Résumé de section
-
التأثير متعدد الأبعاد وهو في الأصل ظاهرة بسيكولوجية ترتبط بالحالات النفسية التي يكون عليها الفرد في العملية الاتصالية، وبهذا فهي بالغة التعقيد لصعوبة التنبؤ بسلوك الأشخاص وحالاتهم النفسية أمام المحتويات الاتصالية
ورغم تطور الأبحاث الاجتماعية التي تناولت عملية التأثير، والنتائج التي وصلت إليها، فإنها لم تستطع إزالة المخاوف التي انتابت بعض المختصين ولكنها على الأقل ّأثبتت أن تأثير وسائل الإعلام مرتبط ببعض المتغيرات الخاصة بمستقبل الرسالة وشروط هذا الاستقبال ومضمون الرسالة أيضا
بمعنى آخر أن التأثير هو نتاج شروط عديدة ومستويات كثيرة تتداخل فيما بينها لتحدث الأثر، وعلى كثرة هذه المستويات ، يجب النظر إلى التأثير من أبعاد مختلفة:
أولا: نفسية باعتباره حالة نفسية يكون عليها الفرد عند تلقيه الرسالة الإعلامية
ثانيا: اجتماعية باعتبار التأثير هو نتاج العلاقات الاجتماعية للدوائر التي ينتمي إليها الفرد والتي تلعب دورا مهما في تكوين التأثير الناتج عن تعرض هذا الفرد لمضمون وسائل الإعلام
كما أن هناك أبعاد أخرى تلعب هي أيضا دورا في تحديد هذا التأثير مثل المستوى التعليمي والثقافي، والانتماء الحضاري، والمستوى المعيشي ... وعلى هذا يبقى التأثير من المسائل المعقدة جدا التي تتطلب تداخل عدة مقاربات لفهمها ومحاولة قياسها
نحاول هنا، إيراد مختلف المقاربات، ومدارس الفكر الاجتماعي، التي حاول الدارسون من خلالها تفسير ظاهرة التأثير
:المقاربة الوظيفية
تعتبرفكرة البناء والوظيفة قديمة، إذ نجد لها آثارا في كتابات الفلاسفة القدامى، خاصة عند تناول علاقة الفرد بالمجتمعودوره في توازنه، فالاستقرلر وكيفيةالوصول إليه، وتماسك مكونات النظام وكيفية قيام كل فئة من فئات المجتمع والمشاركين في الهيكل الاجتماعي بإنجاز الأنشطة التي تساهم في تحقيق التناسق الاجتماعي العام، كلها أبعاد تدور حول الوظيفة والبناء
ثم أصبح هذا التوجه أكثر حضورا في الدراسات الاجتماعية في الغرب، حيث بنيت عليه مختلف الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية وأصبح يلعب دورا مهما في تطور مناقشات علم الاجتماع
ولعل أهم مساهمة في إرساء قواعد الاتجاه الوظيفي، ترجع إلى روبرت ميرتون، في دراسة تحت عنوان: "الوظائف الظاهرة والوظائف المستترة" ، ملخصها
المجتمع نظام متكامل، يتكون من أجزاء مترابطة فيما بينها، يفترض أنها تؤدي وظائف لأجل استقرار النظام ككل وبقائه
البناء الاجتماعي الذي يتشكل منه المجتمع، عبارة عن مجموعة أنظمة مترابطة بعضها ببعض ومتكاملة في ارتباطها ومتكافئة في وظائفها، مكونة هيكلا متآلفا لنسيج من الارتباطات الرئيسئة والفرعيةبين هذه الأنظمة وأنساقها وأنماطها ومغطية وظائف المجتمع كافة
مثل هذا المجتمع يميل بشكل طبيعي نحو حالة من التوازن الديناميكي
جميع الأنشطة المتكررةفي المجتمع تساهم بعض الشيء في استقراره، بمعنى: أن كل الأشكال القائمة من النماذج، تلعب دورا في الحفاظ على استقرار النظام
بعض الأنشطة المتماثلة والمتكررة في المجتمع، لا غنى عنها، على الأقل، في استمرار وجوده، أي أن هناك متطلبات أساسية وظيفية تلبي الحاجات الملحة للنظام وبدونها لا يمكن لهذا النظام أن يعيش
كما ألح ميرتون على ضرورة التفريق بين الوظائف الظاهرة والوظائف المستترة وذلك لتفادي الخلط بين الأسباب والوظائف
أما الأولى: فهي النتائج الموضوعية التي تساعد على توازن النسق وتكيفه، وهي مفهومة ومقبولة من طرفالمشاركين في هذا النسق
وأما الثانية: فهي تلك الوظائف المجهولة وغير المقبولة من طرف المشاركين
تكمن مشاركة ميرتون من جهة أخرى، في تحديد مفهوم اللاوظيفية، حيث يرى أن الوظائفهي من بين النتائج الملموسة التي تساهم في التكيف وضبط نسق اجتماعي معين، بينما اللاوظيفية فهي تعرقل التكيف والضبط للنسق، اللاوظيفية هي نشاط موجه سلبيا للوجود وللاستمرار، فانحراف الأحداث يعتبر لا وظيفية لكن الخطابات والمؤسسات الإجرامية وغيرها، والتي تكون في معارضة دائمة لنسق القيم داخل المجتمع لها دور وظيفي، حيث أنه بالرغم من عرقلتها للضبط الاجتماعي، لها دور وظيفي، قد وجدت وظيفة تؤديها في هذا النسق الاجتماعي لأن طبائعها الاجتماعية سمحت لها بتحمل العقوبات والضغوط في المجتمع
جعل التحليل الوظيفي، وبمساهمة عدة مفكرين وباحثين في مختلف المجالات المعرفية وخاصة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، من الوظيفة أحد أهم التوجهات الحديثة في دراسة المجتمع ومكوناته، وملخص التوجهات التي يقترحها هذا التحليل تدور حول
أن المجتمع نسق عال، يتكون من أجزاء متناظرة يعتمد بعضها على بعض
أن هذا الكل المتناسق، ناتج عن تلك الأجزاء، وهذا يعني أن الإنسان لا يستطيع أن يفهم أي جزء منه منفصلا عن الأجزاء الأخرى 'الثقافة، المعتقدات، المؤسسات الرسمية، الأنماط الاجتماعية للتنظيم العائلي، المؤسسات السياسية والاقتصادية، والتنظيم التكنولوجي) بل من خلال الكل الأكبر المتناسق، الذي يشكل هذا الجزء قطعة منه
فهم أي جزء من أجزاء المجتمع ، ينبغي أن لا يتم إلا على ضوء الكل، أي في حالة إنجازه لوظيفته التي تعمل على المحافظة على الكل وعلى توازنه، وهكذا فإن العلاقة بين الأجزاء والكل هي علاقة وظيفية
التداخل بين الأجزاء نفسها هو تداخل وظيفي، حيث أن هذه الأجزاء تقوم بدورها بمساندة بعضها بعضا بشكل تبادلي، وعليه فإن انسجامها هذا، يعمل على المحافظة والبقاء والدفاع عن الكل
تأخذ المدرسة الوظيفية كموضوع لها في مجال الإعلام والاتصال، دراسة العلاقة الممكنة بين الأفراد، الذين يفترض أنهم أحرارا ومستقلونمن جهة، ووسائل الإعلام الجماهيريةكمؤسسة نشر. هذا الاتجاهالذي يميز المدرسة الوظيفية عن باقي المدارس الفكرية الأخرى
بمعنى أن تصور المجتمع على أنه مجموعة أجزاء مترابطة فيما بينها، يجعل وسائل الإعلام الجماهيرية جزء منها تساهم أيضا في الكل، إذ أن "الحاجات" لها علاقة بالاستمرارية والاندماج والتكيف، كذلك هي وظائف وسائل الإعلام
تعد الوظيفة الاتصالية لوسائل الإعلام الجماهيرية من بين الأفعال المتكررة للنسق الاجتماعي الذي تعمل فيه. أما الأنساق الأخرى، فهي تبعية بنائية لوسائل الإعلام، تؤثر ليس على المجتمع فحسب بل أيضا على الكيفية التي يستعمل بها الأفراد وسائل الإعلام، وبالتالي فإن نتائجها تعود على المجتمع بكامله