الخطوط العريضة للقسم

  • المبحث الثاني

    المحــــل المواد من 91 الى 96 من القانون المدني

    سبق القول بأن للعقد ثلاثة أركان، لا وجود له بدونها، وهي التراضي والمحل والسبب. وبعد دراسة ركن التراضي نشرع في البحث في ركن المحل.

             وإذا قام التراضي وكان صحيحاً، قام معه العقد كأحد مصادر الالتزام. ولما كان العقد ينشئ التزامات في ذمة كل من طرفيـه أو في ذمة أحدهما، وكان الالتزام يرد على أمر معين يلتزم المدين بأدائه للدائن. فإن هذا الأمر هو الذي يطلق عليه محـل الالـتزام الناشئ عن العقد. فعقد البيع، مثلاً، ينشئ التزامات في ذمة كل من البائع والمشترى، فالبائع يلتزم بنقل ملكية الشيء المبيع إلى المشتري الذي يلتزم -بدوره- بدفع الثمن، فالتزام البائع محله نقل الملكية المبيع، والتزام المشتري محله الوفاء بالثمن.

               ولقد اختلف الفقه في ركنية المحل، هل هو ركن في الالتزام؟ أم أنه ركن في العقد المنشئ للالتزام؟ فالبعض يرى أنه ركن في الالتزام، والبعض الآخر يرى أن لكل من الالتزام والعقد محل يختلف عن الآخر. والملاحظ بشأن موقف المشرع الجزائري انه تحدث في تبويب القانون المدني عن محل العقد، غير انه في ثنايا المواد المنضمة للمحل لم يتكلم الا على محل الالتزام.

    وحسب الأستاذ صبري السعدي فان محل العقد يتمثل في العملية القانونية التي يسعى المتعاقدان الى تحقيقها من وراء ابرام العقد (عملية بيع أو ايجار أو هبة...الخ)، اما محل الالتزام فيتمثل في ذلك الأداء الذي يلتزم به المدين اتجاه الدائن.

    تعريفه: يعرف المحل على انه، ذلك الأداء الذي يلتزم به المدين اتجاه الدائن. وعلى هذا يتنوع محل الالتزام تبعاً لنوع الالتزام الناشئ عن التصرف القانوني على ثلاث أنواع:

     - الالتزام بالإعطاء: وهو الالتزام بإنشاء أو نقل الحق العيني على المنقول أو على العقار من شخص (المدين) إلى آخر (الدائن). كالتزام البائع في عقد البيع بنقل ملكية الشيء المبيع إلى المشترى هو التزام بنقل الحق العيني المتمثل في حق الملكية.

     - الالتزام بالأداء (عمل): هو التزام المدين بأداء عمل معين لحساب الدائن. كالتزام المقاول في عقد المقاولة، بإقامة بناء أو تعبيد طريق وهو هنا عمل مادي. وكالتزام العامل في عقد العمل بأداء العمل المكلف به من قبل رب العمل وتحت إشرافه. والتزام المحامي محله القيام بعمل قانوني يتمثل قي رفع دعوى وتقديم طعن.

                               - الالتزام بالامتناع: هو امتناع المدين عن القيام بعمل محدد، كالتزام العامل والطبيب والمحامي بعدم إفـشاء سر المهنة، وكالتزام العامل بعدم منافـسة صاحب العمل.

     

     

    شروطه: يشترط فيما يلتزم به المدين، لكي يكون محلاً للالتزام فيكون العقد الناشئ عنه صحيحا، أن تتوافر فيه الشروط الآتية:

    - أن يكون المحل ممكناً (موجوداً أو قابلاً للوجود مستقبلاً).

    - أن يكون المحل معيناً أو قابلاً للتعيين مستقبلاً.

    - أن يكون المحل مشروعاً قابلا للتعامل فيه.

    الشرط الأول: يجب ان يكون المحل ممكناً (موجودً أو القابل للوجود مستقبلاً)، أول ما يشترط في محل الالتزام ان يكون الوفاء به ممكنا، ولا يكون هذا الوفاء ممكنا إذا تعلق المحل بشيء من الأشياء إلا إذا كان موجوداً عند قيام الالتزام او كان قابلا للوجود مستقيلاً، وعليه نميز بين المحل الممكن والمحل الموجود او القابل للوجود مستقبلا.

    1-المحل الممكن: إذا كان الأمر الذي يلتزم به المدين هـو أداءً لعمل معين أو امتناعاً عنه، فيجب أن يكون هذا الأداء أو الامتناع ممكناً، وألا يكون مستحيلاً. لأنه لا التزام بمستحيل، والاستحالة التي تحول دون قيام الالتزام، هي الاستحالة المطلقة وليست الاستحالة النسبية.

    الاستحالة المطلقة: هي تلك التي تلحق الالتزام ذاته، فتجعل الوفاء به مستحيلاً.

     ويقصد بالاستحالة التي من شأنها أن تحول دون وجود الالتزام، الاستحالة الموضوعية، أي استحالة محـل الالتزام في ذاتـه فتجعل من الوفاء بالالتزام مستحيلا بالنسبة للمدين وغيره من الناس، وليست الاستحالة الشخصية أو الذاتية، أي التي تتعلق بشخص المدين ذاته.

    والاستحالة مطلقة، إما طبيعية أو قانونية:

    - الاستحالة الطبيعية أو المادية: هي التي ترجع إلى طبيعة المحل التي تأبى أن تكون محلاً للالتزام، كالتزام شخص بالامتناع عن عمل هو قد قام به فعلاً، وكالتزام شخص بنقل ملكية منزلاً صالحاً للسكنى، في حين أنه كان قد تهدم وزال.

    - الاستحالة القانونية هي التي ترجع إلى حكم القانون، كالتزام محام باستئناف حكم قضائي لا يجوز الاستئناف فيه، أو انقضت مواعيد ذلك.

         ويشترط في الاستحالة المطلقة التي تحول دون قيام الالتزام، وبالتالي تجعل العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً، أن تكون قائمة وقت إبرام العقـد، (بأن تكون سابقة أو معاصرة لانعقاد العقد وليست لاحقة له)، فإن قامت بعد انعقاد العقد، فإن ذلك لا يمنع من وجود الالتزام الذي ينعقد به العقد صحيحاً، غير أن الأمر ينتقل من استحالة قيام الالتزام إلى استحالة تنفيذ الالتزام، مما يترتب عنه انفساخ العقد.

    تبعا لما تقدم نميز بين استحالة قيام الالتزام واستحالة تنفيذه:

    - استحالة قيام الالتزام، سابقة أو معاصرة لوقت إبرام العقد، وتحول دون قيام العقد ووجود الالتزام. وبناء على ذلك فإن العقد يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً.

    - استحالة تنفيذ الالتزام، وهي لاحقة لانعقاد العقـد ونشـوء الالتزام، ولكنها أصابت تنفيذ الالتزام لا وجوده. ومن ثم فإن ذمة المدين قد شغلت به ولا تبرأ إلا إذا استطاع إثبات أنه لا يد له في استحالة التنفيذ، فإذا تمكن من إقامة الدليل على ذلك، انقضى الالتزام وانفسخ العقد من تلقاء نفسه، وإذا فشل في الإثبات انفسخ العقد والتزم المدين بالتعويض.

     الاستحالة النسبية: هذه الاستحالة هي التي ترجع إلى شخص المدين لا إلى الالتزام في ذاته، فهي التي تقوم بالنسبة إلى المدين نفسه بمراعاة ظروفه الخاصة. فإذا استحال على المدين الوفاء بالأمر الذي التزم به، مـع وجود شخص آخر يمكنه الوفاء به كانت هذه الاستحالة نسبية تتعلق بشخص المدين لا بغيره. ومثال ذلك أن يلتزم شخص بعلاج مريض، مع كونه ليس بطبيب، أو أن يلتزم شخص بنقل ملكية الشيء المبيع مع كونه ليس مالكاً له. فهنا يستحيل على المدين الوفاء بالتزامه مع وجود شخص آخر يستطيع القيام به، ولذلك تكون الاستحالة - هنا - ذاتية نسبية، وليست موضوعية مطلقة.

     والاستحالة النسبية سواء أكانت سابقة على انعقاد العقد أو لاحقة له لا تمنع من قيـام العقد ووجود الالتزام. فإذا امتنع المدين عن الوفاء   كان للدائن أن يلجأ إلى التنفيذ العيني، أو أن يلجأ إلى التنفيذ بمقابل عن طريق التعويض، مع عدم الإخلال بحقه في طلب فسخ العقد.

    2 - المحل الموجود:

    إذا كان الأمر الذي يلتزم به المدين هو نقل حق عيني أو شخصي، أو كان عملاً يتعلق بشيء معين، وجب أن يكون الشيء محل الحق أو الذي يتعلق به العمل موجوداً. ويتحقق هذا الوجود إذا كان الشيء موجوداً وقت انعقاد العقد ونشوء الالتزام، أو كان قابلاً للوجود في المستقبل.

    أ- الشيء الموجود: إذا تعاقد الطرفان على اعتبار أن الشيء محل الالتزام موجوداً في وقت التعاقد، فإن عدم وجوده في هذا الوقت، يترتب عليه عدم قيام الالتزام. حتى لو أمكن وجوده في المستقبل، فالعبرة -هنا- بما قصده العاقدان فإذا كانا قد قصدا وجوده عند إبرام العقد، فيجب لانعقاد العقد صحيحاً وجوده في هذا الوقت لا في وقت آخر.

    وقد يوجد الشيء محل الالتزام لحظة انعقاد العقد، ولكنه هلك بعد ذلك، فهذا الهلاك لا يحول دون قيام الالتزام صحيحاً وينعقد به العقد لأن الهلاك لاحقـاً على انعقاد العقد ونشأة الالتزام. غير انه يؤدي الى زوال العقد ومن ثم الالتزام بالفسخ او الانفساخ مع او دون تعويض بحسب سبب الاستحالة ومدى مساهمة المدين في ذلك. ومن ذلك لا يلتزم المدين بالتعويض إذا أثبت أنه لا يد له في استحالة التنفيذ وأن هناك سبباً أجنبياً هو الذي أدى إلى هذه الاستحالة. وإذا فشل في إقامة الدليل على ذلك وقع على كاهله الالتزام بالتعويض.

    ب - الشيء القابل للوجود في المستقبل: إذا أتفق العاقدان على اعتبار أن الشيء محل الالتزام ليس موجوداً وقت إبرام العقد، ولكنه قابلاً للوجود في المستقبل. فإن قابلية الشيء للوجود كافية لقيام العقد صحيحاً ومنشئة للالتزام في ذمة المدين. ومن ذلك بيع مسكن قبل الإنجاز او ما يسمى بالبيع بناءً على التصاميم وبيع المحصول قبل ان يكتمل نموه. [المادة (131) مدنى ].

    ويشترط في الشيء محل الالتزام، القابل للوجود في المستقبل، أن يكون محقق الوجود في الأجل الذي ضربه الطرفان عند التعاقد صراحة أو ضمناً، فإذا لم يتحقق وجود الشيء محل الالتزام في الأجل المحدد له صراحة أو ضمنياً انقضى التزام المـدين وانفسخ العقد إن كان ملزماً للجانبين. ويستثنى من ذلك العقود الاحتمالية، كعقد التأمـين، مثلاً، فإن هذا العقد صحيح سواء وجد الشيء في المستقبل أو لم يوجد لأن جوهر العقد الرهان على وجود محل الالتزام كماً وكيفاً.

       حكم التعامل في التركة المستقبلة ؟

    إذا كان الأصل وجوب وجود محل الالتزام وقت نشوء الالتزام وقيام العقد والاستثناء جواز التعامل في الاشياء المستقبلية بإباحة ان يكون محل الالتزام قابل للوجود في المستقبل، فإن المشرع استثنى أموال التركة من الأشياء المستقبلية وافردها بحكم خاص طبقا للمادة 92 الفقرة 02 من القانون المدني.

    فالمشرع يمنع التعامل في أموال التركة المستقبلة. ومفاد هذا التحريم أنه لا يجوز للوارث أو الموصى له بنصيب في التركة أن يجرى أي نوع من التصرفات في شأن هذه التركة طالما أن المورث أو الموصى لازال على قيد الحياة. والتعامل المحظور هو الذي يجرى قبل الوفاة، على أن يتم تنفيذه بعد الوفاة. كما لو كان تصرف مقترن بشرط واقف هو وفاة المورث أو الموصى.

    وعليه لا يجوز التعامل في التركة إلا باعتبارها أموال حاضرة (هذا رجوع للأصل) عند وفاة صاحبها وممن لهم الحق فيها.

      ولفظ التركة يطلق على مجموع ما يتركه الإنسان عند وفاته من حقوق وديون، وهذه التركة لا يكون لها وجود إلا من لحظة وفاة صاحبها (المورث أو الموصى) أما قبل ذلك فتعد تركة مستقبلة يحظر التعامل فيها من غير صاحبها. كتصرف الابن فيما يعتقد أنه سيؤول اليه بالميراث.

     وعلة تحريم التعامل في التركة واستثنائها في الحكم من الأموال المستقبلية تكمن فيما يلي:

    ü    التعامل في هذه التركة فيه مضاربة على حياة صاحبها (المورث أو الموصى). فقد يدفع إباحة هذا النوع من التعامل، إلى قتل صاحبها تعجيلا بحصول المورث او الموصى له على حقه.

    ü     منع المتعامل في التركة المستقبلة وهو الوارث أو الموصى له، من استغلال الغير له نظراً لحاجته للمال وعدم تقديره له خاصة وأنه لم يقع بيده بعد مما قد يدفعه للتضحية والتهاون والتصرف برعونة وعدم التدبر.

    ولا ريب أن تحريم التعامل في التركة المستقبلة، حكماً عاماً، سواء كانت أموال التركة ستؤول إلى المتعامل فيها، عن طريق الميراث، أم كانت ستؤول بواسطة الوصية. وسواء كان التعامل فيها بالبيع، أم كان بأي نوع من التصرفات الأخرى. فأي تعامل في تركة مستقبلة، يقع باطلاً لتعلق هذا الحكم بالنظام العام. ومن ثم فإنه يجوز لكل ذي مصلحة التمسك بهذا البطلان، كما يجوز للمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها.

    الشرط الثاني: يجب أن يكوم محل الإلتزام معيناً أو قابلاً للتعيين: إذا كان يشترط في المحل أن يكون ممكناً أو موجوداً أو قابلاً للوجود، حتى يكون قابلا للتنفيذ، فإن هذا لا يتحقق ولا يمنع التنازع بين الدائن والمدين، إلا إذا كان هذا المحل معيناً أو قابلاً للتعيين طبقا للمادة 93 من القانون المدني التي تنص.

                    وكيفية تعيين محل الالتزام تختلف باختلاف محل الالتزام كما يلي:

      1- تعيين محل الالتزام إذا كان أداءً لعمل معين أو امتناعاً عنه

    إذا كان محل التزام المدين هو القيام بعمل أو الامتناع عنه، وجب أن يكون هذا الأداء أو الامتناع معيناً أو -على الأقل- أن يكون قابلاً للتعيين وفقاً لأسس متفق عليها بين طرفي العقد، حتى يتسنى للمدين معرفة ما يجب عليه الوفاء به، ويتسنى للدائن التحقق من حصول هذا الوفاء، وفقاً لما تم الاتفاق عليه. فإذا تعهد مقاول ببناء مستشفى أو مدرسة فالتزامه يتعين محله بالمخططات وبالمواصفات والتصاميم المتفق عليها.

     وإذا لم يكن محل الالتزام معيناً وقت التعاقد، وجب على الأقل أن يكون قابلاً للتعيين مستقبلا من خلال الظروف الملابسة للتعاقد والتي يمكن استخلاصها من نية طرفي العقد. كالاتفاق على انجاز ملعب وفق المخطط الذي سيحدده مستقيلا المهندس الفلاني، وأما إذا كان هذا المحل غير محدد تحديداً كافياً ونافياً للجهالة الفاحشة. وليس قابلاً للتحديد، وقع هذا العقد باطلا.

      2- تعيين محل الالتزام إذا كان إعطاءً لحق عيني على شيء

     إذا كان محل التزام المدين، هو نقل حق عيني على شيء، وجب أن يكون الشيء معيناً أو قابلاً للتعيين. وهنا يجب التفرقة بين الأشياء المعينة بذاتها (الأشياء القيمية) وبين الأشياء المعينة بنوعها (الأشياء المثلية).

    أ- الأشياء القيمية (المعينة بالذات): وهي الأشياء التي تتفاوت آحادها في القيمة تفاوتاً يعتد به، فلا يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء، كالعقارات والحيوانات، الخضر والفواكه وكل شيء ينظر فيه إلى صفته الذاتية التي تميزه عن غيره، كالحيوانات، والمنازل، والسيارات.

     ومن ثم فإنه يجب تعيين مثل هذه الأشياء باعتبارها محلاً للالتزام والعقد بتحديد جميع بصفاتها الذاتية المميزة لها عن غيرها، تعييناً كافياً ونافياً للجهالة الفاحشة. بشكل يحول دون الخلط بينها وبين غيرها، لذلك تسمى بالأشياء المعينة بالذات بالنظر لطريقة وكيفية تعيينها.

    ب - الأشياء المثلية (المعينة بالنوع): وهي الأشياء التي - في الغالب - لا تتفاوت آحادها في القيمة تفاوتاً يعتد به، فهي متماثلة في القيمة فيقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء، كالنقود والذهب والفضة والقمح والأرز، فهذه الأشياء يجب أن تعين بنوعها ومقدارها ودرجة جودتها (ان كانت متعددة درجات الجودة).

    وتعين الأشياء المثلية يكون بــــتعيين جنسها ونوعها ومقدار ودرجة جودتها، مثل بيع 100 قنطار من القمح اللين، فالقمح جنس واللين نوع و100 قنطار مقدار.

                    وطبقا للمادة 94 من ق م يجب وجوبا بالنسبة للأشياء المثلية تعيين الجنس والنوع والمقدار وإلا تخلف شرط التعيين، مما يجعل من العقد باطلا بطلانا مطلقا، إلا إذا تضمن العقد ما يستطاع به تعيين المقدار، اما بالنسبة لدرجة الجودة فان عدم تحديدها لا يترتب عليه تخلف شرط التعيين حيث يتم تعيينه إنطلافا من العرف وظروف التعاقد أو أي ظرف آخر، وإذا تعذر ذلك تم إلزام المدين بالصنف المتوسط لا الأجود ولا الأقل جودة.

                    وإذا لم يحدد في العقد مقدار الشيء من حيث العدد او الوزن او المساحة وجب على الأقل ان يتضمن العقد ما يستطاع به تعيين هذا المقدار، والا وقع العقد باطلا بطلانا مطلقا، كما في بيع الاسمنت اللازم لبناء منزل بأربع غرف، فمقدار المبيع (الاسمنت) وان لم يكن محدد في العقد وقت التعاقد فهو قابل للتعيين بناءً على معيار معين وقت التعاقد.

    3 - تعيين محل الالتزام إذا كان نقوداً: إذا كان محل التزام المدين هو الوفاء بمبلغ من النقود وجب أن يكون هذا المبلغ المطلوب الوفاء به، معيناً بنوعه ومقداره. فيلتزم المدين، مثلاً، أن يؤدي للدائن مبلغاً محدداً من نوع العملة الملتزم الوفاء به، كالدينار الجزائري أو الدولار الأمريكي....... الخ

    والملاحظ ان المشرع الجزائري اشترط

    الشرط الثالث: يجب ان يكون المحل مشروعاً قابلا للتعامل فيه: إذا توافرت فيما يلتزم به المدين الشرطين السابقين، فإنه لا يصبح زيادة عن ذلك ان يكون محلاً للالتزام إلا إذا كان قابلاً للتعامل فيه، بأن يكون مشروعاً، أي جائزاً قانوناً.

    ويكون محل الالتزام مشروعاً إذا لم يكن مخالفاً للنظام العام والآداب المادة 93 من القانون المدني

    ويعتبر المحل غير مشروع، إذا كان محل التزام المدين هو نقل حق عيني على شيء خارج عن دائرة التعامل بطبيعته، أو بحكم القانون

     والأشياء الخارجة عن دائرة التعامل بطبيعتها: هي الأشياء التي تأبى طبيعتها أن يستأثر شخص بحيازتها دون غيره. ومن أمثلة الأشياء التي لا يستطيع الشخص أن يستأثر بحيازتها - في الغالب - كأشعة الشمس والهواء وماء البحر، هذا ما لم يتم حيازة جزء منها.

     والأشياء الخارجة عن دائرة التعامل بحكم القانون: هي الأشياء التي لا تأبى طبيعتها الاستئثار بحيازتها، فمثل هذه الأشياء يمكن حيازتها. غير أن القانون أخرجها من دائرة التعامل مراعاة للغرض الذي خصصت من أجله، كالأشياء والأموال العامة المملوكة للدولة والتي لا يجوز لأي شخص التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم وكذلك الأملاك الوقفية[1]

    أو أن التعامل فيها يؤدى إلى الإضرار بالمجتمع، كالأشياء التي اخرجها المشرع من دائرة التعامل لخطورتها ولما تمثله من تهديد للنظام العام كالمخدرات والأسلحة، فهذه الأشياء تكون غير قابلة للتعامل فيها، إلا في حالات محددة بنص القانون.

     وإذا كان محل التزام المدين هو أداءً لعمل، أو امتناعاً عنه، يكون هذا المحل غير مشروع إذا كان أداؤه أو الامتناع عنه يخالف النظام العام أو الآداب كالقتل والضرب والجرح وإتلاف أموال الغير...الخ.

    ومناط مشروعية محل الالتزام، أو عدم مشروعيته، هو موافقته للقانون والنظام العام وحسن الآداب، أو مخالفته لهما أو لأيهما.  لأن محل الالتزام الذي لا يتعارض مع القانون ولا مع النظام العام وحسن الآداب في المجتمع، يكون مشروعاً، وينعقد عليه العقد صحيحاً. أما إذا كان المحل مخالفاً للقانون أو متعارضاً مع النظام العام الآداب العامة، وقع غير مشروع، وبطل العقد الذي انعقد عليه.



    [1] - إخراجها من دائرة التعامل لا يمنع من أن ترخص الدولة للأفراد باستعمال هذه الأشياء بشكل لا يتعارض مع الغرض المخصصة له.