نظريات الثقافة
يعتبر موضوع الثقافة من أكثر الموضوعات تعقيدا وتشابكا وتنوعا، لذا نجد طرق دراساته ومناهجها مختلفة ومتنوعة و النتائج التي خلصت إليها الدراسات كذلك متنوعة ومتعددة لهذا نجد أن النظريات التي تطرقت إلى هذا الموضوع عديدة وكثيرة وربما لا يمكن حصرها بشكل جيد نظرا لتعدد المداخل النظرية وخضوعها في أغلب الأحيان لرؤى وتصورات إيديولوجية وهكذا يصبح موضوع الثقافة كغيره من المواضيع الإنسانية تتقاذفه الأيديولوجيات و المذاهب الفكرية المختلفة، إلا أن هذا لا يعني الاستسلام لهذا الأمر واعتباره قدرا محتوما. فرغم الخصائص السابقة التي ذكرناها لهذه النظريات إلا إنها لا تخلو من جوانب موضوعية لبعض جوانب الموضوع في تصوراتها وفي ما وصلت إليه من حقائق حول موضوع الثقافة. ولهذا سنحاول أن نتعرض ما وسعنا الجهد لأهم النظريات التي تناولت موضوع الثقافة ولجهود بعض العلماء الكبار، وسوف نتناول بعض النظريات الكلاسيكية الكبرى مثل النظرية التطورية والنظرية الانتشارية والنظرية الوظيفية ثم نتعرض لبعض النظريات المحدثة والتي هي في الحقيقة تطوير للنظريات السابقة مثل النظرية التطورية المحدثة ونظرية الانتخاب الثقافي، والقابلية الاجتماعية والثقافية للنمو والنظرية الإيكولوجية. وهي كلها نظريات حاولت معالجة موضوع الثقافة من وجهات نظر مختلفة و بتناولنا لها كلها ربما يتضح لنا الموضوع أكثر ونستوعب كل جوانبه على الأقل الظاهرة منها .
4. النظرية الماركسية
تعتبر النظرية الماركسية من النظريات التطورية فهي تنظر إلى نمط الحياة أو الثقافة أنها تتطور من مرحلة إلى أخرى وتنتقل من جراء التناقضات التي تحصل في النظام الاجتماعي والثقافي في المرحلة السابقة وأن هذا التحول والتغير يطرأ بفعل تأثير قوى الإنتاج أو العامل المادي الاقتصادي.
تؤكد هذه النظرية أن الثقافة في أي مجتمع وخاصة الجانب المعنوي منها والذي يتشكل من العرف والقانون والدين والإيديولوجية...الخ. ما هو في الحقيقة إلا انعكاس للواقع الاقتصادي ولنمط الانتاج السائد في المجتمع ونجد من بين الأمثلة الموجودة في هذا الإطار المقولة السائدة لدى الماركسيين عموما وهي أن المطحنة الهوائية تدل على المجتمع الإقطاعي في حين تدل العربات البخارية على المجتمع البورجوازي ( ميشال تومسون وآخرون ، نظرية الثقافة، ص 251.) أي أن قوى الإنتاج المتمثلة في أدوات الإنتاج والعمل وعلاقات السيطرة الاقتصادية أي المالكين لوسائل الإنتاج، هي التي تحدد البنية الاقتصادية للمجتمع التي بدورها تحدد البناء الفوقي للمجتمع والذي يعتبر هو الثقافة ،فهذه النظرية في حقيقة الأمر تختلف عن بقية النظريات الثقافية الأخرى في تفسيرها للتطور الثقافي أو حتى لأصل الثقافة إلا أنها لا تختلف عنها في تحديد وظيفة الثقافة في المجتمع فهي تعمل على استقرار المجتمع وسيادة أنظمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وهي بطبيعة الحال وفق المنظور الماركسي الثوري تلعب دورا سلبيا في عملية التطور، وتبشر هذه النظرية بنمط حياة جديد وهو النمط الشيوعي الذي تنتفي فيه الفوارق الطبقية وتسود فيه العدالة الاجتماعية وتزول فيه الدولة والأسرة ، لأن الدولة والأسرة وفق المنطق الماركسي ما هي إلا أنظمة للمحافظة على مصالح الطبقة المالكة لوسائل القوة والسيطرة وهي مؤسسات أنشئت بغرض تدجين الإنسان حتى لا يعترض على سيطرة الطبقة المالكة لمصادر القوة والنفوذ في المجتمع.