الشعر العربي القديم: قضاياه، إشكال قراءته
لعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إنّ الشعر العربي القديم يظل ثرياً، لا يمكن أنْ تحيط به دراسة، أو أنْ يلم بمعضلاته كتاب، ولقد تتابعت على دراسته مناهج متعددة، ابتداءً من المنهج التاريخي وانتهاءً بالمنهج البنيوي،ثم نظريات القراءة والتلقي والأطروحات الحجاجية والتداولية وقد أسهمت هذه المناهج في إضاءة جوانب غامضة منه، و لا تزال جوانب أخرى بها حاجة إلى الدرس والتحليل . [1]
هذا ولا يخفى على أهل النظر أنّ الشعر العربي القديم ينطوي على معضلات تعترض الدارس في المرحلة الجامعية الأولى إذ يلتقي بنصوص أدبية، فيها قدر من الصعوبة والغموض، وتشتمل على قدر من الخصائص الفنية والجمالية التي لها أهميتها وقيمتها، وكان المنهج التاريخي هو المهيمن في الفترات الأولى من تدريسه، حيث كانت الدراسة تتجه نحو المؤثرات التي أسهمت في إبداع النص الأدبي، وليست دراسة للنص الأدبي ذاته. وأفضل من مثل هذا الإتجاه بوعي وعمق هو الأستاذ شوقي ضيف.
و قد طرح الباحث سؤالا في غاية الدقة عند قال: الحاصل أنّ تدريس الشعر العربي القديم يضع الباحث أمام المعضلة نفسها كل عام، ويطرح سؤالاً محيراً، أيهما أجدى : أن يتلقى معرفته في الشعر الجاهلي من خلال الرصد التاريخي، بحيث تسلط الأضواء على الشعراء وحياتهم ودواوينهم، والتحدث عن الأغراض الشعرية دون التوقف عند تحليل النصوص الشعرية والكشف عن معطياتها وتجلياتها الفنية، أم نترك ذلك كله فندرس النصوص الأدبية وكأنها لا علاقة لها بأي سياق تاريخي أو اجتماعي ؟ . [2]
إن قضية كقضية العصبية أو الصعلكة وغيرها تقتضي منا الغوص في فحوصات متينة مقنعة بما هي قضايا تحمل معضلات تاريخية وثقافية في آن، وهي كذلك أطروحات بنيوية وتاريخية في آن ،وهذه المحاضرات تحاول فحص القضايا و المواقف و المفاهيم المستنبطة من النصوص الشعرية القديمة فحصا بنيويا تاريخيا، وما نقصده هنا بالقضايا هي التي تعكس لنا أحوال المجتمع العربي على أنها سجلات حيَّة تستقرئ فيها دقائق الظروف الاجتماعية والفكرية، والاقتصادية والتربوية، مع الإسقاطات العصرية حسب تطور كل مفهوم من تلك المفاهيم من حالة الإيجاب إلى السلب، أو من السلب إلى الإيجاب بحسب العصر والموقف.مثل مفهوم الصعلكة عند عروة حيث إنّ كثير من الباحثين ربطه بمفهوم الاشتراكية...وما نقصده بالقضية أو القضايا كل أمر ذي قيمة يشكل اهتماما مشتركا بين أعضاء المجتمع بحيث يكون تحقيقه هاجسا اجتماعيا وسياسيا يقتضي من الجماعة التضجية بالنفس والنفيس والنضال المستميت مهما كان الثمن نحو: قضية القبلية و الصعلكة والتحول في العصر الإسلامي.