1. النظريات السكانية عند مالتوس

1- النظرية السكانية عند مالتوس:

يعتبر مالتوس من المهتمين بالمسألة السكانية وهو المؤسس الحقيقي لهذا الحقل من الدراسات ، وذلك بفعل التجائه لاستخدم الأسلوب العلمي والإحصاء لدعم أفكاره حول حركة السكان، قدم مالتوس أفكاره الأولى في ميدان الديموغرافيا، في كتابه والذي نشره سنة 1789 An Essay on the principle of population أصل المشكلة السكانية بدون توقيع، وذلك نظرا  لما أنطوى عليه من أفكار متناقضة مع نشاط مؤلفه، باعتباره كان قسا ومدرسا في جامعة دينية بكامبريدج، قبل أن يعيد نشره مرة أخرى منقحا ومذيلا  ، وهو العمل الذي أكسبه شهرة واسعة وصيت ذائع بعدها، وذلك إلى جانب عدد أخر من الأعمال أبرزها: "رسالة في الاقتصاد السياسي" في سنة 1803 ، و"ملاحظات عن أثار القوانين الغلال" في عام 1814 ، ومن بعدهما "بحوث في طبيعة وتطور الريع" الصادر في سنة 1815 ، وهي الأعمال التي لم يركز فيها جهده فقط على وصف الزيادة السكانية أو نقصانها، بل ضمن إياها أيضا رد ودحض لأراء بعض الفلاسفة  في ذلك العصر، من أمثال: جودوين، ديفيد ريكاردو، ساي، كوندرسيه … والذين كانوا يرون أن جميع مشاكل المجتمع سوف تنتهي، بمجرد ما يتم القضاء على النظام الاجتماعي القائم، وهو ما كان يرفضه مالتوس جملة وتفصيلا، معتبرا أن مبدأ السكان يلعب دورا هاما في هذه القضية، مخضعا تطور السكان وتزايدهم لقانون عام، قام فيه بالمقارنة ما بين الزيادة الطبيعية والموارد المعيشية، محذرا من مغبة المخاطر الناجمة عن كثرة النسل، وذلك في قوله "إني أؤمن بمسلمتين أساسيتين، الأولى أن الطعام الضروري لوجود الإنسان، والثانية أن الهوى والعاطفة بين الجنسين أمر ضروري وسيبقى على حالته الراهنة وقد خلصت  هذه الدراسة  إلى اعتماد مجموعة من النتائج، أهمها:

أ. هناك تناسب طردي بين حجم السكان والموارد الغذائية، وٕأن الزيادة في عدد السكان لا بد أن تكون مصاحبة للزيادة في الموارد الطبيعية.

ب . سبب الفقر في المجتمع هو أن عدد السكان أكثر من العدد الكافي لإشباع حاجات السكان.

ت . إن قدرة الإنسان على التناسل أكبر من قدرة الأرض على الإنتاج ما يتطلبه البقاء الإنساني من غذاء، حيث تبين أن الزيادة السكانية تتضاعف في كل 25 سنة ما لم تواجه صعوبات، وأن سكان العالم يزدادون عامة على أساس متتالية هندسية 2- 4-8-16-32 ، بينما الزيادة في الموارد الغذائية على أساس متتالية عددية وحسابية 1-2-3-4-....وسكان العالم سيواجهون آجلا أم عاجلا مشكلة نقص الغذاء.

ث . من أجل التهوين من الآثار المخيفة لزيادة السكان، حدد مالتوس نوعين من الموانع والتي  من شأنها أن تساعد على الحد من الزيادة السكانية، أولاها وسميت بالموانع الوقائية، وهي التي تعرقل نمو السكان بأسلوب غير مباشر، من خلال إسهامها في خفض نسبة المواليد، وهي تعتمد على إرادة الإنسان في منع الشر قبل وقوعه، فإذا كان قادرا ماديا على الزواج فعليه أن يتزوج، أما إذا كان غير قادر على إطعام الأسرة التي يزمع تكوينها، فعليه تأخير سن الزواج، أو اللجوء لإهمال العلاقات الجنسية، كما تتضمن كذلك الرذيلة، العلاقات الجنسية غير الطبيعية... أما الثانية فتسمى بالموانع الايجابية، وهي تشمل كافة العوامل التي تؤدي إلى قصر فترة الحياة وزيادة نسبة الوفيات، من شاكلة الأمراض والأوبئة، العمل بالمهن غير الصحية، الفقر، الحروب والمجاعات، اكتظاظ المدن بسكانها، التربية السيئة للأطفال، وقد انتقد مالتوس كثيرا في هذا الإطار الفقراء الذين يتزوجون كي ينجبوا أطفالا ليس لهم مكان شاغر على مائدة الطبيعة، وليس لهم الحق في طلب المعونة من المؤسسات الخيرية وغيرها، مادام قد اقترفوا ذنبا بحق أنفسهم، بمعارضتهم قوانين الطبيعة وعدم الإصغاء لصوت العقل، حيث يقول في هذا الصدد: "إن الفقير يتهم رعايا قريته وجمعياته الخيرية لعدم إغاثته، ويتهم الأغنياء الذين لا يمدون له يد المساعدة، ويتهم المؤسسات الاجتماعية بعدم إعالته، وحتى قوانين السماء يتهمها، لأنها وضعته في أدنى السلم الاجتماعي محاطا بالفقر والبؤس، وهو في محاولاته للبحث عن مصدر بؤسه وشقائه ليوجه إليه الاتهام، فإنه ينسى أن يوجه اتهامه إلى المصدر الوحيد لما يعانيه من فقر وتعاسة، وهذا المصدر هو نفسه وهو وحده الذي يستحق اللوم والعتاب"

  • تقييم عام لنظرية مالتوس: تسبب التضخم السكاني الذي سجلته أوروبا خلال فترة وجيزة من القرن 19 ،و إسهامه بشكل بارز في النهضة الاقتصادية التي أحرزتها، في دحض مصداقية هذه النظرية وتوجيه سهام النقد لها،إزاء عديد المسائل التي انطوت عليها، والتي من أبرزها ما يلي:

أ. استندت أفكاره إلى بعض الافتراضات المنافية للعلم والمخالفة للواقع، فمثلا قانون التكاثر الهندسي للسكان لا يصح إلا في حالة لم يعترضه فيها أي عارض، الأمر الذي يعني أن إطلاق صفة القانون عليه يظل موضع شك، إذ أن التعدادات المختلفة للسكان أثبتت خطأ ذلك فقد كان عدد سكان العالم في عصره حوالي1 مليار/ن، وبعد قرنين أصبح يقدر ب 06 ملايير/ن، بينما حسب مالتوس وبناءا على متتاليته الهندسية السكانية، فمن المفترض أن يضاهي هذا العدد حاليا 256 مليار/ن كما ارتكب خطأ علميا فادحا، حين أراد جعل أفكاره قانونا عاما يسري في كل زمان ومكان، وقد تناسى بأن هناك فواصل زمنية عديدة، شهدت تراجعا في النمو بسبب الظروف المحيطة بها.

ب . استند مالتوس لإثبات صحة قانونه بشأن الزيادة في إنتاج الغذاء، حسب المتتالية الحسابية على مجموعة من الأفكار غير الدقيقة، والتي من بينها نذكر ما يلي:

هذا القانون لكي يتحقق، يتعين التسليم بأن وسائل الإنتاج لا تتطور، كما هو الشأن بالنسبة لقانون تجانس وحدات عناصر الإنتاج المتغير، وثبات عناصر الإنتاج الأخرى، وهي افتراضات غير واقعية، إذ أثبت الواقع أن الإنتاج الغذائي يمكن أن يستمر في الزيادة على نحو تدريجي، وبشكل قد يفوق حتى نمو السكان، بفضل التوسع العمودي والأفقي للإنتاج أي أن طرحه قد مال للأخذ بالتحليل الإحصائي، وذلك خلافا لما أدعاه بشأن وجود علاقة طردية بين الإنتاج الغذائي والسكان، وأن هناك الكثير من الدراسات والوقائع التاريخية، التي أثبتت أن مثل هذه العلاقة كثيرا ما تكون عكسية، كما حصل في سهول أمريكا أين أدت الزراعة لزيادة الثروة، في حين ظل ازدياد السكان بمعدلات أقل اعتبر النشاط الزراعي هو المصدر الوحيد للغذاء، مهملا كافة المصادر الأخرى التي تسهم في زيادة الموارد الغذائية، سواء بشكل مباشر مثل قطاع الصناعة الغذائية، أو بشكل غير مباشر من خلال قطاع الصناعات التحويلية، الذي يدعم النشاط الزراعي ويمده بكافة المستلزمات الضرورية لزيادة الإنتاج، كما يسهم هذا القطاع في خلق فرص عمل إضافية.

ت . ينبثق تصوره للمتغير السكاني على أنه متغير مستقل، وأن عملية التكاثر البشري تعد عملية بيولوجية بحتة منعزلة كلية عن المحيط السوسيوثقافي والسياسي الذي يعيش فيه الإنسان، كما أن قانون "الغلة المتناقصة" الذي تحدث عنه، أهمل أثر التطور التكنولوجي في زيادة الإنتاج، وهو ما يبطل من الناحيتين النظرية والتاريخية الأساس الذي ارتكزت عليه هذه النظرية.

ث . أعيب عليه اعتماده المطلق على أفكار غيره من المفكرين، حيث أتضح للكثير من الباحثين سيادة تشابه طاغي بين الأفكار التي كان يروج لها، وبين تلك التي طرحها من قبله كل من ريتشارد كانتيلون في كتابه "بحث في طبيعة التجارة بصفة عامة" المنشور في سنة 1755 ، وكذا "جيمس ستيوارت" في كتابه "مبادئ الاقتصاد السياسي" الصادر سنة 1767 ، ولكنها لم تحظى بالشهرة نفسها التي اكتسبتها على يد مالتوس فيما بعد، بفعل عدم توافر الظروف السوسيواقتصادية الملائمة ، الأمر الذي جعل البعض يذهب إلى التأكيد على أن مالتوس لم ينتحل هذه النظرية فقط بل اتهم بسرقتها.