1. التطور التاريخي للتوجيه والإرشاد النفسي

مرحلة التركيز على التوجيه المهني

كانت حركة التوجيه المهني التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الكساد الاقتصادي في الثلاثينيات  تمثل مهد حركة التوجيه والإرشاد. فقد نشأ التوجيه المهني على يد"فرانك بارسونــــزF.Parsons " وكان يدور حول إيجاد وسائل يمكن بها وضع الرجل المناسب في المهنة المناسبة.

مرحلة التركيز على التوجيه المدرسي:

واتجه التفكير بعد ذلك إلى تركيز التوجيه المهني على توجيه الطلبة في المدارس وكذلك إلى الطبيعة التربوية لعملية الإرشاد. واكتشف العاملون في مجالات التوجيه والإرشاد الهوة الفاصلة بين ما يتعلمه الطلبة في مدارسهم وما يواجهونه في حياتهم العملية بعد ذلك، مما أكد على ضرورة سد هذه الثغرة. فأصبح ينظر إلى التربية على أنها نوع من أنواع التوجيه، فالتوجيه التربوي هو توجيه من أجل الحياة.

مرحلة التركيز على حركة القياس النفسي:

ومن العوامل التي ساعدت في نمو وتطور التوجيه والإرشاد النفسي تطور حركة القياس النفسي حيث كان لحركة القياس النفسي ودراسة الفروق الفردية بين الأفراد وبناء الاختبارات والمقاييس النفسية اثر كبير في تطور التوجيه والإرشاد.

مرحلة التركيز على التوافق والصحة النفسية: أما هذه الحركة فقد كان لها تأثيرها الواضح على مجال الإرشاد، وإضفاء الصفة العلمية عليه في البحث والممارسة، حيث أصبح الإرشاد يهتم بالصحة النفسية بوجه عام للأسوياء وغير الأسوياء، أيا كان موقعهم في مرحلة النمو أو في المجال المهني، كما ازداد اهتمام الإرشاد بفهم الفرد، سعيا لتحقيق توافقه وتكيفه مع مجتمعه المتغير والمتطور سواء على مستوى الأسرة أو العمل أو الدراسة.

إضافة:

لقد شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تطورا متسارعا وطفرة نوعية في ميدان التوجيه والإرشاد، إن في مستوى التأصيل النظري بميلاد مقاربات واتجاهات حديثة مستفيدة من عيوب الأطر والمرجعيات الكلاسيكية، وإن في مستوى تراكم الأساليب والفنيات الإرشادية المنتمية لنظرية بعينها، وإن في مستوى المزاوجة بين أطر أخرى ذاتية وموضوعية التأسيس، وإن في مستوى قوة ونوعية الأساليب المنهجية والإحصائية المستخدمة في تحديد المشكلات والاضطرابات النفسية للفرد، مكن ذلك من  فهم أوسع لأغوار النفس البشرية ومن تحقيق أكبر قدر من الثقة والموضوعية في النتائج المتوصل إليها مبشرة بإمكانية تعميمها. ولعل من بين هذه الإسهامات الفكرية في هذا الميدان ما جاء به الفكر الوجودي والإنساني...حيث أصدر كارل روجرزK.Rogers  كتابه المعنون " علم النفس الإرشادي والعلاج النفسي" سنة (1942)، كما كتب عام (1951) "العلاج المتمركز حول العميل". ومن إسهامات الاتجاه الإنساني ما طرحه إبراهام ماسلو I.Maslow ضمن ما يعرف بهرم الحاجات الإنسانية مؤكدا على أن للفرد حاجات فسيولوجية ونفسية يحتاج لإشباعها وتعمل كمحرك ودافع للسلوك...وبهذا أصبح التوجيه والإرشاد النفسي نسقا أساسيا ضمن أنساق الفعل التربوي ومجهود يعمل على تحقيق العافية الكلية للمتمدرس بجعله يتحمل المسؤولية الكاملة لإتمام مشروعه المدرسي ونضجه المهني، وأكثر قدرة على مواجهة الضغوطات والمواقف الصعبة، وتدريبه على اكتساب مهارات الحياة لجودة الحياة في جميع مراحل التعليم.

مفهوم التوجيه والإرشاد التربوي

مفهوم التوجيه التربوي:

- تعرف الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA,2015,476التوجيه بأنه: النصح وتقديم المشورة بالتعاون مع المسترشد، وغالبا ما تستخدم البيانات الشخصية والمقابلات والاختبارات النفسية المساعدة على ذلك.

- ويعرف بركات التوجيه بأنه: مجموعة من الخدمات التي تهدف لمساعدة الفرد على أن يفهم نفسه ويفهم مشاكله وأن يستغل إمكانياته الذاتية من قدرات ومهارات واستعدادات وميول، وأن يستغل إمكانيات بيئية فيحدد أهدافا تتفق وإمكانياته من ناحية وإمكانيات هذه البيئة من ناحية أخرى نتيجة لفهم نفسه وبيئته ويختار الطرق المحققة لها بحكمة وتعقل فيتمكن بذلك من حل مشاكله حلولا عملية تؤدي إلى التكيف مع نفسه ومجتمعه فيبلغ أقصى ما يمكن بلوغه من النمو والتكامل في شخصيته(أبو حماد،2014، 08).

- ويشير الشناوي(1994) بصفة عامة إلى أن التوجيه هو مساعدة تقدم للأفراد لاختيار ما يناسبهم على أسس سليمة وذلك لتحقيق التوافق في المجالات المختلفة للحياة(الزعبي،2005، 16)

مفهوم الإرشاد التربوي

الدلالة اللغوية لمصطلح للإرشاد:

أشارت القواميس العربية إلى مفهوم الإرشاد ففي المعجم الوسيط: يقال فلان أرشد فلان بمعنى هداه ودله، والمرشد يعني: الواعظ (إبراهيم، مصطفى وآخرون، 1982، 346) ، وإلى مثل ذلك ذهب ابن منظور في لسان العرب حيث جاء أن: الرشد والرشد والرشاد: نقيض الغي. رشد يرشد رشدا ورشادا وهو نقيض الضلال إذا أصاب وجه الأمر المطلق.(ملحم،2014،60)، وإلى مثل ذلك أيضا أشار قاموس أكسفورد إلى أن الإرشاد يعني تقديم النصح(Oxford,2010,181)

فالإرشاد إذن يعني إتباع الطريق الصحيح والسلوك الصحيح وهو يعني إسداء النصح للآخرين والهداية إلى السلوك الأمثل.

 الدلالة الاصطلاحية للإرشاد النفسي التربوي

-تعرف الجمعية الأمريكية للإرشاد(ACA) الإرشاد النفسي بأنه: علاقة مهنية تمكن مختلف الأفراد والأسر والمجموعات بالتمتع بالصحة النفسية، والعافية، والتعليم، والأهداف المهنية(Mclead,2013,07)

-يعرف كوتلر و براون (Kottler & Brown)، الإرشاد النفسي بأنه: نشاط... للعمل مع الأفراد العاديين نسبيا الذين يعانون من مشاكل التنمية أو التكيف.( Flanagan & Flanagan,2004,07 )

-يعرف روجررRogers)) الإرشاد بأنه عملية تغيير تستهدف إزالة العوائق الانفعالية للفرد تسمح له بالنضج والنمو وإطلاق طاقاته وصولا إلى تحقيق الصحة النفسية لذلك الفرد(الحلبوسي وآخرون، 2002،39)

-يعرف منسي بأنه:عملية تشمل كل الجوانب التي تهم الطالب والتي تهتم بالمشكلات التي تتطلب تدخل ذوي الاختصاص لمساعدة الطالب على فهمها سواء كانت مشكلات أكاديمية أو شخصية أو اجتماعية(منسي وآخرون،2002، 361).

العلاقة بين التوجيه والإرشاد النفسي

يعبر كل من التوجيه والإرشاد عن معنى مشترك فكل منهما يتضمن من حيث المعنى الحرفي: الترشيد والهداية والتوعية والإصلاح وتقديم الخدمة والمساعدة والتغيير السلوكي إلى الأفضل، وهما مرتبطان ووجهان لعملة واحدة كل منهما يكمل الآخر بالرغم من الفروقات التي يراها بعض الباحثين بين هذين المفهومين.

العلاقة بين الإرشاد النفسي والعلاج النفسي

مع أن العديد من علماء النفس، مثل كوري(2000Corey,) وباترسون(Patterson,1986) استخدما مصطلح الإرشاد والعلاج النفسي بالتبادل، وخلص باترسون إلى أنه لا توجد اختلافات جوهرية بينهما(Richard,2005,p.05). ويدعم هذا الرأي أيضا ما ذكره شرتزر وستون( (Shertzer & Stoneأن الممارسين المهنيين من مرشدين نفسيين أو معالجين نفسيين أقروا أن لا توجد فروق واضحة بين مفهوم الإرشاد النفسي ومفهوم العلاج النفسي، وحتى إن ظهرت أي فروق بينهما فما هي إلا فروق اصطناعية، ومن ثم، استخدام مصطلحي الإرشاد النفسي والعلاج النفسي بالتبادل بينهما دون أيه حساسية تذكر(عطية،2010، 112).

ومع ذلك فإن الفرق بين الإرشاد النفسي والعلاج النفسي فرق في الدرجة وليس في النوع وفرق في المسترشد وليس في العملية، ومعنى هذا أن العمل الإرشادي والعمل العلاجي خطواتهما واحدة مع فرق في درجة التركيز والعمل فالمسترشد في الإرشاد النفسي أكثر استبصارا ويتحمل قدرا أكبر من المسؤولية والنشاط في العملية أكثر من المريض في العلاج النفسي، وهذه الفروق تنعكس في بعض الاختلافات البسيطة في التخصص والممارسة.

علاقة التوجيه والإرشاد بالعلوم الأخرى.

ترتبط العلوم والمعارف ببعضها البعض، داخل  الحقل الواحد أو ضمن حقول أخرى مغايرة. فالحدود بين العلوم الإنسانية والتقنية بلا شك هي حدود وهمية، وأن أوجه الاستفادة بين هذه العلوم المختلفة هي تكاملية فكل علم ينفع العلم الأخر ويضيف إليه ما توصلت إليه البحوث والدراسات فتتحقق التراكمية، وتزدهر العلوم، وفيما توضيح لعلاقة التوجيه والإرشاد بالعلوم الأخرى.

الحاجة إلى التوجيه والإرشاد النفسي.

يذكر كل من(الخطيب،2009، 51-52، زهران،1977، 32، ملحم،2014، 56، الزعبي،2005، 37، العاسمي، 2012، 28) أن هناك حاجة أكيدة إلى الإرشاد النفسي، فهو لا يعد ترفا للحياة العصرية بل ضرورة من ضروراتها، وواحد من مترتبات الحياة الإنسانية المتجددة على مر العصور، بحيث أصبح يشكل نسقا محوريا من أنظمة الخدمات النفسية المدرسية، وأن مهمة المدارس والجامعات في عصرنا الحالي لا تقتصر على تزويد الطالب بالمعلومات والمعارف العامة المتضمنة في المنهج فحسب (الأساس الاجتماعي فقط)، بقدر ما تعنى بتأهيل المتعلم (الأساس النفسي)، ليصبح أكثر نضجا وتميزا في حياته الدراسية وفي حياته العامة كذلك، وقدرته على حل الصراع واكتساب المهارات الإجتماعية والتعبير الذاتي