علاقةُ اللّغةِ الخاصّةِ باللّغةِ العامّة

    إنّ الكثيرَ مِن المصطلحاتِ المتداوَلةِ في قطاعٍ ما، نجدُها متداولةً في المعْجمِ اللّغويّ العامّ، ولكنْ انتقلَ مَعناها مِن الدّلالةِ على مَعْنى مِن المعاني، إلى الدّلالةِ على مَفهومٍ مِن المفاهيم[1]، مثل ذلك:

كلمة التّاج، تعْني في المعجمِ العامّ: الإكليل الّذي يُوضَع على رأسِ الملك.

 أمّا معنى هذه الكلمةِ في الاصْطلاح الصّحي (طبّ الأسنان): غشاءٌ مَعدنيّ يُستعمَلُ لتغطيةِ السّنّ بهدفِ دَعمِها وتقويتِها.[2]

    ولا شكّ في أنّ اختلافَ الشّرحِ للّفظتينِ مَردّه وجودِ مُعجمين مختلفين؛ أحدهما عامّ، والآخر خاصّ، لكن ظهرَ في أيّامنا هذه المعجمُ الإلكتروني الّذي قلّصَ الفارق بينَ المعجمين (العامّ والخاصّ) حيثُ أصبحَ مدخلُ الكلمةِ يضمّ ، إضافة إلى المعاني العامّة للسّياقات المختلفة، المعنى المتخصّص للكلمةِ في جميعِ التّخصّصات الوارد فيها.[3]     

 الكلمةُ في المعجمِ العامّ مَعْنى وسياق:[4]

يتغيّرُ معْنى الكلمةِ في المعجمِ العامّ باستعمالاتها في سياقاتٍ مختلفة، مثل كلمة: العين.

- يشكو زيدٌ مِن ألم في عينِه.( العين: عضوُ الإبصار).

- ينصحُ الأطباءُ بعدمِ النّظرِ إلى عين الشّمس.( شعاع الشّمس).

- ضجر زيدٌ مِن عينٍ تلاحقُه.(جاسوس).

-شربنا مِن عينٍ ماؤُها عَذب.(منبع ماء).

- وافقَ المديرُ عينُه على الاقتراح.(نفسه).

-عجزتُ عَن إدخالِ الخيطِ في عينِ الخياط.(سم الخياط).

-لم يجد الضّيفُ عينا بالدّار.(أهل).

-حضرَ عينُ القومِ الحفل.(أشرافهم).

المصطلحُ في المعجمِ الخاصّ مفهومٌ ومجال.

    ينتمي المصطلحُ إلى معجمِ اللّغةِ الخاصّ، حيثُ يُدرَجُ في المجالِ الّذي ينْتمي إليه، فمصطلحُ (العين) مثلا يُدرَج في المجالِ الصحّي، ويُعرّف كما يلي: " عين: عضوُ الإبصار، وهو بشكلِ كرةٍ تسكنُ في جوفِ الحَجَاج مغطّاة بطبقةٍ صلبةٍ ثمّ بعضلاتٍ محرّكةٍ لها، ثمّ بالجفنينِ العلويّ والسّفليّ، وهي تتألّفُ مِن طبقةٍ وعائيّةٍ عَضليّةٍ وأُخْرى عَصبيّة معَ جِسمٍ بلّوريّ يشبهُ العدسةَ وطبقةٍ شفّافةٍ في المقدّمةِ هي القرنيّة."[5]

    الملاحَظُ على هذهِ التّعريفاتِ أنّ اللّغاتِ الخاصّةَ تتوخّى الدّقّة، والدّلالةَ المباشِرة، وهما سمتان جوهريتان في المصطلحاتِ العلميّة والتّقنيّة، وهذا ما يجعلُ لغاتِ التّخصّصِ تختلفُ عَن اللّغةِ العامّةِ واللّغةِ الأدبيّة[6]، وتتميّزُ ببعضِ الخصائصُ[7]:

1-            خاصيّةُ الدقّة:

     وتتحدّدُ خاصيّةُ الدقّة précision في أن يتمَّ التّعبيرُ عَن المفاهيمِ بكيفيّةٍ واضِحة، تنفِي بها كلّ مظاهرِ اللّبسِ والغموض، فلا وجودَ في اللّغةِ الخاصّةِ للاشتراكِ اللّفظي، والتّرادف.

    ولتحقيقِ هذا المطلبِ تمّ وضعُ مِقياسِ الدّلالةِ الأحادية، ومقياسِ حذفِ المعينِ الذّاتي.

أ-مقياسُ الدّلالةِ الأحادية:

 المقصودُ مِن مقياس(الدّلالة الأحادية) عدمُ تخصيصِ المفهومِ العلميّ بأكثرَ مِن مصطلحٍ واحِد، وهذا المقياسُ أقرّته المنظّمةُ العالميّةُ للتوحيدِ المعياري إيزو iso حيثُ جاءَ في توصيتِها رقم 1087 ما يلي: ( الدّلالةُ الأحاديةُ هي العلاقةُ بينَ تسميةٍ ومفْهوم، لا تعكسُ فيها التّسميةُ إلاّ مفهوما واحِدا).

ب-مقياسُ حذفِ المعينِ الذّاتي:

   إنّ المعيناتِ الذّاتيةَ هي كلّ الكلماتِ الّتي ترتبِطُ دلالتُها  بالذّاتِ المتكلّمة، ولا تشيرُ إلى موضوعاتٍ محدّدة، كذكرِ أسماءِ الإشارة، والضّمائر، والظّروفِ الزّمانيّةِ والمكانيّة.

2-            خاصيّةُ الوضوح:

    تعني خاصيّةُ الوضوحِ في بابِ اللّغاتِ الخاصّةِ تفضيلَ المأنوسِ مِن الألفاظ، والتخلّي عن استعمالِ الصّورِ البلاغيّةِ مِن تشبيه، واسْتعارة، وكِناية، وتَورية، وغيرِها ممّا يفتحُ بابَ التّأويلِ المتعدّد.

3-   خاصيّةُ الموضوعيّة:

    تتمثّلُ هذهِ الخاصيّةُ في ضرورةِ ارتباطِ عباراتِ اللّغةِ الخاصّةِ بالموضوعِ العلميّ الموصوف، ويتجسّدُ هذا الارتباطُ في غيابِ كلّ الألفاظِ أو الأساليبِ الّتي تحيلُ على ذاتِ الواصف، نحو ضميرِ المتكلّم، وانفعالاتِه، ومعتقداتِه... فالموضوعيّةُ هي السّعيُ نحوَ استقلاليّةِ لغةِ العلمِ وخلقِ التّطابقِ المطلقِ بينَ المعرفةِ والواقع.

4-   خاصيّةُ الإيجاز:

    يرادُ بخاصيّةِ الإيجازِ تبليغُ المحتوياتِ المعرفيّةِ بأقلّ ما يمكنُ مِن الألفاظِ والعبارات، ومعلومٌ أنّ الكثيرَ مِن اللّغاتِ تلجأُ إلى النّحتِ كوسيلةٍ للإيجاز، أمّا في بابِ صِياغةِ النّصوصِ فتتحقّقُ هذه الخاصيّةُ باعتمادِ التّعبيرِ المباشرِ بأقلّ ما يمكنُ مِن الألفاظ.

5-   خاصيّةُ البساطة:

    يُقصَد بخاصيّةِ البساطةِ في اللّغاتِ الخاصّة ِكتابةُ المضامينِ العلميّةِ بجملٍ قصيرةٍ تنعدمُ فيها كلّ أسبابِ التّعقيد، كإحالةِ الضّمير، والتّقديمِ والتّأخير، والحذْف.

 

 



[1] - ينظر علم المصطلح لطلبة العلوم الصّحيّة والطّبيّة، ص: 36.

[2] - ينظر علم المصطلح لطلبة العلوم الصّحيّة والطّبيّة، ص: 36.

[3] - ينظر سعيد بليماني الحصيني، آليات اللّغة المتخصّصة والبناء اللّغويّ الإداري مقاربة لسانيّة، سنة الطّبع: 2013، دار المعارف الجديدة، الرّباط، المملكة المغربيّة، ص: 24.

[4] - ينظر علم المصطلح لطلبة العلوم الصّحيّة والطّبيّة، ص: 32.

[5] - علم المصطلح لطلبة العلوم الصّحيّة والطّبيّة، ص: 34.

[6] - ينظر محمود فهمي حجازي، الأسس اللّغويّة لعلم المصطلح، مكتبة غريب، القاهرة، مصر، ص: 14.

[7] - ينظر علم المصطلح لطلبة العلوم الصّحيّة والطّبيّة، ص ص: 48-57.

آخر تعديل: Friday، 6 December 2019، 10:47 PM