أ- المعنى اللغوي:قال الزمخشري: وحى أوحى إليه، ووحيت إليه، إذا كلمته عمَّا تخفيه عن غيره، ووحى وحيًا: كتب[1]

فالوحي كلمة تدلُّ على معانٍ؛ منها: الإشارة، والإيماء، والكتابة، والسرعة، والصوت، والإلقاء في الروع إلهامًا وبسرعة وبشدَّة، ليبقى أثره في النفس[2]، وأصله: إعلامٌ في خفاء، وله صورٌ عِدَّة، وهي كلُّها تتمُّ في خفاء، فهو الإشارة السريعة، ولتضمُّنه السُّرعة قيل: أمرٌ وحي للكلام على سبيل الرمز[3].

ب- المعنى الاصطلاحي:الوحي؛ معناه: أن يُعلِم الله - تعالى - مَن اصطفاه مَن عباده كلَّ ما أراد إطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة سرِّيَّة خفيَّة غير معتادة للبشر، ويكون على أنواعٍ شتى، فمنه ما يكون مكالمة بين العبد وربه؛ كما كلَّم الله موسى تكليمًا، ومنه ما يكون إلهامًا يقذفه الله في قلب مُصطَفاه على وجهٍ من العلم الضروري لا يستطيع له دفعًا ولا يجد فيه شكًّا، ومنه ما يكون منامًا صادقًا يجيء في تحقُّقه ووقوعِه كما يجيء فَلَقُ الصُّبح في تبلُّجه وسطوعه، ومنه ما يكون بواسطة أمين الوحي جبريل - عليه السلام - وهو من أشهر أنواع الوحي وأكثرها، ووحي القرآن كله من هذا القبيل، وهو المصطَلح عليه بالوحي الجلي[4].

وبتعبير أشمل: الوحي كلام الله - تعالى - المنزَّل على نبي من أنبيائه، وهو تعريفٌ له بمعنى اسم المفعول؛ أي: الموحى[5].

جـ- المعنى الشرعي القرآني: جاء لفظ الوحي وما تصرف منه في القرآن في ثمانية وسبعين موضعًا، بالاستقراء نجد استعمال لفظ الوحي دلالة على الإعلام الخفي السريع.

والوحي كاسم معناه: الكتاب، ومصدره (وَحْي)، وفعل (أَوْحَى) مصدره (إِيحَاء([6]، غير أن للوحي وجوهًا دلالية يتطلَّبها السياق في القرآن على نحو مخصوص[7].

فالمقصود بالمعنى الاصطلاحي: النبوة المأخوذة من النبأ بمعنى الخبر، وهو وصول خبر الله - تعالى - بطريق الوحي إلى من اختاره من عباده لتلقي ذلك[8].

وذكر علماء التفسير سبعة أوجه للوحي في القرآن الكريم:


1- الإرسال:﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ [النساء: 163]، ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ ﴾

2- الإشارة: ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾ [مريم: 11]، والبيان فيما قبلها: ﴿ قَالَ آَيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ﴾ [مريم: 10]، ﴿ قَالَ آَيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا ﴾ [آل عمران: 41]، والرمز الإشارة بالشفة والصَّوت الخفي، وعبَّر عن كل كلام كإشارة بالرمز[9]، فكان الكلام المستثنى من الحكم هو (الوحي والرمز) بمعنى الإشارة.


3- الإلهام: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل ﴾ [النحل: 68]، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ﴾ [القصص: 7]، فهو "إيقاع شيء في القلب يطمئنُّ له الصدر، ويخص به بعض أصفيائه"[10]، وهذا خاصٌّ بالبشر، أما البهائم فهو غريزة تجعلها تحسُّ ما ينفعها وما يضرها، قال الرازي: "قوله ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل ﴾ يقال: وحى وأوحى، وهو الإلهام، والمراد من الإلهام أنه - تعالى - قرَّر في أنفسها هذه الأعمال العجيبة التي تعجز عنها العقلاء من البشر[11].


4- الأمر:﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾


5- القول: والكلام المباشر: ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾


6- الإعلام: بالإلقاء في الروع وهو خاص بالأنبياء: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا ﴾


7- الوسوسة:﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾

"فالوحي من معانيه العامة أنه الإعلام الخفي السريع، الخاص بمن يُوجَّه إليه، بحيث يخفى عن غيره، ومنه الإلهام الغريزي كالوحي إلى النحل، وإلهام الخواطر بما يلقيه الله في روع الإنسان السليم الفطرة كالوحي إلى أم موسى، ومنه وحي الناس لبعضهم البعض، ووحي الشياطين ويسمى بالوسوسة"[12].

والرؤيا والحدس والإلهام والتحديث والفراسة: كلُّها صور للوحي، تتفاوت حسب وقوعها،غير أن النبوة خاصة بالوحي الخاص بأضرُبِه الثلاثة.

-------------------------------------

[1]  أساس البلاغة"؛ للزمخشري، 101.

[2] "معجم ألفاظ العلم والمعرفة"؛ عادل زاير، ص21.

[3] "المفردات"؛ للراغب، ص530.

[4] "مناهل العرفان في علوم القرآن"؛ محمد عبد العظيم الزرقاني، دار الفكر العربي، القاهرة، ط(1)، 1995، ص46.

[5] "مباحث في علوم القرآن"؛ مناع القطان، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط(1)، 1995، ص33.

[6] "التفسير الكبير"؛ الرازي، ج14، ص272.

[7] "تأويل مشكل القرآن"؛ عبد الله بن مسلم بن قتيبة؛ شرح وتحقيق: السيد أحمد صقر، دار الثراث، القاهرة، ط(2)، 1973، ص373.

[8] "كبرى اليقينيات الكونية"؛ محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط(1)، 1997، ص183.

[9] "المفردات"؛ الراغب، ص209.

[10] "تاج العروس"؛ الزبيدي. ج9، ص67.

[11] "التفسير الكبير"؛ الرازي، ج10، ص73.

[12] "الوحي المحمدي"؛ محمد رشيد رضا، دار الكتاب، الجزائر، ط(1)، 1989، ص44.

 

 

 

 

 

Modifié le: Thursday 14 January 2021, 09:21