المحاضرة3
المحاضرة 30 : علم المصطلح ماهيته وأهميته:
يعد علم المصطلح Terminologie فرعا من اللسانيات التطبيقية يبحث "في العلاقة
بين المفاهيم والمصطلحات اللغوية التي تعبر عنها، وهو علم ليس كالعلوم الأخرى المستقلة لأنه
يرتكز في مبناه ومحتواه على علوم عدة من أبرزها علوم اللغة والمنطق والإعلامية وعلم الحاسبات
الالكترونية وعلم الوجود وعلم المعرفة وحقول التخصص العلمي المختلفة يستفيد من ثمار هذا العلم
.) المتخصصون والمترجمون والمعجميون والمسؤولون عن التخطيط اللغوي والقومي والعالمي") 1
يلاحظ القارئ لهذا الرأي ارتباط علم المصطلح بميادين عديدة وعلوم مختلفة. وقد انعكس
هذا التداخل في تجديد مفهوم علم المصطلح بطريقة لافتة للانتباه عند دارسين آخرين؛ فتوجد عدة
تعاريف لهذا العلم، وفي الوقت الذي يعرفه فوستر EUGEN WUSTER "بأنه العلم الذي يهتم
بدراسة أنساق المفاهيم وجدولتها في أصناف منطقية") 2(. يعرفه روندو RONDEAU "بأنه العلم
الذي يتخذ طابعا لسانيا.") 3(، وقد سعت إيزو ISO 4( في توصيتها رقم 1801 إلى وضع تعريف (
شامل تراعي فيه وجهات النظر المختلفة، وهكذا ع رِّف علم المصطلح بوصفه: الدراسة العلمية
) للمفاهيم والمصطلحات المستعملة في اللغات الخاصة.") 5
المصطلحيّة: علم المصطلح وصناعة المصطلح:
تستخدم في الدراسات العربية عدة مترادفات للدلالة على دراسة المصطلحات وتوثيقها، مثل:
المصطلحية، وعلم المصطلح، وعلم الاصطلاح، وعلم المصطلحات، والمصطلحاتية، إلخ.
وعند العودة إلى الدراسات الغربية التي تتناول علم المصطلح الحديث، نجد أنها تف رق بين فرعين
من هذه الدراسة: الأ ول) Terminology/Terminologie ( والثاني، )
Terminography/Terminorgaphie (، فالأ ول هو العِّلم الذي يبحث في العلاقة
بين المفاهيم العلمي ة والمصطلحات اللغوي ة، والثاني هو العمل الذي ينصب على توثيق
المصطلحات، وتوثيق مصادرها والمعلومات المتعل قة بها، ونشرها في شكل معاجم مخت صة،
إلكتروني ة أو ورقي ة.
والراجح أ ن المعجم ي والمصطلح ي الفرنس ي ألان راي ) Alain Rey ( هو في مقدمة الذين
اشاروا إلى هذا الفرق وأكدوه ) 3(. وكان اللساني ون الأمريكي ون قد سبقوا إلى تبيان الفرق بين علم
المعجم ) Lexicology ( الذي يختص في دراسة الألفاظ من جميع الجوانب الصوتي ة والصرفي ة
2الصفحة
والدلالي ة والإسلوبي ة، وبين صناعة المعجم ) Lexicography ( الذي يتعلَّق بجمع البيانات
واختيار المداخل وكتابة المواد ونشر الناتج النهائي في شكل معجم ) 4(. ولكنَّ هذا التمييز ليس له
وجود في الواقع العمل ي. فالمصطلح ي الذي يضطلع بإعداد مصطلحات مولَّدة أو موحَّدة للنشر، لا
بدَّ أن يكون متم كناً من نظريات علم المصطلح. وكذلك المعجم ي الذي يتول ى تصنيف معجم من
المعاجم، ينبغي له أن يكون متم كناً من دراسة المفردات التي يشتمل عليها معجمه، الل هم إلا إذا
كان مَن يعمل على إعداد المعجم المتخصص أو العام مج رد مساعد يعنى بمعالجة الملفات
والجذاذات يدوي ة كانت أو آلية دون أن يتد خل في اختيار مداخل المعجم أو مواده.
يرتبط علم المصطلح بالتنمية اللغوية والاجتماعية والاقتصادية ويجعل من اللغة رأسمال يمكن
استثماره، وبخاصة في عصرنا بما يشهده من انفجار معرفي وتقني في مجال الإعلام والاتصال وما
نتج عن ذلك من تداخل للتخصصات والمعارف والخطابات التي تبلغها وتنقلها عبر الزمان
والمكان. وللتمييز بينها وإدراك كنهها ومعرفة أسرارها وفهم محتوياتها ومقاصدها نحتاج إلى إدراك
المفاهيم المؤسسة لها، والوعي بالمصطلحات الدالة عليها في نسقها اللغوي حسب نظم الإفادة
في الممارسة الاجتماعية التي تتجلى في الخطاب باعتباره "صنفا منتميا إلى الميدان الاجتماعي
ومستمدا منه، وتتجلى أيضا على مستوى النص باعتباره صنفا منتميا إلى الميدان اللساني ومستمدا
) منه.") 6
وهكذا فإن لكل من الخطاب والنص برأي الديداوي "وظيفة رئيسية في تلقين المعرفة. – -
إننا نواجه اليوم ثورة معرفية وجيوسياسية كبيرة تعم العالم، إننا نعيد الآن هيكلة مجتمعنا إعادة كاملة؛
بحيث سيصبح كل بلد وكل اقتصاد مرهونا بالمعرفة أكثر من أي وقت مضى، ولابد للثورة المعرفية
) أن تكون مشفوعة بثورة اتصالية قائمة على التوسع الكبير في السيطرة على الممارسة الخطابية.") 1
والطريق إلى كل هذا إتقان اللغة وتمثلها وحسن توظيفها واستثمارها حسب ما تقتضيه
الحياة على اختلاف وقائعها، وإدراك المفاهيم والوعي بها وإجادة فهمها.
يتأسس العلم على المفاهيم والعلم بذلك يسهل عملية الوصف والتصنيف وإدراك العلاقات
القائمة بين العلم الموصوف وغيره من العلوم والمعارف الأخرى، وتحديد خصوصية كل علم ورسم
حدوده الفاصلة بما يحقق هويته ومشروعيته ووظيفته ونجاعته في حياة الأفراد والجماعات
والمؤسسات وكل ما يرتبط بأداء الخاصة في الميادين الثقافية والاجتماعية واللسانية...الخ.
3الصفحة
في علم المصطلح فيينا ولابد من الإشارة في كل هذا إلى الدور الكبير الذي أدته مدرسة
وعلى رأسها " E.Wuster أوجين فوستر" الذي يعد الأب الحقيقي المؤسس لهذا العلم في
الدراسات الغربية. وقد بنى "هيلمون فيلبر H.Filber " عمله على القاعدة التي رأسها فوستر وهي
التي تقوم على المفاهيم الآتية:
حقل تتعدد فيه فروع المعرفة وتتشارك للتعبير عن المفاهيم والدلالة عليها. -
- مجموعة مصطلحات تمثل نظاما مفاهيميا لموضوع ما.
- منشور تمثل فيه المصطلحات نظاما مفاهيميا.
وبهذا فإن علم المصطلح برأيه يهدف إلى:
تنظيم المعرفة في شكل تصنيف مفاهيمي لكل فرع من فروع المعرفة. -
- نقل المهارات والمعارف والتكنولوجيا.
- صياغة المعلومات العلمية والتقنية وإشاعتها.
- ) تخزين المعلومات واستخراجها.) 0
الفروق بين المفهوم والمصطلح والتعريف
يعتقد الكثير من الباحثين أن " المفهوم " و " المصطلح " و " التعريف " مترادفات لفظية، والواقع أن كل
واحد منها يختلف عن الآخر؛ حيث لكل دلالته وماهيته .
إلا أ ن هناك من يفرق بينها كالآتي:
1- المفهوم: فكرة أو صورة عقلية تتكون من خلال الخبرات المتتابعة التي يمر بها الفرد؛ سواء
كانت هذه الخبرات مباشرة، أم غير مباشرة، فعلى سبيل المثال : يتكون المفهوم الصحيح " للصلاة "
من خلال خبرة المتعلم التي يكتسبها في المراحل التعليمية المختلفة، ومن خلال أدائه للصلاة على
الوجه الصحيح، وكذلك يتكون مفهوم " الإنفاق في سبيل الله " لدى المتعلم من خلال المعرفة التي
تقدم له في محتوى مناهج التربية الإسلامية، ومن خلال مواقف الحياة المختلفة، ويتسم كل مفهوم
بمجموعة من الصفات والخصائص التي تميزه عن غيره، فمفهوم " الزكاة " يختلف مثلاً عن مفهوم
" الحج ".
4الصفحة
كما يشترك جميع أفراد المفهوم في الصفات والخصائص التي تميزه عن غيره من المفاهيم الأخرى،
" فالركوع " مثلاً أحد أفراد مفهوم الصلاة يختلف عن أحد أفراد مفهوم الحج كالطواف مثلاً، وهكذا . وتعتبر خاصيتا التجريد والتعميم من أهم خصائص المفهوم، فمفهوم " الإنفاق " مثلاً من المفاهيم
غير المحسوسة، ويتجسد فيما يبذل من مال في سبيل الله، وهو في الوقت نفسه مفهوم عام
يشمل: الإنفاق بالمال، أو الجهد، أو الوقت . 2- يختلف المفهوم عن المصطلح: في أن المفهوم يركز على الصورة الذهنية، أما المصطلح فإنه
يركز على الدلالة اللفظية للمفهوم، كما أن المفهوم أسبق من المصطلح، فكل مفهوم مصطلح،
وليس العكس، وينبغي التأكيد على أن المفهوم ليس هو المصطلح، وإنما هو مضمون هذه الكلمة،
ودلالة هذا المصطلح في ذهن المتعلم؛ ولهذا يعتبر التعريف بالكلمة أو المصطلح هو " الدلالة
اللفظية للمفهوم "، وعلى ذلك يمكن القول بأن كلمة الصلاة مثلاً ما هي إلا مصطلح لمفهوم معين
ينتج عن إدراك العناصر المشتركة بين الحقائق التي يوجد فيها التكبير وقراءة القرآن، والقيام والركوع
والسجود، والتشهد والسلام، وكلمة " الحج "مصطلح لمفهوم معين ينتج عن إدراكنا للعناصر
المشتركة بين المواقف؛كالإحرام، والطواف حول الكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمرة،
والوقوف بعرفات، والنزول بالمزدلفة، والرجم، والحلق أو التقصير...، فالملاحظ مع كلمتي ( الصلاة،
والحج ) أنه تم أولاً التعرف على أوجه الشبه والاختلاف في خصائص كل كلمة، ثم تحديد
الخصائص أو العناصر المتشابهة، ووضعها في مجموعات أو فئات أُطلق عليها اسم المفهوم
(الصلاة الحج - ).
3- تترادف كلمة " مصطلح " و " اصطلاح " في اللغة العربي ة، وهما مشتقتان من " اصطلح " ( وجذره
صلح ) بمعنى : " اتفق "؛ لأ ن المصطلح أو الاصطلاح يدلُّ على اتفاق أصحاب تخصص ما على
استخدامه للتعبير عن مفهوم علم ي محدد، ومَن يدقق النظر في المؤلَّفات العربي ة التراثية، يجد أنها
تشتمل على لفظَي : " مصطلح " ، و " اصطلاح " بوصفهما مترادفين، و"الاصطلاح هو اتفاق القوم
على وضع الشيء، وقيل: إخراج الشيء عن المعنى اللغوي إلى معنى آخر لبيان المراد ".
والمصطلحات هي مفاتيح العلوم على حد تعبير الخوارزمي، وقد قيل: إن فَهم المصطلحات نصف
5الصفحة
العِّلم؛ لأن المصطلح هو لفظ يعبر عن مفهوم، والمعرفة مجموعة من المفاهيم التي يرتبط بعضها
ببعض في شكل منظومة، وقد ازدادت أهمي ة المصطلح وتعاظَم دوره في المجتمع المعاصر الذي
أصبح يوصف بأنه " مجتمع المعلومات " ، أو " مجتمع المعرفة "، حتى إن الشبكة العالمية
للمصطلحات في فيينا بالنمسا اتَّخذت شعار " لا معرفة بلا مصطلح " ؛ ( علي القاسمي ).4- التعريف في اللغة : من عرف الشيء؛ أي: علِّمه، وعرَّف الأمر؛ أي: أعلَم به غيره، وعرف
اللسان: ما يفهم من اللفظ بحسب وضعه اللغوي، وعرف الشارع: ما جعله علماء الشرع مبني
الأحكام .أما في الاصطلاح، فهو عبارة عن ذكر شيء تستلزم معرفته معرفة شيء آخر، وينقسم إلى تعريف
حقيقي، ويقصد به أن يكون حقيقة ما وضع اللفظ بإزائه من حيث هي، فيعرف بغيرها، وتعريف
لفظي، ويقصد به أن يكون اللفظ واضح الدلالة على معنى، فيفسر بلفظ أوضح دلالة على ذلك
المعنى؛ كقولك : الغضنفر الأسد، وليس هذا تعريفًا حقيقيًّا يراد به إفادة تصور غير حاصل، إنما
المراد تعيين ما وضع له لفظ الغضنفر من بين سائر المعاني ".