به إلى إعساره أو الزيادة في ذلك.
سادسا: العقد الفوري والعقد المستمر.
1- العقد الفوري: هو ذلك العقد الذي لا يكون الزمن عنصرا جوهريا فيه أي لا يتدخل الزمن في قياس مقدار وحجم أي من الالتزامات الناشئة عنه، بحيث تتحدد الأداءات فيه بشكل مستقل عن الزمن كما في عقد البيع، المقاولة وعقد المقايضة.... الخ.
فعقد البيع مثلا يعتبر عقدا فوريا حتى ولو كان دفع الثمن فيه أو تسليم الشيء المبيع مؤجلا، لان الاجل "الزمن" هنا عنصرا عارضا ولا يزيد ولا ينقص من حجم وقيمة التزامات البائع والمشتري.
1- العقد الزمني أو العقد المستمر: هو العقد الذي يعتبر فيه الزمن عنصراً جوهراً فيه، بحيث يتوقف عليه قياس محل العقد او على الاقل الاداء الرئيسي لاحد المتعاقدين. وقد يكون هذا العقد ذات تنفيذ مستمر مثل عقد الايجار وعقد العمل وعقد الشركة، وقد يكون ذا تنفيذ دوري[2] مثل عقود التوريد وعقد الايراد المرتب لمدى الحياة….. الخ.
ففي عقد الايجار مثلا كعقد زمني يتدخل الزمن لتحديد قيمه المنفعة المعقود عليها بالنسبة للمؤجر" الاجرة" وللمستأجر "العين المؤجرة"، بحيث كلما زاد عنصر الزمن كلما زادت معه التزامات ومنافع طرفي العقد.
اهميه التقسيم: تكمن اهميه تقسيم العقود الى فورية وزمنية فيما يلي:
- من حيث أثر الفسخ والبطلان.
-من حيث أثر القوة القاهرة المؤقتة.
- من حيث ضرورة الاعذار لاستحقاق التعويض.
- من حيث تأثير الظروف الطارئة.
- من حيث امكان انهاء العقد بالإرادة المنفردة لاحد المتعاقدين.
1- من حيث أثر الفسخ: للفسخ والبطلان في العقد الفوري أثر رجعي، اي يرجع المتعاقدين الى الحالة التي كان عليها قبل التعاقد فالبائع يرد الثمن والمشتري يرد الشيء المبيع لأن هذا ممكنا.
أما الفسخ والبطلان في العقود الزمنية فليس له أثر رجعي، بحيث يقتصر أثره فقط على المستقبل (هذا إذا حصل تنفيذ جزئي للعقد)، فلا يمكن ارجاع المتعاقدين بالفسخ الى الحالة التي كان عليها قبل التعاقد، لان تنفيذه مرتبط بالزمن وما فات من الزمن لا يعود، ففي عقد الايجار مثلا لا يمكن للمستأجر ان يرد المنفعة التي حصل عليها خلال مدة معينة من العين المؤجرة، لهذا يترتب عن فسخ العقد الزمني انهائه بالنسبة للمستقبل.
2- من حيث شرط الإعذار: طبقا للمادة 179وللمادة 180 ق م فإن عدم تنفيذ المدين لالتزامه مده معينه في العقد الزمني لا يعتبر تأخيرا في التنقيد بل عدم تنفيذ نهائي لا يمكن تداركه بتنفيذ لاحق، وعليه لا يشترط لاستحقاق التعويض عن ذلك اعذار المدين لأنه لا فائدة منه، ويجب التعويض عنه تعويضا عن عدم التنفيذ لا عن التأخير فيه، وهذا كله خلافا للعقد الفوري فالإعذار فيه شرطا لاستحقاق التعويض عن التأخير في تنفيذ الالتزام الا في حالات خاصة حددها المشرع بموجب الماده181 ق م.
3- من حيث اثر القوة القاهرة المؤقتة: اذا حالت قوة قاهرة دون تنفيذ العقد مؤقتا فان هذا يؤدي الى تأجيل تنفيذ العقد الفوري الى حين زوالها، دون ان يتأثر مقدار التزام كل متعاقد، خلافا للعقود الزمنية حيث يترتب على وقف تنفيذها مدة معينة ضرورة الانقاص من مقدار التزامات المتعاقدين بمقدار المدة التي اوقف العقد خلالها، فان لم يتمكن المستأجر مثلا من الانتفاع بالعين المؤجرة لمده عشرة ايام يسقط من ذمته الالتزام بدفع الأجرة المقابلة لنفس المدة، ويمكن لهذه القوه القاهرة ان تؤدي الى انهاء العقد الزمني متى قاربت او فاقت مدتها مده العقد نفسه.
4- من حيث الظروف الطارئة: في العقد الزمني إذا طرأ اثناء سريان العقد ظروف طارئة عامة لم تكن متوقعه اثناء التعاقد تجعل تنفيذ التزام أحد المتعاقدين مرهقا غير مستحيل يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي وتبعا للظروف وبعد مراعاة مصلحة الطرفين التدخل لرد الالتزام المرهق الى الحد المعقول او الزيادة في قيمه الالتزام المقابل له او الامر بوقت تنفيذ العقد مؤقتا طبقا للماده107 من القانون المدني.
اما في العقد الفوري فالأصل فيه ان لا مجال لإعمال نظرية الظروف الطارئة لان تنفيذه فوري دفعة واحدة، وكل الظروف القائمة وقت التعاقد لا تعتبر طارئة الا في حاله ما إذا كان تنفيذ أحد الالتزامات مؤجلا.
5- انهاء العقد بالإرادة المنفردة: لا مجال لإنهاء العقد الفوري والعقد الزمني المحدد المدة بالإرادة المنفردة لاحد المتعاقدين، اما في العقود الزمنية غير المحددة المدة ومنعا لتأبيد هذه العقود يجوز انهائها بالإرادة المنفردة لأحد المتعاقدين، بشرط أن كون ذلك في الوقت المناسب وبعد تنبيه المتعاقد الاخر بذلك خلال مدة معقولة وعدم التعسف في استعمال هذا الحق والا اعتبر فسخا تعسفيا يستوجب التعويض.
سابعا: العقود الاحتمالية والعقود المحددة القيمة
العقد المحدد القيمة هو ذاك العقد الذي يعرف فيه كل متعاقد وقت انعقاد العقد قيمه ومقدار ما يلتزم به ومقدار ما يحصل عليه من المتعاقد الاخر. مثل عقد البيع بثمن محدد فالبائع يعلم ويعرف عند التعاقد مقدار الشيء المبيع الذي يلتزم به ومقدار الثمن الذي يتقاضاه من المشتري ونفس الحال بالنسبة للمشتري.
اما العقد الاحتمالي ويسمى ايضا بعقود الغرر: فهو العقد الذي لا يعرف فيه أحد المتعاقدين او كلاهما وقت التعاقد قيمه ومقدار ما يلتزم به، ومقدار ما يحصل عليه من المتعاقد الاخر لان امر معرفة ذلك متوقف على حادث او امر مستقبلي غير محقق الوقوع او غير محقق تاريخ وقوعه كما في عقد التامين وعقد البيع بثمن مرتب لمدى الحياة.
ففي عقد التامين عن الحريق مثلا لا يعلم المؤمن والمؤمن له مقدار ما سيٌدفع ولا مقدار ما هو مٌستحق له، فقد لا يتحقق الخطر" الحريق" فيحصل المؤمن على اقساط التامين دون ان يدفع شيء للمؤمن له…...الخ
اهميه التقسيم: تكمن اهميه هذا التقسيم فيما يلي:
1- من حيث مدى توافر عنصر الاحتمال
2- من حيث الغبن
1- من حيث عنصر الاحتمال: يعتبر عنصر الاحتمال عنصراً جوهرياً واساسياً في العقد الاحتمالي بحيث يترتب على تخلفه اثناء التعاقد بطلان العقد بطلانا مطلقا، ففي عقد التامين يعتبر الخطر "احتمال" ركنا في العقد فاذا انعدم بطل العقد، نفس الشيء في البيع بمرتب لماذا حياة شخص ثالث ثبت انه توفى قبل انعقاد العقد" البيع"، اما العقد المحدد فينعدم فيه عنصر الاحتمال.
2- من حيث الطعن بالغبن: الغبن هو عدم التعادل الفاحش بين اداءات طرفي العقد، ولتقدير قيمه الغبن يجب النظر الى اداءات الطرفين وقت التعاقد، وهذا لا يمكن ان يكون الا في العقد المحدد القيمة، لان في العقد الاحتمالي اداءات الطرفين غير محددة عند التعاقد ومن ثم لا يمكن تقدير ما اذا كان هناك غبن ام لا، وعلى هذا لا يطعن بالغبن الا في العقود المحددة القيمة دون العقود الاحتمالية، وبموجب المادة 358 ق م اذا وقع البائع للعقار في غبن يزيد عن الخمس(5/1) له ان يتمسك بالغبن لمطالبة المشتري بتكملة الثمن الى حدود اربع اخماس(5/4) ثمن المثل، انظر ايضا المادة 732 ق م بشأن عقد القسمة في الملكية الشائعة.
ثامنا: عقود المساومة وعقود الإذعان
1- عقود المساومة: هي تلك العقود التي يمكن فيها لكلا المتعاقدين مناقشة ومساومة شروط العقد ووضعها بكل حرية، بحيث غالبا ما تكون فيها اراده المتعاقدين متكافئتين، وكل بنود العقد موضوع نقاش وتفاوض بينهم، مثل عقد البيع والمقايضة….. الخ، والاصل في العقود انها عقود مساومة ما لم يثبت العكس انها تمت بطريق الاذعان.
2- عقود الإذعان: طبقا للمادة 70 ق م هي تلك العقود التي لا يملك فيها أحد المتعاقدين مناقشة شروط وبنود العقد، حيث يقتصر دوره فقط على الإذعان والخضوع لقبول ما يعرض عليه من شروط، فإما ان يقبلها دفعة واحدة فينعقد العقد او يرفضها جملة واحدة فلا يتم العقد، مثل عقد النقل والبحري والجوي، عقد التأمين، عقود ايصال الكهرباء، الماء، الغاز…. الخ.
وتنشأ عقود الإذعان نتيجة احتكار بعض الاشخاص او المؤسسات لبعض السلع والخدمات الضرورية لعامة الناس احتكارا فعليا او قانونيا، بحيث يضع المحتكر العقد في شكل نموذج عام يُضمنه مجموعة من الشروط والبنود التي لا يقبل مناقشته فيها، لهذا تسمى هذه العقود في فرنسا بعقود الانضمام les contrat d’adhésion، وهناك من الفقهاء من ينكر عليها صفة العقد فهي أقرب الى فكره النظام منها الى فكرة العقد.
اهميه التقسيم: تكمن اهمية هذا التمييز والتقسيم فيما يلي:
- من حيث تدخل القاضي لتعديل العقد
- من حيث تفسير العقد
1- من حيث تدخل القاضي: في عقود المساومة لا يجوز للقاضي التدخل لتعديل بنود العقد الا استثناءً تطبيقا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين المادة 106 ق م، أما في عقود الإذعان فقد أجاز المشرع للقاضي طبقا للمادة 110 ق م التدخل لتعديل الشروط التعسفية فيه، كما له ان يعفي الطرف المذعن منها كليةً، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك.
2- من حيث تفسير العقد: طبقا للمادة 112 ق م عند تفسير القاضي للعبارات الغامضة في العقد عليه ان يفسر ويؤول الشك لمصلحه المدين دون الدائن هذا بالنسبة لعقود المساومة، اما في عقود الإذعان وطبقا للمادة 112/02 ق م فان الشك يؤول لمصلحة الطرف المذعن مدينا كان او دائنا باعتباره الطرف الضعيف في العقد، وباعتباره لم يشارك في وضع بنود العقد التي هي من وضع الطرف القوي وحده، وعليه أن يتحمل لوحده ما بها من شك او غموض.
[1]- بنص المادة 58 من القانون المدني يعرف المشرع عقد المعاوضة بأنه "... الذي يلزم كل واحد من الطرفين…" وبهذا يخلط المشرع بين تعريف عقد المعاوضة والعقد الملزم للجانبين.
[2] - في جوهره هو تكرار لعقد فوري لمدة معينة، أصبح عقدا زمنيا باتفاق الطرفين مثل الاتفاق على توريد سلعة ما فهو تكرار لعملية البيع باتفاق وعقد واحد.