1. النظرية التطورية

تنطلق نظرية التطور الثقافي من فكرة أساسية وهي تطور العناصر والسمات الثقافية كما تتطور العناصر الموجودة في هذا الكون ورغم أن فكرة التطور قديمة قدم الإنسان فقد تحدث عنها فلاسفة اليونان والعلماء العرب والمسلمون، وغيرهم إلا أن نضوج النظرية بدأ بعد ظهوره دراسات داروين حول أصل الأنواع و تفصيله لفكرة التطور لدى الكائنات العضوية، ثم تم نقل هذه الرؤية إلى العلوم ا لإنسانية وتم تطبيق هذه الرؤية على الثقافة بالتحديد وعلى تطور نمط حياة المجتمعات بشكل عام ولهذا نجد ظهور العديد من النظريات التي تناولت هذه الفكرة حتى أصبحت التطورية مدرسة متكاملة تحتوي على عدد هائل من النظريات وليس نظرية واحدة فقط. ولعل من أبرز الذين تحدثوا في هذه النظريات آن روبرت جاك 1717 -1781 حيث طورت نظرة شاملة عن التطور الثقافي من منطلق التركيز على نموذج التدرج الثقافي، وترى هذه النظرية أن عقل الإنسان في كل مكان يستطيع الاختراع وتحقيق الإنجازات الثقافية، ولكن الطبيعة تهيئ للبعض الظروف المناسبة دون البعض الآخر وهذا التنوع في الظروف الطبيعية أدى إلى تفاوت المستويات الاقتصادية بين الشعوب المختلفة( يحي مرسي، أصول علم الانسان، ص 362).

وترى هذه النظرية أن البشرية مرت بنفس المراحل التطورية، وأنها واجهت نفس العقبات الحياتية وكان لديها الموارد وأنها سارت في طريق النمو والتطور ذاته.

ثم تطورت هذه النظرية في نهاية القرن التاسع عشر حيث تبنى علماء الأنثروبولوجيا نظرية التطور الثقافي من خلال إقامة مراحل مختلفة تمثل عمليا التقدم الإنساني، فنجد مثلا لويس مورغا ن في كتابه المجتمع القديم قد قسم مسار تطور البشرية إلى ثلاث حقب رئيسية هي الهمجية ثم البربرية ثم مرحلة الحضارة، حيث قسم كل مرحلة إلى ثلاث مراحل فرعية هي الدنيا والوسطى العليا وربط كل مرحلة باختراع معين كان سائدا في تلك المرحلة وجعل الاختراعات التكنولوجية العوامل المساعدة على التطور والمرور من مرحلة إلى أخرى.

وقد حاول لويس مورغان أن يربط بين هذه الحقب وبين مجتمعات بدائية موجودة في عصره حيث ربط بين الهمجية الدنيا وهي مرحلة ما قبل اكتشاف النار واختراع اللغة، وربط الهمجية الوسطى بسكان أستراليا الأصليين والتي ساد فيها صيد السمك واستخدام النار وبداية وجود اللغة...الخ.

ثم جاء بعد ذلك تايلور الذي اهتم بشكل أساسي بالعناصر الدينية ومراحل تطورها وذلك من خلال نظريته حول الإحيائية والتي كانت برأيه نقطة الانطلاق بالنسبة لتطور المعتقدات الدينية، والإحياء تعني فيما تعنيه ممارسه نحو إلى إضفاء الطابع الروحي على الطبيعة أي أنها تسبغ روحا أو نفسا على عناصر الطبيعة من نباتات وحيوانات وأمكنة، ومواضيع عجيبة الشكل أو خطيرة الشأن وانطلق تايلور في فكرته عن التطور في مبدأ أساسي هو ثنائية الجسد والنفس، حيث يرى بان الإنسان الأول كان يرى أشياء في منامه فاستلهم بذلك فكرة ازدواجية الحياة وأخذت تتطور هذه الفكرة من أن الإنسان يرى بأن له قرين ثم بعد ذلك الاعتقاد في الأموات والأجداد ثم الطبيعة أي قرائن الطبيعة أي أن لكل ظاهرة طبيعية بعد غيبي أو روحي ثم بعد ذلك ظهور فكرة الآلهة فظهر إله للمطر وإله للريا ح...الخ. ثم جاءت فكرة توحيد الإله، ويعتبر تايلور بمنظوره العلماني أن الإله الواحد كان المآل الأخير الذي انتهى إليه تفكير الإنسان الديني عبر العصور وأنه لم يكن بالتالي نتيجة لوحي إلهي يوحى.

ثم ظهرت بعد ذلك الدراسات التطورية اتباعا لتعميق المبدأ التطوري في الثقافة ويمكن إجمال آراء التطوريين في تفسيرهم للثقافة في مجموعة مبادئ أهمها :

  1. أن هناك قوانين كلية تحكم الثقافة الإنسانية وأنها تمر بمراحل تطور حتمية متمايزة وثقافة أي مجتمع تتطور في طريق واحد خلال مراحل محددة.
  2. التسليم بظاهرة التغير الثقافي ورده اختلاف المراحل التطورية للثقافات الإنسانية، أي أن الثبات والتغير سمة أساسية تميز الثقافات المختلفة.
  3. أن اكتساب السمات الثقافية أو توا رثها يعتمد على القدرات العقلية للإنسان وهذا يرتبط بوحدة التكوين الفسيولوجي للإنسان.
  4. إن عناصر الثقافة ومكوناتها قابلة للاستعارة والانتقال من ثقافة لأخرى.
  5. إن عوامل التغير الثقافي تنمو ذاتيا وتظهر مع ظهور المرحلة التطورية بغض النظر عن الزمان والمكان.
  6. إن الثقافات تتطور ذاتيا وتنتقل من مرحلة لأخرى لمجرد ظهور العوامل والشروط الكافية لظهور هذه
  7. المرحلة. الإيمان بالوحدة السيكولوجية للجنس البشري( يحي مرسي ، أصول علم الانسان، ص 364).