الأسلوبية الإحصائية([1]):

تقوم هذه الأسلوبية على افتراض مفاده إمكانية الوصول إلى السمات الأسلوبية لأثر أدبي ما عن طريق الكم. وتوزيع أبعاد الحدس إلى القيم العددية، وتركز لتحقيق هذا الهدف بإحصاء العناصر المعجمية في الأثر، أو التركيز على طول الكلمات والجمل من عدمه، أو العلاقة بين النعوت، والأسماء والأفعال.

وهي بذلك لا تساهم في تحديد القرابة الأدبية فقط، بل تركز على تخليص ظاهرة الأسلوب من الحدس الخالص، لتوكل أمرها إلى الحدس المنهجي.

ولقد خص الباحث نور الدين السد الأسلوبية الإحصائية بالذكر "إنّ الإحصاء الرياضي في التحليل الأسلوبي هو محاولة "موضوعية مادية" في وصف الأسلوب. وغالبا ما يقوم تعريف الأسلوب فيها على أساس محدد؛ يقول فول فوكس: "نقيم الأسلوب كما يأتي في نطاق المجال الرياضي بتحديده من خلال مجموع المعطيات التي يمكن حصرها كميا في التركيب الشكلي للنص" . وحينما يتم تحديد الأسلوب بأنه تردد الوحدات اللغوية التي يمكن إدراكها شكليا في النص. فهذا يعني أنه يمكن إحصاء هذه الوحدات اللغوية وإخضاعها للعمليات الرياضية، إنّ النسبة في عدد ورود الكلمة في نص ما والمجموع الكلي يمكن تمثيلها عدديا، وهذا يسهل مقارنتها بالنصوص الأخرى.

مآخذ على الأسلوبية الإحصائية: لم يسلم هذا الاتجاه الأسلوبي من النقد والتشكيك في فاعليته وجدوى الدراسات الإحصائية المستخدمة في الوصف والتصنيف للآثار الأدبية.

لكن أقر النقاد العرب على ضرورة توظيف الإحصاء في تحليل الخطاب الأدبي وهذا محمد العمري في كتابه تحليل الخطاب الشعري: "يعتبر الكم في حد ذاته عاملا من عوامل البروز والظهور فالمواد تتكاثف بشكل غير عادي بالنسبة لمستعمل اللغة كفيلة بإثارة الانتباه بكميتها نفسها.

وعله نجد محمد الهادي الطرابلسي يقسم بحثه في منهجية الدراسة الأسلوبية إلى قسم نظري وعرض فيه العلاقة بين جانب الانطباع وبين جانب الإحصاء. وقسم تطبيقي درس فيه نموذجا متمثلا في وصف أكول من كتاب"البخلاء" للجاحظ: "إذا أكل ذهب عقله وجحظت عينيه، وسكر وسدور انبهر وتريّد وجهه، وعصّب ولم يسمع ولم يبصر" وبعدها يفسرها ويحللها تحليلا أسلوبيا بعرض ما يلي: أحداث عشرة هي عنوان حركة نشيطة.

هذه الأحداث مستندة إلى فاعل واحد هو(الأكول) أو بعض متعلقاته: عينيه، وجهه، فالأكول الموصوف هووحده محور كامل المشهد.

القضية في جميع هذه الأحداث هي الأكل: فعل جملة الظرف بخبر عنها وأفعال جملة الجواب تخبر عنه نتائجها، فالأكل وحده يقتضي من الأكول استفراغ الجهد، وهو وحده الذي يملأ حياته.

-سبعة من هذه الأفعال ثلاثية مجردة فقط مزيد، إلاّ أن الزيادة فيها ليست ذات بال(انبهر وتريد) تفيد الزيادة مع وقوع الفعل و(لم يبصر) تفيد الزيادة فيه معنى المجرد فالمشهد خال من الحيثيات والمستندات.

-كل هذه الأفعال ثلاثية لازمة تكتفي بفاعل واحد، وهو الأكول أو بعض متعلقاته، فهي إذن أحداث منطلقة منه، راجعة إليه، بل عليه.

-اشتراك كل الأفعال من حيث الدلالة اللغوية في فقدان كل وسائل الصلة بالعالم الخارجي والانغلاق على النفس، وفقدان المعرفة الحسية(لم يسمع، لم يبصر)، فقدان المعرفة الذهنية(ذهب عقله)، فقدان الوعي عامة(سكر، سدر).

فقد أصبح الأكول أمة يرأسها أو كوكبا بذاته وقد خرجت كامل الصورة في جملة تلازمية طريفة غير متوازية الشقين:

-كل فعل فيها يشكل جملة تشترك مع بقية الجمل في البساطة المثلى واطراد الأفعال بهذه الصورة يعرب عن تولد بعضها عن البعض الآخر.

-وكل هذه الجمل تشترك طبعا في الفعلية الخالصة المصورة لحركة مسترسلة.

-إلا أن جملة الظرف تتكون من جملة واحدة(أكل) بينما تتكون جملة جواب الظرف من تسع جمل متعاطفة.

هذه الأحداث-علاوة على ذلك- تخضع لموسيقى خارجية وداخلية متميزة يصور الخارجية منها الرسم الآني:

إذا أكل                   ذهب، جحظت عينيه، سكر، سدر، انبهر، تريد وجهه، عصب، لم يسمع لم يبصر.

         إنّ التحليل الإحصائي للأسلوب يهدف إلى تميز السمات اللغوية فيه وذلك بإظهار معدلات تكرارها ونسب هذا التكرار، ولهذا اه الطريقة في التحليل أهمية خاصة في تشخيص الاستخدام اللغوي عند المبدع وقد نهج محمد العبد في بحثه "سمات أسلوبية في شعر صلاح عبد الصبور" هذا المنهج فأقام البحث على أساس خطوتين متتابعتين متكاملتين.

1-الوصف اللغوي المجرد للمثيرات اللغوية ذات القيمة الأسلوبية، وقد لجأ الباحث إلى الإحصاء لقياس معدلات تكرار المثيرات أو العناصر اللغوية الأسلوبية قلة وكثرة.

2-وصف التأثيرات الإخبارية الدلالية والجملية لتلك المثيرات، وبضاف إلى ذلك تحديد قيمها الأسلوبية في إبداع المعنى سواء من خلال الصيغ التي تصاغ فيها الخبرات والتجارب أو من خلال التراكيب اللفظية التي يقدم امكانات مساعدة على إبداع المعنى من خلال إجتماع الألفاظ في وحدة عليا، وقد اعتمد محمد العبد الشروط الثلاثة التي حددها "زايدلر" لبيان نظام القيمة وهي:

الانطلاق من معرفة اللغة

تأمل الجانب الإنساني في صورنة اللغة.

النظر إلى فن اللغة بصفة منظومة من الطلاقات الأسلوبية والعناصر الأسلوبية.

 

 



[1] - محاضرات في الأسلوبية وتحليل الخطاب، قدوسي نور الدين، قسم اللغة والأدب العربي، جامعة أبي بكر بلقايد

Last modified: Wednesday, 7 December 2022, 10:42 AM