لقد قامت النظرية السلوكية على مفهوم أساسه أن التنظيم وسيلة للعمل كما أنه وسيلة للحياة، مفترضة أن التنظيم ما هو إلا أنماط واتجاهات سلوكية واجتماعية أكثر من كونه مجرد هيكل أو بناء جامد، وأن القيادة الإدارية فن قائم على أساس السلوك العقلي تجاه العلاقات الانسانية. وعلى ذلك فبجانب العلاقات الرسمية في المنظمة والمحددة في ضوء السلطات المقررة تهتم النظرية السلوكية بالآثار النفسية والاجتماعية والقيم المستقرة، وأنماط السلوك البشري الجماعي داخل التنظيم، وما لها من تأثير في العلاقات الرسمية المقررة.
وتفترض النظرية السلوكية إن كان اختلاف سلوك الأفراد عن السلوك المتوقع في ضوء الاعتبارات التي تضعها التنظيميات الرسمية. وقد تضطر الإدارة إلى تعديل التنظيمات الرسمية لتلائم التنظيمات الاجتماعية السائدة في المنظمة. كما تفترض هذه النظرية احتمال وجود تباين بين أهداف المنظمة وأهداف العاملين.
1- نظرية العلاقات الانسانية: إلتون مايو
من أهم الدراسات التي قامت بها نظرية حركة العلاقات الانسانية "دراسات هوثورن" والتي اجريت تحت إشراف إلتون مايو في مصانع وسترن الكتريك في الولايات وكان الغرض الأساسي لهذه الدراسة تحديد تأثير المتغيرات المادية في العمل (الإضاءة، الأجور، الراحة، التهوئة، التدفئة...) على انتاجية العاملين، ومن ثم العمل على تعديلها بما يتناسب مع معايير السلوك للعاملين من خلال التجارب الميدانية.
حيث شرع الباحثون في اخضاع ستة فتيات إلى الملاحظة التجريبية أثناء الأداء، وقاموا بإجراء تغييرات في فترات الراحة، وطول وقت العمل و الإضاءة وغيرها من الظروف المادية، وكانت النتائج ارتفاع في انتاجية الفتيات عند إجراء التغيير وبرز إلى جانب الظروف المادية في العمل أهمية الجانب الاجتماعي في التأثير على علاقات العمل والانتاج، حيث أن المصنع يؤلف نظاما اجتماعيا تسوده علاقات غير رسمية تؤثر في أنماط التفاعل.
وعليه لابد أن ينظر إلى العامل باعتباره كائنا اجتماعيا وانسانيا له حاجاته ورغباته وميوله واتجاهاته ومشاعره المؤثرة في أدائه الانتاجي. ومن هنا نشأت حركة أو مدرسة العلاقات الانسانية و أسهمت من خلال الدراسات الميدانية و أكدت على التنظيم غير الرسمي، والروح المعنوية و الدافعية، وتماسك الجماعة، والتفاعل الاجتماعي، الحوافز.
2- نظرية ماري باركر فيوليت: 1868-1923 .
حاولت ماري باركر فيوليت من خلال دراساتها لأفكار رواد المدرسة الكلاسيكية و أفكار مدرسة العلاقات الانسانية والتوفيق بين الاتجاهين ، حيث عبرت عن اعتقادها بأن استخدام الأساليب العلمية في الإدارة لا يكفي لزيادة الانتاجية، وان الحافز المادي لا يكفي لتوليد الرغبة في العمل وزيادة الانتاجية، فقد ركزت فيوليت على أثر الجماعة على الفرد ودعت إلى المشاركة في السلطة و التعاون و التنسيق بين الأفراد العاملين في المنظمة، وقالت أنه في الوقت نفسه يمكن زيادة الانتاجية إذا طبقت مبادئ العلاقات الانسانية، ووفرنا للعامل الحافز المعنوي، إلى جانب توفير ظروف العمل المناسبة، وهكذا إذا تمكنت المنشأة من دمج مبادئ نظرية الإدارة العلمية مع مبادئ رواد نظرية العلاقات الانسانية، فإن الرضا سيتحقق عند العمال وبالتالي ترتفع معنوياتهم وتزيد انتاجيتهم، وينخفض معدل دوران العمل.
أهم رواد المدرسة السلوكية:
- وايت باك: نظرية التنظيم الاجتماعي
تمحورت نظريته عن التنظيم حول ثلاث نقاط أساسية مفادها ما يلي:
- وضع مفهوم واقعي وليس مثالي عن التنظيم وما يدور بداخله من أنشطة وتفاعلات.
- أن يكون هذا المفهوم ذو طابع عمومي وشمولي أي لا يقتصر على دراسة وتفسير جانب فقط، بل يشمل كافة مكونات التنظيم.
- التركيز في دراسة التنظيم على عملية التفاعل بين عناصره ومكوناته.
أما عناصر ومكونات التنظيم حسب وايت باك هي:
- ميثاق التنظيم، موارد التنظيم (البشرية، المادية، رأس المال، الفكر)، الأنشطة (انتاجية و تسويقية، تمويلية ومحاسبية، فنية وصيانة، فكرية، رقابية)، العمليات (التداخل، حل المشاكل، القيادة)، التفاعل.
- كريس أرجيريس: نظرية التناقض بين الفرد والتنظيم الرسمي
الفكرة الأساسية لنظرية أرجيريس تدور حول مفهوم مؤداه: أن النظرية الكلاسيكية مقبولة بشرط تعديلها بشكل يخفف معه آثارها السلبية على الفرد، و إزالة التعارض بينه وبين التنظيم الرسمي، وبالتالي تحقيق التقارب بينهما و إيجاد التفاعل الإيجابي بين الطرفين، فالمعاملة الآلية للفرد من قبل التنظيم الرسمي (وفق مفهوم النظرية الكلاسيكية) تحدث لديه نفورا تجاه المنظمة التي تحاول استغلال جهده وطاقته، وهنا يحدث التناقض بين أهدافه و أهدافها، لذلك فالتمسك الحرفي بأفكار النظرية الكلاسيكية سيحدث هذا التناقض آثارا سلبية لدى الفرد، والتناقض في نهاية المطاف قد ينتهي إلى الصراع. فالفرد يسعى لإشباع حاجاته وتحقيق أهدافه من خلال المنظمة، التي إذا استغلته ولم تحققها له سيحدث عندئذ التناقض والصراع وبالتالي جمود العلاقات التنظيمية بين الجانبين.
- وايت باك وكريس أرجيريس: نظرية الاندماج والانصهار
تعتبر امتداد للنظرية السابقة وهي نظرية التناقض بين الفرد والتنظيم الرسمي، و الفكرة الأساسية التي تقوم عليها هي أن المشكلة الأساسية في حياة المنظمات هي كيف يمكن لتجمع بشري أفراده مختلفون في القدرات والاستعدادات يندمجون في نشاط تعاوني يساهم في نجاح المنظمة وتحقيق أهدافها ويحقق رضا و إشباع أهداف الأفراد في هذا المجتمع. إن الفرد يسعى إلى تحقيق أهدافه الذاتية وبنفس الوقت أهداف المنظمة التي يعمل فيها، فإذا تحققت أهداف المنظمة ولم تتحقق أهدافه بإشباع حاجاته، يكون هناك عندئذ تضحية من ناحية الفرد، و إذا تحققت أهداف الفرد ولم يعط الجهد اللازم من أجل تحقيق أهداف المنظمة، معنى ذلك أنه في كلتا الحالتين لم يحدث الاندماج أو الانصهار، وعليه يمكن القول أن الاندماج قد يحدث إلا إذا تحققت أهداف الطرفين.
- دوغلاس ماك غريغور: نظرية x و y (الفلسفة الإدارية)
يستند إلى افتراض يقول بأن أي عمل أو تصرف إداري في المنظمة يرتكز في إطاره العام على نظرية إدارية معينة ويرى أن العاملين في المنظمة يتأثرون جزئيا بطابع الفلسفة الإدارية التي يؤمن بها المدير. وقد تناول ماك غريغور الفكر الإداري والتنظيمي الكلاسيكي في نظرية x والتصورات الفكرية لمدرسة العلاقات الانسانية من خلال نظرية y التي يؤمن بها هو، ويمكن إيجاز خصائص كل من النظريتين كما يلي:
- نظرية x:
تستند هذه النظرية على عدد من الافتراضات حول طبيعة السلوك الانساني من أهمها:
- أن العاملين يكرهون، في المتوسط، العمل ويحاولون تجنبه في المنظمة قدر الإمكان، وتنفيذ العملية الانتاجية بأقل من طاقاتهم الحقيقية في الأداء.
- نظرا لكراهية العاملين للعمل، فإنه يجب أن يتم إجبارهم على أدائه، وينبغي اخضاعهم للرقابة والتهديد المستمر بالعقاب بغية تحقيق أهداف المنظمة.
- يحاول متوسط الأفراد، عادة تجنب المسؤولية ويفضلون التوجيه من قبل أشخاص آخرين، كما يرغبون في الاستقرار و الأمن، وتقليص الطموحات الذاتية. لذا فإنه لابد من وجود إدارة قوية تشرف وتوجه نشاط هؤلاء الأفراد للوصول إلى مستوى الانتاجية العالية للمنظمة وتحقيق أهدافها.
- نظرية y:
طرح ماك غريغور بالمقابل سمات نظرية y على الوجه التالي:
- إن متوسط الأفراد العاملين في المنظمة لا يكرهون العمل، بل يرغبون فيه، أما الكراهية للعمل فتنجم عن عوامل خارجية تسببها ظروف العمل ذاتها في المنظمة، لذا فإن لسبل الإدارة في التعامل مع الأفراد دور أساسي في توجيههم لحب العمل والإبداع فيه.
- لا تشكل الرقابة الخارجية والتهديد بالعقاب العنصر الأهم في التأثير في السلوك الانساني بل إن الرقابة الذاتية للفرد هي الأكثر تأثيرا في هذا المجال.
- أن الفرد لا يتهرب من المسؤولية بل يبحث عنها باستمرار إذا ما توفرت سبل إشباع رغباته، ويتجنبها فقط حينما لا تحقق أهدافه وطموحاته.
- أن متوسط الأفراد يتمتع بطاقات، وقدرات عالية من شأنها أن تحقق التطوير و الإبداع وعليه فالفشل في تحقيق بعض أهداف المنظمة لا يعني قصورا في القدرة الذاتية للأفراد، بل إلى مدى تحقيق استثمارها باستمرار و بالشكل المطلوب.