Résumé de section
-
المقياس: المقاربات النظرية لدراسات الجمهور
مقدم المقياس: الدكتور سعيداني ناصر
الفئة المستهدفة: ماستر سنة أولى
الاتصال الجماهيري والوسائط الجديدة
-
نتناول في هذه المحاضرة عمليات التأثير والإقناع، والتعريف بطبيعة العملية الإقناعية التي تتم بشكل مركب، معتمدة على التاثيرات التراكمية وليس مجرد الاتصال أو إصدار القوانين وسنها. كما نتعرض للتعديلات السلوكية التي تنتج عن الاتصال الإقناعي.
طبيعة العملية الإقناعية:
من المؤكد ان الإقناع ليس عملية قهر أو إجبار مباشر، حيث لا يحدث الإقناع بمجرد إصدار القوانين، وإنما يتم من خلال عدة جهود متتالية تستهدف استمالة العقل والعاطفة او أحدهما لدى الفرد المستهدف بطريقة غير مباشرة -في أغلب الحيان- وهذا يعني أن الإقناع ليس فعلا ميكانيكيا، حيث إنه يتطلب التخطيط المسبق والوقت والجهد للتغلب على كافة العوائق التي تقف في سبيل تحقيق أهداف العملية الإقناعية.
وتعتمد العملية الإقناعية على التعامل الرمزي. حيث يتم إقناع الفراد عن طريق معاني رمزية، وهذا يثير تساؤلا رئيسيا مفاده:
أي نوع من الاستراتيجيات الرمزية هو المسؤول عن تحديد طبيعة العملية الإقناعية؟
أجاب مجموعة من الباحثين عن هذا التساؤلمنذ السنوات الأولى من القرن العشرين، حيث اكتشف أن هناك ضرورة للتفرقة بين معنيين: الأول Persuading، والثاني Convincing. فحينما نستخدم كلمة Persuading فهذا يعني أن الإقناع يعتمد أساساعلى استراتيجيات رمزيةتثير العاطفة لدى الفرد المستهدف، على حين تشير كلمة Convincing إلى استعمال استراتيجيات رمزية تستميل العقل والمنطق لدى المستهدفين المرتقبين.
إذا، هناك هناك نوع من الإقناع يعمل على استمالة العاطفة في حين ان هناك نوعا آخر من الإقناع يستمد قوته من الاعتماد على استمالة العقل، هذا بالإضافة إلى نوع ثالث يعتمد على الدمج والجمع بين الاستمالات العاطفيةوالمنطقية معا، حيث من الناحية العملية نادرا ما يتم إقناع الأفراد المستهدفين عن طريق العاطفة فقط أو عن طريق المنطق وحده في كثير من الأمور.
بينما قسم العديد من الباحثين الاستمالات الإقناعية إلى: استمالات عاطفية، استمالات التخويف واستمالات عقلية.
ومن الأمور المهمة في العملية الإقناعية التي تعتمد على التعامل الرمزي أن يكون كل من المرسل والمستقبل على موجة واحدة.
حيث يقوم المصدر بوضع الرسالة في رمز (كود)، أي أنه يضع المعلومات والمشاعر (سواء كانت الاستمالات منطقية أو عاطفية، أواستمالات التخويف)، في شكل يمكن نقله، حيث لا يمكن نقل الصورة التي في ذهننا إلا إذا وضعناها في كود أو رمز منطوق، مرئي مسموع، مقروء مطبوع، بما يسمح بنقل ذلك الفكر للآخرين بسهولة وفاعلية. ولكي تكتمل عملية الاتصال بنجاح (الاتصال المؤثر) يجب أن يتم فك رموز الرسالة بمنطق القائم بالاتصال نفسه. وإذا لم يتم تفسير أو فك رموز الرسالة بشكل يتفق مع وضعها في رموز بحيث تؤدى الاستجابة المطلوبة، في هذه الحالة لا يعمل النظام بكفاءة، وبالتالي لا يحقق الاتصال الهدف المرجو منه. ولذلك تظهر ضرورة وحتمية وفاعلية أن يكون كل من المرسل والمتلقيعلى موجة واحدة، أثناء وعلى مدى العملية الإقناعية.
-
يكون الهدف المقصود في العملية الإقناعية مفترضا في القائم بالاتصال، سواء كان هذا الهدف ظاهرا بصورة واضحة ومباشرة أو بصورة ضمنية، وقد حدد Bettinghaus سنة 1973م الإقناع على أنه محاولة مقصودة من جانب المرسل لتغيير معتقدات أو اتجاهات أو سلوكيات المستقبل من خلال نقل بعض الرسائل، وهنا يلاحظ استخدام تعبير بعض الرسائل، حيث يشير هذا التعبير إلى أهمية التكرار والكثافة والتنوع في العملية الإقناعية. ويشير هذا التعريف إلى أن الإقناع يشتمل على هدف مقصود من جانب القائم بالاتصال ليؤثر على مستقبل الرسالة الإقناعية، ولكن ليس المفترض أن يكون القائم بالاتصال بمفرده نشطا بقصد في العملية الإقناعية، بل إنه من الضروري أن يكون الجمهور المستهدف نشطا بقصد.
وفي الماضي كان هناك اتجاه يميل إلى تحليل الاتصال ليس على أساس أنه عملية، ولكن على أساس تأثير وسائل الإعلام المباشر، مشبهين ذلك بالحقنة التي تؤخذ تحت الجلد فتكون سريعة المفعول مضمونة الأثر. والملاحظ أن كثيرا من المناقشات الأولى عن تأثير وسائل الإعلام كانت تدخل تحت هذا الوصف، حيث ساد الاعتقاد حتى السنوات الأولى من القرن العشرين أن الرسالة التي تظهر في وسائل الإعلام تحدث تأثيرا مباشرابمجرد أن تصل للجمهور.
التعديلات السلوكية التي تنتج عن الاتصال الإقناعي:
تشير بعض التعريفات إلى أن العملية الإقناعية يمكن تطبيقها على موقف يتم من خلاله تعديل السلوك عن طريق المعاملات الرمزية(رسائل)، التي تكون أحيانا مرتبطة بنوع من الإجبار غير المباشرلاستمالة العقل والعاطفة والخوف لدى الفرد المستهدف.
وتشير تعريفات أخرى إلى أن إقناع الأفراد يعادل التحول في السلوك، بمعنى أن الأفراد يتم إقناعهم عندما يتخلون عن نوعية من السلوكيات ويتبنون نوعية أخرى.
وإذا حللنا هذه التعريفات نجد أنه ينقصنا تحديد أنواع التعديلات السلوكية التي تنتج عن الاتصال الإقناعي، والتي تتمثل في ثلاثة أنواع من النتائج السلوكية تنتج عن العملية الإقناعيةعلى النحو التالي:
1-الإقناع وعملية تكوين الاستجابات:
لا يملك الأفراد نماذج واضحة من الاستجابات لمنبهات معينة في البيئة، وهنا يأخذ الإقناع شكل تكوين نماذج لاستجابات معينة لهذه المنبهات. وهنا يظهر التعامل مع أشخاص لديهم خبرة تعليمية سابقة محدودة أو مع مواقف يظهر فيها منبهات جديدة في البيئة. ولتوضيح ذلك نأخذ الأطفال كمثال: فمما لا شك فيه أن الأطفال في بداية حياتهم يكون عندهم نقص في الاستجابات للتعامل مع الموضوعات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية.
إن الكثير الذي نرجعه للتنشئة الاجتماعية يتكون من إقناعنا للطفل بأن يستجيب -وبطريقة معينة دائما- للمنبهات التي يتعرض لها، هنا نجد أن الوالدين والمدرسين والآخرين من المحيطين به يؤثرون على الطفل في تكوينه وتشكيله واختياره للاستجابات التي يقوم بها. ولكن الذي يجب أن نؤكده هو أن كل الأمثلة في تكوين الاستجابات ليست بالضرورة أمثلة للإقناع، وهذا التأكيد يدل ضمنا على أن الإقناع يمكن أن يكون نوعا من الشيء الذي نطلق عليه التعلم Learning، حيث إنه -على سبيل المثال- لا نستطيع أن نقول إننا أقنعنا الطفل بأن يربط رباط حذائه بطريقة صحيحة، وهنا يمكن القول إن الطفل تعلم أن يربط رباط حذائه بطريقة صحيحة، ولكن إذا رفض الطفل محاولة السلوك الذي يجعله يربط حذاءه أو أهمل التقاط ملابسه أو لعبه.. هنا من المحتمل أن يتعرض الطفل لعديد من الرسائل من جانب المحيطين به، هذه الرسائل تهدف تشكيل سلوك معين (ربط الحذاء، التقاط الملابس، ترتيب اللعب)، وإذا نجحت هذه الرسائل في إحداث التأثير المرغوب، هنا يمكن للقائم بالاتصال أن يقول إنه أقنع الطفل في أن يصبح معتمدا على ذاته، وإذا لم ينجح في إحداث التأثير المرغوب .. هنا يدرك أنه فشل في مهمته الإقناعية، وعليه أن يبتكر وأن يلجأ إلى استراتيجية أخرى للتعامل مع المشكلة والموقف.
ويعتبر تشكيل الاستجابات وتكوينها مظهرا من المظاهر السلوكية للإقناع، حيث صنف المنظرون هذه العملية على أنها عملية تكوين اتجاهات. وعلى أية حال يلاحظ أن الرسائفل التي تهدف إلى تشكيل وتكوين الاستجابات يكون منتظرا أو مقدرا لها النجاح أكثر من الرسائل التي تهدف إلى تغيير نماذج سلوكية موجودة بالفعل.
2- الإقناع وعملية تدعيم الاستجابات:
هناك نوع من الاتصال القناعي يكون هدفه تدعيم الاستجابات التي تم إقناع الجمهور بها ليجعلهم أكثر مقاومة للتغيير، ويبدو أن وظيفة الإقناع الخاصة بتدعيم الاستجابات بسيطة ولا تتطلب اهتماما كبيرا مثلما يحدث في تغيير الاتجاهات مثلا.
وفي حالة تدعيم الاستجابات قد لا يكون لمصداقية المصدر أهمية أو تأثيرا، وهذا بخلاف الحالات التي يركز فيها المصدر على تكوين استجابات أو تغيير سلوكيات.
3- الإقناع وعملية تغيير الاستجابات:
إن الإقناع يتم التفكير فيه على أنه عملية تغيير في الاستجابات، مثلا المدخنين، يتم إقناعهم ليصبحو غير مدخنين، ونجد أن أغلب التعريفات التي حددت معنى الإقناع هو عملية تغيير في الاستجابات، وهناك مصطلحات تشير إلى صفات وأفعال معينة تم استعمالها في هذا الصدد، مثل: يعدل، يؤثر، وعلى الرغم من استخدام هذه النوعية من الكلمات ذات المعاني الخاصة .. فإن النصيب الأكبرفي المراجع قد تم تكريسه لتحليل الإقناع كعملية لتغير الاستجابات.
-
وهي السمات أو الخصائص التي يشترك فيها جميع أفراد المجتمع -بوصفهم افرادا منفصلين- مع اختلاف مستويات المشاركة، فيتكون منها فئات متعددة تصف التركيب السكاني لهذا المجتمع، مثل السن، النوع او الجنس، التعليم، المهنة، الدخل، الحالة الزةواجية...إلى آخره.
ومهما اختلفت المسميات أو المصطلحات العلمية لهذه السمات،مثل السمات او الخصائص السكانية او الديموغرافية، أو الشخصية، أو الأولية، فإنها تشير إلى معنى واحد يرتبط بالاتجاه الفردي في السلوك بتأثير الانتماء إلى الفئات المتعددة لهذه السمات، والتي يمكن معرفتها من الفرد نفسه، أو من الوثائق دون حاجة إلى اختبارات منهجية لمعرفتها والكشف عنها.
وتشارك هذه السمات مع غيرها من السمات الاجتماعية والفردية، في تشكيل خبرات الفرد وموقعه في سياق حياته، وتؤثر في كل من الشخصية ونماذج السلوك.
وعلى الرغم من تعدد هذه السمات التي يستخدمحا الخبراء والباحثون في وصف التركيب السكاني، وبالتالي دراسات الجمهور والأفراد، فإن هناك نمطين رئيسيين لتصنيف هذه السمات:
- السمات التي لا دخل للفرد في اكتسابها: وتنسب للفرد بميلاده، وتتميز بعدم قابليتها للتغير مثل السن الذي ينسب لتاريخ الميلاد، النوع او الجنس، والعرق، ومكان الميلاد.
- السمات المكتسبة والقابلة للتغير: مثل اللغة، الدين، الإقامة، الوظيفة، التعليم، الدخل، الحالة الزواجية.
وقد شهدت المرحلة المبكرة في بحوث الإعلام اهتماما بهذه السمات العامة وفئاتها، في علاقتها بأنماط السلوك مع وسائل الإعلام ومفرداتها ومحتواها.
ومن خلال البحوث المتعددةتم الحصول على، ومعرفة الكثير من البيانات والمعلومات عن السمات العامة لجماهير وسائل الإعلام مثل البيانات الخاصة بفئات النوع، وتركيبات العمار، وتوزيع المستويات التعليمية، ومستويات الدخل وفئات الوظائف أو المهن، وأصبح لهذه الإحصاءات الوصفية دلالات اجتماعية منذ أن لاحظ روبرت ميرتون في عام 1949م أن بعض الفئات مثل النوع، السن، التعليم والدخل، يتفق أن تكون متماثلة في بعض المراكز القيادية في البناء الاجتماعي، وأصبح لها أيضا دلالات في النموذج الإعلامي، نتيجة لتفسير التباين في استخدام وسائل الإعلام في إطار العلاقة بهذه السمات كلها أو بعضها مثل العمر، والنوع، والتعليم، والحالة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها مما يؤثر في اختيار الأفراد لهذه الوسائل.
ولهذا أصبحت دراسة هذه السمات، اتجاها في بحوث الإعلام، يهدف إلى تحليل تركيب جمهور المتلقين لمعرفة انواع الجمهور الذي يميل إلى وسيلة معينة، في اوقات مختلفة، ونوع المحتوى خلال ساعات البث والإرسال والتي تعرف بنماذج الاهتمام.
وهناك عوامل ساهمت في التركيز على هذه السمات نذكر منها:
- حاجة الوسائل الإعلامية : إلى التعرف بدقة على حجم جمهورها ودرجة ولائه لها، ذلك ان الحجم والعدد يعتبر أحد الحقائق الساسية في الإعلام، التي تستهدف الوسيلة الإعلامية الوصول إليها لأسباب مرتبطة بالتمويل، أو التخطيط وتقويم الأعمال.
- الأهداف الإعلانية والتجاريةلكل من المعلنين والوسائل الإعلامية، فالمعلنون يستهدفون الوصول بالرسالة الإعلانية من خلال وسائل الإعلام إلى أكبر عدد ممكن من جمهور المستهلكينالذين يتعرضون لهذه الوسائل، ولذلك نجد المعلن يتخذ قراره باختيار الوسيلة الإعلامية للإعلان بناء على حجم الجمهور المستهدف الذي تصل إليههذه الوسيلة الإعلامية ويتعرض لها.
- الضرورة والحاجة البحثية: وقد انتشر استخدام هذه السمات بفئاتها المتعددة في تصنيف ووصف جمهور الوسائل الإعلامية، سواء من خلال الدراسات التي تقوم بها المراكز أو الوكالات أو المؤسسات المتخصصة في التسويق وبحوث الجمهور، وكذا الدراسات التي يقوم بها الطلبة في مختلف الجامعات ضمن متطلبات التخرج ونيل شهادة أكاديمية -ليسانس، ماستر / ماجيستير، دكتوراه- في تخصص الإعلام والاتصال.
-
السمات الاجتماعية والفردية للجمهور:
لم يعد يكفي في دراسة جمهور وسائل الإعلام، الاهتمام بالسمات العامة والخصائص السكانية فقط، دون دراسة السمات الاجتماعية والفردية لهذا الجمهور، فلا يمكن ان نغفل في دراساتنا الطبيعة الاجتماعية لجمهور المتلقين في الاختيار والتعرض لوسائل الإعلام،ودوافع استخدام هذه الوسائل ومفرداتها. كما لا يمكن ان نغفل السمات الفردية أو خصائص الشخصية أو السمات النفسية للجمهور، بالإضافة إلى ذلك فإننا لا يمكن ان نغفل هذه السمات في علاقتها بالعملية الإعلامية، التي ننظر إليها كعملية اجتماعية تتسم بالحركة والتدفق المضطرد للحياة الإنسانية، فتؤثر في سمات الأفراد وسمات المجتمع وتتأثر بهما في نفس الوقت.
كما أن دراسة المهارات والسمات الشخصية ونمط الحياة لأفراد جمهور المتلقين، بجانب السمات العامة، تعتبر أحد المدخلات الرئيسية أو المتغيرات المستقلة في عملية الاتصال الإقناعي عند تحليلها كمدخل في تخطيط الحملات الإعلامية التي تستهدف الإقناع وتوجيه السلوك.
الاتجاهات الأساسية في دراسة السمات الاجتماعية والفرديةلجمهور وسائل الإعلام:
1- دراسة السمات الاجتماعية والفردية لجمهور المتلقين، بغرض الكشف عنها، واتخاذها معيارا لتصنيف الجمهور، والتعرف على السمات الشائعة لهذا الجمهور، حتى يمكن التخطيط الأمثل لاستخدام عناصر النموذج الإعلامي في تحقيق أهدافه.
2- دراسة السمات الالاجتماعية والفردية في علاقتها بالسلوك الاتصالي، كمدخل لتفسير السلوك، وفي أغراض المتابعة والتقويم للسياسات والحملات الإعلامية.
وفي هذه الحالة دراسة هذه السمات كمتغيرات مستقلة في علاقات فرضية مع أنماط السلوك الاتصالي المختلفة أو التغير فيها، لاختبار هذه العلاقات، وتحقيق الفروض الخاصة بها. ويعتبر اختبار مثل هذه العلاقات وتحقيقها مدخلا علميا سليما لتفسير تأثير وسائل الإعلام في إطار هذه العلاقات.
3- دراسة المتغيرات الخاصة بالسمات الاجتماعية والفرديةفي علاقتها بالمتغيرات الخاصة بالسمات العامة، وأنماط السلوك الاتصالي، للإسهام في بناء إطار نظري متكامل، وقاعدة معرفية لحركة واتجاهات عناصر العملية الإعلامية وعلاقتها مع بعضها، في المجتمعات المختلفة التي تختلف تأثيراتها على السمات العامة والاجتماعية والفردية لأفراد جمهور وسائل الإعلام، مما يثير الحاجة إلى الكشف عن هذه العلاقات أو وصفها وتفسيرها من خلال البحوث والدراسات المنهجية.
الفئات الرئيسية للسمات الاجتماعية والفردية للجمهور:
تعرف الشخصية بالأساليب التي يتفاعل بها الفرد نمطيا مع العالم المحيط به، وهذا التفاعل النمطي هو الذي يحدد السمات الشخصية - الفردية، والسمات في هذا المفهوم هي طريقة التفكير والتفاعل التي تميز أو تكشف عن التوافق، والمراكز عبر الزمن، وهي عرضة للتغير، فالناس تتغير سماتهم خلال دورات حياتهم.
وعلى الرغم من تعدد السمات الاجتماعية والفردية التي تخضع للدراسة في مجال علوم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم النفس، وعلوم الاتصال، فإن أهم السمات الجديرة بالدراسة هي السمات ذات العلاقة بالسلوك الاتصالي مع وسائل الإعلام التي تؤثر في أنماط الاستخدام والرضا والإشباع وحدود تأثير وسائل الإعلام، ونذكر هذه السمات كما يلي:
- العزلة والانتماء الاجتماعي: في حالة غياب الانتماء الاجتماعي بين أفراد الجمهور، يصعب على القائم بالاتصالفي العملية الإعلامية، التوقع بسلوك أو رد فعل أفراد الجمهور المنعزلين، لأن سلوكهم في هذه الحالة -حالة العزلة- يصعب احتواءه في إطار المعايير العامة للمجتمع، والقواعد الإجرائية للسلوك المنظم، حيث يحدد الأفراد المنعزلون اهتمامهم دون الحاجة إلى الأدلة المرتبطة بالتفاعل القائم على التفكير بين الأفراد.
ولكن التفاعل الاجتماعي يساعد على تنميط السلوك الاتصالي في إطار السمات المميزة لجماعات الانتماء، وبالتالي سهولة التخطيط له وتوقع اتجاهاته. وقد أكدت البحوث والدراسات الخاصة بجمهور وسائل الإعلام على العلاقة بين هذه السمات والسلوك الاتصالي، حيث ركزت على الطبيعة الاجتماعية لجمهور المتلقين، وأكدت نتائجهاعلى سبيل المثال أن التلفزيون يشاهد كثيرا بجماعات العائلة التي كثيرا ما يتفاعل أفرادها مع بعضهم بطريقة او بأخرى خلال عرض البرامج.
والأفراد الذين يميلون إلى العزلة والاعتماد على وسائل الإعلام في تحقيق الألفة ةالصحبة، يكون اختيارهم وتعرضهم لوسائل الإعلام، وسلوكهم تجاهها اختيارا لحظيا يرتبط بقرارات وقتية، تغفل المؤثرات الاجتماعية الخارجية، والحاجات أو الدوافع المرتبطة بهذه المؤثرات. وعلى الجانب الآخرفإن الانتماء الاجتماعي يسهم في تطوير السلوك الاتصالي مع وسائل الإعلام ومفرداتها بصورة واضحة، نتيجة التفاعل الذي يميز جماعات الانتماء، ونتيجة التأثير الشخصي الذي يتم من خلال الاتصال المواجهي أو المباشر بين أفراد هذه الجماعات، التي تطبع أفرادها بشكل مميز في إدراكهم، وأحكامهم، ومعتقداتهم، اتجاهاتهم، وآرائهم، ودوافعهم، وسلوكهم، وعاداتهم، حيث تكون عمليات التأثير من خلال الجماعة أكثر قوة على التغييرات الشخصية، عن غيرها من المؤثرات.
جماعات الانتماء: ينتمي الفرد إلى جماعات عديدة سواء بطريقة جبرية أو اختيارية، فهو عضو في الجماعات الديموغرافية أو السكانية جبريا من خلال تصنيفه في إحدى الفئات الخاصة بالسمات السكانية، التي سبق الإشارة إليها مثل السن والنوع والأصول العرقية.. إلى آخره. وينتمي أيضا خلال تاريخ نموه إلى جماعات أخرى بطريقة اختيارية يتآلف معها، مثل الجماعات التعليمية، الجماعات الاجتماعية، الجماعات الوظائفية، التنظيممات السياسية، والنقابية.. حيث يوصف الفرد من خلال مفهوم كل الجماعات التي ينتمي إليها، ويترتب على ذلك وجود العديد من الأفراد يحملون نفس الصفات التي يستهدفها القائم بالاتصال.
وتعتبر جماعة الانتماء هي الجماعة التي يشارك فيها الفرد أعضاءها في الدوافع، والميول والاتجاهات، ويتمثل قيمهم ومعاييرهم في سلوكه الاجتماعي.
- الأطر المرجعية والمعايير الثقافية السائدة: يكتسب الفرد بصفته عضوا في جماعات متعددة -جبريا أو اختياريا - وخلال مراحل النمو في حياته، العديد من المعارف والخبرات والمهارات، نتيجة تفاعله واتصاله مع الآخرين، وهذه المكتسبات تشكل له أحكاما مسبقة، ومقاييس أو قواعد نمطية، ومقاييس أو قواعد نمطية، تصبح إطارا يرجع إليه الفرد في إدراكه واتجاهاته وسلوكه الاجتماعي.
وتعتبر المعايير الاجتماعية والثقافية أيضا من أهم الأسس في بناء هذا الإطار المرجعي، والتي تضم عددا كبيرا من نتائج التواصل الاجتماعيبين الأجيال السابقة والحاضرة، وتواصلها مع غيرهامن الشعوب والثقافات، فتشمل التعاليم الدينية والأخلاقية والقيم، الأعراف، العادات والتقاليد السائدة.. إلى آخره من الأمور التي استقر المجتمع أو الجماعة على قبولها في تحديدما هو مقبول أو مرفوض اجتماعيا، ويرجع إليها الفرد في سلوكه الاجتماعي.
-أنماط الدوافع والحاجات الفردية: وتعتبر من العوامل الأساسية المحركة للاتصال، وتمثل مجموعة الأهداف والرغبات التي يسعى الفرد إلى تحقيقها، لتحقق التكيف مع البيئة الاجتماعية أو الجماعات التي ينتمي إليها، فإذا جاءت الرسالة محققة لأحدها، فإن الفرد -كمتلقي- سوف يستجيب مؤيدا لها. وهذه الأنماط من الدوافع والحاجات ليست واحدة عند كل الأفراد، ولكنها تتغير بتغير المواقع والأدوار والأعمار، وكذلك بتغير المعايير الثقافية والاجتماعية.
وهناك أنماط عديدة من الدوافع والحاجات الفردية، يصنفها الباحثون في خمس فئات رئيسية، تبدأ بالحاجات الأولية وهي الحاجات الفزيولجية، ثم تليها الحاجات الثانوية التي تتمثل في الحاجة إلى الأمن والاستقرار والبناء، ثم الحاجة إلى الانتماء بما في ذلك الاتصال والمشاركة، ويأتي بعد ذلك الحاجة إلى التقدير، ثم الحاجة إلى تحقيق الذات.
-
التأثير متعدد الأبعاد وهو في الأصل ظاهرة بسيكولوجية ترتبط بالحالات النفسية التي يكون عليها الفرد في العملية الاتصالية، وبهذا فهي بالغة التعقيد لصعوبة التنبؤ بسلوك الأشخاص وحالاتهم النفسية أمام المحتويات الاتصالية
ورغم تطور الأبحاث الاجتماعية التي تناولت عملية التأثير، والنتائج التي وصلت إليها، فإنها لم تستطع إزالة المخاوف التي انتابت بعض المختصين ولكنها على الأقل ّأثبتت أن تأثير وسائل الإعلام مرتبط ببعض المتغيرات الخاصة بمستقبل الرسالة وشروط هذا الاستقبال ومضمون الرسالة أيضا
بمعنى آخر أن التأثير هو نتاج شروط عديدة ومستويات كثيرة تتداخل فيما بينها لتحدث الأثر، وعلى كثرة هذه المستويات ، يجب النظر إلى التأثير من أبعاد مختلفة:
أولا: نفسية باعتباره حالة نفسية يكون عليها الفرد عند تلقيه الرسالة الإعلامية
ثانيا: اجتماعية باعتبار التأثير هو نتاج العلاقات الاجتماعية للدوائر التي ينتمي إليها الفرد والتي تلعب دورا مهما في تكوين التأثير الناتج عن تعرض هذا الفرد لمضمون وسائل الإعلام
كما أن هناك أبعاد أخرى تلعب هي أيضا دورا في تحديد هذا التأثير مثل المستوى التعليمي والثقافي، والانتماء الحضاري، والمستوى المعيشي ... وعلى هذا يبقى التأثير من المسائل المعقدة جدا التي تتطلب تداخل عدة مقاربات لفهمها ومحاولة قياسها
نحاول هنا، إيراد مختلف المقاربات، ومدارس الفكر الاجتماعي، التي حاول الدارسون من خلالها تفسير ظاهرة التأثير
:المقاربة الوظيفية
تعتبرفكرة البناء والوظيفة قديمة، إذ نجد لها آثارا في كتابات الفلاسفة القدامى، خاصة عند تناول علاقة الفرد بالمجتمعودوره في توازنه، فالاستقرلر وكيفيةالوصول إليه، وتماسك مكونات النظام وكيفية قيام كل فئة من فئات المجتمع والمشاركين في الهيكل الاجتماعي بإنجاز الأنشطة التي تساهم في تحقيق التناسق الاجتماعي العام، كلها أبعاد تدور حول الوظيفة والبناء
ثم أصبح هذا التوجه أكثر حضورا في الدراسات الاجتماعية في الغرب، حيث بنيت عليه مختلف الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية وأصبح يلعب دورا مهما في تطور مناقشات علم الاجتماع
ولعل أهم مساهمة في إرساء قواعد الاتجاه الوظيفي، ترجع إلى روبرت ميرتون، في دراسة تحت عنوان: "الوظائف الظاهرة والوظائف المستترة" ، ملخصها
المجتمع نظام متكامل، يتكون من أجزاء مترابطة فيما بينها، يفترض أنها تؤدي وظائف لأجل استقرار النظام ككل وبقائه
البناء الاجتماعي الذي يتشكل منه المجتمع، عبارة عن مجموعة أنظمة مترابطة بعضها ببعض ومتكاملة في ارتباطها ومتكافئة في وظائفها، مكونة هيكلا متآلفا لنسيج من الارتباطات الرئيسئة والفرعيةبين هذه الأنظمة وأنساقها وأنماطها ومغطية وظائف المجتمع كافة
مثل هذا المجتمع يميل بشكل طبيعي نحو حالة من التوازن الديناميكي
جميع الأنشطة المتكررةفي المجتمع تساهم بعض الشيء في استقراره، بمعنى: أن كل الأشكال القائمة من النماذج، تلعب دورا في الحفاظ على استقرار النظام
بعض الأنشطة المتماثلة والمتكررة في المجتمع، لا غنى عنها، على الأقل، في استمرار وجوده، أي أن هناك متطلبات أساسية وظيفية تلبي الحاجات الملحة للنظام وبدونها لا يمكن لهذا النظام أن يعيش
كما ألح ميرتون على ضرورة التفريق بين الوظائف الظاهرة والوظائف المستترة وذلك لتفادي الخلط بين الأسباب والوظائف
أما الأولى: فهي النتائج الموضوعية التي تساعد على توازن النسق وتكيفه، وهي مفهومة ومقبولة من طرفالمشاركين في هذا النسق
وأما الثانية: فهي تلك الوظائف المجهولة وغير المقبولة من طرف المشاركين
تكمن مشاركة ميرتون من جهة أخرى، في تحديد مفهوم اللاوظيفية، حيث يرى أن الوظائفهي من بين النتائج الملموسة التي تساهم في التكيف وضبط نسق اجتماعي معين، بينما اللاوظيفية فهي تعرقل التكيف والضبط للنسق، اللاوظيفية هي نشاط موجه سلبيا للوجود وللاستمرار، فانحراف الأحداث يعتبر لا وظيفية لكن الخطابات والمؤسسات الإجرامية وغيرها، والتي تكون في معارضة دائمة لنسق القيم داخل المجتمع لها دور وظيفي، حيث أنه بالرغم من عرقلتها للضبط الاجتماعي، لها دور وظيفي، قد وجدت وظيفة تؤديها في هذا النسق الاجتماعي لأن طبائعها الاجتماعية سمحت لها بتحمل العقوبات والضغوط في المجتمع
جعل التحليل الوظيفي، وبمساهمة عدة مفكرين وباحثين في مختلف المجالات المعرفية وخاصة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، من الوظيفة أحد أهم التوجهات الحديثة في دراسة المجتمع ومكوناته، وملخص التوجهات التي يقترحها هذا التحليل تدور حول
أن المجتمع نسق عال، يتكون من أجزاء متناظرة يعتمد بعضها على بعض
أن هذا الكل المتناسق، ناتج عن تلك الأجزاء، وهذا يعني أن الإنسان لا يستطيع أن يفهم أي جزء منه منفصلا عن الأجزاء الأخرى 'الثقافة، المعتقدات، المؤسسات الرسمية، الأنماط الاجتماعية للتنظيم العائلي، المؤسسات السياسية والاقتصادية، والتنظيم التكنولوجي) بل من خلال الكل الأكبر المتناسق، الذي يشكل هذا الجزء قطعة منه
فهم أي جزء من أجزاء المجتمع ، ينبغي أن لا يتم إلا على ضوء الكل، أي في حالة إنجازه لوظيفته التي تعمل على المحافظة على الكل وعلى توازنه، وهكذا فإن العلاقة بين الأجزاء والكل هي علاقة وظيفية
التداخل بين الأجزاء نفسها هو تداخل وظيفي، حيث أن هذه الأجزاء تقوم بدورها بمساندة بعضها بعضا بشكل تبادلي، وعليه فإن انسجامها هذا، يعمل على المحافظة والبقاء والدفاع عن الكل
تأخذ المدرسة الوظيفية كموضوع لها في مجال الإعلام والاتصال، دراسة العلاقة الممكنة بين الأفراد، الذين يفترض أنهم أحرارا ومستقلونمن جهة، ووسائل الإعلام الجماهيريةكمؤسسة نشر. هذا الاتجاهالذي يميز المدرسة الوظيفية عن باقي المدارس الفكرية الأخرى
بمعنى أن تصور المجتمع على أنه مجموعة أجزاء مترابطة فيما بينها، يجعل وسائل الإعلام الجماهيرية جزء منها تساهم أيضا في الكل، إذ أن "الحاجات" لها علاقة بالاستمرارية والاندماج والتكيف، كذلك هي وظائف وسائل الإعلام
تعد الوظيفة الاتصالية لوسائل الإعلام الجماهيرية من بين الأفعال المتكررة للنسق الاجتماعي الذي تعمل فيه. أما الأنساق الأخرى، فهي تبعية بنائية لوسائل الإعلام، تؤثر ليس على المجتمع فحسب بل أيضا على الكيفية التي يستعمل بها الأفراد وسائل الإعلام، وبالتالي فإن نتائجها تعود على المجتمع بكامله
-
المقاربة النقدية: المقاربة النقدية تحاول تفسير المجتمع ومكوناته، متنوعة ومتقاربة بل ومتناقضة في بعض الأحيان. من هذا تعد المقاربة النقدية رؤية أخرى للمجتمع ومكوناته
قد تختلف إلى حد ما عن الوظيفية من حيث الأسسالمعتمدة والأصول التي انطلقت منها لتقديم تلك الرؤى
المدرسة النقدية هي حوصلة من الأفكار الفلسفية النابعة من كتابات ماركس وإنجلز، التي سادت الأوساط الفكرية إلى زمن قريب، فهي من جهة استمرار لأفكار ماركس حول النظام الدوليالجديد والتبعية الثقافية وملكية وسائل الإعلام..، باستعمال مفاهيم مثال الاختلال الاجتماعي، أشكال الهيمنة، أشكال التنظيم الاجتماعي.. ومن جهة أخرى
امتداد لأفكار جديدة حول التزاوج بين الماركسية وعلم النفس في تفسير الظواهر
بمعنى آخر، أن التحليل النقدييعتمد في تغسير المجتمع الحديث، على نظرية التنظيم الاجتماعي ونظرية الذاتية الإنسانية، الأولى نابعة من الفكر الماركسي الأرثوذكسي، والثانية فهي من أبعاد النظرية الفرويدية الأورثوذكسية، وسوف يتبين فيما بعد كيف امتزجت هذه الخلفيات في تفسير مكانة وأثر وسائل الإعلام في المجتمعات الحديثة
غالبا ما يشير الحديث عن الاتجاه النقدي أو المدرسة النقدية ، إلى مدرسة فرانكفورت وأصولها الفكرية، محل الزعامة في الطرح الماركسي الجديد
فهذه المدرسة تختلف عن سابقتها من حيث الأبعاد الفلسفية التي ترتكز عليها من جهة، ومن حيث تشعبها من جهة أخرى
وملخص هذه المدرسة: "أن كل المجتمعات الحديثة وربما أكثر المجتمع الأمريكي، معرض لأحد أكثر مظاهر السلطوية والتي تتمثل في الفاشية والشمولية، ومظاهر ذلك كثيرة لكنها تتجلى بصفة خاصة في الثقافة الجماهيرية ووسائل الإعلام الجماهيرية
تعود أبعاد المدرسة النقدية والتي نجدها تحت مسميات عديدة أبرزها "مدرسة فرانكفورت" إلى عهد النازية في ألمانيا، وبالتحديد عام 1923م، مع إنشاء معهد الدراسات الاجتماعية التابع لجامعة فرانكفورت، حيث اعتبر أول معهد للدراسات الماركسية في العالم،
كما تشير كذلك إلى حركة فلسفية وفكرية، مشروعها تحليل وفهم المجتمع والثقافة الحديثة في علاقتها بالسلطوي، فهي تجمع لذلك مجموعة من الباحثين المهتمين بنفس الإشكالية ونفس الاستراتيجية
ترتكز المدرسة النقدية على وجوب النظر إلى النسق الاتصالي كوسيلة للرقابة الاجتماعية من منطلق التساؤلات التالية
من الذي يراقب وسائل الإعلام؟
ولفائدة من؟
بهذه الأسئلة ترى النظرية النقدية أنه يجب تحليل النسق الذي يتم فيه الاتصال وليس الاكتفاء بدراسة الكيفية التي يحدث بها هذا الفعل الاتصالي، لأن إهمال تلك الأنساق يعني تغيير طبيعة الاتصال