3. علاقة البيئة بالعلوم الإنسانية والإجتماعية
يعتبر علم البيئة فرعا من فروع علم الحياة لذا فهو يرتبط إرتباطا وثيقا بعلوم الحياة الأخرى ، فعلم الفيزيولوجيا Physiology ، وظائف الأعضاء" يوفر المعلومات عن تأثير العوامل البيئية على الناحية الوظيفية في الكائنات الحية كما يعطي علم التصنيف Taxonomy، الوسيلة لتشخيص الكائن الحي تحت الدراسة وكذلك المعلومات عن السلالات الجغرافية Molecular Biology في تفسير التغيرات الجينية عندما ترتبط بالظروف البيئية
لا بد لعالم البيئة من الإعتماد على المعلومات المستمرة من العلوم الطبيعية الأخرى كالكيمياء والفيزياء وعلم الفلك وعلم المناخ وعلم الأرض وعلم الجغرافيا والرياضيات والتي توفر جميعا المادة الأساسية لعلم البيئة فالدراسات الفلكية والجغرافيا والمناخية تجعل من النتائج البيئية أكثر دقة وتميزا كما أن العلوم الزراعية وخصوصا علم التربة لها إرتباط وثيق بعلم البيئة إذ أن التربة تعتبر من العوامل المحددة في توزيع النباتات والحيوانات وكذلك إستخدام الإحصاء في معاملة النتائج البيئية والتي تصبح أكثر أهمية في تفسير بعض الظواهر البيئية مثل إزدياد التعداد السكاني والهجرة
ونظرا للأهمية البالغة التي تحتلها البيئة على خريطة إهتمامات وأولويات الإنسان المعاصر فقد صارت محورا لإهتام العديد من العلوم الطبيعية والإنسانية .
حيث نجد أن علم الأحياء Biology يهتم بالبيئة التي يعيش ص23،فيهما الكائن الحي وقبل ان يولد وبعد الولادة ويحدد الشروط البيولوجية اللازمة للبقاء وتكيف الكائن الحي مع عناصر البيئة الطبيعية والإجتماعية .
وفي مجال التربية ربط الباحثون بين سلوك الافراد وبين الظروف البيئية ، التي نشأوا وتربو فيها، وقد ساعد ذلك على نجاحهم وعلى إستواء سلوكهم أو على فشلهم أو إنحرافهم .حسين أحمد وشوان ص 10
ولعل ما يهمنا كتخصص له علاقة مباشرة مع مقياسنا علاقة علم الإجتماع بالبيئة، حيث يهتم علم الإجتماع بالبيئة كمجموعة من العناصر الطبيعية والإجتماعية التي تؤثر على سلوك الإنسان وتفاعله مع الأخرين وتوجه نشاطه الإجتماعي وجهة معينة كما تحدد له في الغالب طبيعة النشاط الإقتصادي كالرعي والصيد والزراعة والتجارة ........إلخ
ومن ناحية أخرى فإن علم الإجتماع يهتم بدراسة النظريات التي تقوم بين الوحدات التي ينقسم إليها المجتمع وتوزيع السكان داخل كل وحدة وتأثير العوامل الجغرافية الفيزيقية على النظم الإجتماعية وبالتالي على البناء الإجتماعي ويلقي علم الإجتماع الضوء على عملية التكيف الإجتماعي
مع البيئة سواءا إكتفى المجتمع بإستغلال ما تقدمه البيئة من ثروة أو سيطرة على تلك البيئة وإكتشف مصادرها ومواردها الدفينة وتحكم فيها وشكلها بطريقته الخاصة حسب احتياجاته التكيفية كما هو الحال في المجتمعات الصناعية، وفي نفس الوقت تهتم الأنتروبولوجيا بالبيئة وتعتبر أن النسق الإيكولوجي ركيزة هامة يرتكز عليها المجتمع المحلي كما أنه يؤلف عنصرا أساسيا من ص24 عناصر البناء الإجتماعي نظرا للعلاقات القوية المتبادلة بين الظواهر البيئية وبين بقية أنساق البناء الاجتماعي فإذا كان عدم سقوط المطر في المناطق الصحراوية يؤثر في النسق الإقتصادي والنسق القانوني والنسق السياسي فإنه في مجتمعات شرق وأواسط إفريقيا لا يمكن تفسيره إلا في ظل النسق الديني حيث يشير إلى عصيان الإنسان وخروجه عن القيم الخلقية وتقليد المجتمع وهكذا يهتم الأنتروبولوجي بالتفاعل القائم بين الإنسان والبيئة ص25 وعلى ظروف الأحياء والمساكن وهي جميعها تدخل فيما يسمى بالبيئة الإجتماعية .ص10 حسين أحمد رشوان
ففي مجال علم الإجتماع تشمل الظروف البيئية المؤثرة في سلوك الأفراد وسلوك الأسر وماهي عليه من غنى وفقر وعلم وثقافة
على أما مجال الطب فيربط بين المشكلات الصحية ومشكلات التنمية فقد أوضحت الدراسات الطبية مدى خطورة البيئة الصناعية على سبيل المثال على صحة الإنسان فتلوث الهواء يسبب أمراض الجهاز الهضمي وتؤدي بعض الظروف السكنية إلى الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي كالسل والمواد السامة تؤدي إلى السرطان أما تلوث الماء بفعل المخلفات الصناعية فيؤدي إلى تركيز مخلفات الكبريت والنحاس والزنك والزئبق والنيكل التي تنتقل للإنسان مسببة أمراض الفشل الكلوي والالتهاب الكبدي والتيفوييد وأمراض أخرى مستعصية
كما نجد أن علم الهندسة يهتم بالبيئة خاصة أقسام التخطيط العمراني التي تقوم بإنشاء المدن الجديدة واختيار البيئات المناسبة للتوسع العمراني كما تقوم بالتخطيط البيئي للمدن المستدامة عبر مد إمدادات المياه والصرف الصحي ى في القرى وإصلاح شبكات المياة وإستدامتها وإصلا ح عيوب شبكات الصرف الصحي.
البيئة وعلم النفس:
بدأ علم النفس البيئي مع ظهور نظريات الجشطالت في الأربعينات من القرن الماضي، حيث إعتقد علماء النفس الجشطالت أن البشر لديهم ميل فطري إلى تنظيم عالمهم الإدراكي في أبسط صورة ممكنة، فالبشر مفطورون على جمع الاشياء وتصنيفها على اساس التشابه من هنا فهم علماء نفس البيئة أن البشر يقومون بدور إيجابي في بناء وصياغة إدراكاتهم للبيئة، كما إعتمد علم نفس البيئة في نشأته على علم النفس الإجتماعي الذي يرى علاقة وثيقة بين السلوك البشري والبيئة الفيزيائية المحيطة به .
إهتم علماء النفس بالطريقة التي تؤثر بها البيئة على السلوك ومن هنا فإن تاريخ علم النفس البيئة هو تاريخ علم النفس ذاته ، ومن المتفق عليه أن نقطة التحول في تاريخ علم النفس البيئي أخذت مجراها مع أفكار ليفيين 1890-1949 الذي طور عددا من المبادئ الرئيسية التي يقوم عليها علم النفس البيئة الأن.
البيئة والإتصال :
فعندما يرتبط الإتصال بقضايا البيئة ينشأ ما يسمى بالإتصال الأخضر ، الإتصال المستدام، الإتصال البيئي ، الإتصال المسؤول والذي يقصد به ذلك الاتصال الموجه نحو المساءل المرتبطة مباشرة بالتنمية المستدامة أو المتعلقة بجانب المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات نحو قضايا البيئة والمجتمع بمختلف جوانبها ، من خلال التثقيف، التوعية، و الإبلاغ عن برامج التنمية المستدامة للأفراد أو الجماعات، كما يشكل هذا النوع من الاتصال مجازات للربط بين الجماعات و التنظيمات ضمن سيرورة اتصالية متلاحقة قوامها الحوار و التداول الاتصالي في الشؤون العامة المرتبطة بقضايا الاستدامة كالبيئة ، إدارة و تسيير الموارد الطبيعية ، والتطوير الصناعي و الاقتصادي
و الاتصال الاستدامي أيضا هو أداة تعمل على توضيح المفاهيم الاستدامية للجمهور المتلقي من خلال إحاطته بالرسائل الإعلامية الاستدامية و توفير كل الحقائق و المعلومات الموضوعية و الممكنة ، بما يسهم في تأصيل تنمية البيئة المستديمة ، وتنوير المستهدفين برأي سديد في الموضوعات و المشكلات البيئية المثارة و المطروحة.
الاتصال الاستدامي يعد " أداة من أدوات التغيير الواعي الموجه نحو بلوغ مجتمع متوازن قادر على التفاعل مع بيئته بشكل ايجابي من خلال تنمية مهارات عامة الناس و تنمية شعورهم بالمسؤولية حيال بيئتهم مما يكون سبباً في تغيير حقيقي في سلوكهم تجاه البيئة من خلال وعي علمي و إرادة حرة لتحقيق انضباط ذاتي للأفراد