1-تعريف العنوان :

العنوان أوّل عتبة تصافح عين القارئ في قراءة أيّ كتاب؛أو أيّ بحث علمي،لذا وجب الاعتناء به من حيث الشروط والمعايير الواجب توفرها فيه،وقبل تحديدها،علينا الوقوف أوّلا عند تبيان القصد من العنوان لغة واصطلاحا،ثمّ بسط معاييره المنهجية و التمثيل لذلك .

1-1لغة:

جاء في لسان العرب ما نصّه:

«عنن:عَنَّ الشَّيْءُ يَعِنُّ و يَعُنُّ عَنَنًا وعُنُونًا:ظَهَرَ أَمَامَكَ؛وعَنَّ يَعِنُّ ويَعُّنُ عَنًّا وعُنُونًا،واعْتَنَّ:اعْتَرَضَ وعَرَضَ،ومِنْهُ قَوْلُ امْرِئ القَيْسِ:فَعَنَّ لنا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجُهُ،(...) وَسُمِّيَ عُنْوَانًا لأَنَّه يَعُنُّ الكِتَابَ مِنْ نَاحيَتَيْه.(...)قال اللَّيْثُ: العُلْوانُ لُغَةٌ في العُنْوَانِ غَيْرُ جَيِّدَةٍ،والعُنْوَانُ،بالضَّمِّ،هي اللُّغَةُ الفَصِيحَةُ »[1]

يتبيّن من المعجم أنّ دلالة مادة(ع.ن.ن) توحي بالاعتراض والظهور بروزا لعين الناظر،ولما كان العنوان مفتاح البحث وعتبته الأولى التي يلج عبرها إلى داخل البحث؛ فحدد اصطلاحا بـ:

1-1      اصطلاحا:

أصبح العنوان في النقد المعاصر والدراسات الحديثة،صناعة قائمة بذاته،يُشتَغَل عليه؛بُغية التسويق الجيّد للكتاب،

العنوان عتبة ونصّ صغير مكتنز و موازي للنصّ/ المتن الكبير،«فقد أصبحت العناوين موضوعا صناعيا  Objet artifciel لها وقع بالغ،في تلقي كلّ من القارئ،والجمهور والنقد والمكتبيين،وهي تحت طائلة تعليقاتهم،قصد القبض عليها»[2]   

وقد حدد الباحثون عدة وظائف للعنوان منها تحديد مضمونه؛وله وظيفة جاذبة وإغرائية للقارئ،فها هو  الناقد جيرار جنييت يقول:في عتباتهSeuil على لسان Furetière " " :« العنوان الجيد هو أحسن سمسار للكتاب Un beau titre est le vrai proxénète d'un livre»؟

  «  وقد وضع Bigelow قاعدة لذلك خلاصتها أن يشمل العنوان من المعلومات ما يدفع باحثا آخر أن يبحث عن هذه المعلومات تحت هذا العنوان.»[3] وبذلك تكون القاعدة الأولى والشرط المسبق هو: مفهوم شمولية العنوان لعناصره الأساسية،التي سيتمّ بحثها وتناولها تفصيليا في مجمل البحث.أمّا المعيار الثاني فهو: «أن يكون مختصراً محدّدا بالزمان والمكان المعينين

أن يكون مصوغاً بشكل وصفي أو بشكل (علاقة )، أو (أثر)أو (فروق)»[4] وعنى هذا الكلام؛أن يكون العنوان موجزا؛من حيث عدد الكلمات التي تُشكله،أي بعبارة أخرى؛أن يكون قصيرا؛غير طويل .

أمّا المقصود بالتحديد الزماني؛فأن لا يكون مجال البحث واسعا؛إذ يُشترط أن يكون محددا بقرن مثلا القرن الثالث للهجرة مثلا،أو بعصر كعصر قرطبة أو المرابطين في الأندلس،أو بعدد من السنيين؛فنقول العشرية السوداء/الحمراء في الجزائر –لا أعادها الله وحفظ بلدنا سالما آمنا-أمّا التحديد المكاني؛فيعني المجال الجغرافي للبحث،فيقال:مثلا قطر من الأقطار العربية الجزائر،مصر،السودان...أو منطقة معينة في دائرة من دوائر سطيف وهكذا،ويُفضل حصر وتضييق المجالين الزمني والتاريخي،حتى يسهل تطويق الدراسة.

علاوة على ذلك يُشترط «أن يكون العنوان خال من صيغ استفهامية ،أو إشارة إلى النتائج أو إلى المنهج المتبع،وذلك بتجنب عناوين فيها تعابير من نحو :(دراسة تحليليةل وصفية)،أو (دراسة تحليلية تاريخية)،أو (دراسة تقابلية)»[5] وهذا المعيار هو معيار منطقي؛فلا ينبغي المصادرة على المطلوب قبل بحثه،فلا يأخذ العنوان دور الإشكالية،ولا يحلّ العنوان محلّ المنهج؛الذي سيتصدر مكانا بين عناصر المقدّمة.

مثال:

«إنّ أي تغيير في العنوان حتى على مستوى تغيير حرف واحد،كواو العطف،أو حرف الجر سببا في أحداث تغيير جذري في خطة البحث وأهدافها كاملة،أنّ بحثا بعنوان "التعدد الإعرابي ودلالاته في كتب إعراب القرآن" يختلف عن بحث بعنوان :"التعدد الإعرابي ودلالاته في كتاب إعراب القرآن للنحاس" وهما يختلفان عن بحث بعنوان :التعدد الإعرابي في الأسماء ودلالاته في كتاب إعراب القرآن للنحاس"، والثلاثة تختلف عن بحث بعنوان :"التعدد الإعرابي في الأسماء المعربة ودلالاته في كتاب إعراب القرآن للنحاس "»[6]

وكي نشرح الفرق بين تلك العنوانات،فيكفي أن نتأملّ في الفروق الدلالية التي تنجم عن تلك العنوانات،فالعنوان الأوّل:يبحث في كلّ كتب إعراب القرآن؛من مثل:أبي البقاء العبكري،ولأبي إسحاق الزجاج،وللخطيب التبريزي، وغيرهم ...؛نصل إلى أنّ قائمة الكتاب الذين ألفوا في إعراب القرآن غير محدودة؛ من القديم وحتى العصر الحديث؛أمّا العنوان الثاني فهو محدد من جهة المدونة بكتاب واحد؛من كتب إعراب القرآن،لكنه في الوقت نفسه مفتوح على الكلمات المعربة في العربية،ومجالها واسع غير محدود،أمّا العنوان الثالث والأخير فهو الأكثر تحديدا،والأدق؛لأنّ الباحث سيلتزم بالاشتغال على كتاب إعراب القرآن للنحاس،ويتوقف فقط عند الأسماء المعربة؛وبذلك مثلا يخرج الفعل المضارع؛لأنّه معرب.وليس مبنيا. ولنعمق ضبط العنوان نضيف أمثلة

عن عناوين مختلفة:

«وموضوع بعنوان:(النسب والتصغير في شعر ماقبل الإسلام)،وغيره في (صيغ النسب في شعر ماقبل الإسلام ) ،أو (صيغ النسب والتصغير في شعر المتنبي).يمكنك-عزيزي عزيزتي الطالبة تأمل الفرق بين العنوانات الثلاثة -

وموضوع بعنوان :(البنية اللّغوية في شعر البردوني) ،يختلف عن موضوع بعنوان (الأبنية الصرفية في شعر البردوني)،ويختلف عن موضوع بعنوان:(الأبنية الصرفية الاسمية في شعر البردوني) ،والثلاثة تختلف عن موضوع بعنوان :(التركيب النحوي في شعر البردوني) »[7] وهنا يلاحظ الباحث المتأمل؛كيف تمّ الانتقال من موضوع التركيب النحوي،وهو مبحث ومجال واسع في النحو العربي؛إلى صياغة عنوان متدرج من حيث دقة تحديده؛البنية اللّغوية العنوان الأوسع؛يضم مختلف أنواع التراكيب النحوية العربية الفعلية،والاسمية،ومتعلقات شبه الجملة وغيرها؛ويختلف عن الاقتصار على الميزان الصرفي الاسمي فقط في شعر البردوني؛ من خلال ديوانه،ويمكن للباحث أن يُقلص ويحدد البحث؛في قصيدة واحدة لا يتجاوزها .

«   وموضوع من نحو :(الرتبة في النحو العربي) وأثرها الدلالي،غير "رتبة المفاعيل في النحو العربي )،أو (رتبة المرفوعات في النحو العربي) ،أو(الرتبة في الجملة الشرطية ) (...) وموضوع بعنوان (الأساليب البيانية والبديعية في الشعر العباسي) يختلف عن موضوع بعنوان :(الأساليب البيانية والبديعية في شعر الفخر في العصر العباسي)،وهذا يختلف عن موضوع بعنوان :(الأساليب البيانية والبديعية في شعر الطرد في القرن الرابع الهجري) (...) وموضوع بعنوان :(الصور البلاغية عند شعراء القرن الرابع الهجري) ،غير موضوع بعنوان: (الصور البلاغية في شعر المتنبي) (...)  وموضوع بعنوان (المصطلح البلاغي في التراث العربي)،غير موضوع بعنوان :(المصطلح البلاغي عند ابن الأثير) وموضوع بعنوان :(الوصف في الشعر الأندلسي)،يختلف سعة وشمولية عن موضوع بعنوان : (الوصف في الشعر الأندلسي إلى نهاية عصر الطوائف)»[8]

«وموضوع بعنوان :(المكان في الشعر العراقي)، يختلف عن موضوع بعنوان (المكان في شعر السياب)»[9]

ومن ثمة نصل إلى ضرورة الابتعاد عن البحوث العرضية والبانورامية الواسعة والممتدة في زمن تاريخي طويل،يشمل عدة عصور،أو فترات متسعة، إلى البحوث الرأسية والمتخصصة. بالإضافة إلى وجوب الابتعاد عن الرنين الشعري والتجنيس،وهي أعلق بالكتب التجارية؛من جناس وسجع؛وكلّ المحسنات البديعية،فهي تُفقد العنوان موضوعيته وحياديته.ناهيك عن شرط الوضوح في التصور،بحيث لا يورد الباحث مفهومين ملتبسين؛أو غير واضحين في ذهنه؛كأن يقصد الباحث إلى السرقات الشعرية،ويضع بدلا عنها الانتحال؛وشتان بين القضيتين النقديتين من بون واسع؛ويبتعد الباحث عن التكرار في العنوان؛بجميع صوره؛سواء تعلق الأمر بالتكرار اللفظي،أو التكرار عن طريق الترادف،كما ينبغي أن يتجنب استعمال حرف الواو في العنوان،فهو غير منهجي؛بالإضافة إلى الصيغ المبهمة من مثل بعض،ومن ملامح ،ومن مظاهر،بل على الباحث أن يُسمي الظاهرة النقدية أو اللّغوية مباشرة،بمصطلحها العلمي؛الذي يُراجعه في قاموس من القواميس المتخصصة؛في الحقل العلمي المشتغل فيه.كما يبتعد الباحث/الطالب عن العنوانات المعقدة لغويا،أو مفهوميا،وينحو صوب العمق وبساطة التركيب،ومن نافلة القول التأكيد على السلامة اللّغوية وخلو العنوان من الأخطاء الإملائية أو النحوية؛إذ تُناط المسؤولية كلّها بالباحث .

صفوة القول:

في هذه المحاضرة،حددنا المقصود بالعنوان؛لغة واصطلاحا،ثمّ قدّمنا جملة المعايير التي يُطالب بها المنهجيون،لسلامة الضبط والصياغة،وأردفنا ذلك بأمثلة،عن العنوانات،وكيف يتمّ الانتقال من موضوع بحثي إلى عنوان.وسعت المحاضرة أن يتمكن الطالب من تصحيح العنوان الخاطئ؛وتعليل الخطأ .



[1] ابن منظور،المعجم السابق، ص.3139،3142

[2]  عبد الحق بلعابد،عتبات،(جيرار جنيت،من النصّ إلى المناص)،تق.سعيد يقطين،الدار العربية للعلوم ناشرون(لبنان)/منشورات الاختلاف(الجزائر)،ط1،2008، ص.66

[3]  أحمد شلبي، المرجع السابق،ص.47

[4]  هادي نهر،المرجع السابق،ص.159

[5] هادي نهر،المرجع السابق،ص.108

[6]  هادي نهر،المرجع السابق،ص.108

[7] هاادي نهر،المرجع السابق،ص.109

[8] هادي نهر،المرجع السابق،ص.110

[9] هادي نهر،المرجع السابق،ص.111

Last modified: Saturday, 8 January 2022, 3:02 AM