إن مبدأ التطور الذي يتحكم في جميع النتاجات البشرية سواء كانت تلك النتاجات مادية أم فكرية ، تفرض علينا القول بأن المعتقدات الدينية لفترة العصور التاريخية لا بد و أن تكون منشبة على المعتقدات التي سادت خلال الحضارات الزراعية التي انتشرت في الأقسام الشمالية من العراق خلال الفترة المحصورة بين 8000-5000 ق.م فقد تأكد بان هذه الحضارات كانت تعتمد في زراعتها بصورة رئيسية على المطر لأن المناطق الشمالية أراضيها متموجة و لا ينفع معها استعمال أنظمة الري لذا فهي مضطرة للاعتماد على مياه الأمطار.و من خلال الآثار التي خلفتها لنا هذه الحضارات الزراعية تأكد بان سكانها قد عبدوا الخصوبة و كل شيء يساعد على وفرة الإنتاج في الحياة و السبب الذي دعا سكان هذه الحضارات إلى عبادة الخصوبة يرجع إلى أنها كانت العامل المهم و الرئيسي الذي يتحكم في حياتهم حيث ما دامت كمية الأمطار كافية لنمو الزرع فإن الإنتاج الوفير لا يتحقق إلا من خلال توفر الخصوبة في الأرض ، غير أن انتشار هذه الحضارات منذ بداية الألف السادس ق.م في المناطق الواقعة بالجنوب و التي تتميز بأمطار متذبذبة و غير مستقرة أي كميتها تكون في سنة كافية لنمو الزرع و في سنة أخرى غير كافية ، قد دفع إنسان تلك المناطق إلى أن يتجه بأنظاره إلى الجوية المؤثرة على الزرع و الحصاد و المطر أكثر من اهتمامه بالخصوبة لأن الخصوبة بدت لا قيمة لها دون مطر كاف ، و لذلك فإن هذه الظروف قد أدت إلى ظهور فكرة دينية جديدة تعتمد في طقوسها على قدسية العوامل الطبيعية و النظر إلى الماء على انه أساس الحياة ، فانتشرت فكرة عبادة القوى الطبيعية في شتى مناطق العراق القديم ، ثم نسبت لكل قوى اله خاص بها .لذا فان طبيعة البيئة العراقية و مناخها و مختلف عواملها الطبيعية كانت السبب الرئيسي في توجيه الفكر الديني و نشأة المعتقدات الدينية لدى الإنسان آنذاك ، لأنه كان يتحسس تأثير العوامل الطبيعية على حياته و محاصيله الزراعية لكنه لم يعرف أصلها و كيف تكونت فحولها إلى آلهة و اعتبرها أزلية.

أ-الطقوس اليومية : الصلاة أُولى طقوس العبادة في الديانة السومرية وحلقة وصل قوية بين الأرض والسماء أو بين الإنسان والإِله، وارتبطت بممارسات محددة تتقدمها التطهير التام والوضوء بغسل اليدين والركوع والسجود ورفع اليدين إلى الآلهة والتمتمة ببعض الابتهالات والأدعية، بما فيها الشكاوى والتوسلات وعبارات الشكر والطاعة والعفو والمغفرة. وبذلك شكلت الصلاة طريقة لاتصال الفرد بالإِله بِِِقصد تحاشي غضبه وعقابه وكسب رضائه واستعطاف بركاته. وعبَّرت عن الورع والخوف والخشوع ومحاولة تحقيق السلام الروحي للفرد وضمان مسيرة حياة المتعبد وتحقيق أُمنياته وتطلعاته من حيث الرخاء والصحة والأولاد وطول العمر. وفي غير ذلك، أي عند معصية الخالق يُعتبر الشخص مسؤولاً عن مصيبته ومرضه وخيبته في غياب الحماية الإِلهية

-ب- طقوس المناسبات :تُجرى وفق أحداث محددة تمر بالإنسان، فقد كانت عملية بناء المعبد وإعادة بنائه تصحب طقوس كثيرة وشعائر مختلفة وكانت هذه الطقوس في المراحل السومرية تجرى وفق وضع أشياء في أسس المعابد والمباني من العناصر الشريرة كالتماثيل ورموز الآلهة والمسماري الحجري الذي كان يوضع في هذه الأساسات والرموز وقد تطورت فيما بعد وأخذت ترافقها  الأضاحي وقد اشتهر في بابل عيدها السنوي و يصادف  زمنه في الربيع بين آذار و نيسان و يستغرق نحو إثني عشر يوما و كانت تجرى فيه أنواع   العبادات و الطقوس الدينية من قبل كهنة بابل ، وكان الآلهة يقومون بالأدوار الدينية فيه، و يعد اشتراك الملك في احياء العيد أمرا أساسيا يعكس الاحتفال بالعيد أصل كثير من الرسوم الدينية المتعلقة بالزراعة و تبدل المواسم الخاصة بها..

-ج- طقوس الأعيــــــــاد: كان للعراقيون القدامى أعياد فصلية كثيرة كما يمكن استنتاجه من أسماء الأشهر، فبداية كل شهر قمري يكون عيد وذلك الأيام 07-15 وآخر يوم من الشهر. وأهم الأعياد هو عيد رأس السنة (الأكيتو) الذي يجرى فيه الزواج المقدس بين الملك ممثلا الإله تموز وكاهنة تمثل عشتار وترجع أهم نصوص هذا الزواج تقام في المعبد وتحت أراف الكهنة.

د-العرافة والسحر

ترتبط العرافة والسحر ارتباطا وثيقا بالمعتقدات الدينية والعادات والتقاليد الاجتماعية وتعد في العرافة أساسا إلى الاتصال بالقوى العليا )الآلهة(لمعرفة ما تقدره من خير وشر للفرد والمجتمع على حد سواء بينما يعرف السحر إلى تحقيق أو أحداث غرض معين قد يكون مفيدا أحيانا مثل شفاء المرضى أو مضرا أحيانا أخرى مثل :إلحاق الأذى بفرد أو أكثر ولا شك في أن المعتقدات الخاصة بالسحر والعرافة قديمة جدا لان الإنسان عرف كثيرا من المعتقدات والطقوس الدينية ومارس أنواعا من الأساليب السحرية منذ عصور ما قبل التاريخ حيث كانت مهنة العرافة وثيقة الصلة بالمعبد لان العراف كان كاهنا شانه في ذلك شان مفسر الأحلام وغيره من كهن المعبد ومن جهة أخرى كانت تزد إشارات كثيرة في النصوص المسمارية تدل على ارتباط العراف بالقصر وهو أمر ناتج على أن الملك كان يستشير قبل اتخاذ قرارات المهمة لمعرفة مشيئة الآلهة بخصوصها مثل ولاية العهد أو القيام المشروع بناء أو  وصاية وبالإضافة إلى ذلك فقد كانت مهنة العراف شديدة الارتباط بالجيش والعمليات العسكرية ولا شك في أن هذا الارتباط يعود إلى الملك حيث كان يستطلع رأي الآلهة قبل القيام بالعمليات العسكرية ليتعرف على احتمالات النصر أو الفشل ويقسم الباحثون العرافة إلى قسمين رئيسيين بموجب الطريقة التي تنجز بواسطتها فهناك

العرافة العملية : الذي يستعمل فيها العراف وسائل وطرق علمية من اجل الاتصال بالقوى العليا ويشمل هذا النوع من المعرفة

ا/ضرب القداح  وهي سهام صغيرة محرزة مثل الأزلام عند درب الجاهلية حيث كان البابليون يستعملونها لاستطلاع رأي الآلهة في مناسبات أو قضايا معينة

ب/سكب الزيت في الماء حيث يقوم العراف بسكب الزيت في إناء به ماء ثم يراقب حركة الزيت وهو يطفو فوق الماء فإذا ما تكونت حلقة كاملة واتجهت نحو الشرق كان في ذلك في اعتقاده بشيء حسن أما إذا انكسرت الحلقة أو انتشر الزيت فوق الماء دون أن يكون حلقات فكان ذلك شيء شؤوم لصاحب العراف

ج/تصاعد الدخان وهي طريقة في العرافة تعتمد على حرق البخور أو أنواع معينة من الاعشاب ومراقبة تصاعد الدخان من المبخرة وانتشاره

أما النوع الثاني من العرافة فيسمى العرافة السحرية لأنها تعتمد على قوى وظواهر خفية لا دخل للإنسان فيها مثل حدوث تغيرات في الظواهر الكونية والطبيعية كالخسوف والكسوف وحركة الرياح كما إنها تعتمد على مراقبة التغيرات التي تحدث في سلوك الطير أو الحيوانات وفي أحشائها الداخلية خاصة الكبد وتشمل العرافة السحرية أنواعا مختلفة نذكر منها :

* العرافة المستمدة من الظواهر الكونية والطبيعية إذ يعتمد هذا النوع من العرافة بالدرجة الأولى على مراقبة الشمس والقمر والنجوم على حد سواء من حيث مواقعها وأشكالها وألوانها لاستنباط الفال من كل ظاهرة ويسمى هذا النوع من العرافة بالتنجيم الذي كان الغرض منه التنبؤ بالمستقبل على الصعيد الرسمي للملك والدولة وعلى الصعيد الشعبي للأفراد أيضا. العرافة المستمدة من الأجنة والولادات المشوهة سواء البشرية منها أو الحيوانية من فحص الكبد والأحشاء : وقد اشتهر العراقيون القدماء خصوصا بعرافة الكبد فبعد أن ينحر العراف الذبيحة يبدأ بفحص أحشائها بحثا عن عرافة يستنبطها من الوضع العام للعضو من شكله ولونه وتضخمه أو ظهوره مع ملاحظة ما عليه من أعراض غير اعتيادية أو تشوهات خاصة ما يظهر على الكبد من فقاقيع أو تشققات وجدير بالذكر انه يتم استكشاف نماذج عديدة مصنوعة من الطين على هيئة الكبد وعليها شروح تمثل أجزاؤه المختلفة في وادي الرافدين. 

Modifié le: Thursday 23 February 2017, 10:52