Résumé de section

  • إذا عدنا إلى المعاجم وجدنا أن كلمة "أسلوب" تعني فيما تعنيه الطريق المتواصل الممتد، وهو أيضا السطر من النخيل التي تصطف على نسق واحد، كما أنه الطريق  أو الطريقة والوجه والمذهب والفن والمسلك، يقال أخذ فلان من الناس في أسلوب من القول، أي في الفن منه أو الطريقة أو الكيفية، وقد لخص أحمد الشايب ما أورده ابن منظور في لسانه من معان في قسمين "قسم حسي يمثل الوضع الأسبق للفظ، كسطر النخيل والطريق الممتد أو المسلوك، والأسلوب عليه خطة يسلكها السائر، وقسم معنوي هو الخطوة الثانية في الوضع اللغوي ين تنتقل الكلمات من معانيها الحسية إلى هذه المعاني الأدبية أو النفسية وذلك هو الفن من القول أو الوجه والمذهب في بعض الأحيان".

    أما الكلمة الأجنبية (style) فلم تظهر في/ اللغة الفرنسية إلا في 1350 وتعود إلى الأصل اللاتيني (stilus)، وقد دلت على الريشة من المعدن أو العظم المتخذة وسيلة للكتابة، أما في 1480 فقد استعملت بمعنى الطريقة والكيفية ((la manière  في حين تحدد معناها سنة 1536 في طريقة التأليف والكتابة، لتدل سنة 1671 على جملة الخواص الذاتية للغة من اللغات، لتنتقل إلى الدلالة على الخواص العامة التي تطبع مؤلفات الكتاب أو أعمال الفنانين للبلد نفسه وللعصر ذاته (ethymologie)، كما استخدمت في فترة من فترات وجودها للتعبير عن فن العمارة، وكما يرى بعض الباحثين فإن الكلمة أطلقت أيضا "على السمة الشخصية لخط اليد ثم استخدمت للدلالة على نوعية خاصة لرسم خطوط الكلمات المكتوبة، ومنها انتقلت إلى النوعية الخاصة للتعبير اللغوي لما هو مكتوب".

    وعلى الرغم من هذا الظهور المتأخر للأسلوب بمفهومه الأدبي عند الغربيين الذي يعني الطريقة في الكتابة، فقد كان للعرب قصب السبق في الإشارة إليه وتعريفه وبيان دوره في رسم معالم الخصوصية، فهذا عبد القاهر الجرجاني يشير في معرض حديثه عن النظم، فيقول: "اعلم أن الاحتذاء عن الشعراء وأهل العلم بالشعر وتقديره وتمييزه أن يبتدئ الشاعر في معنى له وغرض أسلوبا، والأسلوب هو الضرب من النظم والطريقة فيه، فيعمد شاعر آخر إلى ذلك الأسلوب فيجيء في شعره، فيشبه بمن يقطع من أديمه نعلا على مثال نعل قد قطعها صاحبها، فيقال قد احتذى على مثاله".

         والمنزع نفسه نجده عند المشتغلين بقضايا إعجاز القرآن، نحو أبو بكر الباقلاني الذي يشير في سياق بيان تفرد القرآن "إن نظم القرآن على تصرف وجوهه وتباين مذاهبه خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم، وله أسلوب يختص به، ويتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد". 

         أما ابن خلدون فقد أتى على عملية نظم الكلام من بداياتها الأولى المتمثلة في انتصاب المعاني وصياغة المضامين في قوالب لفظية هي التراكيب وصولا إلى ما يشمل تلك التراكيب وهو الأسلوب، قال :"ولنذكر هنا سلوك الأسلوب عند أهل هذه الصناعة وما يريدون بها في أضلاعهم، فاعلم أنها عبارة عندهم عن المنوال الذي تسبح فيه التراكيب أو القالب الذي يفرغ فيه ولا يرجع إلى الكلام باعتبار إفادته أصل المعنى الذي هو وظيفة الإعراب، ولا باعتبار إفادته كمال المعنى من خواص التراكيب الذي هو وظيفة العروض، وإنما يرجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص، وتلك الصور ينزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها ويعرفها في الخيال كالقالب أو المنوال، ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الإعراب والبيان فيرصها فيه رسا كما يفعله البناء في القالب أو النساج في المنوال حتى يتسع القالب بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلام ويقع على الصورة الصحيحة باعتبار ملكة اللسان العربي فيه، فإن لكل فن من كلام أساليب تختص به"؛ أي إن خصوصية الشعر لا تكمن في مجرد تحصيل الدلالة وبيانها على وفق الطريقة الصحيحة نحويا، ولا في الإرعاء على القالب الموسيقي ممثلا في الأوزان والقوافي وكل ما يحفظ للشعر حسن موقعه في الأذن، بل يكمن في أن جاءت تلك التراكيب على ذلك النمط المخصوص من المعمار الكلي الذي يجمعها، وذلك بما يتأتى من معرفة خاصية كل تركيب وما يناسب به وفيه التراكيب التي تسبقه والتي تليه وما يسهم به في الدلالة عليها ومعها على المقصود. ولا ينبغي أن ننسى خاصية التكثيف والخيال التي يختص بهما الشعر بقسط وافر دون النثر، لأنه كما يقول ابن خلدون لكل فن من الكلام أسلوبا يناسبه. ويستخلص أحمد الشايب من كلام ابن خلدون المتقدم أربع قوانين ذات قيمة في دراسة الأسلوب من الناحية الأدبية وهي:

    أ ـ أن النحو والبلاغة والعروض فقوانين أولية ضرورية "ترشدنا في إصلاح الكلام ومطابقته لقوانين النظم والنثر.. أما صياغة الأسلوب الجميل فهي فن يعتمد على الطبع والتمرس بالكلام البليغ، وتتكون من الجمل والعبارات والصور البيانية"

    ب ـ أن الأسلوب هو بنية ذهنية تتكون من التمرس بإدمان الأدب الرفيع، حتى إذا أراد الإنسان الكتابة نسج على منوال ما يقرأ (

    ج ـ أن الصور الذهنية لا تقف على حدود المعاني الجزئية والجمل المستقلة، بل هي طريقة في الرصف والتأليف.

    د ـ أن لكل فن من الكلام أسلوبه الذي يناسبه.