الحقيقةُ والمجازُ [1]

المجازُ اللغويُّ[2]

الأمثلةُ:

(1) قال ابنُ العَمِيد  [3] في الغزل[4] :

قَامَتْ تُظَلِّلُنِي مِنَ الشَّمْسِ ... نَفْسٌ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي

قامَتْ تُظَلِّلُنِي ومِنْ عجَبٍ ... شَمْسٌ تُظَلِّلُنِي مِنَ الشَّمْسِ

(2) وقال البحتريُّ  يَصِف مبارزة الفَتْح بن خاقان لأسد[5]:

فلَمْ أرَ ضِرْغَامَينِ أصْدَقَ منكُمَا     عرَاكاً إذا الهَيّابَةُ النّكسُ كَذّبَا [6]

هِزَبْرٌ مَشَى يَبغي هِزَبْراً، وأغلَبٌ    منَ القَوْمِ يَغشَى بَاسلَ الوَجهِ أغلَبَا [7]

(3) وقال المتنبي  وقد سقط مطرٌ على سيف الدولة [8]:

لِعَيْني كُلَّ يَومٍ مِنْكَ حَظُّ … …تَحَيَّرُ مِنْهُ فِي أمْرٍ عُجابِ  [9]

حِمَالةُ ذَا الحُسَام عِلى حُسامٍ … …وَمَوْقِعُ ذَا السَّحَابِ على سَحَابِ  [10]

(4) وقال البحتريُّ[11]:

إذا العَينُ رَاحتْ وَهيَ عَينٌ على الجَوَى،  فَلَيْسَ بسِرٍّ ما تُسِرُّ الأضَالِعُ

البحثُ:

انظر إِلى الشطر الأَخير في البيتين الأولين، تجد أنَّ كلمة "الشمسِ " استعملت في معنيين: أحدُهما المعنى الحقيقي للشمس التي تعرفها، وهي التي تظهر في المشرق صبحاً وتختفي عند الغروب مساءً، والثاني إنسانٌ وضاءُ الوجه يشبه الشمسَ في التلأْلؤ، وهذا المعنى غير حقيقي، وإِذا تأملتَ رأيتَ أنَّ هناك صِلَةً وعلاقةً بين المعنى الأصليِّ للشمس والمعنى العارضِ الذي اسْتُعْمِلَتْ فيه. وهذه العلاقة هي المشابهةُ، لأَنَّ الشخص الوضيءَ الوجه يُشْبِه الشمس في الإِشراق، ولا يمكن أن  يلتبس عليك الأَمر فتَفْهَم منْ "شمس تظللني" المعنى الحقيقي للشمس، لأَنَّ الشمس الحقيقية لا تُظَلِّل، فكلمة تظللني إِذا تمنع من إِرادة المعنى الحقيقي، ولهذا تسمَّى قرينةً دالةً على أَنَّ المعنى المقصودَ هو المعنى الجديدُ العارضُ.

وإذا تأَملت البيت الثاني للبحتريِّ رأَيت أنَّ كلمة "هِزَبْرًا" الثانية يراد بها الأَسد الحقيقي، وأنَّ كلمة "هزبر" الأُولى يراد بها الممدوحُ الشجاعُ، وهذا معنى غير حقيقي، ورأيت أنَّ العلاقة بين المعنى الحقيقي للأسد والمعنى العارض هي المشابهةُ في الشجاعة، وأنَّ القرينة المانعةَ من إرادة المعنى الحقيقي للأَسد هي أنَّ الحال المفهومةَ من سياق الكلام تدلُّ على أنَّ المقصود المعنى العارض، ومثل ذلك يقال في "أغْلب من القَوْم" و "باسِل الوَجْه أغْلبا" فإِن الثانية تدلُّ على المعنى الأصلي للأسد، والأولى تدل على المعنى العارض وهو الرجلُ الشجاع والعلاقة المشابهةُ، والقرينةُ المانعة من إرادة المعنى الأَصلي هنا لفظيةٌ وهي "من القوم".

تستطيعُ بعد هذا البيان أنْ تدرك في البيت الثاني للمتنبي أنَّ كلمة "حسام" الثانية استعملتْ في غير معناها الحقيقي لعلاقة المشابهة في تَحمُّل الأَخطار. والقرينةُ تُفهم منَ المقام فهي حالِيةٌ، ومثل ذلك كلمة "سحاب" الأَخيرة فإِنها استعملتْ لتدلَّ على سيف الدولة لعلاقة المشابهةِ بينه وبين السحابِ في الكرم، والقرينةُ حالِيَّةٌ أيضاً.

أَمَّا بيتُ البحتري فمعناه أنَّ عين الإنسان إِذا أصبحت بسبب بكائها جاسوساً على ما في النفس من وجْدٍ وحُزْن. فإنَّ ما تَنْطَوِي عليه النفسُ منهما لا يكون سرًّا مكتوماً؛ فأَنت ترى أنَّ كلمة "العين" الأولى استعملت في معناها الحقيقي وأنَّ كلمة "عين" الثانية استعملت في الجاسوسِ وهو غير معناها الأصلي، ولكنْ لأَنَّ العين جزءٌ من الجاسوس وبها يَعْملُ، أطلقَها وأراد الكلَّ شأنَ العرب في إِطلاق الجزء وإِرادة الكلِّ، وأَنت ترَى أنَّ العلاقة بين العين والجاسوس ليست المشابهةَ وإنما هي الجزئيةُ والقرينةُ "على الجوى" فهي لفظيَّةٌ.

ويتَّضحُ منْ كل ما ذكرنا أنَّ الكلماتِ: شمسٌ، وهِزَبْرٌ، وأغْلبُ، وحُسامٌ، وسحابٌ، وعينٌ، استُعملت في غير معناها الحقيقي لعلاقةٍ وارتباطٍ بين المعنى الحقيقي والمعنى العارضِ وتسمَّى كلُّ كلمة من هذه مجازاً لغويًّا.

القاعدةُ

(12) المَجَازُ اللّغَويُّ: هُوَ اللفظُ المُسْتعْمَلُ في غير ما وُضِعَ لَه لِعَلاقة مع قَرينةٍ مانِعةٍ مِنْ إِرادَةِ المعْنَى الحقيقي. والعَلاقةُ بَيْنَ الْمَعْنَى الحقيقي والمعنى المجازيِّ قدْ تكونُ المُشَابَهةَ، وقد تكونُ غيرَها، والقَرينَةُ قد تكونُ لفظيةً وقد تكونُ حَالِيَّةً.

نَمُوذَجٌ

(1) قال أبو الطيب حين مرض بالحمَّى بمصر[12]:

فإنْ أمرَضْ فما مرِضَ اصْطِباري      وَإنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعتزَامي

(2) وقال حينما أنْذر السحابُ بالمطر وكان مع ممدوحه [13]:

تَعَرّضَ لي السّحابُ وقد قَفَلْنا    فقُلتُ إليكَ إنّ مَعيَ السّحابَا [14]

(3) وقال آخر[15]:

بِلادي وإِنْ جارتْ على عزِيزهٌ … …وقومي  وإنْ ضَنُّوا عليَّ  كِرامُ.

الإجابةُ

 

المجاز

السبب

العلاقة

توضيح العلاقة

القرينة

1

مرض

  

 

حم 

لأن الاصطبار   لا يمرض

 

 

لأن الاعتزام  لا يحم

المشابهة

 

 

المشابهة

 

شبه قلة الصبر بالمرض لما لكل منهما من الدلالة  على الضعف

شبه انحلال العزم   بالإصابة بالحمى لما لكل  منهما من التأثير السيئ

لفظية

وهي اصطباري

اعتزامي

 

2

السحاب    الأخيرة   

لأن السحاب لا  يكون رفيقاً

المشابهة

شبه الممدوح بالسحاب لما لكليهما من الأثر  النافع

معي

3

بلادي

لأن البلاد  لا تجور

غير المشابهة 

ذكر البلاد وأراد أهلها فالعلاقة المحلية

جارت



[1] - المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - (ج 1 / ص 21) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 276) و الإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 85) ومفتاح العلوم - (ج 1 / ص 160)   والخصائص - (ج 1 / ص 227) والمزهر - (ج 1 / ص 109)  وكتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى - (ج 1 / ص 561) وعلم البلاغة الشيرازي - (ج 1 / ص 4)

[2] - الإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 101) ومفتاح العلوم - (ج 1 / ص 161) وكتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى - (ج 1 / ص 1288) وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 12) وعلم البلاغة الشيرازي - (ج 1 / ص 5)

[3] - هو الوزير أبو الفضل محمد بن العميد نبغ في الأدب وعلوم الفلسفة والنجوم، وقد برز في الكتابة على أهل زمانه حتى قيل: "بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد" توفى سنة 360هـ.

[4] - نهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 283) والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 92) ومفتاح العلوم - (ج 1 / ص 164) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 167)

[5] - الوساطة بين المتنبي وخصومه - (ج 1 / ص 39)  وتحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 38) والمثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - (ج 1 / ص 263) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 27 / ص 60)

[6] - الضرغام: الأسد، الهيابة: الجبان، والنكس: الضعيف.

[7] - الهزبر: الأسد، والأغلب: الأسد أيضاً، الباسل: الشجاع.

[8] - شرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 218) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 47 / ص 368)

[9] - تحير: أصلها تتحير حذف منها إحدى التاءين.يقول كل يوم ترى عيني منك شيأ عجيبا تتحير منه

[10] - الحمالة التي يحمل بها السيف وهي المحمل أيضا يقول سيف حمل سيفا وسحاب يمطر على سحاب هذا هو العجاب

[11] - تراجم شعراء موقع أدب - (ج 37 / ص 244)

[12] - شرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 337) والوساطة بين المتنبي وخصومه - (ج 1 / ص 36) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 118)

 أي إن مرضت في بدني فإن صبري وعزمي على ما كانا عليه من الصحة

[13] - شرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 162) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 47 / ص 390)

[14] - قفلنا: رجعنا، وإليك: اكفف.

[15] - شعر معاصر

Modifié le: Saturday 9 December 2023, 21:22