الحداثة وما بعد الحداثة

     تمهيد: لا تبالغ إذ قلنا أن المصطلح الحداثة كما رأينا سابقا قد أثار جدلا كبيرا لم يثره أي مصطلح اخر، وذلك لأسباب منها: أنه مصطلح منقول حمل معه الكثير من الغموض والالتباس كذلك التباين الكبير بين الثقافة الغربية والعربية الذي أثر على وضعية المصطلح.

    يقول أحد الباحثين: حينما نستخدم مفردات الحداثة الغربية ذات الدلالات التي ترتبط بها داخل الواقع الثقافي والحضاري الخاص بها تحدث فوضى دلالية داخل واقعنا الثقافي والحضاري، لكن هناك أسباب أخرى مهمة منها أن مصطلح الحداثة لم يقتصر على حقل معرفي واحد فهو متواجد في أغلب الحقول المعرفية وهذا ما جعله متعدد المفاهيم.

  جدل الحداثة في الادب العربي: أدى نقل الحداثة إلى واقعنا العربي إلى ظهور فريقين: الفريق الاول :أحدهما يناصر الحداثة العربية لانه يرى فيها الملخص من التخلف الحضاري ويسمى المؤيد الفريق الثاني: وقف موقف معارض لهذه الحداثة لأنه يراها تهديدا الى كيانه وتراثه وهويته.

   تقول أحد الباحثات: لكن الصدمة الحقيقة لحداثتنا تمثلت في انشقاق الوعي العربي بين حضارة تقديمية تنادي بالانفتاح وبين سلفية ماضوية تدعو الى التمسك بالاصول.

     ان الفريق الذي يعارض الحداثة ويتمسك بالاصول يصفه بعض كتاب العرب بوصف يدل على مدى اتساع الشر بين الطرفين على سبيل مثال الحرص يهاجم سامي سويدان هذا الفريق ويتهمه بتعطيل الحداثة لانه يعادل لكل ما هو رديء بل بتهمه بمعادات الثقافة.

    من جهة أخرى يتعرض الفريق الذي يتبنى الحداثة الغربية لهجوم شرس خاصة من طرف الدعاة.

    لقد أحدث مصطلح الحداثة جدل واسع في الأدب العربي خاصة بعد دخوله في نفق مظلم، وإذ نشأ عند ذلك تيارين

     ما بعد الحداثة (المفهوم والاسس) من المصطلحات أكثر إلتباسا وإثارة في فترة ما بعد الحداثة هو مصطلح (ما بعد الحداثة) حيث اختلف حوله النقاد والدارسون نظرا الى تعدد مفهوماته ومدلولاته من ناقد لاخر إذ نجد المعالم التي قدمت الى ما بعد الحداثة متناقضة فيما بينها فهناك من يرى أن أفكار ما بعد الحداثة مختلفة جذريا عن أفكار الحداثة، ويعتقد بعضهم أنه يمكن اعتبار الفنانين والكتاب في مرحلة ما قبل الحداثة أنه ما بعد الحداثة بالرغم من أن المفهوم لم يكن مصاغ أنا ذاك لقد ناقش الفيلسوف الألماني يورغن مشروع الحداثة ويقول أنه لم ينتهي بعد لأنه مزال يواصل سعيا لتحقيق أهدافه التي هي قيم تنوير العقل والعدالة الاجتماعية. وقد اعتمدت فلسفة ما بعد الحداثة على تشكيل والتقويض والعدمية كما اعتمدت على التناص واللانظام واللانسجام وإعادة النظر الكثير من المسلبات والمقولات المركزية التي تعارض إليها الفكر الغربي قديما

     ويمكن الحديث عن ما بعد الحداثة عن أربعة منظورات وهي:

  1. المنظور الفلسفي: الذي يرى أن ما بعد الحداثة دليل على الفراغ وعلى غياب الحداثة نفسها.
  2. المنظور التاريخي: الذي يرى أن ما بعد الحداثة حركة الابتعاد عن الحداثة أو رفض لقاء جماليا.
  3. المنظور الايديولوجي السياسي: يرى أن ما بعد الحداثة تعرية للأوهام الايديولوجية القوية.
  4. المنظور الاستراتيجي النصوصي: يرى أن مقاربة النصوص ما بعد الحداثة لا تتقيد بالمعايير المنهجية وليس ثمت قراءة واحدة بل قراءات منفتحة ومتعددة.

   السياق التاريخي وظهور ما بعد الحداثة: ظهرت ما بعد الحداثة في ظروف سياسة معقدة ما بعد الحرب العالمية الثانية في سياق الحرب الباردة وبين قطبين وانتشار التسلح النووي.

مرجعية ما بعد الحداثة: تعتمد فلسفة ما بعد الحداثة في الثقافة العربية على مجموعة من المكونات والمرتكزات الفكرية والذهنية والفنية والجمالية ويمكن حصر هذه المرجعيات في المبادئ التالية:

  1. التفويض: تسعى نظرية ما بعد الحداثة الى التفويض الفكر الغربي وتحطيم أقاليمه المركزية بالتشكيك والتفكيك، لأنها تسلحت بمعامل الهدم والتشريح للتعرية الخطابات الرسمية.
  2. التشكيك: فقد نادت ما بعد الحداثة الى التشكيك في المعارف النفسية وانتقاد المؤسسات الثقافية المالكة للخطاب والقوة والمعرفة والسلطة وتفكيكه جاك دريدا هي في الحقيقة تدليك في الميتافيزيقا الغربية الممتدة من أفلاطون الى فترة الفلسفة الحديثة.
  3. الفلسفة العدمية: وهي فلسفات عدمية وفوضية تقوم على تعيب المعنى وتفويض العقل والمنطق والنظامي والانسجام وهي بذلك لا تقدم بدائل عملية واقعية وبراغماتية بل هي فلسفة معقولة تنشر اليأس والشكوى والفقر.
  4. التفكيك والانسجام: كما نرى فلسفات ما بعد الحداثة ضد النظامي والانسجامي فهي تعارض فكرة الكلية وفي المقابل تدعو الى التعددية والاختلاف وتفكيك ماهو منظم ومتعارف عليه.
  5. هيمنة الصورة: أصبحت الصورة التصورية بعد تصور وسائل الاعلام علامة سيميائية تشهد على تطور ما بعد الحداثة ولم تعد اللغة هي المنظم الوحيد للحياة الانسانية بل أصبحت هي الاساس لتحصيل المعرفي.
  6. الغرابة والغموض: تتميز ما بعد الحداثة بالغرابة وغموض الاراء والافكار والمواقف فمازالت تفكيكه جاك دريدا مبهمة وغامضة ومن الصعب فهمها واستعابها.
  7. التناص: وهو استلهام نصوص الاخرين بطريقة واعية او غير واعية وهو مرتبط بالنقد الحواري عند ميخائيل بختين.
  8. التخلص من المعايير والقواعد: ما يعرف عن فرضيات ما بعد الحداثة في مجال الادب والنقد هو تخلصها من النظريات والقواعد المنهجية اذ يسخر ميشال فوكو من داريس ينطلق من منهجيات متعددة يكررها دائما ويحفظها عن ظهر القلب لانه يرى النص والخطاب عالما متعدد الدلالات يحتمل قراءات مختلفة ويرفض ديريد أن تكون له منهجية نقدية ادبية في شكل وصفة سحرية ناجحة لتحليل النص الادبي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Modifié le: Wednesday 22 May 2024, 21:59