نظريات الثقافة
الموقع: | Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2 |
المقرر: | موضوعات علم الاجتماع الثقافي |
كتاب: | نظريات الثقافة |
طبع بواسطة: | Visiteur anonyme |
التاريخ: | Saturday، 23 November 2024، 4:56 AM |
الوصف
يعتبر موضوع الثقافة من أكثر الموضوعات تعقيدا وتشابكا وتنوعا، لذا نجد طرق دراساته ومناهجها مختلفة ومتنوعة و النتائج التي خلصت إليها الدراسات كذلك متنوعة ومتعددة لهذا نجد أن النظريات التي تطرقت إلى هذا الموضوع عديدة وكثيرة وربما لا يمكن حصرها بشكل جيد نظرا لتعدد المداخل النظرية وخضوعها في أغلب الأحيان لرؤى وتصورات إيديولوجية وهكذا يصبح موضوع الثقافة كغيره من المواضيع الإنسانية تتقاذفه الأيديولوجيات و المذاهب الفكرية المختلفة، إلا أن هذا لا يعني الاستسلام لهذا الأمر واعتباره قدرا محتوما. فرغم الخصائص السابقة التي ذكرناها لهذه النظريات إلا إنها لا تخلو من جوانب موضوعية لبعض جوانب الموضوع في تصوراتها وفي ما وصلت إليه من حقائق حول موضوع الثقافة. ولهذا سنحاول أن نتعرض ما وسعنا الجهد لأهم النظريات التي تناولت موضوع الثقافة ولجهود بعض العلماء الكبار، وسوف نتناول بعض النظريات الكلاسيكية الكبرى مثل النظرية التطورية والنظرية الانتشارية والنظرية الوظيفية ثم نتعرض لبعض النظريات المحدثة والتي هي في الحقيقة تطوير للنظريات السابقة مثل النظرية التطورية المحدثة ونظرية الانتخاب الثقافي، والقابلية الاجتماعية والثقافية للنمو والنظرية الإيكولوجية. وهي كلها نظريات حاولت معالجة موضوع الثقافة من وجهات نظر مختلفة و بتناولنا لها كلها ربما يتضح لنا الموضوع أكثر ونستوعب كل جوانبه على الأقل الظاهرة منها .
1. النظرية التطورية
تنطلق نظرية التطور الثقافي من فكرة أساسية وهي تطور العناصر والسمات الثقافية كما تتطور العناصر الموجودة في هذا الكون ورغم أن فكرة التطور قديمة قدم الإنسان فقد تحدث عنها فلاسفة اليونان والعلماء العرب والمسلمون، وغيرهم إلا أن نضوج النظرية بدأ بعد ظهوره دراسات داروين حول أصل الأنواع و تفصيله لفكرة التطور لدى الكائنات العضوية، ثم تم نقل هذه الرؤية إلى العلوم ا لإنسانية وتم تطبيق هذه الرؤية على الثقافة بالتحديد وعلى تطور نمط حياة المجتمعات بشكل عام ولهذا نجد ظهور العديد من النظريات التي تناولت هذه الفكرة حتى أصبحت التطورية مدرسة متكاملة تحتوي على عدد هائل من النظريات وليس نظرية واحدة فقط. ولعل من أبرز الذين تحدثوا في هذه النظريات آن روبرت جاك 1717 -1781 حيث طورت نظرة شاملة عن التطور الثقافي من منطلق التركيز على نموذج التدرج الثقافي، وترى هذه النظرية أن عقل الإنسان في كل مكان يستطيع الاختراع وتحقيق الإنجازات الثقافية، ولكن الطبيعة تهيئ للبعض الظروف المناسبة دون البعض الآخر وهذا التنوع في الظروف الطبيعية أدى إلى تفاوت المستويات الاقتصادية بين الشعوب المختلفة( يحي مرسي، أصول علم الانسان، ص 362).
وترى هذه النظرية أن البشرية مرت بنفس المراحل التطورية، وأنها واجهت نفس العقبات الحياتية وكان لديها الموارد وأنها سارت في طريق النمو والتطور ذاته.
ثم تطورت هذه النظرية في نهاية القرن التاسع عشر حيث تبنى علماء الأنثروبولوجيا نظرية التطور الثقافي من خلال إقامة مراحل مختلفة تمثل عمليا التقدم الإنساني، فنجد مثلا لويس مورغا ن في كتابه المجتمع القديم قد قسم مسار تطور البشرية إلى ثلاث حقب رئيسية هي الهمجية ثم البربرية ثم مرحلة الحضارة، حيث قسم كل مرحلة إلى ثلاث مراحل فرعية هي الدنيا والوسطى العليا وربط كل مرحلة باختراع معين كان سائدا في تلك المرحلة وجعل الاختراعات التكنولوجية العوامل المساعدة على التطور والمرور من مرحلة إلى أخرى.
وقد حاول لويس مورغان أن يربط بين هذه الحقب وبين مجتمعات بدائية موجودة في عصره حيث ربط بين الهمجية الدنيا وهي مرحلة ما قبل اكتشاف النار واختراع اللغة، وربط الهمجية الوسطى بسكان أستراليا الأصليين والتي ساد فيها صيد السمك واستخدام النار وبداية وجود اللغة...الخ.
ثم جاء بعد ذلك تايلور الذي اهتم بشكل أساسي بالعناصر الدينية ومراحل تطورها وذلك من خلال نظريته حول الإحيائية والتي كانت برأيه نقطة الانطلاق بالنسبة لتطور المعتقدات الدينية، والإحياء تعني فيما تعنيه ممارسه نحو إلى إضفاء الطابع الروحي على الطبيعة أي أنها تسبغ روحا أو نفسا على عناصر الطبيعة من نباتات وحيوانات وأمكنة، ومواضيع عجيبة الشكل أو خطيرة الشأن وانطلق تايلور في فكرته عن التطور في مبدأ أساسي هو ثنائية الجسد والنفس، حيث يرى بان الإنسان الأول كان يرى أشياء في منامه فاستلهم بذلك فكرة ازدواجية الحياة وأخذت تتطور هذه الفكرة من أن الإنسان يرى بأن له قرين ثم بعد ذلك الاعتقاد في الأموات والأجداد ثم الطبيعة أي قرائن الطبيعة أي أن لكل ظاهرة طبيعية بعد غيبي أو روحي ثم بعد ذلك ظهور فكرة الآلهة فظهر إله للمطر وإله للريا ح...الخ. ثم جاءت فكرة توحيد الإله، ويعتبر تايلور بمنظوره العلماني أن الإله الواحد كان المآل الأخير الذي انتهى إليه تفكير الإنسان الديني عبر العصور وأنه لم يكن بالتالي نتيجة لوحي إلهي يوحى.
ثم ظهرت بعد ذلك الدراسات التطورية اتباعا لتعميق المبدأ التطوري في الثقافة ويمكن إجمال آراء التطوريين في تفسيرهم للثقافة في مجموعة مبادئ أهمها :
- أن هناك قوانين كلية تحكم الثقافة الإنسانية وأنها تمر بمراحل تطور حتمية متمايزة وثقافة أي مجتمع تتطور في طريق واحد خلال مراحل محددة.
- التسليم بظاهرة التغير الثقافي ورده اختلاف المراحل التطورية للثقافات الإنسانية، أي أن الثبات والتغير سمة أساسية تميز الثقافات المختلفة.
- أن اكتساب السمات الثقافية أو توا رثها يعتمد على القدرات العقلية للإنسان وهذا يرتبط بوحدة التكوين الفسيولوجي للإنسان.
- إن عناصر الثقافة ومكوناتها قابلة للاستعارة والانتقال من ثقافة لأخرى.
- إن عوامل التغير الثقافي تنمو ذاتيا وتظهر مع ظهور المرحلة التطورية بغض النظر عن الزمان والمكان.
- إن الثقافات تتطور ذاتيا وتنتقل من مرحلة لأخرى لمجرد ظهور العوامل والشروط الكافية لظهور هذه
- المرحلة. الإيمان بالوحدة السيكولوجية للجنس البشري( يحي مرسي ، أصول علم الانسان، ص 364).
2. النظرية الانتشارية
تعتقد النظرية الانتشارية على أن انتشار السمات الثقافية بين الثقافات المتباعدة والقريبة يساعد على تهيئة الشروط الكفيلة بإحداث التغير الثقافي والانتقال من مرحلة إلى أخرى ومن ثم أبرزوا أهمية الاتصال الثقافي أو التفاعل بين الجماعات وبالتالي انتقال السمات الثقافية من مجتمع لآخر، وفي إطار المدرسية الانتشارية توجد ثلاث مدارس رئيسية؛ هي المدرسة البريطانية وتمثلها إليوت سميث و وليام بيرى و ريفرز وترى أن هناك مركزا رئيسيا للحضارة هو مصر التي عرفت الزراعة وبناء الأهرامات وعبادة الشمس ومنها انتقلت هذه الثقافة إلى الكثير من أنحاء العالم، وهناك المدرسة النمساوية ويتزعمها جروبينر و شميدت حيث ترى وجود دوائر ثقافية أو بؤرا ومراكز حضارية متعددة وليس مركزا حضاريا واحدا وهذه الدوائر تشترك في سمات ثقافية واحدة، وتشتد أو تزداد كثافة هذ ه السمات كلما كانت أقرب إلى المركز وهناك المدرسة الأمريكية، ويمثلها كلارك ويسلر و كروبير وكلاكهو ن ( تؤيد هذه المدرسة فكرة أن الملامح المميزة لثقافة ما وجدت أولا في مركز ثقافي جغرافي محدد ثم انتقلت إلى مناطق أخرى وإن كانت هذه المدرسة ترى إمكانية التطور المتوازي المستقل وأن الناس مبتكرين بطبعهم) ( جاك لومبار، مدخل إلى الايثنولوجيا ، ص 74.)
وعموما يمكن تلخيص أراء النظرية الاستشارية في مجموعة أفكار أساسية فهي تعتقد نشأها شأن التطورية بالمساواة بين البشر و بالتفاوت بين الثقافات إذ نجد في أنحاء العالم بؤرا ثقافية متقدمة على غيرها لكنها بالمقابل لا تعرب على الثقة نفسها بعبقرية الإنسان و بقدرته على التقدم الدائم عن طريق الاختراعات، فالانتشارية ترى أن نمو الثقافات تم أكثر ما تم عن طريق الأخذ والتقليد وذلك بفعل الاحتكاكات الثقافية بين الشعوب وهي احتكاكات أكثر بكثير مما يظنه التطوريون ، فانتشار النظم الاجتماعية وتقسيم العمل، وتنظيمه تم نقله من منطقة إلى أخرى عن طريق الوسائل المختلفة لنقل الثقافة ، كالحروب ، والتجارة، والهجرات المختلفة التي عرفتها البشرية، ولا مجال لعنصر الابتكارو الاختراع في نظر الانتشاريين.
والمدرسة الانتشارية لا تدرس الثقافات باعتبارها نماذج ممثلة لمراحل متعاقبة عبر الزمن بل هي ترفض اعتبار البشرية بمثابة الكائن الذي ينمو كما تنمو الخلايا المغلقة والمنطوية على ذاتها حيث يرى الانتشاريون أن هذه الاختراعات فضلا عن العناصر الثقافية، تنتشر من مجتمعات إلى أخرى إما بفعل الهجرات أو الحروب...الخ. وبشكل مختصر إذا كانت التطورية تبحث عن أسباب التفاوت بين الثقافات فإن الانتشارية تبحث عن صيغ الانتشار من ثقافة إلى أخرى، كيف ينتقل عنصر ثقافي من ثقافة إلى أخرى ، وإذا كانت التطورية تتناول الثقافة بنظرة تاريخية فإن الانتشارية تتناول الموضوع بنظرة جغرافية. (يحي مرسي ، أصول علم الانسان ،ص 366.)
وبهذه النظرة أصبح للمدرسة الانتشارية كيان نظري خاص بها فكونت لنفسها مجموعة من المفاهيم والمسائل مثل الدائرة الثقافية، والمنطقة الثقافية والجغرافيا الثقافية إلى غير ذلك من المفاهيم التي تدل على المضامين الفكرية لهذه النظرية.
3. النظرية الوظيفية
تعتبر المدرسة الوظيفية من أهم المدارس التي تهتم بموضوع الثقافة بل هي مدرسة رائدة في هذا المجال من خلال أعمال روادها وتلامذتهم فنجد مثلا مالينوفسكي، و راد كليف براون وغيرهما، اهتما بهذا الموضوع اهتماما بالغا. حيث أكد رواد هذه المدرسة أنه إذا عرفنا وظيفة النظام فإننا نستطيع تفسيره وفهمه ولذلك فإن الوظيفة تستخدم للإشارة إلى الحاجات الأساسية أو الاحتياجات التي ينبغي إشباعها حتى تستمر الجماعة في الوجود، نستطيع من خلال الوظيفة إدراك أن النظم تقام وتؤسس كأنماط سلوك تتواءم مع معايير وقيم محددة، وبهذا المعنى نجد أن النظم لا تشمل فقط المعدات الفنية المستخدمة في المجتمع من أجل حياته اليومية بل وأيضا كل الأفكار الروحية التي تميز أخلاقيته ودينه وقوانينه التي تستطيع من خلالها تنظيم فكره وسلوكه (يحي مرسي ، أصول علم الانسان ،ص53 ).
وقد أوضح مالينوفسكي في مقال كتبه عن الثقافة أن الثقافة تعتبر وحدة كلية من الممكن تحليلها إلى الأجزاء والنظم المكونة لها، وأخذ العلاقات المتبادلة بين هذه الأجزاء، مع عدم إغفال علاقة ذلك بحاجات الكائن البشري والبيئة والطبيعة، وتلك التي من صنع الإنسان، ويرى مالينوفسكي أن المجتمع ينبغي دراسته كما هو عليه في الوقت الحاضر ومن جميع جوانبه و بناءا على المؤسسات التي تكفل بقائه على قيد الحياة والتي هي مؤسسات متبادلة التبعية فهو يستبعد كل الطروحات التاريخية أو الجغرافية المتداولة في النظريات التطورية والانتشارية.
كذلك يؤكد مالينوفسكي أنه من المفترض بكل ظاهرة من الظواهر المجتمعية أن تستجيب لوظيفة معينة و أنها إذا لم تعد تلبي حاجة حيوية أو مجتمعية فإن مصيرها الزوال لا محالة، والمثل الذي يضربه على ذلك العربة التي يجرها الحصان فهو لا يرى فيها راسبا من الرواسب المتبقية في زمن المواصلات البسيطة بل يرى فيه وسيلة ضرورية من وسائل النزهة والرحلة والسياحة( جاك لومبار، مدخل إلى الايثنولوجيا ، ص( 185. فهو يرى أن الإنسان ينشئ المؤسسات لتلبية حاجاته وبالتالي تكون الحاجة والمؤسسة هما الكلمتين المحوريتين في أي ثقافة، فهو يرى أن كل العناصر المشكلة للثقافة موجودة من أجل إشباع حاجات حيوية أو مجتمعية ولا مكان لعناصر ثقافية لا تؤدي وظيفة، وبالتالي فهو يناقض الرأي التطوري الذي يتحدث عن البقايا والرواسب والآثار الثقافية، فهو يعتبر الثقافة مكون حيوي يؤدي كل عنصر من عناصره وظائف معينة لفائدة الأفراد أو المجتمع أو الثقافة في حد ذاتها.
ونجد كذلك من رواد هذه المدرسة فرانس بوا س الذي ينتقد المنهج التطوري حيث يدرس الأصول التي تتعلق بالنظم الاجتماعية عن طريق جمع المعلومات والظاهرات من مختلف الأزمنة والمجتمعات، حيث يرى أنه ينبغي قبل أن نوفق بين الظواهر يجب أن نتأكد من أنها انتزعت من سياق واحد، بمعنى إذا نزعنا ظاهرة تقديم الطفل كضحية أو قربان عن سياقها الثقافي فسوف نفهمها على أنها عملية قتل وجريمة نكراء ولكنها ومن وجهة نظر البناء الثقافي التي هي جزء منه تعتبر مثلا فريدا من أمثلة التضحية وإنكار الذات ومن ثم فالمدرسة الوظيفية تهتم بتوضيح وظيفة أي عنصر أو طقس من طقوس الثقافة وبالتالي تفتيش الباحث عن الوظيفة الحقيقية للسمة الثقافية والتي قد تكون كامنة بتعبير روبرت ميرتو ن غير واضحة للعيان وهي تختلف عن الوظيفة الواضحة أو الظاهرة للسمة الثقافية التي يدركها أعضاء المجتمع (يحي مرسي ، أصول علم الانسان ،ص37 ).
وقد كتب الكثير من الوظيفيين عن الثقافة ويمكن تلخيص مجمل آرائهم في عدة أفكار منها أن الثقافة لا يمكن دراستها باعتبارها شيئا تاريخيا أو باعتبارها حالة انتقلت من بقعة جغرافية إلى أخرى بل يجب دراستها على ما هي عليه في الحاضر، و يجب تحليلها إلى عناصرها الأساسية ومعرفة العلاقات التي تربط بين هذه العناصر ودرجة تأثير كل عنصر في العناصر الأخرى وفي الثقافة ككل. وإن الثقافة ككل تقوم بوظيفة أساسية هي تقديم إشباع لحاجات الأفراد والمجتمع حتى وإن استخدمت الرموز في ذلك فللرموز كذلك وظيفتها الروحية والمادية، كذلك تنظر الوظيفية إلى العناصر الثقافية باعتبارها أجزاء من ثقافة وليست مستقلة كليا ، فلا يمكن فهمها إلا في السياق العام للثقافة فلا يمكن فهم الكثير من العادات والطقوس والسلوكات. إذا جهلنا دورها الديني مثلا أو القيم التي تقف وراء هذه العادات والطقوس والسلوكات وما هي الارتباطات البنائية والوظيفية بين هذه الأشياء والدين والقيم. كذلك تنفي الوظيفية فكرة وجود رواسب أو أنماط ثقافية أو سمات ثقافية متبقية من حقبات تاريخية سابقة أو انتشرت من مناطق ثقافية أخرى وليس لها دور اجتماعي فهي لا تعتقد بهذه الفكرة بتاتا بل تنظر إلى أن كل العناصر الثقافية مهما ظهرت إنها لا تقوم بوظيفة واضحة فهي في الحقيقة تلعب أدوار مهمة داخل النسق الكلي للثقافة، سواء كانت هذه الأدوار مدركة من طرف أعضاء المجتمع أو غير مدركة ، فغالبا ما تكون بعض السمات والعناصر الثقافية تقوم بوظائف كامنة وهي ضرورية لاستمرار واستقرار المجتمع وهي تلبي حاجات لا شعورية للأفراد والمجتمع. وتنظر الوظيفية إلى الثقافة نظرة موضوعية فهي لا تفرق بين الثقافات باعتبار الزمان والمكان، بل ترى أن الثقافة تكون فعالة ومتقدمة ومتطورة كلما خلقت لمجتمعها كل الضمانات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تمكن أفراد المجتمع من تلبية حاجاتهم المختلفة المادية أو المعنوية بطريقة سهلة دون وجود صراعات أ و اضطرابات اجتماعية، وبهذا تصبح الثقافة هي ذلك البناء الوظيفي الذي يساعد المجتمع على الاستمرارية والاستقرار والبقاء على قيد الحياة.
4. النظرية الماركسية
تعتبر النظرية الماركسية من النظريات التطورية فهي تنظر إلى نمط الحياة أو الثقافة أنها تتطور من مرحلة إلى أخرى وتنتقل من جراء التناقضات التي تحصل في النظام الاجتماعي والثقافي في المرحلة السابقة وأن هذا التحول والتغير يطرأ بفعل تأثير قوى الإنتاج أو العامل المادي الاقتصادي.
تؤكد هذه النظرية أن الثقافة في أي مجتمع وخاصة الجانب المعنوي منها والذي يتشكل من العرف والقانون والدين والإيديولوجية...الخ. ما هو في الحقيقة إلا انعكاس للواقع الاقتصادي ولنمط الانتاج السائد في المجتمع ونجد من بين الأمثلة الموجودة في هذا الإطار المقولة السائدة لدى الماركسيين عموما وهي أن المطحنة الهوائية تدل على المجتمع الإقطاعي في حين تدل العربات البخارية على المجتمع البورجوازي ( ميشال تومسون وآخرون ، نظرية الثقافة، ص 251.) أي أن قوى الإنتاج المتمثلة في أدوات الإنتاج والعمل وعلاقات السيطرة الاقتصادية أي المالكين لوسائل الإنتاج، هي التي تحدد البنية الاقتصادية للمجتمع التي بدورها تحدد البناء الفوقي للمجتمع والذي يعتبر هو الثقافة ،فهذه النظرية في حقيقة الأمر تختلف عن بقية النظريات الثقافية الأخرى في تفسيرها للتطور الثقافي أو حتى لأصل الثقافة إلا أنها لا تختلف عنها في تحديد وظيفة الثقافة في المجتمع فهي تعمل على استقرار المجتمع وسيادة أنظمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وهي بطبيعة الحال وفق المنظور الماركسي الثوري تلعب دورا سلبيا في عملية التطور، وتبشر هذه النظرية بنمط حياة جديد وهو النمط الشيوعي الذي تنتفي فيه الفوارق الطبقية وتسود فيه العدالة الاجتماعية وتزول فيه الدولة والأسرة ، لأن الدولة والأسرة وفق المنطق الماركسي ما هي إلا أنظمة للمحافظة على مصالح الطبقة المالكة لوسائل القوة والسيطرة وهي مؤسسات أنشئت بغرض تدجين الإنسان حتى لا يعترض على سيطرة الطبقة المالكة لمصادر القوة والنفوذ في المجتمع.
5. النظرية الإيكولوجية
يعتبر هذا الاتجاه حديث العهد نسبيا في الدراسات الثقافية المعاصرة ومن أقطابه جوليان ستيوار ت و فريدريك بارث، وماكس جلوكمان، وهم يركزون على العلاقة الدينامية المتبادلة بين الإنسان ومكونات البيئة الطبيعية التي يعيش فيها، فمن ثم فهم يبحثون عن عمليات التكيف التي تؤدي إلى ظهور صيغ ثقافية متباينة ، هذه النظرية ترى أن الناس كانوا طوال تاريخهم الطويل في صراع مستمر مع البيئة من أجل التكيف معها وحماية أنفسهم من أخطارها من خلال اختراع العديد من الوسائل التكنولوجيا مثل المعادن واللدائن ونمو أشكال الوقود والطاقة النووية للحفاظ على الثقافة التي طوروها(يحي مرسي ، أصول علم الانسان ،ص374 ).
فالإنسان في تعامله مع الطبيعة يحاول دائما أن يتكيف معها حتى وإن كان يسعى للسيطرة عليها وتطويعها لإشباع حاجاته ، إلا أن عجز الإنسان في كثير من الأحيان يجعله يكتسب صفات بيولوجية وثقافية تمكنه من التواؤم والتوافق مع ظروف بيئته، فحتى اللغة التي تعتبر وعاء الثقافة نجدها تتأثر بالبيئة.
ولعلنا نجد أفكار من هذا النوع عند ابن خلدون حينما يتحدث عن المعتدل من الأقاليم والمنحرف وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير من أحوالهم وفي حديثه كذلك عن أثر الهواء في أخلاق البشر "ولهذا كانت العلوم والصنائع والمباني والملابس والأقوات والفواكه بل والحيوانات وجميع ما يتكون في هذه الأقاليم) يقصد الأقاليم المعتدلة الحر و البرد(الثلاثة المتوسطة مخصوصة بالاعتدال وسكانها من البشر أعدل أجساما وألوانا وأخلاقا وأديانا " .(عبد الرحمن ابن خلدون، المقدمة، ص90.) وفي حديثه عن أثر الهواء في أخلاق البشر يقول ابن خلدون "قد رأينا من خلق السودان على العموم الخفة والطيش وكثرة الطرب فنجدهم مولعين بالرقص على كل توقيع موصوفين بالحمق في كل قطر والسبب الصحيح في ذلك أنه لا تقرر في موضعه من الحكمة أن طبيعة الفرح والسرور هي انتشار الروح الحيواني وتفشيه وطبيعة الحزن بالعكس وهو انقباضه وتكاثفه، وتقرر أن الحرارة مفشية للهواء والبخار مخلخلة له زائدة في كميته...الخ" ولما كان السودانببن ساكنين في الإقليم الحار استولى الحر على أمزجتهم وفي أصل تكوينهم... " .(عبد الرحمن ابن خلدون، المقدمة، ص95.)
فهذه النظرية ترى أن للواقع الإيكولوجي دور أساسي في صياغة وبناء الثقافة ويظهر بذلك في سماتها الثقافية وأنماط سلوكها وأنظمتها الاجتماعية وفنونها وتقاليدها ودياناتها...الخ ورغم المبالغات التي قد نجد ها عند ابن خلدون أو حتى عند الإيكو لوجيين الثقافيين إلا انه لا يمكن تعميم هذه الآراء بشكل جزافي كما لا يمكن إهمالها أو اعتبارها نظريات عنصرية ، الغرض منها تفضيل عنصر من البشر على عنصر آخر، ففعلا للظروف الطبيعية المحيطة بالإنسان سلطان قاهر لتكييف الإنسان وصياغة طباعه وأمزجته ويصبح كل منتوجه الثقافي مرتبط بتلك العوامل المحيطة به.
6. التطورية المحدثة
لقد ظهرت آراء جديدة في المنظور التطوري للثقافة ولقد احتلت هذه الآراء أهمية كبيرة على الرغم من أن تساؤلات أنصار هذه النظرية لم تختلف كثيرا عن سابقيهم في القرن التاسع عشر إلا أنهم أضافوا إليها بعض التعديلات والأفكار وثيقة الصلة بميكانيزمات التغير والقوانين العامة التي تحكم التغير الثقافي.
فنجد ليزلي هوايت يتحدث عز مراحل تطور الثقافة كما لو كانت مراحل كلية عامة تميزها الخبرة الإنسانية المتراكمة ويرى أن الثقافة تنمو وترتقي وفقا لازدياد كمية الطاقة، أو وفقا لازدياد الكفاءة التي تستخدم بهذه الطاقة .
كما أوضح ذلك جوليان سيتوارد أن تعدد الأصول التطورية المتوازية يمثل حقيقة واقعية يمكن إدراكها عن طريق مقارنة التغيير الثقافي الحادث في ثقافات متباينة وأوضح أن هناك ثلاث عناصر رئيسية تحكم التطور أو التغير الثقافي وهي: (يحي مرسي ، أصول علم الانسان ،ص368 )
- النظم الأساسية في مقابل الهامشية أو المحيطة.
- النمط أو النموذج الثقافي.
- مستويات التكامل الاجتماعي والثقافي.
وبهذا تصبح هذه النظرية نقلة نوعية للنظرية التطورية حيث انتقلت من التفسير الأحادي لتطور الثقافة إلى تفسير متعدد العوامل ومن المسار الواحد الذي يسلكه التطور إلى المسالك المتوازية للتطور.
7. نظرية الانتخاب الثقافي
من النظريات الحديثة التي تتناول الثقافة نظرية الانتخاب الثقافي وهي مرتبطة بالانتخاب الطبيعي من حيث التسمية بل تم استلهام هذه التسمية من نظرية الانتخاب الطبيعي إلا أنها تختلف عنها اختلافا جذريا فأنصارها لا يطابقون بين الانتخاب الثقافي والانتخاب الطبيعي للصفات كما جاء في النظرية الداروينية.
فنظرية الانتخاب الثقافي هي نظرية عن ظواهر يمكن أن تنتشر داخل مجتمع ما مثل الشعيرة الدينية أو أسلوب في الفن أو طريقة في الصيد وتشتمل النظرية على ثلاثة عمليات أساسية:
أولا : تنشأ الظاهرة وهذا ما يسمى التجديد أو الإبداع ثانيا : يمكن أن تنتشر الظاهرة من إنسان إلى آخر أ و من جماعة من البشر إلى أخرى وهذا يسمى التكاثر أو النقل أو المحاكاة أو الانتشار وثالث العمليات الأساسية في النظرية هي الانتخاب ونعني بالانتخاب أي آلية أو عامل يؤثر في مدى انتشار الظاهرة من حيث الكثرة أو القلة وأوضح أنواع الاختيار ، الاختيار الواعي من جانب البشر.
مثال على ذلك الزراعة مثلا : لكي تبدأ مرحلة الزراعة كان لا بد وأن يظهر شخص على حظ من النباهة والذكاء ليخترع طريقة لاستنبات الحبوب أو أي محاصيل أخرى) الابتكار (يمكن لهذه الممارسة أن تنتشر بعد ذلك إذا ما قدم المخترع فكرته لآخرين لكي يحاكوا طريقته) تكاثر( ويتعين توفير ظروف عديدة لكي تنتشر هذه الممارسة بشكل نشط وفعال وهذه الظروف والعوامل من بينها يجب أن يكون المزارعين راغبين في تقديم معارفهم للآخرين ،أن يكون كذلك غير العاملين بالزراعة على اتصال بالمزارعين وأن يكونوا راغبين في تغيير أسلوب حياتهم ، وأخيرا يجب أن يكون المزارعين قادرين على توفير الغداء والتنشئة لعدد كاف من الأطفال، وتؤلف هذه العوامل كلها عملية الانتخاب وهي عملية حاسمة لانتشار الزراعة بين تجمع سكان . (أجنر فوج، الانتخاب الثقافي، ص 79.)
و سميت العملية بالانتخاب لأنها تنتشر عندما تلقى القبول لدى الأفراد وعندما تقدم حلولا عملية لمشكلات الأفراد والجماعات، وتعطي بدائل وظيفية داخل النسق العام للثقافة فيقبل عليها الناس ويتركوا العناصر الثقافية السابقة نظرا لعدم فعاليتها وعدم مواكبتها للتحولات الحاصلة في المجتمع. ولهذه النظرية مجموعة المفاهيم الخاصة بها كمفهوم الابتكار، والتكاثر والانتخاب ووحدة الانتخاب والأساس الميمي للثقافة الذي يقابل الأساس الجيني للصفات الطبيعية لدى المخلوقات.
8. نظرية القابلية الاجتماعية والثقافية للنماء
تعتبر هذه النظرية من النظريات الحديثة والتي تحاول أن تختصر جهود كل المنظرين ووضع نظرية واحدة تجمع بين ما توصل إليه الباحثون الأوائل من أفكار وأراء وتحاول صياغتها من رؤية جديدة تتجاوز الخلافات السابقة، ومن أبرز الباحثين الذين نادوا بها نجد ميشال طومسون، وريتشارد إليس ، وأرون ويلدافسكي، فحسب مفهومهم للثقافة ينظرون إليها على أنها تمثل ثلاث مفاهيم أساسية هي: ( ميشال تومسون وآخرون ، نظرية الثقافة، ص 40)
- التحيزات الثقافية.
- العلاقات الاجتماعية.
- أنماط وأساليب الحياة.
فالتحيزات الثقافية تشمل القيم والمعتقدات المشتركة بين الناس ، والعلاقات الاجتماعية تشمل العلاقات الشخصية التي تربط الناس بعضهم بعضا ، أما نمط الحياة فهو الناتج الكلي المركب من التحيزات الثقافية والعلاقات الاجتماعية. ونظرية القابلية الاجتماعية والثقافية للنماء تفسر لنا هذه الأنماط ليس من ناحية نشأتها وإنما من ناحية بنائها واستمرارها ونموها وتغيرها وكيف تحافظ أنماط الحياة في مجتمع ما على بقائها واستمرارها بينما تفشل أنماط أخرى في ذلك.
وفي هذا الإطار تحلل النظرية العلاقة الارتباطية بين قابلية نمط حياة للنمو وبين التوافق والانسجام بين العلاقات الاجتماعية والتحيزات الثقافية على أن ذلك لا يعني أن نمط الحياة، نمط واحد بل تعدد هذه الأنماط وتتنوعها الأمر الذي دفع ببعض العلماء والباحثين إلى تصنيف هذه الأنماط ، وقد اهتم أصحاب هذه النظرية بتقديم تصنيف جديد لأنماط الحياة وطبقوا عليه نظريتهم وقد وضعوا خمسة أنماط حياة يعتقدون أنها سائدة في المجتمعات الإنسانية هي الأنماط التدرجية والمساواتية والقدرية والفردية، والاستقلالية أو الانعزالية هذه الأنماط إذا كان بينها تنافس فإنها كذلك بينها اعتماد متبادل. وهذه الأنماط الخمسة تشكل في الحقيقة تفضيلات ثقافية وهي مرتبطة بنمط من العلاقات الاجتماعية وفي تفاعل هذين العاملين ينتج لنا أنماط وأساليب من السلوك والحياة تعبر عن هذه التفضيلات وتعكسها العلاقات الاجتماعية السائدة.
9. خلاصة
من كل ما سبق يمكن أن نستنتج بأنه يمكن دراسة الثقافة وفق مقاربات متنوعة ، ولكل منها محددات وتداعيات . المقاربة الأولى : المقارية الانثروبولوجية : وفيها يمكن الاستنتاج أن التعريفات ومنذ محاولة الانجليزي ادوارد تايلور(1823-1917) كانت تتطور تبعا لتطور الاتجاهات والمناهج والنظريات ، ويمكن في هذا المجال رصد اربعة اتجاهات:
الاول : يقدم مقاربته من زاوية التاريخ الثقافي رسمه بواز وهرسكو فيتش الذي الح على الاستمرارية التاريخية ودرس خصوصا عملية المثاقفة.
الثاني : يقوم بمقاربة الثقافة من خلال علاقتها بالشخصية ، وهو اتجاه رسمه سابير ، وتتصل أعمال روث بنديكت ومارغريت ميد ولينتون بهذا الاتجاه الذي يعنى بمجموعة القيم التي يتوق مجتمع حصين إلى ترسيخها في الأفراد المنتمين إليه .
الثالث : يعمد إلى مقاربة الثقافة إلى نظريات الاتصال الحديثة منطلقا أساسا من النموذج اللساني ، وأحسن تعبير عنه هي أعمال كولد ليفي شتراوس.
الرابع: استند الى التحليل الوظيفي في مقاربة الثقافة والذي برز على يد رائده مالينو فسكي.
أما المقاربة الانثروبولوجية الجديدة يشكل عام فتركز على ظاهرة التثاقف ، والتي شغلت العديد من الانثروبولوجيين ، ومهدت أفكارهم إلى نشوء الإيثنولوجيا الثقافية التي تفسر التباين بين الثقافات في إطار التنوع البيئي ، كذلك فتحت الطريق نحو الانثروبولوجيا الرمزية مع غيلفورد غيرتز الذي يقول إنه بدلا من الاهتمام بما يقوله الأفراد عن ثقافتهم ، يجب الاهتمام بالمعنى أو الرمز المصاحب للممارسات الثقافية ، لأنها منفصلة عن القواعد والعواطف والمعتقدات التي يتناقض بعضها مع بعض في كثير من الأحيان.
المقاربة الثانية : المقاربة الايديولوجية : ولا شك في أن مفهوم الايديولوجيا من أكثر المفاهيم شيوعا ، وهو من أقل المفاهيم ثباتا ، فهو عند البعض مفهوم علمي ، وعند آخرين مبهم. منذ ماركس تطور مفهوم الايديولوجيات حتى وسط الماركسيين ، وبخاصة مع لويس ألتوسير الذي حاول التمييز بين الايديولوجيات الكلية والايديولوجيات الجزئية ، وقدم أيضا الإيطالي أنطونيو غرامشي آراء تجديدية هامة ، ويعتبر صاحب مساهمة طليعية في التنظير الماركسي للبنى الفوقية وآليات اشتغالها .
ويذهب الكتاب إلى تفكيك مفهوم الإيديولوجيا إلى ثلاثة معان ومجالات :
- مجال الطرح السياسي .
- مجال الاجتماعيات .
- مجال الإبستمولوجيا أو نظرية المعرفة.
والهدف من هذا التمييز هو التخفيف من حدة الغموض والالتباس والتي يعمل عليها أيضا غي روشيه ، حيث خلص إلى أن الإيديولوجيات ليست كل الثقافة بقدر ماهي عنصر من عناصرها ، وهي ليست بالضرورة مرتبطة بالمجتمع الشامل ، كما أراد ذلك ماركس جاعلا من الإيديولوجيا نتاج الطبقة الاجتماعية المسيطرة ، بل أصبح بالإمكان الحديث عن إيديولوجية جماعة جزئية ، وبهذا شاعت كتابة " النهايات" والتي أول ما طالت مفهوم الإيديولوجيات.
المقاربة الثالثة : هي المقاربة السوسيولوجية : وقد قام العديد من السوسيولوجيين بتفتيت الكليات الكبرى للثقافة إلى وحدات أطلق عليها " السمات الثقافية " وهي تعمل ككليات متشكلة من اعتمادات كبرى متفاعلة فيما بينها يطلق عليها " الأنماط الثقافية " ، فالسمات لا توجد في حالة عزلة بعضها عن بعض ، بل تتحدد مع غيرها لتشكل نمطا يعمل ككل متضامن . ويرى مالينوفسكي أن أحسن وصف لأي ثقافة يجب أن يقوم على معرفة نظمها الاجتماعية ، ويمكن تحديدها بتسعة نظم (الأسرية – التربوية – الدينية – الأخلاقية – الجمالية – اللغوية – الاقتصادية – القانونية – السياسية ) ، وفي كل مجتمع هناك نظم اجتماعية أساسية وفرعية ، تشكل مجتمعة ما يمكن أن نسميه التكامل الثقافي ، وفقدان هذا التكامل يؤدي إلى الاضطراب والفوضى .
وبارسونز ترك بصمات واضحة في سوسيولوجيا الثقافة ، جراء تحليلاته حول الفعل وأنساقه .
وتبقى الاختلافات بين الأمم كما هي الاختلافات داخل الأمة الواحدة ، لا تزال البؤرة المركزية لإشكالية الثقافة وعموما يمكن أن نخلص إلى ما يلي :
- إن النسبية الثقافية هي إحدى أبرز السمات التي تميز الثقافات .
- إن التنوع الثقافي هو حقيقة سوسيولوجية سواء كان بين مجال ثقافي وآخر ، أو بين الثقافات الفرعية.
- إن مفهوم التثاقف الذي استخدمته المدرسة الثقافية الأمريكية على نطاق واسع أصبح من الحقائق والديناميات الثابتة في المجالات الثقافية .
لذلك يعمد التحليل السوسيوثقافي إلى تفكيك الموقف وإعادته إلى جذوره من جهة ، وتبيان آلية اشتغال العناصر الثقافية المتعددة وتفاعلها ، والمفضية إلى كشف العناصر المستورة ، وعلى أهمية إثبات العلاقة بين الإنتاج الفكري والواقع الاجتماعي ، إلا أن الأهم هو تحليل أشكال هذه العلاقة وآليات اشتغالها ، فضلا عن إبراز الوظيفة الاجتماعية لهذا الانتاج .