Section outline
-
المبحث الاول
التراضي
اساس العقد هو التراضي، اي توافق ارادتي طرفي العقد، ولا يكفي وجود التراضي حتى ينشا العقد صحيحا غير مهدد بالإبطال، بل يجب زيادة على ذلك ان يستوفي هذا التراضي شروط صحته "وهي نفسها شروط صحة العقد"، ولهذا ندرس تباعا ركن التراضي من خلال ما يلي: المطلب الأول: وجود التراضي
المطلب الثاني: شروط صحة التراضي
المطلب الأول
وجود التراضي
وجود التراضي يتطلب بداية وجود الإرادة والتعبير عنها، وهذا غير كافي لوجود التراضي إذ لابد من توافق وتطابق هذه الإرادة المعبر عنها مع ارادة اخرى تقابلها. ولهذا ندرس تباعا وجود الإرادة والتعبير عنها ثم توافق الارادتين.
الفرع الأول
وجود الإرادة والتعبير عنها
تنص المادة 59 من القانون المدني" يتم العقد بمجرد ان يتبادل الطرفان التعبير عن ارادتيهما المتطابقتين، دون الاخلال بالنصوص القانونية"
يتضح من خلال هذا النص انه لكي يتوافر ركن التراضي لابد من ان توجد الإرادة لدى طرفي العقد وان يتم التعبير عنها وان تتجه الى احداث اثر قانوني معين، بحيث لا يمكن للصغير والمجنون ابرام العقود لانعدام الإرادة لديهما، كما لا يعتد قانونا بإرادة الهازل ولا بالإرادة غير الجادة كما في مجال المجاملات، كما لا يمكن الاعتداد بالإرادة طالما ظلت كامنة في نفس صاحبها، الا من الوقت الذي يتم فيه التعبير عنها فتظهر للعالم الخارجي فتكون بذلك قادره على الاقتران بإرادة اخرى، وهنا يجب ان يأتي التعبير عن الارادة" الإرادة الظاهرة" مطابقا لما قصدته الارادة الحقيقية" الإرادة الباطنة"
تبعا لما تقدم نبحث تباعا فيما يلي:
أولا: التعبير عن الإرادة
ثانيا: العلاقة بين الإرادة والتعبير عنها- الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة -
أولا: التعبير عن الإرادة
يتم العقد طبقا للمادة 59 من القانون المدني بمجرد أن يتم تبادل التعبير عن ارادتين متطابقتين، ويسمى التعبير عن الإرادة الذي يصدر عن الطرف الأول بالإيجاب، ويسمى التعبير الذي يأتي مطابقا للإيجاب بالقبول حيث بتطابق هذا الإيجاب وهذا القبول ينعقد العقد.
والكلام عن هذا الموضوع يتطلب منا بداية بيان طرق التعبير عن الارادة ثم تحديد الوقت الذي ينتج فيه هذا التعبير أثره القانوني، ثم تحديد أثر الموت وفقدان الأهلية في ذلك.
1- طرق التعبير عن الإرادة: تماشيا مع مبدأ الرضائية في العقود لا يخضع التعبير عن الإرادة لشكل معين ولذا يصح ان يكون صريحا او ضمنيا وهذا ما نصت عليه المادة 60 ق م " التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة او بالإشارة المتداولة عرفا كما يكون باتخاذ موقف لا يدع شكا في دلالته على مقصود صاحبه، ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا ما لم ينص القانون او يتفق الطرفان على أن يكون صريحا".
طبقا لهذا النص التعبير عن الإرادة يمكن ان يكون صريحا كما يمكن ان يكون ضمنيا.
أ- التعبير الصريح: يكون التعبير عن الإرادة صريحا إذا دل بذاته وبطريقة مباشرة عن الإرادة بحسب ما تعارف عليه الناس، حيث يقصد به الاعلان عن الإرادة الى من توجه اليه، ويكون ذلك باللفظ أو بالكتابة او بالإشارة المتداولة عرفا او باتخاذ موقف لا يدع شكا في دلالته على مقصود صاحبه.
التعبير عن الإرادة باللفظ: يكون عن طريق الكلام مباشرةً حال التعاقد بين حاضرين او عن طريق رسول حال التعاقد بين غائبين، وللمتعاقدين الحرية في اختيار الالفاظ التي يعبران من خلالها عن ارادتهما بشرط ان تدل على مقصود صاحبه.
التعبير عن الإرادة بالكتابة: يكون عن طريق افراغ المتعاقد لإرادته في ورقة رسمية او عرفيه بخط اليد او بالألة الكاتبة ترسل مباشرة الى الغير عن طريق النسخ والاعلان، ويكون هذا غالبا حال التعاقد بين شخصين لا يجمعهما مجلس واحد، ولا يشترط التعبير عن الإرادة بالكتابة الا إذا وجد اتفاق سابق او نص في القانون يفرض ذلك كما هو وارد بالمادة 324 مكرر من القانون المدني بالنسبة للعقود الشكلية.
يمكن ان يتم التعبير صراحه عن الإرادة كذلك عن طريق الإشارة المتداولة عرفا، فقد تعارف الناس على ان هز الرأس عموديا يدل على الموافقة والقبول وهزها افقيا يدل على عدم الموافقة، ويتم التعبير عن الإرادة بهذه الوسيلة خاصة بالنسبة للشخص الذي لا يتكلم ولا يستطيع الكتابة، او إذا كان المتعاقد معه لا يسمع.
اضافه الى ما تقدم يمكن ان يأتي التعبير عن الإرادة صريحا عن طريقه اتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على حقيقة مقصود صاحبه، كما في وقوف سيارات الأجرة في الاماكن المعدة لوقوفها، وعرض التاجر للبضائع وعليها الاسعار على واجهات المحل، فهذه المواقف تدل صراحةً دون أدنى شك على ان السائق يعرض السيارة للجمهور للركوب والنقل، والتاجر يعرض البضاعة للبيع، حيث يقوم هذا الموقف مقام اللفظ والكتابة والإشارة المتداولة عرفا.
ب-التعبير الضمني: يكون التعبير عن الإرادة ضمنياً غير صريح إذا كان قاصرا بذاته للدلالة مباشره عن الإرادة، غير ان الظروف التي تم فيها لا تمكن من تفسيره الا باعتباره تعبيرا عن الإرادة.
فالتعبير الضمني إذا هو تعبير غير مباشر عن الإرادة، يتم الكشف عنه من الافعال التي تصدر عن الشخص، مثل تصرف الشخص في شيء عرض عليه ليشتريه، فالتصرف في الشيء يدل على قبول المتصرف ضمنيا شراء الشيء بالثمن المعروض عليه، ومثال ذلك أيضا بقاء المستأجر في العين المؤجر بعد انتهاء عقد الايجار فهذا تعبير ضمني عن رغبته في تجديد عقدي الايجار، كما ان سكوت المؤجر عن ذلك مع علمه بانقضاء مدة الايجار يعتبر كذلك تعبيراً ضمنياً عن قبوله تجديد العقد بالشروط ذاتها.
ويلاحظ ان التعبير الضمني عن الإرادة خلافا للتعبير الصريح غير قاطع في الدلالة على المقصود منه بحيث يجوز اثبات عكسه.
وتطبيقا للمادة 60 ق م يستوي ان يأتي التعبير عن الإرادة صريحاً او ضمنياً حيث لهما نفس القوة، الا ان المشرع في حالات خاصه يشترط ان يفرغ التعبير عن الإرادة في شكل خاص (رسمي او عرفي) كما في العقود الشكلية، وقد يكتفي القانون في حالات اخرى بما دون ذلك ويشترط فقط ان يكون التعبير عن الإرادة صريحا (بالكتابة او غيرها). وبالتالي لا يعتد بالتعبير الضمني عندها. فطبقا للمادة 505ق م مثلا لا يجوز للمستأجر التنازل عن الايجار او ان يؤدي من الباطن ما استأجره الا بعد موافقه صريحه من المؤجر، انظر أيضا المادة 331من القانون المدني.
كما يجوز اتفاق على ان يكون التعبير عن الإرادة صريحا، فلا يكفي عندها التعبير الضمني طبقا لماده 60ق م"... إذا لم ينص القانون او يتفق الطرفين على ان يكون صريحا".
هل يصلح السكوت طريقا للتعبير عن الإرادة؟
إذا كان التعبير الضمني عن الإرادة وضع وموقف ايجابي يستخلص منه حتما ما يدل على إرادة صاحبه، فانه على العكس من ذلك يعتبر السكوت موقف سلبي فهو عدم والعدم لا ينبئ بشيء، فلا يمكن أن يدل لا على قبول ولا على رفض، لأجل ذلك لا يصلح كقاعدة عامه السكوت طريقا للتعبير عن الإرادة تطبيقا للقاعدة الشرعية "لا ينسب لساكت قول".
تطبيقا لذلك إذا أرسل تاجر عينة من بضاعته الى شخص معين مع اخطاره اياه بان عدم رد العينة خلال فترة معينة يعتبر قبولا منه للشراء، فان سكوت هذا الشخص على هذا العرض وعدم الرد لا يعتبر قبولا فلا ينعقد به العقد.
بالنسبة للإيجاب: لا يصلح السكوت مطلقا كطري للتعبير عن الايجاب، لان الايجاب بالتعاقد يستلزم اتخاذ موقف إيجابي، فلا يتصور ان ينتج عن مجرد السكوت.
بالنسبة للقبول: القاعدة ايضا ان السكوت لا يصلح تعبيرا عن الإرادة بالقبول تطبيقا لقاعده لا ينسب لساكت قول، لان القول بغير هذا يؤدي الى ان نفرض على الشخص بان يرفض كل ما يحلو لغيره ان يعرضه عليه والا اعتبر قابلا، ولا شك ان في هذا حرج شديد ومساس بالحرية الشخصية.
غير انه واستثناءً من هذه القاعدة يمكن اعتبار السكوت قبولا لوجود نص في القانون يعتبره كذلك، او إذا لابست هذا السكوت ظروف تدل على انه قبولا تطبيقا للقاعدة" السكوت في معرض الحاجة الى البيان بيان"، وتماشيا مع هذه القاعدة الفرعية يعتبر المشرع السكوت في بعض الحالات قبولا بموجب نص خاص في القانون، ففي البيع بشرط التجربة وطبقا للمادة 355 فقره01 ق م "...إذا انقبضت مده التجربة وسكت المشتري مع تمكنه من تجربة الشيء المبيع اعتبر سكوته هذا قبولا للشراء.
السكوت الملابس: هو السكوت الذي تحيط به ظروف وملابسات تدل وفقا لمقتضيات حسن النية ان من وجه اليه الايجاب ان لم يقبل العرض يجب عليه ان يصرح برفضه، أي ان الموجب لم يكن ينتظر ردا بالقبول ولكن يتوقع وينتظر الرد فقط في حاله الرفض، وتمشيا مع هذا المنطق وتطبيقا لقاعدة السكوت في معرض الحاجة الى البيان بيان اورد المشرع الجزائري من خلال نص المادة 68 ق م ثلاث أمثلة يصلح السكوت فيها تعبيرا عن الإرادة بالقبول وهي واردة على سبيل المثال لا الحصر وهي:
ü إذا كانت طبيعة المعاملة او العرف التجاري او غير ذلك من ظروف تدل على ان الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول، فان عدم رفض الايجاب في وقت مناسب يعتبر قبولا، ومثال ذلك ان يرسل تاجر الى تاجر التجزئة ما يطلبه من بضائع مرفقه ببيان اسعارها الجديدة، حيث يعتبر سكوت تاجر التجزئة عن هذه الاسعار الجديدة قبولا بها.
ü إذا اتصل الايجاب بالتعامل سابق بين المتعاقدين: مثل ان تعتاد شركة على طلب سلعة ما من شركه اخرى بحيث تقوم هذه الأخيرة بإرسال السلعة دون ان تصرح بالقبول، فاذا طلبت الشركة الاولى تزويدها بكمية اخرى (ايجاب)، وسكتت الثانية دون ان ترد بالرفض فان سكوتها هذا يعتبر قبولا للتزويد بالكمية الإضافية.
ü إذا كان الايجاب لمصلحه من وجهها اليه فقط: فسكوت هذا الاخير عن الايجاب يعتبر قبولا به، لأنه يترتب عليه مصلحه مطلقه له، بحيث لا يوجد مبرر يدعو من وجه اليه هذا الايجاب الى رفضه لأجل هذا يفترض قبوله من سكوته، لأنه لو كان له سبب للرفض لرفض فعدم الرفض دليلا على القبول. ويكون هذا في عقود التبرع فسكوت الموهوب له في الهبه يعد قبولا بها وسكوت المستعير عن عرض المعير يعد قبولا بالعارية لان الهبة والعارية يتحمض على الايجاب بهما مصلحة خاصة لمن وجد اليه.
ملاحظة: يلاحظ بشأن الفقر الأخيرة من المادة 68ق م بانه قد سقط منها سهوا كلمه فقط والصحيح اذن"... إذا كان الايجاب لمصلحه من وجهها اليه فقط". وهذا تماشيا مع النص الفرنسي لنفس المادة الذي جاءكما يلي"Lorsqu’elle est seulement dans l’intérêt de son destinataire..» ي وبهذا يتماشى مضمون هذا النص مع موقف المشرع المصري الذي يشترط ان يتمحض الايجاب لمصلحه من وجه اليه، وبالتالي يكون السكوت قبولا في هذا الفرض قاصرا فقط على عقود التبرع دون عقود المعاوضة. لان في هذه الأخيرة يكون الايجاب في مصلحه الموجب ومن وجه اليه معا دون من وجه اليه فقط.
2-الوقت الذي ينتج فيه التعبير عن الإرادة أثره: تنص المادة 61ق م" ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجهه اليه، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك"
طبا لهذا النص يستلزم المشرع في مجال العقد اضافه الى وجود الإرادة والتعبير عنها ضرورة اعلام من توجه اليه بها، حيث يجب ان يصل التعبير عن الإرادة الى علم من وجهه اليه هذا التعبير حتى يكون صالحا لترتيب اثاره، وتماشيا مع ذلك يلزم ان يكون علم الطرف الثاني بالتعبير عن الارادة نتيجةً للتوجيه والتصدير الارادي للتعبير من صاحبه.
فاذا حرر شخص رسالة الى شخص اخر ولم يرسلها وقام شخص اخر بإرسالها دون اذن منه، فان التعبير عن الإرادة هنا لا ينتج اثاره حتى مع علم الغير به. لان العلم هنا لم يكن نتيجة لتوجيه الاختياري للإرادة.
وتطبيقا لنص المادة 61ق م التعبير عن الإرادة ايجابا كان او قبولا يصبح له وجود مادي بمجرد صدوره عن صاحبه واستقلاله عن شخص من صدر عنه، غير أنه لا ينتج اثاره الا من وقت اتصاله بعلم من وجهه اليه، عندها فقط يصبح له وجوداً قانونياً يؤهله لان يكون صالحاً لان يرتب أثره القانوني.
فاذا كان التعبير عن الإرادة إيجابا: فانه قبل وصول الايجاب الى علم من وجهه اليه يكون للإيجاب وجودا ماديا فقط، فلا يترتب عليه أثره القانوني وعليه يستطيع الموجب الرجوع في ايجاده او تعديله وبعد وصول الايجاب الى علم ي من وجهه اليه يدخل مرحله الوجود القانوني فيكون صالحا لترتيب أثره القانوني والمتمثل في صلاحيته لان يقترن به قبول، وبالتالي لا يمكن في هذه الحالة للموجب العدول عن ايجابه او التعديل فيه حيث يصبح الايجاب ملزما له.
وإذا كان التعبير عن الإرادة قبولا: فإنه قبل وصول القبول الى علم الموجب يكون لهذا القبول وجودا ماديا فقط، فلا يترتب عليه أثره القانوني، وعليه يستطيع القابل الرجوع في قبوله او التعديل فيه، وبعد وصوله الى علم الموجب يدخل القبول هنا مرحله الوجود القانوني فيكون صالحا لترتيب أثره القانوني المتمثل في الاقتران بالإيجاب وبالتالي انعقاد العقد، وبالمقابل لا يمكن للقابل الرجوع فيه.
وقد جعل المشرع بموجب المادة 61ق م من وصول التعبير عن الإرادة ايجابا كان او قبولا الى من وجد اليه قرينه على العلم به، الا انها قرينة بسيطة تقبل اثبات العكس، حيث يمكن لمن وجهه اليه التعبير عن الإرادة اثبات عدم علمه به على الرغم من وصوله اليه، كما لو اثبت انه كان غائبا وقت وصول التعبير (رسالة مثلا).
ويلاحظ اخيرا ان اهمية التفرقة بين وجود التعبير عن الإرادة (الوجود المادي) وعلم من وجهه اليه به (الوجود القانوني) تظهر فقط في حالة التعاقد بين غائبين أي بين شخصين لا يجمعهما مجلس عقد واحد.
3-أثر الموت وفقد الأهلية في التعبير عن الإرادة: تنص المادة 62 من القانون المدني "اذا مات من صدر عنه التعبير عن الإرادة او فقد اهليته قبل ان ينتج التعبير اثره، فان ذلك لا يمنع من ترتيب هذا الاثر عند اتصال التعبير بعلم من وجهه اليه هذا التعبير ما لم يتبين العكس من طبيعة التعامل او من التعبير".
التعبير عن الإرادة اذن ايجابا كان او قبولا إذا تحقق وجوده المادي بصدوره عن صاحبه لا يحول دون تحقق وجوده القانون باتصاله بعلم من وجهه اليه. وفاه او فقد اهليه من صدرها عنه التعبير قبل ذلك. والملاحظ في هذا الشأن ان المشرع لم يعالج الا حاله وفاه او فقدان اهلية من صدر عنه التعبير عن الإرادة دون حالة وفاة او فقد اهليه من وجهه الي التعبير عن الارادة.
الفرض الأول: وفاة او فقد اهلية من صدر عنه التعبير عن الارادة
أ-أثر الموت وفقد الأهلية في الاجاب: إذا مات الموجب او فقد اهليته قبل ان يصل ايجابه الى علم من وجهه اليه أي الموجب له فانه وطبقا للمادة 62ق م فان هذا لا يحول دن صلاحيه هذا الايجاب لترتيب اثآره واقترانه بالقبول عند اتصاله بعلم من وجه اليه. كما يمكن للورثة العدول عن هذ ا الايجاب طالما لم يحصل العلم به ممن ن وجه اليه. لكن هل ينعقد العقد إذا حصل قبولا لهذا الايجاب؟
يرى الاستاذ السنهوري انا العقد لا ينعقد لان القبول في هذا الفرض وتماشيا مع نص المادة 91ق م مصري الموافقة للمادة 61ق م جزائري لا ينتج اثاره وينعقد العقد الا إذا علم به الموجب، وهذا غير ممكن لان الموجب توفي او فقد اهليته.
خلافا لذلك يرى الاستاذ سليمان مرقص بانعقاد العقد وحجته في ذلك تتمثل في مدى جدوى القول ببقاء الايجاب وصلاحيته لترتيب اثاره بعد موت الموجب او فقدان اهليته طبقا للمادة 62 ق م إذا كان من غير الممكن ان يقترن به القبول وينعقد العقد، ويرى ان ورثة الموجب او القيم عليه حاله فقد اهليته يحلون محله فقط في تلقي العلم بالقبول ومن هذا الوقت فقط ينعقد العقد، ونحن من جانبنا نميل الى الاخذ بهذا الراي حتى لا يفرغ نص المادة 62 ق م من محتواه والقاعدة تقضي بان لا اجتهاد في مورد النص.
ب- أثر الموت وفقد الأهلية في القبول: إذا مات القابل او فقد اهليته قبل ان يرتب قبوله اثاره اي قبله وصوله الى علم من وجه اليه(الموجب)، فان هذا لا يحول دون صلاحيه هذا القبول لترتيب أثره المتمثل في انعقاد العقد عند اتصاله بعلم الموجب، ولورثة القابل قبل حدوث العلم حق العدول عن القبول او التعديل فيه كما كان لسلفهم ذلك.
الفرض الثاني: موت او فقد اهليه من وجهه اليه التعبير عن الإرادة.
هذه الحالة لم يعالجها المشرع الجزائر ي بنص المادة 62ق م ج
أ-موت او فقد اهليه من وجه اليه القبول: إذا كان الذي توفي او فقد اهليته هو الموجب قبل ان يعلم بالقبول فانه وبالقياس على الحالة الاولى من الفرض الأول أي حالة وفاة الموجب فان هذا لا يحول دون ترتيب القبول لأثره المتمثل في انعقاد العقد، حيث ينوب الورثة او القيم على الموجب في تلقي العلم بالقبول وبالتالي ينعقد العقد من وقت حصول هذا العلم. (صدور الايجاب عن الموجب ثم وجه الى الموجب له فقبل به وأعلن القابل قبوله ووجهه الى الموجب وقبل علم الموجب به توفي او فقد اهليته).
ب-وفاه او فقد أهلية من وجهه اليه الاجاب (الموجب له): إذا كان الذي مات او فقد اهليته ليس الموجب وانما من وجه اليه الايجاب فهنا وجب علينا التميز بين فرضين هما.
ü إذا حدثت الوفاة او فقدان الأهلية قبل ان يصل الايجاب الى علم من وجه اليه فان هذا يؤدي الى سقوط الايجاب بحيث لا يجوز للورثة وللقيم الحلول محل من وجه اليه الاجاب في تلقي العلم بالإيجاب واصداره القبول وهذا بلا خلاف بين الفقهاء.
ü إذا حدثت الوفاة او فقدان الأهلية بعد ان وصل الإيجاب الى علم من وجه اليه، اي بعد ان رتب أثره القانوني وقبل اعلان القبول، فان الراي الغالب هو عدم سقوط الايجاب حيث للورثة او القيم امكانية اعلان القبول فينعقد العقد من وقت وصول هذا القبول الى علم الموجب، في حين يرى جانب اخر من الفقه عدم انعقاد العقد لان القبول رخصة شخصية لا تنتقل الى الورثة.
خلافا على كل ما تقدم وتطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 62ق م يسقط التعبير عن الإرادة ايجابا كان او قبولا إذا كانت شخصية من توفى او فقد اهليته محل اعتبارا في التعاقد ويمكن معرفه ذلك من خلال التعبير عن الإرادة او من طبيعة التعامل (العقد).
ثانيا: العلاقة بين الإرادة والتعبير عنها
سبق القول بانه يشترط لقيام العقد زيادةً على وجود الإرادة ضرورة التعبير عنها حتى تكون صالحه للاقتران والارتباط بإرادة أخرى، وإذا كان الاصل ان يأتي التعبير عن الإرادة مطابقا لما اتجهت اليها الإرادة (الإرادة الحقيقية)، الا انه قد يحصل ان يأتي التعبير عن الإرادة مخالفاً لحقيقه ما قصدته واتجهت اليه اراده المتعاقد، فبأيهما يجب أن نعتد؟ كما لو اراد تاجر بيع سلعه ما بمبلغ2000د ج ووضع عليها خطأً مبلغ200دج وتقدم شخص لشراء السلعة بـ 200 دج فهل ينعقد العقد بـ 2000 دج اي بالإرادة الحقيقية (الباطنة) أو بــ 200د ج اي وفقا للإرادة الظاهرة، وعليه هل يستمد العقد وجوده وقوته من الإرادة الباطنة(النية) ام من الإرادة الظاهرة (التعبير او الصيغة).
ولفض هذه الإشكالية ظهرت نظريتان هما نظرية الإرادة الظاهرة ونظرية الإرادة الباطنة.
1- نظريه الإرادة الباطنة (الإرادة الحقيقية او النية): تأخذ هذه النظرية وتعتد فقط بالإرادة الباطنة او الحقيقية، فإذا اختلف التعبير عن الإرادة الباطنة او الحقيقية وجب استبعاد هذا التعبير ولا ينعقد العقد إلا وفقاً لما اتجهت اليه الارادة الحقيقية التي هي اساس وجود العقد وقوته الملزمة، اي أن العبرة فقط بما اراده المتعاقدان ولا قيمة للألفاظ - التعبير - إلا بالقدر الذي تعبر فيه عن الإرادة الحقيقية، وعليه تعتبر هذه النظرية التعبير قرينة بسيطة على ما اتجهت اليه الارادة يمكن اثبات عكسها.
ويترتب على الاخذ بهذه النظرية انه يجب على القاضي في تفسيره للعقد البحث دوما عن النية والإرادة الحقيقية للمتعاقدين، دون الوقوف عند المعني الحرفي لعبارات العقد والفاظه ولو كانت صريحه الدلالة، كما تسمح هذه النظرية ابطال العقد لعيوب الإرادة حتى ولو كان المتعاقد الاخر غير عالم بها، وتفترض دوما الاخذ بالعقد الحقيقي دون العقد الصوري.
ومن حجج أنصار هذه النظرية والتي اخذت بها القوانين اللاتينية ما يلي:
- أساس التزام المتعاقد هو وإرادته الحقيقية وبالتالي لا يجوز منطقيا إلزامه نتيجة تعبير خاطئ عن إرادته.
- العقد يمثل تقابل لمصالح اقتصادية مدروسة، وإلزام المتعاقد بغير إرادته الحقيقية يؤدي الى الإخلال بالمصالح الاقتصادية التي يسعى الى تحقيقها عبر العقد.
2- نظرية الإرادة الظاهرة (الصيغة): تعتد هذه النظرية وتأخذ فقط بالإرادة الظاهرة فإذا اختلف التعبير عن الإرادة عما اتجهت اليه الارادة الحقيقية وجب الأخذ بالإرادة الظاهرة فقط (التعبير)، فلا ينعقد العقد إلا وفقا للشكل الذي جاء به التعبير عن الإرادة الذي هو أساس القوة الملزمة للعقد، حيث تعتبر هذه النظرية أن التعبير عن الإرادة ليس فقط دليلا عن الإرادة الحقيقية بل هو الإرادة ذاتها أي أنه يمثل قرينة قاطعة على الإرادة الحقيقية وبالتالي لا يقبل ادعاء اي متعاقد بان تعبيره عن إرادته جاء مخالفا لإرادته الحقيقية.
ويترتب على الأخذ بهذه النظرية أنه يجب على القاضي عند تفسيره للعقد الوقوف دوما عند ألفاظ وعبارات العقد دون البحث في إرادة المتعاقدين، أي الوقوف عند المعنى الحرفي لألفاظ العقد، وفي العقد الصوري لا يسري فيما بين المتعاقدين وفي مواجهة الغير إلا العقد الصوري دون العقد الحقيقي، كما انه لا أثر للغلط كعيب من عيوب الارادة على العقد الا إذا علم به المتعاقد الآخر.
ومن حجج أنصار هذه النظرية التي أخذ بها القانون الألماني ما يلي:
- الارادة الباطنة مسألة كامنة في النفس ويستحيل الوصول اليها. (القانون يُعني فقط بالظواهر الاجتماعية دون الظواهر النفسية والإرادة الباطنة مسألة نفسية تتحول الى ظاهرة اجتماعية يعتد بها القانون بالتعبير عنها.
- الغير يتعاقد فقط بناء على الإرادة الظاهرة للمتعاقد الاول، لأنه لا يعلم بالإرادة الحقيقية وفي الأخذ بالإرادة الظاهرة زرعا للثقة المشروعة بين المتعاقدين وضماناً لاستقرار العقود.
موقف الفقه الإسلامي: نتطرف اليه لاحقا..................................................
................................................................................................................................................
3- موقف المشرع الجزائري: بالرجوع إلى القانون المدني نجد المشرع يأخذ بالإرادة الباطنة كقاعدة عامة ويتجلى ذلك بوضوح من خلال نص المادة 59 ق م أين يشترط المشرع لانعقاد العقد ان يتبادل الطرفان التعبير عن ارادتين متطابقتين، فلو كان يأخذ بالإرادة الظاهرة لاشترط ضرورة أن يتطابق التعبيرين عن الإرادتين. فالتوافق الذي به ينعقد العقد طبق للمادة 59 ق م هو توافق الارادتين لا توافق التعبير عنهما وما يدعم هذا التوجه ما يلي:
- يشترط المشرع لصحة العقد خلو الإرادة من العيوب، وهي عيوب تلحق فقط الإرادة الباطنة او الحقيقية (المواد من 81 الى 90 ق م).
- يبطل العقد إذا كان سببه غير مشروع او كان مخالفاً للنظام العام والآداب العامة، والسبب هو الباعث الدافع الى التعاقد وهو بهذا متعلق بالإرادة الحقيقية… الخ.
غير انه واستثناءً مما تقدم نجد المشرع قد استعار من نظرية الإرادة الظاهرة اهم تطبيقاتها لأجل ضمان استقرار العقود ومن ذلك:
- طبقا للمادة 61ق م لا ينتج التعبير عن الإرادة أثره وقت صدوره وانما من الوقت الذي يعلم فيه متعاقد الاخر به، فلا ينعقد العقد مثلا من وقت صدور القبول مطابقا للإيجاب وانما من وقت علم الموجب به، اي العلم بالتعبير عن القبول وفي هذا اخذٌ بالإرادة الظاهرة.
- لا أثر للغلط ولا للتدليس الصادر من الغير الا إذا كان متصلا بالمتعاقد الاخر بان كان يعلم به.
- في تفسير العقد طبقا للمادة 111ق م لا يجوز للقاضي الانحراف عن مدلول العبارات الواضحة في العقد بحثا عن الإرادة الحقيقية.
- في العقد الصوري الظاهر يجوز للدائنين وللخلف الخاص متى انو كانوا حسني النية ان يتمسكوا بالعقد الصوري دون العقد الحقيقي.
- طبقا للمادة 62 ق م يبقى التعبير عن الإرادة صالحا لترتيب أثره القانوني عند اتصاله بعلم من وجهه اليه حتى بعد زوال الإرادة الحقيقية بالموت او فقدان الأهلية.