توطئة:
كانت المادة العلمية محددة بمقرر وكتاب و يضم عددا من الصفحات،وذلك وفق أسلوب التلقين والحفظ المعتمد على الذاكرة.في حين نجد المقاييس الجامعية تتميّز بكثافة المادة وتنوع مصدر المعلومات،وانتهاج أسلوب الإلقاء لا الإملاء وقلة أو انعدام الملخصات كما في المرحلة الثانوية،كذلك ييتمّ التركيز على جهد الطالب في تحصيل المعلومة
وغني عن البيان أنّ تاريخ المحاضرة يرجع إلى اليونانيين الذين عرفوا الفيدروس والكراتيلوس لأفلاطون.
1-مفهوم المحاضرة :
عرض شفهي لمجموعة من المعلومات والمعارف والخبرات،مقدّمة لعدد كبير من الطلبة أو جمهور المتلقين،تعتمد الإلقاء لا الإملاء،انطلاقا من حسن قراءة صفحات وجوههم،يُغير المحاضر نبرات صوته،ويزيد في الشرح أو يختصر مسائل،وقد يحذف عناصر أو يُدرج أخرى حسب المتلقين وإقبالهم أو إعراضهم وفتورهم.فقد ورد في تعريف المحاضرة «عرض شفوي لا يُسمح فيها للمستمع بالسؤال في أثناء المحاضرة،وإنّما بعد الانتهاء منها.»[1]وبناء عليه، هي سرد للمعلومات موجه من محاضر إلى جمع من المتلقين،لا تتم مقاطعته في العادة إلاّ بعد تمام المحاضرة للمناقشة والاستفسار .
2-أنواع المحاضرة:
تنقسم إلى نوعين:
2-1العرض المقروء:
تعتمد بشكل أساسي على القراءة من الكتاب أو كراسة تحضير المحاضرة،غير أنّ هذا النوع يفقد التشويق والإثارة،ويدفع للملل.وتسمى الكراسة التي يُقرأ منها في الشرق الملزمة،وهي تُكلف الطالب تصويرا،وعادة يسترجعها الطلبة حفظا وترديدا .
2-2العرض الحر:
تقديم جملة من المعلومات والأفكار والخبرات عن طريق الإلقاء،بالنظر للمتلقين وإقبالهم ،رغم أنها لا تراعي الفروق الفردية بينهم،لأنّها تُلقى على عدد كبير منهم،وتناسب مناهج التخصصات القائمة على السرد والشرح والاستطراد كالتاريخ والأدب،ويعتمد المحاضر على الأمثلة والوصف للتوضيح.مع إيراد الاستشهاد من محفوظه.ويستعمل المحاضر مهاراته الفردية الإبداعية؛كالاستهلال بقصة مشوقة،أو حدث واقعي،للانطلاق في المحاضرة .
3-أسس المحاضرة الجيّدة:
لامراء أنّ المتلقي من الجمهور أو الطلاب يدركون المحاضرة الجيّدة من غيرها،ولهذا وجب توفر جملة من المعايير،منها التصريح بعنوان المحاضرة،وأهدافها،وأهم عناصرها ومفاصلها الكبرى،مع الإشارة إلى مادتها العلمية،من مصادر ومراجع لتقديم المصداقية العلمية.وإذا كانت محاضرة أكاديمية موجهة للطلبة لتكوينهم على مستوى الجامعة،فإنّ المحاضر يعمل على ربط المحاضرة السابقة بالمحاضرة اللاحقة.[2]ومن ثمة فـ«المحاضر الجيد هو الذي يستطيع أن ينقل الموضوع الذي يتحدث فيه إلى الدارسين بصورة جيدة ويؤثر بشخصيته فيهم ويسيطر تماما على مستمعيه ويجذب انتباههم إليه طوال فترة القائه لمحاضرته،كما يمكنه أن يرى رد فعل محاضرته ومدى استيعابهم لها من خلال نظراتهم له ومناقشتهم في الموضوع.»[3] .
وبذلك فجهد المحاضر يرتكز على الاشتغال على فنيات الإلقاء، من معرفة نبرات الصوت وحسن توظيفها،من رفع وخفض للصوت واستخدام للوقفات المعبرة،بالإضافة إلى حسن استخدام أدوات الإيضاح عند الحاجة،من سبورة وشرائح البوربونت (Powerpoint) وميكروفون الصوت،وغيرها.كما يعمد إلى تكييف المحاضرة حسب مستوى المتلقين،ودرجات استيعابهم في تسلسل سلس .
وهذا يندرج في التخطيط للمحاضرة بدءا من تحديد أهدافها ومناسبتها للمتلقين وتحضير الأدوات التي تساعد على تقديمها على النحو الأمثل،مع مراعاة توزيع الوقت على النقاط والعناصر المنتظر تقديمها.ضف إلى ذلك ينوع المحاضر بين الوقوف والجلوس والحركة والقليلة والمعبرة أثناء المحاضرة،ذلك أنّ التواصل الجسدي يصاحب التواصل اللفظي،ويُعين الطالب على التركيز .علاوة على ذلك؛ ينبغي أن يترك المحاضر مساحة من الزمن في نهاية المحاضرة للمناقشة،وعلى المتلقي(الطالب)،وإذا كان المحاضر يسمح بالتدخل في المناقشة عند كلّ مقطع وعنصر من عناصر المحاضرة .فعلى الطالب أن يستوقفه سائلا ومستفسرا،ولا ينتظر نهاية المحاضرة،بغية الإثراء وجعل المحاضرة محاورة أكثر حيوية
4-استراتيجيات المحاضرة :
4-1قبل المحاضرة:
وفي هذه المرحلة يتم التحفيز والاستعداد لتلقي المحاضرة. حيث يعرض المحاضر في المحاضرة الأولى المواضيع التي سيتم مناقشتها وعرضها(المحاور والمفردات)،«يعتبر المخطط نوعا من التعاقد مع الطلاب ويلقي مسؤولية التعلم على كاهل الطالب.»[4]بالإضافة إلى تحديد الأهداف الخاصة المنتظر تحقيقها بعد الانتهاء من المقياس،وكذلك الإشارة إلى الإستراتيجات المعتمد عليها في إلقاء المحاضرة،ناهيك عن تزويد الطلبة بقائمة بيبليوغرافية للكتب التي سيستفيد منها.ومن ثمة فالطالب الجامعي عليه ألا يتغيب عن المحاضرة الأولى،التي يُبيّن فيها جانبا من قواعد تسيير المدرج (ما لا يسمح به المحاضر،هل الأسئلة تكون أثناء مقاطع المحاضرة أو في نهايتها مثلا ) .
إنّ اطلاع الطالب على موضوع المحاضرة،يسمح بتمييز المعلومات الأساسية والجوهرية من المعلومات الثانوية والعرضية،كذلك إدراك بعض المسائل الصعبة في الموضوع المناقش.وتحضير الأدوات المكتبية من أقلام مشعة (مضيئة وملونة)،أقلام رصاص،قلم جاف وقلم إضافي،كناش لنقل الملاحظات مناسب.ومحاولة إيجاد المكان المناسب،من حيث الإضاءة والتهوية،ووصول المحاضر ورؤيته وإبصار الشرائح.والدخول للمدرج باكرا،حتى لا تحدث تشويشا على زملائك، فعادة المحاضر لا يسمح للطلبة المتأخرين دخول المحاضرة.لأنّ الطالب المتأخر قد يقطع تسلسل الأفكار ويسبب ضجيجا غير مناسب.ويخصص الطالب ربع ساعة لقراءة الملاحظات التي دونها سابقا،قبل دخول المدرج .
4-2أثناء المحاضرة:
تتجلى في اكتساب مهارات الإصغاء والمناقشة وطرائق التدوين. فكيف أعرف المعلومة المهمة؟وكيف نواجه الانشغال وشرود الذهن؟
التحلي بالجرأة العلمية في طرح الأسئلة،ذلك أنّ الإجابة وتوضيح الغموض يسمح للطالب بمتابعة المحاضرة .
محاولة متابعة المحاضر،بغض النظر عن الظروف؛كانخفاض الصوت أو سرعة المحاضر،مع محاولة تنبيه الأستاذ لهذه الصعوبة حيث«يشدد على بعض الكلمات والمقاطع وأن يُعطي فترة بين السكوت أو الصمت بين جملة وأخرى »[5]فعادة ما يقف المحاضر قبل أن يذكر معلومة مهمة،وهذا ما يجعل الطلبة يركزون،مثيرا انتباههم.مثلا كأن يقول:"انتبهوا هذه النقطة مهمة تستدعي منكم التركيز"والأرجح أنّ المعلومة المكررة والمعاد صياغتها بعدة طرائق تكون محلا لأسئلة الامتحان،وهنا يضع الطالب علامات مميّزة للانتباه وقت المراجعة والمذاكرة.
عدم الحديث الجانبي مع زملاء المقعد،ويفضل الابتعاد عن الأصدقاء في الجلوس للمحاضرة .وعليه بغلق الهاتف النقال،ووضعه على النظام الصامت وعدم الانشغال به.
يضع الطالب علامات استفهام أو تعجب أمام المسائل أو الأفكار الصعبة والغامضة التي سيتساءل حولها،في وضعية الأستاذ المحاضر الذي يتلقى الأسئلة في نهاية المحاضرة ولا يسمح بالمقاطعة .فقد يُقدّم السؤال شفهيا أو سجله كتابيا .يمكن الاستعانة بمسجل للمحاضرة في الحصص الأولى،ولا سيما إذا وجد صعوبة كبيرة في التوفيق بين التدوين والإصغاء،يكتب الطالب مثالا واضحا،في حالة تعدد الأمثلة وعدم قدرته على تدوينها كلّها ،وتخير الأمثلة التي يسهل تذكرها لقربها من بيئته.يستعين الطالب بالمخططات والرسوم الشكلية والجداول التي تغني عن كتابة صفحات كثيرة.
4-3 بعد المحاضرة:
يمكن للطالب مراجعة الملاحظات التي دونها زملاؤه الذين يتوسم فيهم الجدية ويقارنها بملاحظاته.
يكمل ما نقص من ملاحظاته،بقراءات في الموضوع ذاته.
يصوب الأخطاء اللّغوية والمعرفية التي نجمت عن سرعة النقل .
تجدر الإشارة إلى أنّ تدوين المحاضرة شخصية،ولا يلجأ الطالب المتغيب إلى نسخ أو تصوير الملاحظات التي دونها زميله،لأنّها تعتمد على الفهم وعلى اختصار الإشارات التي قد لا يفهمها الطالب المتغيب عن المحاضرة.
5- مفهوم التدوين:
عملية مركبة تقوم على إجادة الإصغاء لمعلومات ومعارف تعرض في محاضرة شفهية،وإعادة صياغة أهم ما ورد فيها،مع إمكانية الاستفادة وتطوير الملحوظات المدونة .فما كتب قرّ وما حفظ فرّ.والعلم صيد والكتابة قيد.فقد «عرّفته (ربيكا أكسفورد Rebecca,Oxford,1996,56) بأنّها كتابة الفكرة الرئيسة أو نقاط معينة يرى المتعلم أنّها مهمة،وقد يكون أسلوب تدوين الملاحظات تقليديا،أو يأخذ شكل شجرة،أو بشكل حرف T أو يأخذ شكل قائمة.»[6] إذا،تدوين الملاحظات هي مهارة مركبة تعتمد على إجادة الإصغاء،وحسن الفهم والكتابة الموجزة،وذلك بمختلف الصور التي تتعدد بتعدد القدرات الفردية .
وعرفها ماك كيتنج (1981) McKeating بأنّها نشاط معقد يدمج بين القراءة والاستماع بشكل قصدي مع التلخيص والكتابة،أما جريلت(1986) Grelletفيرى أنّها تساعد الطلاب على تأسيس أو تركيب النصّ،لذا فهم يقتصرون على الأفكار الرئيسة Key Idea،كما أنّهم يحذفون ما ليس ضروريا (فاجيردو23-22 Fajardo, 1996,) .»[7]يتبيّن من هذه التعريفات قدرة المتلقي على ملاحقة المحاضر،وذلك باستيعاب يقوله،وذلك بتحويله إلى خطاطات ورسوم،تؤدي ما يعنيه تماما وبدقة.وذلك باستخدام كلمات الطالب/المتلقي لا كلمات المحاضر،باستثناء المصطلحات التي يؤكد عليها المحاضر.بالإضافة إلى استخدام الرموز والمختصرات العامة والخاصة بكلّ طالب.
6-فائدة التدوين:
يحقق التدوين الممنهج والسليم جملة من الفوائد أهمها :
-تنشيط الذاكرة،ومحاربة النسيان.وحفظ المعلومات،وتذكرها وقت الامتحانات.
-يسهم في كتابة المحاضرة،يساعد على التركيز ويحمي من شرود الذهن.
- بناء قدرات التحليل والتمييز بين المعلومات الأساسية والثانوية .
7-أنموذج كرونيل لتدوين المحاضرة:
هي تقنية من تقنيات التي تسهم في تدوين الملاحظات بسرعة وفاعلية،تعتمد على تقسيم الورقة إلى أربعة أجزاء،جزء علوي مخصص لتحديد تاريخ المحاضرة وتحديد أسبوعها وعنوانها وأهدافها،ويضم الجزء الثاني وهو الأكبر ويحوي متن المحاضرة،رؤوس أقلام تُلتقط من الإصغاء الجيّد للمحاضر،يدونها المتلقي(الطالب)؛بأسلوبه الشخصي،ويستعمل رموزا خاصة به يفهمها هو،بالإضافة إلى جداول وخرائط ذهنية تختصر شرح المحاضر.
صفوة القول:
بتتبعك لهذه الاستراتيجيات تكون المحاضرة نشاطا ممتعا في حياتك الجامعية،فقد تبيّنت لك طبيعة المقياس،أنّها متسلسلة،وبذلك عليك الالتزام بالحضور المنتظم الذي يحقق الفعالية.
لا تنقل المحاضرة مجرد معلومات وإنّما تؤسس للقيم والسلوكات،ذلك أنّ الأستاذ المحاضر يعطي من علمه ومن خبراته التي قد لا تجدها في كتاب واحد،وينمي المحاضر مهارات الاتصال والتحليل.
لا تثق في خبرة زملائك للحكم على المحاضر أو المحاضرة،وإنّما الدخول للمحاضرة هو الذي يمكنك من تجديد نيتك في طلب العلم والمواظبة على التحصيل المعرفي .
[1] مركز نون للتأليف والترجمة، التدريس طرائق واستراتيجيات،جمعية المعارف الإسلامية الثقافية(لبنان)،ط1،2011، ص.73
[2] ماجد أيوب القيسي،المناهج وطرائق التدريس،دار امجد للنشر والتوزيع(الأردن)، ،دط،2017ص.107
[3] محي محمد مسعد،كيفية كتابة الأبحاث والإعداد للمحاضرات،المكتب العربي الحديث (مصر) ،ط2،2000،ص.115
[4] جامعة الملك سعود،وكالة الجامعة للتطوير والجودة،عمادة تطوير المهارات،نصائح في التدريس الجامعي،2010،ص.6
[5] محمد سعدي لفتة،المهارات اللازمة للتدريس الجامعي الناجح، مجلة الأستاذ جامعة يغداد،ع202،2012،ص.453
[6] ماهر شعبان عبد الباري،الكتابة الوظيفية والإبداعية،المجالات،المهارات،الأنشطة،والتقويم،دار المسيرة (الأردن)،ط1،2010،ص.76
[7] المرجع نفسه،ص.77