نشأة وتطور السلوك التنظيمي:
بدأت المنظمات الانتاجية في استقطاب أعداد كبيرة من الأفراد في نهاية القرن التاسع عشر ميلادي مع بداية الثورة الصناعية، فظهرت حينذاك أهمية العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين وتأثيرها على أداء المنظمة، وبالتالي على سلوك العاملين. ومعظم المنظمات التي سبقت الثورة الصناعية كانت تأخذ الطابع العسكري حيث تعتبر سلطة المدير أو المالك سلطة مطلقة. في مثل هذه الظروف لم يواجه القادة مشكلة في التعامل مع الجانب السلوكي.
هناك العديد من المحاولات من قبل الكثير من الباحثين والمفكرين والكتاب على مر التاريخ لدراسة وفهم سلوك الأفراد والجماعات داخل المنظمات و أثرها على الانتاجية.
و بدأ الاهتمام الجدي بدراسة السلوك التنظيمي في أوائل القرن العشرين، فقد كان لرجال الهندسة الصناعية فضل السبق في الاهتمام بالسلوك التنظيمي، حيث سعوا في تلك الفترة لجعل الآلات أكثر كفاءة، وامتدت جهودهم للعنصر الانساني لجعله أكثر انتاجية. ويعتبر فريديريك ونسلو تايلور الذي أمضى معظم حياته العلمية في مصانع الصلب في الولايات المتحدة متدرجا من وظيفة عامل إلى أن وصل إلى وظيفة كبير المهندسين، هو الأب الروحي لحركة الإدارة العلمية، ويعتبر أول من استخدم الطريقة العلمية لدراسة العاملين أثناء أداء وظائفهم.
وهناك عدة مبادئ أساسية للإدارة العلمية متمثلة في الآتي:
§ تنمية علم حقيقي للإدارة ومن ثم يمكن تقدير أفضل الطرق للأداء بالنسبة للعاملين.
§ الاختيار العلمي للعمال، و بالتالي فإن كل عامل يمكن أن يتحمل مسؤولية محددة لعمل ما و الذي يتلاءم مع قدراته وامكانياته.
§ التعليم وتنمية العمال.
§ التعاون والمحبة بين الإدارة و العمال.
(سنرى ذلك بالتفصيل في نظريات السلوك التنظيمي)
السلوك التنظيمي في العصر الحديث:
إن السلوك في مواقع العمل تشكله عوامل فردية وجماعية وتنظيمية، وقد كان ذلك بداية لظهور علم السلوك التنظيمي في عقد الأربعينيات، وعلى سبيل المثال في عام 1941 نوقشت أول رسالة دكتوراه في السلوك التنظيمي في جامعة هارفارد. و في أواخر الستينيات كان الموضوع محل اهتمام متزايد كبعض العمليات الأساسية في الموضوع مثل الدافعية و القيادة، و أثر الهياكل التنظيمية. وقد كانت باعثا على نمو علم السلوك التنظيمي اعتمادا على ما هو موجود في فروع أخرى من فروع المعرفة كعلم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم السياسة والاتصالات، وعلم الإدارة.
هذا وقد أضافت دراسة السلوك التنظيمي في السنوات الأخيرة، عدة خصائص جديدة نوجزها فيما يلي:
§ ازداد اهتمام ميدان السلوك التنظيمي أكثر من قبل بالجوانب الحضارية و الثقافية للعمل. إن الأبحاث الميدانية في مجال السلوك التنظيمي اليوم، تأخذ في الحسبان ظاهرة العولمة التي نعيشها في الوقت الحاضر.
§ تعتبر دراسة السلوك الأخلاقي وغير الأخلاقي في المنظمات، أكثر أهمية الآن من أي وقت سابق. فيهتم علماء السلوك التنظيمي اليوم بالعوامل التي تقود الناس إلى اتخاذ قرارات أخلاقية أو غير أخلاقية، وكذلك ميل الناس إلى ممارسة سلوكيات غير مقبولة اجتماعيا مثل الكذب، الغش، السرقة، العدوانية، وغيرها.
§ يعترف علماء السلوك التنظيمي اليوم بأهمية البيئة الخارجية وتأثيرها على سلوك العاملين. بمعنى، أنهم لا ينظرون إلى السلوك التنظيمي في فراغ، ولكن يحققون ويبحثون في كيفية تأثير عوامل مثل القوانين، والقواعد الحكومية، والأعمال والظروف الدولية على السلوك في المنظمات.
§ امتدت دراسات السلوك التنظيمي واتسعت لكي تشمل ليس فقط المنظمات الانتاجية، بل أيضا المنظمات الخدمية والمعلوماتية، مع زيادة إعداد العاملين في هذه القطاعات الجديدة.
§ لم يغفل ميدان السلوك التنظيمي الحديث التغيرات في عالم العمل الناتجة عن التقدم التقني المذهل في الآونة الأخيرة. إن عدد كبير من الناس يؤدون وظائف مختلفة وجديدة بطرق و أساليب متنوعة. ولم تغب مثل هذه التطورات الهامة أيضا عن هذا العلم.
خلاصة:
بات بالفعل السلوك التنظيمي يستحوذ على أهمية كبيرة في فكر مختلف الباحثين وهذا لكونه يعد المطية الحقيقية التي من خلالها يمكن خلق الثروة و إنماء رأسمال المشروعات والتنظيمات ولكن يجب الاعتراف بصعوبة إدارة و السيطرة على السلوك الانساني داخل عالم المنظمات وذلك لتعدد المحددات و المتغيرات المتحكمة والمؤثرة في بنائه وكذا عدم استقرار هذه المحددات و المتغيرات من ناحية أخرى.