3. الحداثــــــة
3.1. مـا بعــد الحداثــة
يرى بعض الباحثين أن مشروع الحداثة قد وصل إلى نهايته و ما علينا إلا الانتقال إلى مرحلة جديدة وفكر جديد وهى مرحلة ما بعد الحداثة.
خلال الثمانينات، تنامى ظهور مبحث سوسيولوجي في بريطانيا، تحت مسمى "علم اجتماع ما بعد الحداثة " , Postmodern Sociology
لدى سكوت لاش وديفيد هارفي
, D.Harvey
وانتوني جيدنز ,A . Giddens
ومايك فيذر ستون ,M.Featherston
وكولان كامبل C. Cambell
وغيرهم ممن حاولوا التخلي عن مفاهيم ونظريات علم اجتماع الحداثة ، وقاموا بتأويل أعمال ماركس، وتكريس الكوني، والإفادة من ثورة المعلوماتية، وبشروا بمجتمع خال من الطبقات والثقافات المهيمنة ، وبنهاية الأيديولوجيات الكبرى،
وهـو ما دعا نيـل سملسر Smelser N
. إلى اعتبار هذا المبحث بداية النهاية لعلم الاجتماع الفسيفسائي المعبر عن خصوصية الدولة الوطنية
. (Lash, S. ; The Sociology of Post Modernism, 1999 , p14)
ويرى سكوت لاش أن ما بعد الحداثة نمطاً فكرياً يمكن النظر إليه من خلال التركيز على ثلاث قضايا مترابطة ومتكاملة وهى :
• التغير الثقافي: حيث أكد إنه إذا كانت الحداثة تنظر إلى التمايز الثقافي أو الاختلاف بين الثقافات فإن ما بعد الحداثة تتناول بالتحليل عملية تعميق لتلك الاختلافات.
• النمط الثقافي: حيث يرى أن من خصائص ما بعد الحداثة خلق نظام جديد من الرموز الثقافية المتصلة بالجانب الفكري أكثر من اتصالها بالجانب الحسي.
• التدرج الاجتماعي: حيث يرى أن ما بعد الحداثة تؤسس انحطاطا واضحا ومفاجئا للطبقات وكسر لها ولحواجزها.( Scott. Lash ; sociology of post modernism , 1990; p1)
وبناء على ما سبق يمكن القول بان تيار ما بعد الحداثة يستند إلى مجموعة من المبادئ التي ينطلق منها في معالجته لمختلف القضايا وهى على النحو التالي :
- العدمية : وتعنى انعدام قيمة القيم في ظل الحداثة ومنجزاتها ونقد الذات وإنكار الحقيقة والموضوعية والتاريخ , ويمثل هذا المبدأ المنطق الداخلي لتيار ما بعد الحداثة.
- التعامل مع مختلف القضايا من خلال اللغة , حيث تتركز تحليلات ما بعد الحداثة على الخطاب وهذا يعني أن تحليل النصوص أو تفكيكها قد أصبح يحظى بالمكانة الأولى في الجهد النظري لمفكري ما بعد الحداثة. .( يوسف سلامة ، نقد ما بعد الحداثة ، الحضارة بين الحوار والصراع في عصر ما بعد الحداثة ، 2000 ، ص18). ومن ثم يمكن القول بأن اتخاذ الخطاب كوحدة للتحليل قد يظهر معه انصراف مفكري ما بعد الحداثة عن تحليل الواقع أو المضامين الملموسة للحقائق , وذلك نظرا لأن الخطاب قد لا يعطي صورة حقيقية عن الواقع.
- سعت حركة ما بعد الحداثة إلى تحطيم الأنساق الفكرية الكبرى المغلقة والتي عادة ما تأخذ شكل الايديولوجيات , على أساس زعمها تقديم تفسير كلي للظواهر، كما أنها انطلقت من حتمية وهمية لا أساس لها. محمد سبيلا ، الحداثة وما بعد الحداثة ، 2007 م ، ص120.
- ترفض حركة ما بعد الحداثة كل عمليات التمثيل سواء أخذت شكل الإنابة بمعنى أن شخصا يمثل الآخرين أو التشابه وذلك حين يزعم المصور أنه يحاكي في لوحته ما يراه في الواقع. (محمد سبيلا ، الحداثة وما بعد الحداثة ، 2007 م ، ص123.
يقول "كروك" ورفاقه إن تكثيف بعض العمليات ضمن أعمال الحداثة قاد الى ما بعد الحداثة. فالتميز والعقلانية والتشيؤ جرى استبدالها بالتميز الواسع والعقلانية والتشيؤ الواسعين. وعلى الرغم من أن كل واحدة من هذه العمليات تنشأ من الحداثة وتكثف من عمليات الحداثة إلا أنها أثرت في تحويل بعض ميول الحداثة .
وهذا قاد الى نوع جديد من الثقافة أطلق عليه (كروك) ما بعد الثقافة. (هارلمبس وهولبورن ، سوسيولوجيا الثقافة والهوية ، 2010 ، ص88). إذن الفكرة الأساسية وراء المفهوم تقوم على الاعتقاد بأن أساليب العالم الغربي في الرؤية والمعرفة والتعبير تغيّرت جذريا نتيجة التقدم الهائل في وسائل الإعلام والاتصال وتطور نظم المعلومات في العالم ككل ،مما ترتب عليه حدوث تغيرات في اقتصاديات العالم الغربي التي تعتمد على التصنيع، وازدياد الميل إلى الانصراف عن هذا النمط من الحياة الاقتصادية، وظهور مجتمع وثقافة من نوع جديد، والمجتمع الجزائري ليس بمنأى عما يحدث في العالم ، ومن المؤكد أن هذه التغيرات تغلغلت شيئا فشيئا إلى مجتمعنا ،بداية من الفئات التي تملك المقومات التي نمت فيها هذه التغيرات ،والتي نصطلح على تسميتها أحيانا بالنخبة رغم تعدد توجهاتها وإيديولوجياتها ،وستجد هذه الأفكار طريقها فيما بعد إلى بقية فئات المجتمع ، وإذا أردنا أن تكون هذه التغيرات أو هذه المرحلة في صالحنا، ينبغي أن نبنيها بمقوماتنا الخاصة وعلى أسس صحيحة حتى لا نبقى مستهلكين لوصفات لا تتلاءم مع واقعنا وهويتنا، وانطلاقا من القاعدة القانونية التي تقول بأن ما بني على باطل فهو باطل والتي لها تطبيقاتها في شتى المجالات نؤكد على أن تأدية الواجب هي أساس التمتع بالحقوق ، وأي تهاون في تأدية الواجبات سينتج عنه حتما ضياعا لكثير من الحقوق وبالتالي أنواع من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية...التي تستنزف الوقت والطاقات لمعالجتها.
إن ما بعد الحداثة تمثل حركة فكرية تقوم على نقد ، بل ورفض الأسس التي ترتكز عليها الحضارة الغربية الحديثة، كما ترفض المسلمات التي تقوم عليها هذه الحضارة، لأن مفهوم الهوية يعتمد على ذوبان الفرد في المجموع.