Section outline
-
المبحث الثالث
الســبب (المادتان 97 و98 من القانون المدني)
إذا كان يلزم لقيام العقد، باعتباره أحد مصادر الالتزام، أن يتم تطابق الارادتين وهو ما يعرف بالتراضي، وأن يرد هذا التراضي على محل تتوافر فيه شروطه سالفة الذكر. فإن هذا العقد لا يتأكد قيامه إلا إذا استند إلى سبب وركن مشروع، وعندئذ فقط تكتمل الأركان العامة للعقد.
تعريف السبب: يعرف السبب بانه “الباعث الدافع للمدين للتعاقد وقبول التحمل بالالتزام " أو هو " الغاية التي ابتغاها المدين من التزامه " أو هـو الإجابة على سؤال " لما التزم المدين؟ ".
فالمدين عندما يقبل أن يثقل كاهله بالتزام معين فإنه يستجيب بذلك لباعث يدفعه، أو لغاية يرجوها، أو لغرض يحدوه. ويطلق على هذا أو ذاك لفظ ومصطلح " السبب ". فالمؤجر، مثلاً، يلتزم بتسليم العين المؤجرة للمستأجر الذي يلتزم بدوره بدفع الأجرة، رغبة من الأول في الحصول على الأجرة، ورغبة من الثاني في تحصيل منفعة العين المؤجرة، والبائع ينقل الملكية رغبةً قي الثمن والمشتري يدفع الثمن رغبة في الشيء المبيع.
ويختلف المحل عن السبب فيما يلي:
فالأول (المحل) هو الأمر الذي يلتزم به المدين، أي الأمر الذي إن أداه إلى الدائن برأت ذمته، أو هو الإجابة عن السؤال: بماذا التزم المدين؟
والثاني (السبب) هو الغاية التي يسعى المدين إلى تحقيقها من التزامه أو هو الإجابة عن السؤال: لماذا التزم المدين؟
وتجدر الإشارة أن لكل التزام محل أياً كان مصدره، سواء أكان تصرفاً قانونياً (العقد أو الإرادة المنفردة)، أم كان واقعة قانونية (القانون، العمل غير المشروع والاثراء بلاسبب). في حين أن السبب لا يكون إلا في التصرف القانوني، أي في الالتزامات الإرادية دون الالتزامات اللاإرادية.
وعليه فالسبب كركن في التصرف القانوني دون سواه، ذا صلة وثيقة بالإرادة، فهو الغاية أو الغرض الذي تتجه الإرادة إلى تحقيقه من تحملها للالتزام، حتى قيل إنه حيث توجد الإرادة يوجد السبب. ولا تتصور إرادة لا تتجه إلى سبب، إلا إذا صدرت عن غير وعى، كحالة الجنون.
تطور فكرة السبب: رأينا أن هناك علاقة وثيقة بين الإرادة والسبب، فمتى وجدت الأولى وجد الثاني تبعاً لها. وقد عرفت فكرة السبب تطورا ملازما لتطور الإرادة وهذا ما نبينه تباعاً:
النظرية التقليدية في السبب
تميز هذه النظرية بين ثلاثة أنواع من السبب كالآتي:
أ- السبب المنشئ: هو المصدر القانوني المنشئ للالتزام، أي مصدر وجود الالتزام وقيامه، كالعقد والإرادة المنفردة والعمل غير المشروع، الإثراء بلاسبب والقانون. والسبب بهذا المفهوم ليس هو المقصود في دراستنا للسبب كركن في الالتزام
ب - السبب القصدي (المباشر): هو الغاية المباشرة التي يرغب المدين الوصول إليها من التزامه. والسبب بهذا المعنى هو محور النظرية التقليدية، وهو في حقيقته ركن في الالتزام، أي سبب الالتزام. فسبب التزام البائع بنقل حق ملكية الشيء المبيع للمشترى هو الحصول منه على الثمن، وسبب التزام المشترى بالوفاء بالثمن هو الحصول على الشيء المبيع. لأن سبب التزام كل منهما هو محل التزام الآخر، وهو بهذا لا يتغير في كل عقود البيع في نظر هذه النظرية.
ج - السبب الدافع (غير المباشر): هو الغرض البعيد أو غير المباشر، الذي دفع المتعاقد إلى التعاقد، وهذا الذي يطلق عليه سبب العقد للتفريق بينه وبين سبب الالتزام. فمثلا يكون السبب القصدي للبائع في عقد البيع هو الحصول على الثمن والسبب القصدي للمشترى هو الحصول على المبيع، فهذا النوع من السبب لا يتغير في كل عقود البيع.
أما السبب الدافع للبائع، فقد يكون إنفاق الثمن في أغراض معيشته أو شراء شيء آخر. والسبب الدافع للمشترى هو استعمال الشيء أو استغلاله أو التصرف فيه لآخر. فمثلاً لو كان هذا الشيء سيارة فقد يستعملها لنفسه أو يؤجرها أو يبيعها لشخص آخر. فهذا النوع من السبب يتغير من عقد بيع لآخر تبعاً لتغير الدافع لدى المتعاقد.
والفرق بين السبب القصدي وبين السبب الدافع يتبين لنا في الآتي:
ü السبب القصدي المباشر عنصر موضوعي ويدخل في صميم التعاقد. بينما السبب الدافع غير المباشر فهو عنصر ذاتي أو شخصي، ويتعلق بنوايا المتعاقد الملتزم، وخارج عن العقد.
ü السبب القصدي المباشر لا يتغير في النوع الواحد من العقود (كعقد البيع مثلاً) في حين أن السبب الدافع يتغير من عقد لآخر في العقود ذات الطابع الواحد، ومن متعاقد لآخر.
الشروط الواجب توافرها في السبب وفقاً للنظرية التقليدية: يشترط في السبب وفقا لهذه النظرية أن تتوافر في سبب الالتزام ثلاث شروط هي:
أ - يجب أن يكون السبب موجوداً.
ب- يجب أن يكون السبب صحيحاً.
ج - يجب أن يكون السبب مشروعاً.
الشرط الأول - وجود السبب: يلزم لقيام العقد صحيحاً، أن يكون له سبب موجود، فإذا إنعدم وجوده، كان العقد باطلاً. وعدم الوجود هنا، هو أن يتعاقد المتعاقدان وهما على بينة من أن السبب غير موجود عند التعاقد، ويتحقق عدم وجود السبب عن التعاقد في صور مختلفة كما في حالة الإكراه المادي وفي سندات المجاملة.
الشرط الثاني - صحة السبب: يلزم لكي يكون العقد صحيحاً، فوق كون السبب موجوداً، أن يكون صحيحاً، لا موهوماً ولا كاذباً. وترجع عدم صحة السبب إلى أحد أمرين الأول: السبب الموهوم أو المغلوط. والثاني: السبب الصوري.
1- السبب الموهوم: وهو أن يتوهم أحد المتعاقدين سبباً لا وجود له، مثل عقد قسمة الإرث، فقد يعتقد شخص من وضع ظاهر أن آخر وارث معه، وهو ليس كذلك فيعطيه فيبرم معه عقد لقسمة التركة. فهذه القسمة تقع باطلة.
2- السبب الصوري: الصورية لا تعتبر في ذاتها سبباً للبطلان، لأن العبرة -دائماً- بالسبب الحقيقي الذي يختفي خلف هذه الصورة. فإذا كانت الصورة مطلقة، بأن كان السبب الصوري الظاهر، لا يخفي وراءه سبباً آخر حقيقياً، فإن الالتزام لا يقوم لانعدام السبب وبذلك يقع العقد باطلاً.
أما إذا كانت الصورية نسبية أي أن السبب الصوري الظاهر يخفي وراءه سبباً آخر حقيقياً، كان المعول عليه هو السبب الحقيقي المستتر، مثال ذلك عقد الهبة يخفيه المتعاقدان في شكل عقد بيع، فالبحث عن وجود السبب وصحته في عقد الهبة، فإذا كان مشروعاً، قام الالتزام وصح العقد بالرغم من صورية السبب.
الشرط الثالث - مشروعية السبب:
وأخيراً يشترط في سبب الالتزام، فضلاً عن كونه موجوداً وصحيحاً، أن يكون مشروعاً. ويكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفاً للنظام العام أو الآداب العامة.
النظرية الحديثة في السبب
إن العيب الذي يشوب النظرية التقليدية ليس هو كونها غير صحيحة أو غير مفيدة، كما زعم منتقدوها. بل يتركز في قصـورها، حيث أنها كانت تعتد بسبب الالتزام وتهمل سبب العقـد. فقد يكون العقد صحيحاً بالنظر إلى سبب الالتزام، وباطلاً بالنظر إلى سبب العقد. فعقد إيجار دار - مثلاً - فطبقـاً للنظرية التقليدية، يكون سبب التزام كل من المؤجر والمستأجر صحيحاً، طالما أن محل التزام الأول تسليم العين المؤجرة ومحل التزام المستأجر هو دفع الأجر- وأن محل التزام أيهما هو سبب التزام الآخر- حتى ولو كان الباعث الدافع لدى المستأجر، هو استخدام العين المؤجرة في غرض غير مشروع للعب القمار والميسر أو ممارسة الاجرام. الخ.
فإذا كان مؤدى نظرية السبب هو البحث عن الغرض الذي دفع المتعاقد إلى ارتضاء الالتزام الذي يقع على عاتقه. فلماذا نقف عند الغرض المباشر (سبب الالتزام) ولا نتعداه إلى غيره من الأغراض الأخرى التي تكون مثله دافعة إلى التعاقد وخاصة الباعث على التعاقد (سبب العقد). ففي المثال السابق، يقع العقد صحيحاً بالنظر إلى سبب الالتزام، ويقع باطلاً بالنظر إلى سبب العقد غير المشروع.
وعمد الفقهاء في إنشاء النظرية الحديثة للسبب، الى الجمع بين فكرة سبب الالتزام وهو الغرض المباشر والقريب في التعاقد، وبين سبب العقد وهو الباعث الدافع إلى التعاقد. واشترطت هذه النظرية في كليهما (سبب الالتزام وسبب العقد) أن يكون كلاً منهما مشروعاً.
السبب هو الباعث الدافع إلى التعاقد: السبب في رأي النظرية الحديثة هو الباعث الدافع للملتزم إلى ارتضاء الالتزام. ومادامت الإرادة، في ظل القانون، قد تحررت من قيود الشكلية، أطلق لها العنان في أن تنشئ ما تشاء من الالتزامات، وطالما أنه لابد للإرادة من باعث يدفعها إلى التعاقد، فلا أقل من أن يشترط القانون أن يكون هذا الباعث مشروعاً، وأن يكون الغرض، الذي ترمى إلى تحقيقه، غرضاً لا يحرمه القانون ولا يتعارض مع النظام العام والآداب. وفي ذلك صيانة للمجتمع من انحرافات الإرادة.
ولما كانت بواعث الإرادة كثيرة ومتنوعة، فمنها الدافع وغير الدافـع ومنها الرئيسي وغير الرئيسي. فمن ثم فإنه يجب الوقوف عند الباعث الرئيسي الذي يكون هو الدافع إلى التعاقد وذلك ضمان لاستقرار المعاملات.
وعليه فإنه يشترط في الباعث لكي يكون عنصر في السبب الآتي:
ü أن يكون هو الدافع إلى التعاقد. أي أنه هو الذي أدى بالمدين إلى أن يرتضي التحمل بالالتزام.
ü أن يكون متصلاً بالمتعاقد الآخر. بأن كان على بينة منه، أو كان يستطيع - على الأقل - العلم به.
ü أن يكون الباعث مشروعاً. أي أنه لا ينطوي على مخالفة للقانون ولا معارضة للنظام العام ولا مخالفاً للآداب العامة.
نظرية السبب في القانون المدني الجزائري: أخذ المشرع الجزائري بوجهة نظر النظرية الحديثة في السبب، فاعتد بسبب الالتزام كأصل عام ورتب على وجوده أو مخالفته للنظام العام والآداب بطلان العقد طبقا للمادة 97 من القانون المدني. وافترض أن للعقد سبباً مشروعاً وعلى من يدعى عكس ذلك إقامة الدليل على عدم وجوده أو عدم مشروعيته المادة 98 ق م.
ونتناول دراسة ذلك من خلال ما هو آتٍ من نقاط.
أولاً - وجود السبب: يشترط المشرع وجوب أن يكون سبب الالتزام موجوداً، في الالتزام الناشئ عن العقد، وإلا وقع العقد باطلاً. فمثلاً إذا التزم الورثة بدفع مبلغ من النقود لشخص، اعتقاداً منهم أن مورثهم قد أوصى له بنصيب في التركة، ثم تبين لهم أن مورثهم قد رجع عن هذه الوصية أو أنها قد جاءت باطلة لتخلف أحد أركانها، في هذه الحالة ينعدم سبب الالتزام ويقع العقد باطلاً.
ثانياً - مشروعية السبب: يلزم لكي يكون العقد صحيحاً ومنتجاً لآثاره - فوق وجود سببه - أن يكون هذا السبب مشروعاً. بأن يكون غير مخالف للقانون أو متعارض مع النظام العام والآداب العامة. ومثال عدم مشروعية السبب، التزام شخص بارتكاب جريمة مقابل مبلغ من المال. فالعقد يبطل هنا لعدم مشروعية السبب.
ثالثا- إثبات السبب: نعلم أنه من المسلم به في نطاق القواعد العامة، أن عبء إثبات وجود السبب ومشروعيته يقع على عاتق الدائن. لأنه هو الذي يدعى ذلك، ومن ثم فعليه إثباته، غير أن القانون قد افترض لمصلحة الدائن أن السبب موجود ومشروع، في حالة خلو العقد من ذكر السبب، وافترض - أيضاً - أن السبب الوارد في العقد سبباً حقيقياً طبقا للمادة 98 من القانون المدني وعلى من يدعى عكس هذين الفرضين (وجود السبب ومشروعيته وحقيقته) أن يقيم الدليل على ما يدعيه.
ü خلاصة: لا يشترط المشرع الجزائري في السبب كركن في العقد والالتزام إلا أن يكون مشروعاً
ü ويفترض المشرع الجزائري في السبب ما يلي:
ü ان لكل التزام سبب (افتراض وجود السبب فلا حاجة لاشتراطه كما في ركن المحل)
ü ان السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي
ü من يدعي عدم وجود السبب او صوريته بأن له سبباً آخر غير مشروع أن يقيم الدليل على ذلك (افتراض الوجود وعدم الصورية قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس)