1-أهمية المنهج :

     قد تعددت تعاريف المنهج عند المختصيين؛وبما أننا نشتغل على المناهج اللّغوية والنقدية في تخصص اللّغة والأدب العربي؛ فإنّ ضرورة الوقوف على مناهج حقل اشتغالنا مطلب لازم وحتمي،ولا يستقيم الأمر،أن نذكر المناهج بصورة عامة في جميع التخصصات العلمية؛ذلك أننا نجد مناهج في علم النفس،تختلف عن مناهج تخصص الحقوق،ومناهج علم التاريخ تتباين مع مناهج العلوم الاجتماعية،ومن ثمة لكلّ تخصص علمي مناهجه،التي تُميّزه عن غيره من العلوم.وبكلمة المنهج هو مجموعة الخطوات والإجراءات التي يتبعها الباحث في بحثه. «وكلّ بحث من غير منهــــــــج واضح ومحدد إنّما هو حديث في الموضوع،أو الظاهــــــــــرة المدروسة،وليس بحثـــا علميا فيها .»[1] فالمنهج بالنسبة للباحث الأداة المعرفية والعلمية التي يُقارب بها بحثه،وفي غياب المنهج؛يتحول كلّ البحث إلى حديث فقط،غير مؤسس علميا،مجرد كلام،يفتقد للتسويغ العلمي. ومن ثمة فـ «المنهج(...) هو البرنامج الذي يحدد لنا السبيل للوصول إلى الحقيقة أو الطريق المؤدي إلى الكشف عن  الحقيقة في العلوم.» [2]

وقد تبلور المنهج العلمي،مع الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت René Descartes (1596-1650) في القرن السابع عشر،الذي أفرز النهضة الأوروبية الحديثة. ولا مندوحة من الإشارة أنّ المناهج تختلف باختلاف المواضيع،ولا يمكننا الاشتغال في أيّ بحث دون اعتماد منهج مُعين،وقد يتطلب البحث الاستعانة بأكثر من منهج، وفي هذه الحالة يُحدد الباحث المنهج في مقدّمة بحثه، ثمّ يُبرر مناسبته للبحث،وإذا اعتمد أكثر من منهج في بحثه،ينبغي توضيح موقع الاستفادة من كلّ منهج على حدة، وكيفية توظيفه وتبيين طريقة بناء التواشج المنهجي بين مناهج متعددة وتسويغه .

مما تقدّم ظهر أنّ المقوم الأساسي في مفهوم البحث العلمي هو المنهجية أوّلا وهي تقنيات لكتابة جميع البحوث،أمّا المنهج فيكتسي طابع الخصوص.فقد تصل إلى نتائج،معلومات،ولا تستطيع البرهنة عليها،بتبيان كيفية الوصول إليها،ومن ثمة فهي تخرج من دائرة البحث العلمي،حتى وإن كانت سليمة وصحيحة وذات فائدة. 

2-تعريف المنهج:

2-1لغة:

    إذا راجعنا معجم ابن منظور وجدناه يقدّم التعريف الآتي:«نهج:طَرِيقٌ نَهْجٌ:بيِّنٌ واضِحٌ،وهو النَّهْجُ،(...)والجمع نَهجاتٌ ونُهُجٌ ونُهُوجٌ(...)وأَنَهجَ الطَّريقُ: وَضَحَ واسْتَبَانَ وصار نَهْجًا وَاضِحًا بَيِّنًا(...)و الِمنْهَاجُ:الطَّريِقُ الوَاضِحُ،واسْتَنْهَجَ الطَّرِيقُ:صارَ نَهْجًا(...) والنَّهْجُ:الطَّريِقُ المستَقِيمُ(...)وأَنْهَجَ إذا انْبَهَرَ حَتَّى يَقَعَ عَلَيْهِ النَّفَسُ مِن البُهْرِ،وأَنْهَجَهُ غَيْرُهُ.يُقالُ:فُلانٌ يَنْهَجُ في النَّفَسِ.(...) رَأَى رَجُلاً يَنْهَجُ،أي يَرْبُو مِنَ السِّمَنِ وَيَلْهَثُ.وأَنْهَجَتِ الدَّابَّةُ: صارت كذلك.(...)و أَنْهَجْتُ االثَّوْبَ،فَهُوَ مُنْهَجٌ،أَيْ أَخْلَقْتُه،(...)وَقَدْ نَهِجَ الثَّوْبُ وَالجِسْمُ إِذَا بَلِىَ»[1]

من خلال هذا التعريف يتبيّن أنّ مادة (ن.ه.ج) تتخذ ثلاث دلالات: الطريق البيّن الواضح والمستقيم،وقطع النَفَس،وخلقة وبلاء الجسم والثوب.وقد يصعب علينا إيجاد علاقات بين هذه الدلالات الثلاث؛لكن يمكننا أن نقول تأولا،يربط بين جذر الكلمات؛ودلالاتها، أنّ الطريق الذي كَثُر السير عليه،قد يخلق أي؛ يبلى ثوب السائر فيه،ومع سرعة المسير في هذا الطريق؛قد يصيب السمين منه أو الراحلة/الدّابة من سرعة المسير نهجا.والسير في الطريق يتطلب جهدا وتقطعا للنفس،دلالة مشقة المسير .

2-2 اصطلاحا:

 نستأنس بما أورده سعيد علوش في معجم مصطلحات النقد الأدبي المعاصر:

«1-يُقصد عادة بالمنهج سلسلة من عمليات مبرمجة،تستهدف الحصول على نتيجة مطابقة لمُقتضيات النظرية.

2-يُقابل المنهج من منظور السابق الطريقة .

3-يقوم المنهجُ أو المستوى المنهجي للنظرية السيميائيَّة على تحليل يستهدفُ اختبارَ الانسجام الداخلي للمفاهيم الإجرائيّة،كـ (عنصر/وحدة/طبقة/مقولة)،وكذا اختبار صدق(الاكتشاف/التجزيء/ التبديل/التعميم) عبر إسهامها في إنتاج تمثيلية سيميائيَّة لموضوع ما .

4- يُميّز المنهجي من الابستيمولوجي من أوجهٍ مُتعددة.»[2] 

إن حاولنا توضيح مفاصل هذا التعريف،فإنّه بداية يقدّم لنا؛عدة مفاهيم يمكن أن يأخذها مفهوم المنهج؛أوّلا هو أنّ المنهج هو الوجه الإجرائي العملي للنظرية؛بما هي جملة أفكار منسجمة ومجردة .أمّا الوجه الثاني؛ففي مرات يعني المنهج مجرد الطريقة بما هي أداة للاشتغال .أمّا المفهوم الثالث للمنهج؛فهو يستوحي علم السيميولوجيا؛فكلّ

موضوع يحمل علامات،هذه العلامة(الدليل) *، يتوقف القارئ  مختبرا دلالاتها،في انسجام كلّي.

أمّا المنهج في علم اللّغة فهو:« منهج Method Méthode1- في الألسنية(اللسانيات):يستعمل المنهج للدلالة على العمليات المعقلنة وعلى مجموعة ملتحمة من المبادئ أو الفرضيات الألسنية والسيكولوجية والبيداغوجية التي تستجيب لهدف محدد.يقوم اختيار المنهج على:

-      تحديد الأهداف المقصودة .

-      مراعاة المبادئ .«[1]

إذا نظرنا إلى مفهوم المنهج في الحقل اللّغوي(اللسانيات)،فكذلك كما جاء في القاموس هو جملة العمليات؛أي الإجراءات والميكانيزمات واستراتيجيات،العقلية والمنطقية والمنظمة،تتضمن مبادئ وفرضيات علمية مختلفة؛ سواء أكانت هذه الفرضيات مجالها لساني أو نفسي أو بيداغوجي(تعليمي)،وهذه الفرضيات تخدم هدفا ما،وتنسجم مع المبادئ والأفكار النظرية المعتمد عليها في البحث.

3- مناهج اللّغة والأدب:



*  « دليل :1- سوسير يستعمل الدليل للدلالة على الوحدة اللّغوية المتكونة من دال ومدلول.الدال هو الإدراك النفساني للصورة الصوتية،والمدلول هو الفكرة أو مجموعة الأفكار التي تقترن بالدال.» يُنظر:رشيد بن مالك،قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص عربي،انجليزي،فرنسي،دار الحكمة (الجزائر)،دط،2000،ص.191

[1] رشيد بن مالك،القاموس السابق،ص.108



[1] ابن منظور،المعجم السابق،ص.4554، 4555

[2] سعيد علّوش،معجم مصطلحات النقد الأدبي المعاصر،فرنسي،عربي،شرح واف لنحو 750 مصطلحا،مرا.كيان أحمد حازم يحي،حسن الطّالب،دار الكتاب الجديد المتحدة(لبنان)،ط1،2019ص.406،405


[1] هادي نهر،المرجع السابق،ص.107

 عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات (الكويت)، ط3،1977،ص.6[2]

آخر تعديل: Wednesday، 5 January 2022، 1:37 AM