ويعني أن لا معتبر في مقاربة ماهية الأسلوب إلا من خلال النص نفسه، أي اللغة المشكلة على نمط خاص وفق قواعد صرفية ونحوية ودلالية وتداولية، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى (المنشئ، المتلقي)، فلا قيمة نوعية للغة وهي في حالة السكون، شبيهة بالمادة الخام التي تحتاج يد الحرفي لتشكل منها تحفة معجبة، هذا التشكيل الذي يمثله النص أحسن تمثيل، وتعود أصول هذه النظرة إلى النظرية الوصفية لرائد اللسانيات دوسوسير ضمن ثانية اللغة والكلام، وثبات اللغة يعني أن التغيرات التي تعتريها تكون متباعدة في الزمن وفق سنن محددة وفق ما تقتضيه وظيفتها (التواصل)، أما الكلام/الخطاب فهو متحرك نشط تحكمه ظروفه التي تحيط بإنتاجه، وهو وليد اللحظة، حتى إذا اكتمل انغلق على خواصه التي يفارق بها غيره وصارت له ميزة فاصلة، والأسلوب من الناحية اللسانية هو ناتج عملية إسقاط محور الاختيارات على محور النظم والتأليف، على أن المحور الأول تضبطه علاقة الغياب، أما الثاني فيقوم على علاقة الحضور، ولا تعني كل عملية اختيار أن الحاصل أسلوب أدبي، باعتبار التمييز المبدئي بين الأسلوب النفعي العادي وبين الأسلوب الذي تكون الناحية الجمالية مقصدا أساسيا فيه، وهو ما عناه جاكبسون حينما حدد موضوع علم الأدب في أنه ليس الأدب بل الأدبية. وعلى حد تعبير ريفاتير فإن اللغة تعبر، والأسلوب [يعمل على] إبراز القيمة. التي تعبر عن "خصائص انتظام النص بنيويا، مما يجعله العلامة المميزة لنوعية مظهر الكلام داخل حدود الخطاب، ويعد vinogradov أول من أسس لهذا المعيار في ضبط مفهوم الأسلوب، حينما حدد مفهوم العالم الأصغر أو النص بأنه "جهاز الروابط القائمة بين العناصر اللغوية والمتفاعلة مع قوانين انتظامها، ليتجلى بصورة أوضح عند ولاك وفاران في نظريتهما التي ضبطا من خلالها عوامل تنوع وتعدد الأساليب، العائد إلى علاقة الدوال بعالم الأشياء وإلى روابط الدوال بعضها ببعض وعلاقة انتظام الدوال بالجهاز اللغوي الذي تتنزل فيه . ولعل مقاربة مفهوم الأسلوب من زاوية الخطاب دون سواه ناتج تيار الحداثة، كما تبلور في نظرية موت المؤلف التي تهدف إلى بتر صلة بين النص وما يقع خارجا، فلا وجود إلا الداخل المنكفئ على نفسه، المنقطعة علاقته بصاحبه بمجرد نقطة النهاية، ليكون الخطاب خلقا آخر وعالما مفعما بالحركة والحيوية، والتحليل الأسلوبي من هذه الزاوية لا يخرج عن إطار استنطاق النص من شخوص وأحداث وأفكار ورؤى بعيدا عن الإسقاطات التي تفرغ عليه تحت مبرر المنشئ أو المتلقي أو ظروف التواصل وسياقاته، أي إن التحليل الأسلوبي "لا يعدو أن يكون تفكيكا للعناصر المكونة لجهاز الإبلاغ لتتبع ما يحدث بينهما عند التفاعل وما ينقطع عند الانفصال وذلك بطريق العزل والضم حتى تتجلى المفارقات والمقاربات اختباريا. ولا شك أن منزعا كهذا في تقويم الأسلوب يفلت جزءا لا بأس به من دلالات النص التي هي من طبيعة لغوية كامنة تستشف بالإيحاء وأخرى من طبيعة غير لغوية بالأصل، بحكم تأثيرها في عمليتي التوليد والتأويل.