المحاضرة الثانية

مدخل إلى علم النحو

     نتيجة دخول الأعاجم في دين اللّه، من فرس وروم...بدأ اللّحن يدخل اللّغة، ويفشو بين النّاس، وقد نقل السّيوطي ت(911ه) عن أبي الطّيّب اللّغويّ ت(351ه) قوله: " واعْلَمْ أنّ أوّلَ ما اخْتلّ مِنْ كلامِ العربِ وأحوجَ إلى التّعلّمِ الإعرابُ لأنّ اللّحنَ ظهرَ في كلامِ الموالي والمتعرّبين مِن عَهْدِ النّبيّ – صلّى اللّه عليه وسلّم – فقدْ روينا أنّ رجُلا لحنَ بِحضرتِه فقالَ: ((أرشِدوا أخاكم فقدْ ضلّ))."[1]معنى هذا أنّ النّبيّ – صلّى اللّه عليه وسلّم – رأى أنّ اللّحن أمر عظيم ينبغي تفاديه حتّى شبّهه بالضّلال.  

   وقال أبو بكر – رضي الله عنه -: "لأنْ أقرأَ فأُسقِط أحبُّ إليّ مِنْ أنْ أقرأَ فألحن."[2] ويُروى أنّ كاتب أبي موسى الأشْعريّ ت (44هـ) لحن في كتابه إلى عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه – فكتب إليه عمر – رضي الله عنه -: أن اضرب كاتبك سوطا واحدا.[3]

    وممّا يؤكّد على نُفورِ الأوّلين ممّن يلحنُ ما أوْردَه الجاحظُ ت(255هـ): "وقالَ بعضُهم: ارتفعَ إلى زيادٍ رجلٌ وأخوه في مِيراث، فقال: إنّ أبونا مات، وإنّ أخينا وثبَ على مالِ أبانا فأكلَه، فأمّا زيادٌ فقال: الّذي أضعْتَ مِن لسانِك أضرُّ عليكَ ممّا ضاعَ مِن مالِك، وأمّا القاضي فقال: فلا رحِم اللهُ أباك، ولا نيَّح عظمَ أخيك، قُمْ في لعنةِ الله".[4]  

النّحو لغة:

   وردت كلمة النّحو بعدّة معان، منها: القصد والطّريق، والمثل، رأيت شخصا نحوك في الطّول، أي مثلك في الطّول، واتّجهت نحو الجبل، أي في اتّجاهه، وتأتي بمعنى تقريبا، تقول له عليّ نحو ألف دينار، أي زهاء ألف دينار.

النّحو اصطلاحا:

قال ابن جنّي معرّفا النّحو:" هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرّفه من إعراب وغيره كالتثنية والجمع والتحقير والتكسير والإضافة وغير ذلك ليلحق من ليس من أهل العربيّة بأهلها في الفصاحة."[5]

وقيل: النّحو هو علم بقوانين يعرف بها أحوال أواخر الكلمات من إعراب وبناء.

لمحة عن نشأة علم النّحو:

   يُروى أنّه قدم أعرابيّ في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب –رضي الله عنه-فقال من يقرئني شيئا ممّا أنزل الله تعالى على محمّد –صلّى الله عليه وسلّم-؟ فأقرأه رجل سورة براءة، فقال:( أنّ الله بريء من المشركين ورسولُه) التوبة 3، بجرّ رسوله، فقال الأعرابيّ: أو قد برئ الله من رسوله؟ إن يكن الله تعالى برئ من رسوله فأنا أبرأ منه، فبلغ عمر بن الخطاب مقالة الأعرابيّ فدعاه، فقال يا أعرابيّ، أتبرأ من رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم-، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني؟ فأقرأني هذا سورة براءة...وذكر الحادثة...

فأمر عمر –رضي الله عنه-ألاّ يقرئ القرآن إلّا عالم بالعربية.[6]

   واضع علم النّحو:

يروى أنّ عليّا بن أبي طالب – رضي الله عنه – كان يقرأ رقعة فدخل عليه أبو الأسود الدؤلي فقال له: ما هذه؟ قال عليّ – رضي الله عنه-إنّي تأمّلت كلام العرب، فوجدته قد فسد بمخالطة الأعاجم، فأردت أن أصنع شيئا يرجعون إليه، ويعتمدون عليه، ثمّ قال لأبي الأسود: الكلام اسم وفعل وحرف...الاسم ما أنبأ عن المسمّى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى، والحرف هو ما أنبأ عن ما هو ليس اسما ولا فعلا، ثمّ قال لأبي الأسود: انح هذا النحو...وكان يقصد بذلك أن يضع القواعد للغة العربية، فكان أوّل من وضع أساس هذا العلم.

   ثمّ أكمل أبوابه الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأخذ عنه تلميذه سيبويه الذي وضع الأدلّة والشواهد من كلام العرب لقواعد هذا العلم، وأصبح كتاب سيبويه أساسا لكلّ من كتب بعده في علم النحو.  

 

 

 



[1] - المزهر في علوم اللّغة وأنواعها، ج: 2، ص: 396.

[2] - المزهر في علوم اللّغة وأنواعها، ج: 2، ص: 397.

[3] - المرجع نفسه، ج: 2، ص: 397.

[4] - البيان والتّبيين، الجاحظ، دار إحياء التّراث العربي، 1968، بيروت، لبنان، المجلّد الأوّل، الجزء: 2، ص: 174. 

[5] -الخصائص، الجزء الأوّل، ص: 34.

[6] -نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة، محمد الطنطاوي، ص ص: 15-16.

Modifié le: Saturday 17 February 2024, 20:42