عنوان المحاضرة الثالثة : النظريات المفسرة للقيادة التنظيمية:

تمهيد :

      لقد شغلت ظاهرة القيادة المهتمين بالسلوك التنظيمي منذ وقت بعيد ، لهذا قدمت حولها العديد من البحوث بغرض الوقوف على طبيعتها و أبعادها و مقوماتها ، و هذا ما أسفر عن ظهور

عدة نظريات لتفسير الظاهرة ، و التي عكست بدورها توجهات مختلفة و فيما يلي سوف نحاول تقديم عرض مقتضب لأهم هذه النظريات :

أولا: النظريات الذاتية (أو النظريات التقليدية أو مدخل السمات):

      تعد النظرية بمثابة نقطة البداية للمحاولات المبكرة للتنظير في مجال القيادة و تبحث في السمات الشخصية الأساسية لنجاح القائد ، و تضم بدورها نظريتين أساسيتين هما على النحو التالي :

1 – نظرية الرجل العظيم :

      تترجم هذه النظرية حقيقة الاعتقاد الذي كان سائدا في التاريخ الإغريقي و الروماني القديم من أن القادة يولدون و لا يصنعون ، ، فالقيادة شيء فطري حيث لا يمكن للإنسان أن يصبح قائدا من خلال التعلم .

       إن الرجل العظيم حسب هذه النظرية في حاجة إلى امتلاك عوامل هامة لتسهيل العمل الجماعي و الظهور الفردي و المشاركة الاجتماعية للجماعة و القدرة على الوضوح ، و بهذه العوامل يصبح الرجل العظيم قادرا أن يرضي و يتتبع المتطلبات الضرورية الكبرى و الحاجات الشخصية للأعضاء.

     وكان جالتون Galton  من أشد دعاة هذا التوجه ، و هو صاحب دراسات حول الخلفية الوراثية لعظماء الرجال ، و حسبه فإن القادة يشيع وجودهم في أسر معينة و هذا تأكيد على الدور الجوهري الذي يؤديه العامل الوراثي في بروز القادة .

وإلا انه حديثا ونظرا للأبحاث أثبتوا أنه يوجد بالفعل صفات مميزة للقائد الناجح تتمثل في:

-الرغبة الشديدة للقائد، وذلك لتحقيق أهدافه والغايات المرجوة.

-الصدق والأمانة.

-الرغبة التي تحفزه في التأثير على الآخرين.

-الثقة بالنفس وذكاءه في دمج وتفسير أكبر قدر من المعلومات .

-المعرفة بالإدارة والأعمال ،وقدرته على التكيف مع احتياجات المرؤوسين والظروف المحيطة به (محمد

نقد النظرية :

        إن هذه النظرية لم تحدد صفات الرجل العظيم ، كما أن هذه الصفات مع فرض تحديدها تختلف من مجتمع لآخر تبعا لاختلاف المعايير الاجتماعية و الأخلاقية و الدينية لكل           مجتمع ، و لقد أكد التاريخ أن بعض الرجال الذين نجحوا في قيادة شعوبهم لم ينجحوا في قيادة شعوب أخرى ، كما أن القول بوراثية  القيادة غير صحيح لأن الوقائع لا تدعمه ، فالأسرة الواحدة تكون فيها القادة و غير القادة ، كما أن هذه النظرية أهملت طبيعة الظروف و المواقف المختلفة و المتغيرة و التي لا يستطيع الرجل العظيم التأثير فيها دائما .

        إن هذه العوامل مجتمعة مع بعضها البعض قد ساهمت في اندثار هذه النظرية و غيابها عن ساحة البحوث الحديثة ، مما فسح المجال لظهور نظريات أخرى انطوت على منطق مغاير وسعت لبحث هذه المشكلة من منظور آخر .

      إن هذه النظرية تحمل في طياتها بعض الصدق ، ففي بعض الظروف قد يحدث القائد تغيرات في الجماعة، كما قد  يعجز عن إحداثها في ظروف أخرى، فالقائد قد يستطيع أن يحدث تغييرا معينا حين تكون الجماعة مستعدة لهذا التغيير ، ولكنه قد يعجز عن إحداث مثل هذا التغيير في فترة أخرى والسبب في ذلك ليس في تغيير القائد وإنما في تغير الظروف الاجتماعية.

2 – نظرية السمات :

    جاءت هذه النظرية على أنقاذ نظرية الرجل العظيم التي دار حولها الجدل لأنها انطلقت من حقيقة وراثية ،وان القادة يولدون ولا يصنعون وكذلك تأثير المدرسة التي تؤكد على أهمية الخبرة والتعلم ،وتقوم هذه النظرية على دراسة مميزات القادة عن مرؤوسيهم في النواحي الجسمية والعقلية والسمات الشخصية .

      و لقد قسمت هذه الخصائص إلى أربعة مجموعات هي كالتالي :

- الخصائص الفسيولوجية : مثل الجاذبية و الطول ، القوة ، نبرة الصوت و حجم الجسم ...

- الخصائص الاجتماعية : كالتعاون و الصبر ، اللباقة ، النضج العاطفي و الاجتماعي ...

- خصائص ذاتية : مثل الشعور بالمسؤولية ، الاستعداد للتضحية ، الذكاء و المهارات الخاصة ...

  وقام كل من كريك باتريك ولوك بأبحاث حول الصفات المتميزة للقائد الناجح ،توصلوا من خلال إلي أن هذه الصفات تتلخص في ما يلي:

-وجود دافع :يتمثل في الرغبة في تحقيق الغايات، الطموح العالي، الطاقة والإقدام.

-الصدق والاستقامة :وتتمثل في الأمانة.

-الحافز إلى القيادة: وتتمثل في الرغبة في التأثير على الآخرين لتحقيق أهداف المنظمة.

-الثقة بالنفس: الوثوق في القدرات الشخصية.

-القدرات العقلية: وتتمثل في الذكاء والقدرة على دمج وتفسير قدر كبير من المعلومات.

-الإبداع والابتكار والإلمام بالتقنيات الحديثة لإدارة الأعمال.

-المرونة :وتتمثل في القدرة على التكيف مع احتياجات المرؤوسين والظروف

نقد النظرية :

      و لكن و على الرغم من تعدد الدراسات بحث أهل الاختصاص عن اتفاق على مجموعة سمات محددة تميز القادة عن غيرهم إلا أنه و لحد الآن لم يتفق الباحثون على صفات محددة ، فضلا على عدم الاتفاق على تعريفات محددة لتلك المفاهيم المختلفة على تعريفها ، مما يجعل إمكانية المقارنة فيما بينها عبر الدراسات المتعددة أمرا عسيرا .

      و من جهة أخرى فإنه لا يمكن أن يصبح جميع الناس الذين يملكون هذه الصفات قادة بل أن القائد وليد الظروف الاجتماعية و كذلك فإن القائد في موقف معين ليس من الضروري أن يكون قائدا في موقف آخر مهما امتلك من الصفات .

     يرى "هولندر وجوليان" 1969 أن مراجعة أدبيات القيادة وفعالية القادة والدراسات في هذا الميدان، بينت أن العلاقة ضعيفة أو تكاد تكون منعدمة بين السمات الشخصية وفعالية القيادة ويرى هذان الباحثان أن إخفاق نظرية السمات يتمثل في عجزها عن التمييز بين القيادة كعملية والقائد كفرد ،والنظريات التي تعالج هذه الظاهرة تؤكد على ديناميكية فعالية القادة (كعملية ) وعوامل البيئة المحيطة بالجماعة ،والتي من شأنها أن تؤثر على فعالية القيادة.

     ما نلاحظه على هذه النظرية أنها حددت مجموعة كبيرة من السمات ،لكن هذه النظرية لم تبرز الصفات الضرورية وبالغة الأهمية ،وما هي الصفات قليلة الأهمية ،كما نفت دور الجماعة التي ينتمي إليها القائد وما يترتب عنها من علاقات .

-  إن هذه النظرية لم تثبت علميا نظرا لعجز الباحثين على حصر الصفات المميزة للقادة.

 - اختلاف عدد السمات أو الخصائص التي تم دراستها من قبل الباحثين لذا فإن وجود عدد غيـر متفق عليه من السمات أو الخصائص يجعل من صعوبة عقد المقارنات بين الدراسات لتحديد أهم السمات، ففي عام  1940 قام "تشارلز بيرد" bird Ch. بدراسة عشرين قائمة تحتوي كل منها على مجموعة السمات التي خرجت بها الاستبيانات المختلفة، غير أنه لم يجد سمة واحدة مشتركة بين القوائم العشرين.

بالإضافة إلى صعوبة تحديد تعريف واضح لكل سمة على حدى حيث من الممكن أن يشتمل تعريف سمة محددة أكثر من مئة تعريف لها .

- ظهور المدرسة السلوكية في علم النفس التي كانت تنادي بأن السمات الشخصية لا تولد مع الأفراد ، فالجزء الأكبر منها قد يكتسب من تجارب الفرد في الحياة ،ومن تفاعله مع حركة البيئة وخصائصها .

- لم تنجح هذه النظرية في تحديد القدر الممكن من كل سمة من السمات الشخصية القيادية التي يجب أن تتوفر في القائد.

- افتراض هذه النظرية أن السمات الموروثة يمكن انتقالها من موقف إلى آخر، بمعنى أنه متى توفرت فيه تلك السمات يظل قائدا فعالا مهما اختلفت المواقف القيادية التي يوجد فيها.

      وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لنظريات السمات فان بعض الباحثين أمثال" فيلي وروبرت" 1969ينادون بعدم هجر هذه النظرية وضرورة مواصلة البحث فيها لأن فشل الباحثين الأوائل في تحديد صفات عامة ربما يكون راجعا إلى عدم قدرتهم على اختيار وقياس الصفات الأساسية.

 

Modifié le: Wednesday 22 June 2022, 12:17