أمدت البيئة بلاد الرافدين ببعض المواد الأولية التي استغلت في الصناعة و أول هذه المواد الطمي  الذي صنعت منه الأواني  و كانت هذه في أول أمرها تصنع باليد ثم أصبحت تصنع بعد ذلك بالعجلة و قد تنوعت أشكالها حتى حسب الأغراض فيها فمنها أواني الشرب و كانت مخروطية الشكل و الصحاف لوضع الطعام و الأوعية .

 كانت الأواني الحجرية رمزا للترف و كانت تحفظ عادة في المعابد و كثيرا ما كانت تزين بنقوش دينية ، و قد استخدم الطمى أيضا في عمل لوحات الكتابة حيث كان يكتب عليها قبل أن تجف  و في بعض الأحيان كانوا يجعلون لكل لوح غلافا من المى أيضا ، و كثيرا ما كانوا يقومون بحرقها لتصبح أشد صلابة بتحويلها إلى فخار، و من الجدير بالذكر أن معرفة الحفر على الحجر من أقدم العصور قد أدى إلى نشاط صناعة الأختام الأسطوانية  و قد ظلت هذه تستخدم في معظم العصور القديمة و تنوعت موضوعاتها فالأساليب الفنية فيها حتى أمكن التمييز بين الأنواع السائدة في الفترات التاريخية المختلفة . ونظرا لعدم وجود الأحجار الثمينة من جهة أخرى لجأ أهل بلاد النهرين إلى استعمال الخزف في كثير من الأغراض حتى أنهم استعملوا الطوب الخزفي في تكسية جدران بعض المباني العامة و تزيينها و كذلك كانوا يستعملون كذلك بعض الأواني المعدنية و خاصة من النحاس و الفضة و كانت الحرف والصناعات المختلفة تخضع لنظم معينة ، و بعضها على الأقل كانت تحت رقابة دقيقة، فعملية النسيج كانت تتم تحت رقابة رؤساء عمال يعينهم الملك و قد حدد قانون      حمو رابي الأجور اليومية للعمال كما حدد أتعاب عامل المعمار و المبيض و نص على العقوبات التي تفرض على من يخطئ في تنفيذ المطلوب منه.  و يفهم من قانون حمو رابي أيضا أن تعليم الصناعة كان يخضع لنظم معينة فإذا ما أخذ رجل صبيا إلى بيته لتربيته وتعليمه حرفة ليجعل منه صانعا جيدا فإنه لا يجوز لوالدي الصبي أن يطالبا برده إلا إذا كان الصبي لم يتعلم شيئا، وكان من الممكن كذلك أن يعهد إنسان بعبده إلا رجل آخر، ليتعلم منه حرفته، وإن أهمل المعلم تعليم صبي حرفته على الوجه المرضى فإنه يلزم بدفع تعويض ولا يستحق أجرا، ما أبذله في تعليمه من جهد على اعتبار أنه أفاد من عمل الصبي، وكثيرا ما كانت النتيجة أن يجد المعلم نفسه مضطرا لدفع التعويض وكان يفعل ذلك عن رضي لأنه كان ينتفع بخدمات الصبي.

ومن أهم الصناعات التي تشتهر بها بلاد الرافدين نجد: المنسوجات والمفروشات وصناعة الأدوات والأواني الفخارية والخزفية وصناعة الطوب لبناء المساكن وأسوار المدن، وكان البرونز (مزيج النحاس بالقصدير) يستخدم في صناعة الأسلحة، كما صنعت الحلي وأدوات الزينة من الذهب والفضة ، وصناعة التبغ (الجلود) وصناعة الخمور.

 ويبدو أن الملوك السومريين قد احتكروا صناعة النسيج التي كانت واسعة الانتشار عند السومريين، وكان يشرف على هذه الصناعة بدقة مراقبون حكوميون، وفي العصر البابلي كانت الآلات تصنع من الحديد والبرونز، كما نشطت صناعة نسج القطن والصوف، وصباغة الأقمشة وتطريزها، وعرفت صناعة طوب جر بعد حرق طوب اللين ، مما يكسبه صلابة ، وبعد تكاثر الحرف وعدد الصناع، أسسوا لهم نقابات تسهر على مصالحهم.

Modifié le: Thursday 23 February 2017, 11:36