نظريات الثقافة
يعتبر موضوع الثقافة من أكثر الموضوعات تعقيدا وتشابكا وتنوعا، لذا نجد طرق دراساته ومناهجها مختلفة ومتنوعة و النتائج التي خلصت إليها الدراسات كذلك متنوعة ومتعددة لهذا نجد أن النظريات التي تطرقت إلى هذا الموضوع عديدة وكثيرة وربما لا يمكن حصرها بشكل جيد نظرا لتعدد المداخل النظرية وخضوعها في أغلب الأحيان لرؤى وتصورات إيديولوجية وهكذا يصبح موضوع الثقافة كغيره من المواضيع الإنسانية تتقاذفه الأيديولوجيات و المذاهب الفكرية المختلفة، إلا أن هذا لا يعني الاستسلام لهذا الأمر واعتباره قدرا محتوما. فرغم الخصائص السابقة التي ذكرناها لهذه النظريات إلا إنها لا تخلو من جوانب موضوعية لبعض جوانب الموضوع في تصوراتها وفي ما وصلت إليه من حقائق حول موضوع الثقافة. ولهذا سنحاول أن نتعرض ما وسعنا الجهد لأهم النظريات التي تناولت موضوع الثقافة ولجهود بعض العلماء الكبار، وسوف نتناول بعض النظريات الكلاسيكية الكبرى مثل النظرية التطورية والنظرية الانتشارية والنظرية الوظيفية ثم نتعرض لبعض النظريات المحدثة والتي هي في الحقيقة تطوير للنظريات السابقة مثل النظرية التطورية المحدثة ونظرية الانتخاب الثقافي، والقابلية الاجتماعية والثقافية للنمو والنظرية الإيكولوجية. وهي كلها نظريات حاولت معالجة موضوع الثقافة من وجهات نظر مختلفة و بتناولنا لها كلها ربما يتضح لنا الموضوع أكثر ونستوعب كل جوانبه على الأقل الظاهرة منها .
8. نظرية القابلية الاجتماعية والثقافية للنماء
تعتبر هذه النظرية من النظريات الحديثة والتي تحاول أن تختصر جهود كل المنظرين ووضع نظرية واحدة تجمع بين ما توصل إليه الباحثون الأوائل من أفكار وأراء وتحاول صياغتها من رؤية جديدة تتجاوز الخلافات السابقة، ومن أبرز الباحثين الذين نادوا بها نجد ميشال طومسون، وريتشارد إليس ، وأرون ويلدافسكي، فحسب مفهومهم للثقافة ينظرون إليها على أنها تمثل ثلاث مفاهيم أساسية هي: ( ميشال تومسون وآخرون ، نظرية الثقافة، ص 40)
- التحيزات الثقافية.
- العلاقات الاجتماعية.
- أنماط وأساليب الحياة.
فالتحيزات الثقافية تشمل القيم والمعتقدات المشتركة بين الناس ، والعلاقات الاجتماعية تشمل العلاقات الشخصية التي تربط الناس بعضهم بعضا ، أما نمط الحياة فهو الناتج الكلي المركب من التحيزات الثقافية والعلاقات الاجتماعية. ونظرية القابلية الاجتماعية والثقافية للنماء تفسر لنا هذه الأنماط ليس من ناحية نشأتها وإنما من ناحية بنائها واستمرارها ونموها وتغيرها وكيف تحافظ أنماط الحياة في مجتمع ما على بقائها واستمرارها بينما تفشل أنماط أخرى في ذلك.
وفي هذا الإطار تحلل النظرية العلاقة الارتباطية بين قابلية نمط حياة للنمو وبين التوافق والانسجام بين العلاقات الاجتماعية والتحيزات الثقافية على أن ذلك لا يعني أن نمط الحياة، نمط واحد بل تعدد هذه الأنماط وتتنوعها الأمر الذي دفع ببعض العلماء والباحثين إلى تصنيف هذه الأنماط ، وقد اهتم أصحاب هذه النظرية بتقديم تصنيف جديد لأنماط الحياة وطبقوا عليه نظريتهم وقد وضعوا خمسة أنماط حياة يعتقدون أنها سائدة في المجتمعات الإنسانية هي الأنماط التدرجية والمساواتية والقدرية والفردية، والاستقلالية أو الانعزالية هذه الأنماط إذا كان بينها تنافس فإنها كذلك بينها اعتماد متبادل. وهذه الأنماط الخمسة تشكل في الحقيقة تفضيلات ثقافية وهي مرتبطة بنمط من العلاقات الاجتماعية وفي تفاعل هذين العاملين ينتج لنا أنماط وأساليب من السلوك والحياة تعبر عن هذه التفضيلات وتعكسها العلاقات الاجتماعية السائدة.