اختيار المشرف على التحقيق

تقدمت أهمية المشرف على البحث في مناهج البحث. لكن المهم إضافته هنا في تحقيق المخطوطات أن المشرف يجب اختياره بحيث يكون متخصصا بتحقيق المخطوطات، ومعرفة قواعد تحقيقها، وله دربة ومراس وخبرة سابقة في تحقيق المخطوطات، إضافة إلى تخصصه في العلم الذي سيشرف على تحقيق المخطوط فيه.

اختيار عنوان المخطوط وشروطه

بعد اختيار موضوع المخطوط، والعلم الذي يريد الخوض فيه، وبعد اختيار المشرف على التحقيق، يلجأ الباحث إلى فهارس المخطوطات العامة والخاصة ليختار منها اسم المخطوط الذي يريد العمل بتحقيقه وفق الشروط التالية:

1- أن يتناسب المخطوط والرسالة الجامعية التي يقدمها.

2- يجب أن يكون المخطوط الذي يريد تحقيقه غير مطبوع من قبل.

3- أن يكون له أهمية في فنه.

4- أن يتوفر له أكثر من نسخة.

 

 

 

 

المرحلة التنفيذية

بعد أن يحدد الباحث العلم الذي يريد تحقيق مخطوط فيه، ويبحث في الفهارس عن مخطوط يستوفي الشروط المطلوبة ويعلم أماكن وجوده في المكتبات، ويتأكد من عدم طبعها، يبقى أمامه المراحل العملية التالية:

جمع النسخ وترتيبها

الجمع:
 لابد أن يسعى المحقِّقُ بادئَ ذي بدء إلى التعرُّف على نُسَخ مخطوطه التي قد تكون منتشرة في مكتبات العالم، ووسيلتُه إلى ذلك فهارس المخطوطات المختلفة، على أن أجلَّ الكتب المصنفة في هذا الباب، وأكثرها نفعًا للمحقِّق: كتاب "تاريخ الأدب العربي" للمستشرق الألماني كارل بروكلمان؛ فهو سجلٌّ ضخمٌ للمصنفات العربية، سواء المخطوط منها والمطبوع، مع العناية بتراجم المؤلفين، والدلالة على أماكن وجود المخطوطات في مكتبات العالم المختلفة، وقد ترجم إلى العربية أجزاء منه، وما تزال بقيته تنتظر من يترجمها، وكذا كتاب "تاريخ التراث العربي" للأستاذ الدكتور فؤاد سزكين، وهو أعظم من كتاب بروكلمان.


ترتيب النسخ:
مراتب النسخ تكون على النحو الآتي:
1- أحسن النسخ نسخةٌ كتَبَها المؤلفُ بخطِّه، فهذه الأم.
2- نسخة قرأها المصنِّف، أو قُرئت عليه، وأثبت بخطِّه أنها قرئت عليه.
3- نسخة كُتبتْ في عصر المؤلف، وتفضُل التي عليها سماعاتٌ على علماء إن وجدت.
4- نسخ أخرى كتبت بعد عصر المؤلف، وفي هذه النسخ يفضل الأقدم على المتأخر، والتي كتبها عالم، أو قرئت على عالم، وقد تُقدَّم نسخة متأخرة على أقدم منها لاعتبارات أخرى (كونها أكثرَ ضبطًا، وأقل تحريفًا...)، أما النسخ التي لا تاريخ عليها، فلا بد من تحديد تاريخها اعتمادًا على خطها، ونوعية ورقها وحبرها.

وعلى أي حال، فلا يجوز أبدًا أن يُنشر كتابٌ ما عن نسخة واحدةٍ، ما دام له نسخ أخرى معروفة؛ لئلا يعوزه التحقيق العلمي والضبط.

في حال الحصول على نسخة يتيمة في العالم يمكن للباحث العمل بتحقيق الكتاب بالشروط التالية:

1- التأكد من عدم وجود نسخة أخرى للكتاب.

2- اكتمال الكتاب من أوله إلى آخره.

3- وجود مصادر كافية لتحقيق الكتاب وإخراج نصه.


تحقيق النص
غاية التحقيق: تقديمُ المخطوط صحيحًا كما وضَعَه مؤلِّفُه، أو هو أقرب إلى ما وضعه مؤلفه، دون شرحه، ومعنى ذلك أن الجهود التي تبذل في كل مخطوط يجب أن تتناول البحث في الزوايا الآتية:

1- تحقيق عنوان الكتاب:
وليس بالأمر الهين؛ فبعضُ المخطوطات خِلْوٌ من العنوان؛ إما لفقْد الورقة الأولى منها، أو لانطماس العنوان، أو لمخالفته الواقعَ لداعٍ من دواعي التزييف أو الجهل، ولا بد في هذه الأحوال من الرجوع إلى طائفة من كتُب التراجم والتصنيف، كـ"الفهرست" لابن النديم، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة، و"معجم الأدباء" لياقوت الحَمَوي، وغيرها، ويساعد في ذلك أيضًا معرفةُ أسلوب المؤلف وطريقته في التصنيف.

2- تحقيق اسم المؤلف ونسبة الكتاب إليه:
لا بد من التأكُّد من صحة ما يوضع على غلاف المخطوطة من معلومات؛ فقد يُنسب كتابٌ إلى غير صاحبه، وقد يُطمَس اسمُ المؤلف، أو يمحى، أو يعتريه التصحيف والتحريف، فالنصريُّ قد يصحف بالبصري، والحسنُ بالحسين، والخرازُ بالخزار... إلخ، كلُّ ذلك يوجب علينا أن نراجع فهارس المكتبات، وكتب المؤلفات، وكتب التراجم والمتشابه، وكتب التصحيف والتحريف؛ لنقف على حقيقة المؤلف، ونستوثق من نسبة الكتاب إليه.

3- تحقيق متن الكتاب:
ومعناه: أن يؤدَّى الكتاب أداءً صادقًا كما وضعه مؤلفه كمًّا وكيفًا بقدر الإمكان، فليس المتن تحسينًا أو تصحيحًا، وإنما هو أمانة الأداء التي تقتضيها أمانةُ التاريخ؛ فإن متن الكتاب حُكمٌ على المؤلف، وحكم على عصره وبيئته، وهي اعتبارات تاريخية لها حُرْمتُها، كما أن ذلك الضرب من التصرُّف عدوانٌ على حقِّ المؤلف الذي له وحده حقُّ التبديل والتغيير.
خطر تحقيق المتن:
قديمًا قال الجاحظ: " ولربما أراد مؤلِّفُ الكتاب أن يصلح تصحيفًا، أو كلمةً ساقطة، فيكون إنشاءُ عشر ورقات من حرِّ اللفظ وشريف المعاني أيسرَ عليه من إتمامِ ذلك النقص، حتى يردَّه إلى موضعه من اتصال الكلام"؛ (الحيوان)

مقدمات تحقيق المتن:
هناك مقدمات رئيسة لإقامة النص، منها:
1- التمرس بقراءة النسخة: فإن القراءة الخاطئة لا تنتج إلا خطأً، وبعض الكتابات يحتاج إلى مراسٍ طويل، وخبرةٍ مديدة، ولا سيما تلك المخطوطات التي لا يطَّرد فيها النقْط والإعجام، وكذلك تلك التي كُتبتْ بقلم أندلسي أو مغربي،

2- التمرس بأسلوب المؤلف: وأدنى صُوَرِه أن يقرأ المحقِّقُ المخطوطةَ المرةَ تلو المرة، حتى يخبر الاتجاه الأسلوبي للمؤلف، ويتعرَّفَ خصائصه ولوازمه، وأعلى صور التمرس أن يَرجِعَ المحقق إلى أكبر قدرٍ مستطاع من كُتُبِ المؤلف؛ ليزداد خبرةً بأسلوبه، ويتمكَّن من عباراته وألفاظه.

3- الإلمام بالموضوع الذي يعالجه الكتاب: حتى يمكن المحقِّق أن يفهم النصَّ فهمًا سليمًا، يجنبه الوقوعَ في الخطأ حين يظن الصوابَ خطأً فيحاول إصلاحه؛ أي: يحاول إفساد الصواب، ويتم ذلك بدراسة بعض الكتب التي تعالج الموضوع نفسه أو قريبًا منه.

4- الاستعانة بالمراجع العلمية اللازمة: ويمكن تصنيفها على الوجه الآتي:
أ- كتب المؤلف نفسه مخطوطها ومطبوعها.

ب- الكتب التي لها علاقة مباشرة بالكتاب، كالشروح، والمختصرات، والتهذيبات.

جـ- الكتب التي اعتمدتْ في تأليفها اعتمادًا كبيرًا على الكتاب.

د- الكتب التي استقى منها المؤلف.

هـ- المراجع اللغوية، وهي القياس الأول الذي نسبر به صحة النص، ونستوثق به من صحة قراءتنا له.

و- المراجع العلمية الخاصة بكل كتاب حسب موضعه وفنه.

التعليق على النص:


1-  النسخ:


يتم النَّسْخ عن النُّسخة الأم المعتمدة أصلاً، بخطٍّ واضح، وترتيب حسن، ولعل من أكثر الأمور أهميةً في تنظيم النص: تعيينَ بداية الفقرة؛ حيث تقدِّم انطباعًا بأن المادة التي تتضمنها تكوِّن وحدة مستقلة، مرتبطة في الوقت نفسه بالسياق العام لمجموع النص، ولا شك أن لعلامات الترقيم أثرًا كبيرًا في وضوح النص وترتيبه، وينبغي العناية بضبط النص بالشكل، ولا سيما الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة، والشعر، والأعلام المشتبهة، ويلتزم به - أي بالشكل - في المواضع التي يؤدِّي فيها ترْكُه إلى الْتباس المعنى أو انغلاقه.

2-  المقابلة:


على المحقِّق أن يرمز لنسخ المخطوطة المختلفة برموز معينة، يشير إليها عند مقابلة النسخ، حيث يثبت اختلافاتها مع نسخة الأصل في الهامش، ولا ينبغي إثقال الحواشي بفروقات ضئيلة، واختلافاتٍ يسيرة، لا يتوقَّف عليها أيُّ معنى، ولا يتحصل منها أيُّ فائدة،  وهكذا يُثبت المحقِّقُ نصَّ نسخة الأصل في المتن، ما لم تجانِبِ الصوابَ، فإذا تبين له أنها صُحِّفتْ، أو حُرِّفتْ، أو جانبَتِ الصوابَ بوجه من الوجوه - تعيَّنَ عليه أن يثبت ما يراه صوابًا مما تتضمنه بقيةُ النسخ، ، ويحسن أن يعلل المحقِّق ما يذهب إلى ترجيحه من عبارات وألفاظ تُخالِفُ ما عليه نسخةُ الأصل، وإذا احتاج النص إلى زيادة ليست في الأصول، فعليه أن يجعلها بين معقوفين [ ].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Modifié le: Saturday 12 June 2021, 23:39