تمهيد:

قد تنطلق هذه المحاضرة من صور ألفنا تكرارها،فلم نعد ندرك فحواها،وهي سؤال شكيب أرسلان:"لماذا تأخر المسلمون؟ولماذا تقدّم غيرهم؟ وهو سؤال جدير بالتأمل.

1- تعريف الباحث:

طالب العلم هو كلّ من يتعهد مسألة علمية؛ويُواظب على درسها،مع نية طلب العلم؛ في رفع الجهل عن أمته،وبذلك ليس كلّ من سجل في الجامعة هو طالب علم،وإن حاز على "بطاقة الطالب"، ففي عصرنا قد يُطلَب العلم عبر الحاسوب؛الموصول بالنت،بشرط أن يختار مجالا معينا،ويدأب عليه، ومثاله في زمننا التعليم عن بعد،في زمن جائحة كورونا، أو يأخذ معارفه وعلومه من الكتب المتخصصة.

 ولسلفنا الصالح آداب في طلب العلم وتحمله،وقد جمعها صاحب التذكرة في عشرة صفات هي:«الأوّل:أن يُطهّر قلبه من كلّ غشٍّ ودنس وغلٍّ وحسدٍ وسوء عقيدة وخُلق(...)الثاني:حسن النيّة في طلب العلم.الثالث:أن يُبادر شبابه وأوقات عمره إلى التَّحصيل(...) الرابع:أن يقنع من القوت بما تيسّر وإن كان يسيرا (...)أن يُقسّم أوقات ليله ونهاره،ويغتنم ما بقي من عمره (...) السادس:من أعظم الأسباب المعينة على الاشتغال والفهم،وعدم المِلال،أكل القدر اليسير من الحلال(...) السابع:أن يأخذ نفسه بالورع في جميع شأنه(...) الثامن:أن يُقلل استعمال المطاعم التي هي من أسباب البلادة وضعف الحواس.التاسع:أن يُقلل نومه مالم يلحقه ضرر في بدنه وذهنه.العاشر:أن يترك العِشرة.»[1]؛أي المخالطة وكثرة الأصحاب.وقد عمد ابن جماعة إلى شرح مستفيض لهذه الصفات،التي تُؤهل الباحث/الطالب لمهمته.«وقالوا لا يكون العالم عالما حتى تكون فيه ثلاث خصال،لا يحتقر من دونه ولا يحسد من فوقه ولا يأخذ على العلم ثمنا.»[2] فهذه خلال في نقل العلم وتحمله،لأنّ العالم ينفع بعلمه ولا يحبسه في صدره.فالعلم ينمو بإنفاقه،ولا يدخله الرياء ومرض القلوب.

 ولما كانت مؤهلات الباحث التي ينبغي أن يتصف بها عديدة ،فيمكن التمييز بين:

 2-صفات ذاتية:

صفات الباحث الفطرية كثيرة،تجلّ عن الحصر،لكننا نقتصر في هذا المقام على صفتين،أساسيتين –في تصورنا- وللطالب أن يُراجع ما تزخر به كتب المنهجية الحديثة،أو أخبار سلفنا الصالح من شروط وقواعد محببة لطالب العلم .والصفات الخُلقية ظاهرة من المعاشرة،والعلاقات،"فكلّ إناء بما فيه ينضح"،إذ الأخلاق العلمية تنطبع وتعكسها البحوث .

 2-1الصبر:  

إنّ الصبر خلق،يتحول إلى سلوك حياتي،والباحث/الطالب في مسيرته العلمية أحوج البشر له،و«أصل الصبر: الحبس والمنع وكلّ من حبس شيئًا فقد صبره(...)،والصبر نقيض الجزع(...)وورد للصبر معان أخرى غير معنى الحبس وهي: الصبر:بمعنى الثبات(...)والصبر بمعنى الجرأة(...)»[3] والحبس هنا بمعنى كف النفس عن الجزع والسخط؛وقَبول المصاب بإيمان؛دون شكوى.«ونجد في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن مادة (صبر) بكلّ مشتقاتها قد وردت في القرآن مائة مرة وبضع مرات.»[4] ودلالة هذا العدد العظيم؛تنبئ عن قيمة هذا الخلق في الحياة الدنيوية.

وحتى نربط الصبر بطلب العلم،يمكننا الاستشهاد بالآيات الواردة في سورة الكهف،التي يُستحب قراءتها كلّ جمعة للتذكير بفضيلة الصبر في طلب العلم،﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68([5]

غير أنّ موسى عليه السلام وَعَدَ العبد الصالح (الخضر) أن يكون صبورا، ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) [6]

وجاء في تفسير هذه الآيات: أنّ الخضر«نفى استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد،(...) وعلل ذلك بأنّه يتولى أمورا هي في ظاهرها مناكيرُ (...) رجا موسى -عليه السلام-لحرصه على العلم(...)وهذا من آداب المتعلِّم مع العالم والمتبوعِ مع التابع»[7] .ولئن تُعلمنا هذه الآية شيئا فهي تُعلمنا الصبر على التعلم،فمع علم سيدنا موسى عليه السلام،وهو النبي المعصوم؛الذي يُوحى له،قَبِلَ أن يكون تلميذا لرجل صالح أعلم منه.ويُطيعه فيما يرى ويسلك .

  بقي بن مخلد أنموذج طالب من تاريخنا:

إليك عزيزي/عزيزتي الطالبة هذه القصة،طالعها لتستشف منها ما سبقت الإشارة إليه من تحديد كيف يكون طالب العلم؟ وماهي صفاته؟ وما علاقته بشيخه/أستاذه ؟

      وهذا خبر آخر من عجب الأخبار وأغربها،وقع لعالم مغربي ممن رحلوا من المغرب الأقصى إلى المشرق،وقد رحل هذا العالم المغربي إلى المشرق ليلقي إمامًا من أئمته فيأخذ عنه العلم ولكنه حين وصل إليه وجده محبوسًا ممنوعًا عن الناس،فتلطّف وتحيّل حتى لقيّه فأخذ العلم عنه،بصورة لا تخطر على البال لولا وقوعُها.والتاريخ أبو العجائب والغرائب.

(...)ثمّ خرجت أستدل على منزل أحمد بن حنبل،فدللت عليه،فقرعت بابه،فخرج إليّ وفتح الباب،فنظر إلى رجل لم يعرفه ،فقلت:يا أبا عبد الله رجل غريب الدار،هذا أوّل دخولي هذا البلد،وأنا طالبُ حديث ومُقيِّدُ سُنّة –أي جامع السُنّة- ولم تكن رحلتي إلاّ إليك،فقال لي:ادخل الأُسطوان –يعني به الممرَّ إلى داخل الدار-ولا تقع عليك عين·.

فقال لي:وأين موضعك؟ قلت: المغرب الأقصى،فقال لي إفريقية؟فقلت:أبعَدُ من ذلك-أجوزُ من بلدي البحرَإلى إفريقية- الأندلسُ،فقال لي:إنّ موضعك لبعيد،وما كان شيء أحبَّ إليَّ من أن أُحسن عوْنَ مثلك على مطلبه،غير أنّي في حيني هذا ممتحَنبما لعله بلغك،فقلت له:بلى قد بلغني وأنا قريب من بلدك مقبلٌ نحو .

فقلت له:أبا عبد الله هذا أوّل دخولي وأنا مجهول العين عندكم،فإن أذِنتَ لي أن آتي في كلّ يوم في زيِّ السُّؤَّال،فأقولَ عند باب الدار ما يقولونه،فتَخرُجَ إلى هذا الموضع،فلو تحدثني في كلّ يوم إلاّ بحديث واحد لكان فيه كفاية،فقال لي:نعم،على شرط ألا تظهر في الحِلَق ولا عند لأصحاب الحديث،فقلت:شَرْطك

فكنت آخذ عُودًا بيدي،وأَلُفُّ رأسي بخرقة،وأجعل كاغدي –أي ورقي-ودَواتي في كُمِّي،ثمّ آتي بابه فأصِيح:الأجرَ رحمكم الله.والسُّؤال هنالك كذلك،فيَخرج إليَّ ويغلق باب الدار،ويُحدثني بالحديثين أو الثلاثة والأكثر .

فالتزمت ذلك حتى مات الممتحن له،ووَليَ بعده من كان على مذهب السُّنّة،فظهر أحمد بن حنبل،وسَمًا ذكرُه،وعظُم في عيون الناس،وعلَت إمامتُه،وكانت تضرب آباط الأبل،فكان يعرف لي حقَّ صبري .

فكنت إذا أتيت حلقته فَسَحَ لي وأدناني من نفسه،ويقول لأصحاب الحديث:هذا يقع عليه اسم طالب العلم ،ثمّ يقصّ عليهم قصّتي معه،فكان يناولني الحديث مناولة،ويقرؤه عليّ،وأقرؤه عليه.

فاعتللت علّة أَشفيت منها،ففَقَدني،من مجلسه فسأل عني،فأُعلم بعِلّتي،فقام من فوره مقبلاً إليَّ عائدًا لي بمن معه،وأنا مضطجع في البيت الذي كنت اكتريت،ولِبْدي تحتي،وكسائي عليّ،وكتبي عند رأسي .

فسمعت الفندقَ قد ارتجَّ بأهله وأنا أسمعهم –يقولون-: هو ذاك،أبصِروه،هذا إمام المسلمين مقبلاً،فَبدَرَ إليّ صاحب الفندق مسرعًا فقال لي:يا أبا عبد الرحمن،هذا أبو عبد الله أحمد بن حنبل إمام المسلمين مقبلا إليك عائدًا لك .

 فدخل فجلس عند رأسي وقد احتشى البيتُ من أصحابهفلم يسعهم،حتى صارَتْ فرقةٌ منهم في الدار وقوفًا وأقلامُهم بأيديهم،فما زادني على هذه الكلمات فقال لي:يا أبا عبد الرحمن أبشِرْ بثواب الله،أيامُ الصحة لا سقَم فيها،وأيام السقم لا صحة فيها،أعلاك الله إلى العافية،ومَسَحَ  عنك بيمينه الشافية،فرأيت الأقلام تكتب لفظه.  

ثمّ خرج عني،فأتاني أهل الفندق يَلطُفون بي،ويخدمونني ديانةً وحِسبة،فواحدٌ يأتي بفراش،وآخر بلحافٍ،وبأطايب من الأغذية،وكانوا في تمريضي،أكثرَ من تمريض أهلي،لو كنت بين أظهرهم،لعيادة الرجل الصالح لي.وتوفي بقي بن مخلد سنة 276 بالأندلس رحمه الله تعالى.[8]

                  يظهر من هذه القصة مفهوم طالب العلم،ف "بقي بن مخلد" تعهد حضوره لشيخه لطلب علم الحديث منه كلّ يوم،مع تقييده للحديث؛أي كتابته،وما يتبع ذلك من حفظه واستيعابه،ومدارسته واستخراج فوائده.علاوة على ما تمتع به "بقي بن مخلد" من علو همة وصبر،فرُغم منع الإمام حنبل من التدريس،كان "بقي بن مخلد" طالبا نجيبا،وأسهم في كسر الحصار والحظر عن أستاذه،وأخذ عنه العلم بحيلة،ظاهرها ذلّ الشحاذ،وباطنها رفعة العلماء عند الله سبحانه . وكانت تُضرب آباط الإبل لحضور مجلس الإمام بن حنبل،كناية عن تجشم عناء السفر من بعيد.فكيف رأيت –أيها/أيتها الطالب/الطالبة-كرامة طالب العالم،حين يوقرّه عالم،فيُجله الناس أجمعين.

2-2الأمانة العلمية:

ورد في الأثر:"خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله"،«والأمانة العلمية المتمثلة في نسبة الأفكار،والنصوص إلى أصحابها-مهما تضاءلت-هي عنوان شرف الباحث.بل الشعار الذي يُعلنه في كلّ خطوات البحث.»[9] وتشمل الأمانة العلمية:الصحة في النقل؛بمعنى الحذر الشديد في تدوين النصوص المقتبسة،فلا يُضيف الباحث ولو "حرف عطف" أو "فاصلة"أو"نقطة"،فهذا القدر اليسير من الإضافة،يُحرف المعنى ويُغيّر القصد،و في حالة إضافة كلمة أو عبارة-ليستقيم المعنى- ينبغي وضعها بين قوسين مركنين(عاكفة)،وفي حالة الاقتباس غير الحرفي-كما سنرى في السداسي الثاني-إن شاء الله،يلتزم بعدم تغيير المعنى وقصد صاحبه،ويتحرى فهم معانيه ودلالاتها،في النقل،وله مطلق الحرية بعد ذلك في مناقشتها والاختلاف معها،أو ردّها ودحضها .كما تعد من الأمانة العلمية عدم سرقة أفكار الآخرين،سواء أكانت في اللّغة ذاتها،أم عن طريق الترجمة من لغة أخرى ثمّ نسبة الفكرة للباحث.

ومن باب التذكير فإنّ السرقة العلمية خيانة كبرى يُعاقب عليها القانون وتستنكرها الهيئات العلمية والجامعات،والسرقة العلمية هي :«كلّ شكل من أشكال النقل غير القانوني،في المنشورات والبحوث العلمية والرسائل والمذكرات العلمية.كما يُمكن تعريفها أيضا بأنّها"إعادة عمل الآخرين دون إشارة للمنشأ"أي إعادة مصطلحات أو أفكار الآخرين والسطو على مجهوداتهم واستغلال إنتاجهم الفكري دون الإشارة إلى صاحبها الأصلي.»[10] ويظهر من هذا الكلام أنّ السرقة هي ضد الأمانة،وكلاهما خلق وقيمة يؤمن فيها الباحث/الطالب،تتحول إلى سلوك خطير؛يُطيح بصرح البحث العلمي،لأنّه اعتداء على الملكية الفكرية .

وقد تبنت الجزائر كغيرها من بلدان العالم ترسانة قانونية من المواد القانونية،التي تسعى إلى تعزيز الأمانة العلمية،وآخرها القرار الوزاري رقم 1082 المؤرخ في 27 ديسمبر 2020،والمحدد للقواعد التعلقة بالوقاية من السرقة العلمية ومكافحتها،فحدد السرقة بالمفهوم القانوني الذي يُرتب جزاءً قائلا: « تعريف السرقة العلمية:المادة 3 :تعتبر سرقة علميةبمفهوم هذا القرار،كلّ عمل يقوم به الطالب أو الأستاذ الباحث الاستشفائي الجامعي أو الباحث الدائم،أو من يُشارك في فعل تزوير ثابت للنتائج أو غش في الأعمال العلمية المطالب بها،أو في منشورات علمية أو بيداغوجية أخرى.»[11] ولا مراء في أنّ النصّ القانوني يأتي ليُقنن الظاهرة،ويضع القاعدة القانونية العامة والمجردة،لكن النظر القانوني والفقهي من الدارسين لا يتوقف،ولهذا فقد لوحظ على القرار؛أنّه«مبهم وغامض في محتواه،استعمل مصطلحات متداخلة.»[12] فالتزوير والغش يختلف عن السرقة العلمية،وكلّ له مقاصده .

من صور السرقة العلمية :

ü   غياب الاستشهاد السليم؛أي علامات التنصيص في الاقتباس الحرفي،ونسبة المعلومات لأصحابها في الاقتباس غير الحرفي.

ü   استعمال أية مادة صوتية/سمعية،صورة،رسم،إحصائيات،خطاطات بيانية،فكرة،متاحة على النت،التلفزيون،مخطوط،كتاب، مجلة.... وغيرها من أوعية المعلومات،دون الإحالة وذكر صاحبها .

ü   أن يكتب لك شخص آخر بحثا علميا لك،كأن يكون أستاذا،أو باحثا أعلى منك درجة،ثمّ تنسبه لنفسك؛دون جهد،ويتضمن كذلك شراء الرسائل والأطروحات الجامعية مقابل مبالغ مالية من مكاتب متخصصة.

ü   نقل فقرة أو فقرات تتجاوز حد الاقتباس المتعارف عليه؛أو أخذ تقديم أفكار بالشكل نفسه دون ذكر المصدر،ولو أعاد الباحث/الطالب الصياغة بأسلوبه الشخصي.[13]

3- صفات مكتسبة :

ويقصد بها تلك المؤهلات والقدرات التي يتعلمها الباحث/الطالب من خلال مقياس تقنيات البحث ويكتسبها ممارسة،عبر الخبرات المتراكمة عنده بالقراءة وبتوجيه الأساتذة،وفي مختلف عروض البحث وحضور المناقشات العلمية .

3-1الموضوعية:

لعلّ من أهم الأبحاث التي خصصت للموضوعية كتابا كاملا لتحليلها-يتجاوز 400 صفحة- كتاب صلاح قنصوة الموضوعية في العلوم الإنسانية،وهو ليس عرضا بسيطا ومبتسرا،بصفتها من أهم خصائص العلم وصفات الباحث؛التي ينبغي أن يتحلى بها فأمّا دلالة الموضوعية فهي: « الأكسيولوجية(القيمية) الذائعة الشهرة،وهي التي تعد الموضوعية بمقتضاها تجردا لكلّ حكم من أحكام القيمة.(...) فهناك دلالتها الابستيمولوجية(المعرفية) التي تُعنى بالصلة بين الذات العارفة والموضوع المعروف،وهي لا تعني مجرد القول"بمعرفة الأشياء على ما هي عليه"(...)وهناك الدلالة السيكلوجية متى كانت الموضوعية تمحيصا لأثر العوامل النفسانية في تشكيل المعرفة.(...)وأخيرا دلالتها الثقافية التي تُشير  إلى الاتفاق أو التواضع conventionحول المعايير(...) بحيث تؤسس التعريفات والمفهومات وسائر الخطوات والأدوات على طائفة من الإجراءات والتصورات التي اتفق المجتمع العلمي(...) على الالتزام بها»[14]   

جرت العادة على تبسيط تعريف الموضوعية في القول ب: ابتعاد الباحث عن التأثر بدوافعه الذاتية وأحكامه الشخصية وتأثير رؤية مجتمعه،والاعتماد على محاولة تقديم صورة أقرب للواقعية والحقيقة العلمية،لدراسة الظاهرة،بشكل مجرد،وهذا يستبعد ما تمّ عرضه من تشقيق للدلالات التي تنطوي عليها الموضوعية،وإن صح التعبير أبعادها المكونة لها: من بعد قيمي؛يتمثل في الموضوع المدروس،وبعد ابستيمولوجي معرفي؛يتعلق بعلاقة الباحث بموضوعه؛ولاسيما في العلوم الإنسانية،التي يتعسر الفصل بين الذات الدارسة والموضوع المدروس،للتداخل بينهما،ولا ينسى الباحث قنصوه من الإشارة إلى عوائق المعرفة بالطرح الباشلاري(نسبة لغاستون باشلار)،وهنا التركيز على البعد النفسي،وأخيرا يتوقف عند البعد الرابع،وهو الدلالة الثقافية؛ بالاتفاق على الإجراءات والخطوات المنهجية؛التي تؤسس للموضوعية،على سبيل المثال الملاحظة والفرضية والتجربة،والاستقراء...إلخ .

3-2الإلمام بالتقنيات المنهجية:

بالإضافة إلى ما تقدّم من تركيزنا على أهم الصفات الفطرية والمكتسبة،فإنّه «ليس بإمكان كلّ إنسان أن يكون باحثا ناجحا مبدعا، حتى ولو تعلم أصول البحث وشروطه،(...) والشوق إلى المعرفة ملكة عند الشخص وموهبة فطرية.»[15]

فكم من الجامعات من تُخرج حاصلين على شهادات عليا؛دكاتره ومدرسين في الجامعة، غير أنهم ليسوا بباحثين،لأنّهم غير قادرين للإضافة للبحث العلمي،وغير منتجين للمعرفة .

أمّا التقنيات المنهجية التي يحتاجها الباحث/الطالب فهي عديدة،ستجدون أهمها في هذه المحاضرات،وتبقى القراءة والممارسة الشخصية للباحث،أهم مصدرين لاكتساب التقنيات المنهجية،فلا يكفي التنظير،لإكساب الطالب المنهجية العلمية السليمة،وإنّما ينبغي عليه أن يُوظف مكتسباته المنهجية،ويُصغي للأساتذة والمتخصصين .

صفوة القول:

بسطنا في هذه المحاضرة،تحديدا إشكاليا،لأمة اقرأ،التي تدعو إلى العلم وتمجد العلماء في نصوصها وأقوالها،لكن الواقع الحضاري،لم يعد يؤمن في البلدان العربية،بقيمة العلم،و بالباحثين والعلماء،تبدو المحاضرة بسيطة ويسيرة،لكنها تطرح السلوكات القيمية للباحثين والأساتذة،وليس مجرد سرد للمعلومات،قد تتحول إلى شعارات ومثل جوفاء،فاقدة للمصداقية والقيمة،فكم من باحث أصيل في جامعاتنا؟وكم من دكتور متحصل على شهادة الدكتوراه،وكم مترشح سنوي للمقاعد الماستر والدكتوراه؟ وكم طالب يبتغي علما نافعا؟أم مجرد تحصيل شهادات ووظائف وترقيات؟ !

إنّها أزمة اجتماعية ثقافية؛وليست مجرد محاضرة تُلقى على الطلبة،ينسونها بمجرد الانتهاء من امتحان تقنيات البحث.السؤال الجوهري:كيف نرسخ قيّم البحث ومبادئه في طلابنا ؟



[1] ابن جماعة،بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله،تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم،اعتنى به محمد بن مهدي العجمي،دار البشائر الإسلامية(لبنان)،ط3،2012،ص.94-86

[2]  ابن عبد ربّه،شهاب الدين أحمد،العقد الفريد،دار ومكتبة الهلال(لبنان)،دط،2011،ج،2 ص.11

 [3]أسماء عمر حسن فدعق،الصبر في ضوء القرآن والسنة،دن،دب،دط،دت،ص.45

[4]  المرجع نفسه،ص.51

[5]  سورة الكهف،الآية،67،68

[6] سورة الكهف،الآية،69

[7]  الزمخشري،أبي القاسم جار الله محمود بن عمر،الكشاف،عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل،شر.مرا يوسف الحمادي،مكتبة مصر(مصر)،دط،دت،ج3،ص.77،78

·  هذا النوع من الاقتباس،الذي يتجاوز ستة أسطر،يسمى الاقتباس الموسع سنعرف،حالاته في محاضرات السداسي الثاني

[8] عبد الفتاح أبو غدّة،صفحات من صبر العلماء،على شدائد العلم والتحصيل،مكتبة المطبوعات الإسلامية(لبنان)،ط2،1974،ص.26-29

[9]  عبد الوهاب إبراهيم أبوسليمان،كتابة البحث العلمي،ومصادر الدراسات القرآنية،والسنة النبويّة والعقيدة الإسلامية،دار الشروق(السعودية)/دار الهلال(لبنان)،ط4،2008،ص.38

[10] بوشيخ عبد الرحمن،السرقة الفكرية والعلمية ومنظورها من الجانب الديني،مجلة أبعاد،مج 7،ع2،2020،ص.332

[11] القرار الوزاري رقم 1082 المؤرخ في 27 ديسمبر 2020،والمحدد للقواعد التعلقة بالوقاية من السرقة العلمية ومكافحتها

[12]  تغربيت رزيقة،السرقة العلمية وفقا للقرار لسنة 2020المحدد للقواعد المتعلقة بالوقاية من السرقة العلمية ومكافحتها،المجلة الأكاديمية للبحث القانوني،عبد الرحمن ميرة بجاية،مج 12،ع3،ص.557

[13] يُنظر:المملكة العربية السعودية،وزارة التعليم العالي،جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،عمادة التقويم والجودة،سلسلة دعم التعلم والتعليم في الجامعة،السرقة العلمية:ماهي؟وكيف أتجنبها؟،1434،ص.8،9

[14] صلاح قنصوه،الموضوعية في العلوم الإنسانية،عرض نقدي لمناهج البحث،دار التنوير(لبنان)،دط،2007،ص.69

[15]  مهدي فضل الله، أصول كتابة البحث وقواعد التحقيق،دار الطليعة (لبنان)،دط،دت،ص.19

آخر تعديل: Monday، 21 March 2022، 1:29 PM