تمهيد:
تعد الكتب مادة الباحث،وذخيرته التي تضم الحجج والأدلة وهي مستندات الباحث،يعرضها أمام المتخصصين،وحسن تعامله معها دلالة على حذقه في البحث.غير أنّه قبل الوصول إلى ذلك،تجدر الإشارة إلى صعوبة تحديد الفرق بين المصدر والمرجع؛وذلك لاختلاف وتباين آراء الباحثيين،وسنعرض –فيما يلي- أهم المعايير:
1- مناقشة معايير التمييز بين المصدر والمرجع :
ينبغي التمييز بين المصدر والمرجع وحتى يتسنى استخراج الفروق بينهما،علينا استعراض مجمل ما وقع تحت أيدينا من تعريفات لهما،ومن تحليل هذه التعريفات يمكن استنباط الفروق الجوهرية .
«أمّا المراجع في نظر المؤرخين فهي التي تمدّ المؤرخ بطائفة من المعلومات عن الموضوع والمرجع من وجهة النظر المكتبية هو الذي يرجع إليه بغرض الاستشارة أو الحصول على معلومة من المعلومات،ولا يُقرأ من بدايته إلى نهايته، فهو لا يقرأ من أوّله إلى نهايته في تتابع ترابطي،فإذا سقط أحد أجزائه فلا يؤثر فيه،أمّا الكتاب غير المرجعي إذا سقطت بعض صفحاته،فإنّها تؤثر فيه لأنّه كيان فكري متكامل،فمثلا إذا سقطت بعض صفحات القاموس لا يمنع ذلك من استخدامه للمواد الأخرى،أمّا إذا سقطت بعض صفحات كتاب غير مرجعي كقصة مثلا فإنّ ذلك يؤثر على قرائها.»[1]
وإذا رغبنا في مناقشة هذا التعريف،فإننا نقول:فالمعيار هنا هو في تحديد المرجع هو المراجعة والاستشارة السريعة،ويُعطي لنا مثالا بالقاموس؛الذي يكتفي الباحث بالنظر في الكلمة المُراد التأكد من معناها ودلالتها،وهذا كلام سليم،لكن هناك من المراجع من يتطلب من الطالب قراءته جيّدا،ومن الجلدة إلى الجلدة،حتى يمكنه تخيّر طريقة المناقشة والتحليل العميق.
و يلتبس الأمر على بعض المنهجين فيقدّم تعريفا يُجانب الصواب قائلا:«وسُميت مراجع لرجوع عامة القراء إليها للعلم –عامة- أما المتخصصون يقصدون المصادر.»[2] فالمراجع يوظفها المتخصصون الباحثون،كما يمكن أن يُطالعها عامة القراء إن كان لديهم ميلا وفضولا معرفيا .ويمكن أن نقرأ تعريفا آخر للتمييز بين المصدر والمرجع؛بإضافة كلمة "أصلية"،وتوحي هذه الكلمة بمصادر غير أصيلة؛فهل تعني أنّها مزيفة؟أم غير أساسية!!؟،نعتقد أنّ إضافة هذه الكلمة غير موفق،يقول :«المصادر الأصلية: وهي التي تكون على صلة مباشرة بموضوع البحث،ولا يمكن للطالب الباحث أن يستغني عنها أو أن يهملها، أو يتهاون في الاطلاع عليها.(...) المراجع العامة: هي الكتب التي درس فيها أصحابها جانبا من جوانب موضوع البحث الذي يعدّه الطالب،بحيث يمكن الرجوع إليها لمعرفة الآراء والأفكار التي تطرّق إليها المؤلف،أو الجانب الذي درسه وله علاقة ببحث الطالب.»[3] .نلاحظ أنّ الطالب الجاد والمجتهد؛لا يمكنه التهاون في الاطلاع على المصادر والمراجع سواء بسواء،ويجتهد وُسعه في الاطلاع والتمحيص .ويعطي لنا باحث آخر إجابة عن سؤال،ما المصدر فيقول :
«وهي أقدم ما يحوي مادة عن موضوع ما (...)،وبخاصة إذا كانت هذه الحقائق وتلك المعلومات لم تصل إليها يد من قبل،ولم يسبق لأحد أن اقتبسها .فالمراجع الأصلية إذ هي :
المخطوطات القيمة التي لم يسبق نشرها والتي تحوي معلومات لا توجد فيما نشر من كتب .
الوثائق (...)
مذكرات القادة والساسة عما يجري في الخفاء مما يعرفونه هم ولا يعرفه سواهم .
حيثيات الحكم المسببة للأحكام القضائية .
الخطابات الخاصة ذات الأهمية العامة .
الدراسات الشخصية للأمكنة واللوحات التاريخية .»[4]
وإن اجتهد هذا الباحث في إعطاء أمثلة عن المصادر،وتمييزها عن المراجع،لكن حديثه؛أنّ المصادر لم تصل إليها يد،هي في حِرز ،ويقصرها على المخطوطات،هذا كلام غير صحيح نخالف فيه الباحث فيما اقترحه،وإن اتفقنا معه عموما أنّ المخطوطات؛التي يعثر عليها الباحث في بلده،أو في المكتبات الأوروبية تكون مصدرا قيّما،لكن ليست فقط المخطوطات هي مصادر البحث.ولا تقلّ الوثائق الأخرى التي ذكرها قيمة،من حيث الإضافة النوعية للبحث .لقد قدّم المنهجيون عدة معايير في التمييز منها: معيار الزمن،فالمصدر يكون قديما والمرجع حديثا،ولكن متى نحدد الزمن الفاصل بين القديم والحديث ؟«ولست أرى أنّ هذا الأمر مما يعتبر في التفريق بين المصادر والمراجع ؛لأنّ المناط المناسب في التفريق هو أصالة المادة ،لا شمول المعالجة للموضوعات (...) وليس المعيار في التفريق القدم والحداثة ،(...)فإني أرى أنّه من الصعب تفريق الباحث بين المصدر والمرجع وتصنيفه لكتبه هذا التصنيف مادام المرجع قد يكون مصدرا في بعض جوانبه»[5]
وهناك من المنهجيين من رجّح معيار مادة البحث،حيث تكون المادة غير المشروحة،وغير المفسرة والمحللة مصدرا،أمّا المراجع فهي كلّ الكتب التي تدور في فلك المصادر،من حيث شرحها وتحليليها. «يراد بالمصدر(Source) الرافد الذي تستقي منه المادة الخام
الأولى ،التي يمكن أن تكون موضوع التحليل المباشر ،والقراءة التأملية ،وإعادة البناء (...) أما المرجع (Reference) كالمصدر رافد ثانوي من روافد البحث (...)فالذي يحدد قيمة المصدر ليس الزمن
،أعني :قدم المصدر ،وإنّما القيمة العلمية ،وما عدا ذلك لا نلتفت إلى الكتاب المعين لا بوصفه مصدرا ،ولا مرجعا. »[6]
وآخر معيار نُرجحه هو معيار مدونة البحث؛و المدونة :هي«المادة المقصودة بالدرس والتحليل.»[7]
فتحديد المصدر والمرجع،لا يرجع لمعيار خارجي،وإنّما الباحث ذاته،هو من يحدد مصادره ومراجعه،فما يشتغل عليه بشكل رئيسي وأساسي هي مدونة بحثه ومصدره،وما يلجأ إليه بصورة مساعدة لإضاءة مصادره نسميها مراجع بحثه،ولا يهم إن كانت قديمة أو حديثة .
[1] محمد عبد الجواد شريف، المرجع السابق،ص.14
[2] أحمد طالب، المرجع السابق،ص.59
[3] أحمد طالب،المرجع السابق،ص.43
[4] أحمد شلبي،المرجع السابق،ص.56،57
[5] عبد العزيز بن عبد الرحمن بن علي الربيعة، البحث العلمي،حقيقته ،ومصادره ومادته،ومناهجه وكتابته،وطباعته ومناقشته،مكتبة العبيكان (السعودية)،ط6،2012،ج1،ص.94[5]
[6] هادي نهر،المرجع السابق،ص.115
[7] رياض عثمان،المرجع السابق، ص.51