2. نموذج العلاج باللعب مع الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة

تمهيد:

     يولد الطفل كائن بيولوجي، ومع بداية مراحل النمو يتعرض تدريجياً في سياق تنشئته الاجتماعية لضغوط الكبار وبالتالي يتعرض الطفل إلى الكثير من الصراعات والإحباط والكبت لانفعالاته ورغباته التي قد لا تجد طريقها للإشباع إلا من خلال أعراض قد يجهل الأولياء وجودها أو مصدرها، مما ينجم عنه شعورا بالتوتر والقلق سواء عند المفحوص أو أوليائه مما يخفض من نوعية الحياة لدى الأسرة ككل. عند استشارة أخصائي، فان الطفل غير قادر عن التعبير على احتياجاته مثل الراشد، وبالتالي لا يوجد طريقة أحسن من اللعب لإدراجه في عملية التكفل.

1- اللعب وتطور المهارات الاجتماعية:

     في بيئة اعتيادية، يعتبر اللعب عند الطفل منذ السنوات الأولى من حياته وسيلة يكتشف من خلالها البيئة الاجتماعية المحيطة به، ويساعده اللعب على التفاعل مع الآخرين ويستفيد الطفل من مزايا التنشئة الاجتماعية لتكوين خصائصه ومقوماته الشخصية، ومن خلال اللعب كذلك يصل الطفل إلى درجة من النضج الانفعالي بعدما يكون متمركزاً حول الذات ويعتاد الطفل تدريجياً على مشاركة الآخرين والقيام بأداء الأدوار الاجتماعية وإقامة علاقات وتكوين مهارات اجتماعية جديدة ويستدخل باللعب القيم والمعايير الاجتماعية ويمارسها داخل نسقه الاجتماعي مثل المساعدة والتعاون، وينمي القدرة على التفاعل الاجتماعي الواسع (مع أفراد المجتمع) ويتعلم طرق التعبير عن الانفعالات الملائمة مع السن والسياق ومكانة الأفراد ويتعلم القوانين والقواعد الاجتماعية واحترام الدور ومعرفة قدراته واكتشافها وتنميتها والدخول في نماذج من التنافسية التي تسمح له مقارنة قدراته بقدرات أقرانه، ويكتشف مساحة تحركه وتأثيره في الأشياء ويتعلم المحاكاة بعفوية وسرعة (Sutton-Smith, B., 2009).

      إذا أردنا أن نساعد الطفل في هذا المجال جب على الأخصائي أن يعلم بأن اللعب مجال خصب لتوسيع دائرة معارف الطفل الاجتماعية وإكسابه الخبرات التي تؤهله للتعامل مع الآخرين وتعليمه الضوابط التي تنظم العلاقات مع الآخرين فهو يساهم بشكل فعال في النمو الاجتماعي للطفل.

2- النمو النفسي الانفعالي:

    في بيئة اعتيادية "اللعب وظيفة الطفل" إذ يعتبر اللعب عند الطفل كوسيلة رمزية للتعبير عن الذات، فمن خلال تعامله مع قوانين اللعبة أو مع الألعاب يمكن أن نفهم عنه الكثير وهذا لأن الطفل يكشف عن انفعالاته ودوافعه أثناء اللعب، إذ يعبر الطفل بالأفعال والحركات وطرق تعامله مع الألعاب عوض التعبير عن انفعالاته وأحاسيسه بالكلمات، فهو يكشف عن مشاعره وعلاقته بالأحداث التي مر بها، كما يعتبر الطفل أن اللعب وسيلة آمنة للتعبير عن الذات ولهذا يعتبرها الأخصائيين كوسيلة ناجحة للتخفيف من المواقف الانفعالية المتراكمة نتيجة لبعض المواقف الحياتية. من جهة أخرى يهيئ اللعب الفرصة للطفل كي يتخلص من الصراعات التي يعانيها ويخفف حدة التوتر والإحباط والقلق التي يعاني منها وكذلك هو وسيلة للتخلص من العدوانية والكبت بطريقة تلقائية دون تدخل الكبار، ويساعد اللعب (حتى عند الكبار) على خفض مستوى القلق والتوتر، والأنشطة ويعكس اللعب الحر حياة الطفل الداخلية وانفعالاته، تخيلاته، وتمكنه من إخراج انفعالاته والتعبير عن مشكلاته وأن يختبر مداخل العلاقات جديدة بالأفعال بدلا من الكلمات (Wood, E., & Attfield, J., 2005).

      إذا أردنا أن نساعد الطفل على التنفيس الانفعالي، يجب على الأخصائي أن يتركه أما خيارات اللعب الحر ويساعده ليتصرف بتلقائية من خلال التعبير الحر، فهو وسيط  للتعبير عن الانفعالات ووصف الخبرات والمشاعر المتعلقة بها ويسلكون وفقا لما يشعرون به، ويساعده التنفيس الانفعالي تدريجياً على تخطي الصدمات والصراعات والاحباطات بدلاً من كبيتها والخوف من التعبير عنها.

3- نمو القدرات المعرفية:

       في بيئة اعتيادية يستلزم اللعب التنافسي استخدام التفكير والإدراك والذاكرة وعمليات معرفية أكثر تعقيداً لوضع استراتيجيات حل الحبكة وتوليد البدائل ودراسة الحلول الممكنة وتحليل العوامل التي قد تقلل أو ترفع من نسبة النجاح في تخطي التحدي كما يميل الأطفال على العموم لاستكشاف عالمهم وما يحيط به من أحداث، فيدرك عالمه أكثر ويتخيل ويلعب ويتعرف على الأشكال والأحجام والألوان، واللعب طريقة مسلية لتعلم مختلف المعارف والطفل له ميل فطري إلى اللعب وبالتالي سوف يستخدم كل قدراته المعرفية لتحقيق الأفضل واكتشاف عالمهم وتنمية قدراتهم واكتشاف العالم الخارجي واكتساب أهم المهارات التي تمكنه من تعلم اتخاذ القرارات، الصبر، المثابرة والبحث عن الحلول، وحتى قدراته العقلية العليا التي تنمو وتزدهر من التفكير والتخيل والفهم، ويسهل عملية توليد اللغة والأفكار والتفاعل معها ويبدأ في معرفة حقيقة الأدوار والشخصيات البشرية والاجتماعية وطريقة استخدام الوسائل في الحياة لحل المشكلات والمنافسة وطريقة التعلق بالآخرين (Ginsburg, K. R. 2007).

     إذا أردنا أن نساعد الطفل، على الأخصائي أن يعلم أن اللعب المخطط له أو المنظم، له دور كبير في تنمية القدرات المعرفية والإبداعية وتطوير التفكير لدى الطفل خاصة إذا اتسم بالتحدي، ويمكن أن تكون المنافسة مع أفراد آخرين أو تكون المنافسة حول تجاوز صعوبة مرحلة ما للذهاب إلى المرحلة التي تليها وهكذا يمكن ان نمرر التقنيات العلاجية بالتدرج في الصعوبة في شكل تحدي يمر به الطفل وهو يلعب.

4- النمو الحسي الحركي:

      في بيئة الطفل الاعتيادية يعد اللعب مجالًا حاسمًا للتطور الحسي والحركي للأطفال، لأنه يتيح للطفل الفرص للتعرف على جسده وقدراته، وتنمية توازنه وخفة الحركة، وتقوية قوة عضلاته. تسمح الأنشطة المرحة للأطفال باكتشاف العالم وتطوير مهارات الحركية والتنسيق الحركي تدريجيًا. ومن خلال التلاعب بالأشياء والجري والقفز والتفاعل مع بيئتهم يحسن الأطفال إدراكهم للعمق والمسافة والعلاقات المكانية. بالإضافة إلى ذلك يتيح اللعب للأطفال التعرف على أجسامهم وقدراتها، وتنمية توازنهم وخفة الحركة وتقوية قوة عضلاتهم. تؤثر أنشطة كل مرحلة عمرية على النمو الحسي والحركي للأطفال، فاللعب يربط المثيرات بالاستجابات مع استعمال الوظائف العقلية العليا في العديد من الأحيان كالتفكير وإيجاد الحلول، وبالتكرار سيتقن الطفل اللعبة وتؤثر العوامل الخارجية كالممارسة والتعزيز في مستوى المهارة فيظهر على أداء الطفل نوع من التناغم يجعل تعلم التنظيم الحركي والمعرفي سلساً، ينمي التناسق العضلي والجسمي والعقلي واليدوي وبالتالي أحسن استخدام للقدرات والمهارات الجسمية تحت قيادة الجملة العصبية (Smith & Pellegrini, 2005).

      إذا أردنا أن نساعد الطفل لتنمية قدراته الحسية الحركية أو للعمل على تناسق الحسي الحركي، فان الطرق السلوكية في اللعب قد تعطي نتائج طيبة، إذ يقدم الأخصائي نوع من اللعب (الهادفة) بعد دراسة خصائص الطفل من قدراته ومهاراته (معرفة ما يستطيع القيام به وما يحتاجه من تنمية) ويتطلب الوصول الى نهاية اللعبة استخدام حركات ومهارات معرفية في ان واحد، ومع التكرار والتدرج في الصعوبة من جهة وأساليب التعزيز من جهة أخرى ستتحسن تلك المهارات مع الوقت.

5- النمو اللغوي:

     لغوياً، يساعد اللعب الطفل على النمو اللغوي لدى الأطفال من عدة جوانب مثل زيادة الحصيلة اللغوية لدى الطفل، استخدام الكلمات في وصف الأشياء وتسميتها كما أنه يساعد على تنمية التفاعل اللفظي الذي يترتب عنه زيادة التفاعل الاجتماعي، فاللعب يمثل وسيلة تعليمية ممتعة، تقرب المفاهيم إلى الأطفال وتساعدهم على إدراك المعاني المختلفة للأشياء والتكيف مع واقع الحياة. كما يعتبر العلماء كثل بياجيه (Piaget) اللعب وسيلة هامة من أجل تكوين معارفه وبناء مفاهيمه كالحجم والوزن والعدد وهو أيضاً وسيلة لبناء مهاراته الفكرية المتعددة مثل التصنيف والترتيب و المقارنة وادراك العلاقات (علاقة التقاطع، الاتحاد، الجزء والكل، التشابه، الاختلاف...) والأساليب المناسبة من اللعب تساعد على تنمية المهارات اللغوية وما وراء المعرفية لدى الأطفال، وتسمح بتطوير المفردات والاستيعاب السمعي والقدرة على استخدام الكلمات بشكل جيد أو إبداعي. فمثلاً أكدت دراسة Kuhn, D., & Dean, Jr, D. (2004) أن الأطفال الذين شاركوا في ألعاب التخمين والتوقع سجلوا تقدم دال إحصائيا وعياديا في قدرتهم للعثور على المرادفات والمتضادات، بالإضافة إلى فهمهم للفروق الدقيقة في المعنى اللغوي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للألعاب التي تشجع المناقشة والتفكير أن تساعد الأطفال على تطوير مهاراتهم وراء المعرفية من خلال مساعدتهم على التفكير في عمليات تفكيرهم وتفكير الآخرين.

        إذا أردنا أن نساعد الطفل على النمو اللغوي، فالتمارين والتقنيات عديدة في هذا المجال، على الأخصائي فقط أن يستعمل اللعب كوسيط لتمرير التقنية في شكل ممتع وترفع من احتمالية اكتساب الرصيد اللغوي، ويستمتع الطفل بمكتسباته الجديدة ويعممها خارج الحصة.

6- العلاج باللعب:

العلاج باللعب هو طريقة علاجية يعتمد على اللعب كوسيط طبيعي للتعبير عن الذات. ويعتبر الطفل اللعب أو العلاقة القائمة على اللعب علاقة آمنة هذا ما يسهل على الأخصائي الدخول في علاقة ثقة مع الطفل ويلج عالمه ويشاركه تعبيره ويفهمه ويفهم طريقة تعامله مع الأحداث عندما يسقطها على اللعب. عندما يشعر الطفل بالأمان والقبول وحرية الاستكشاف والنمو، يمكن تقييمه باستخدام مقاييس واختبارات حتى يمكننا التأكد في الأخير من أن البرامج العلاجية تؤتي ثمارها. وبغض النظر عن الأهداف العلاجية فان اللعب ومشاركة الأخصائي عالم الطفل وفهمه المعمق سيخفض تلقائياً من المشكلات الثانوية المتعلقة بموضوع العلاج كالمشكلات النفسية (القلق، التوتر، الاكتئاب...) الصعوبات الاجتماعية (الخجل، الانسحاب، خوف من الآخرين...) والاضطرابات السلوكية (اختفاء أعراض التبول اللاإرادي، العدوانية...) والأمراض العضوية (التي يكون منشأها التوتر والخوف كالتشنجات والاضطرابات التحويلية) ويخفف من وقع الصدمات، سوء المعاملة، ويخفف من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إضافة إلى مكتسبات اللعب في حد ذاته (Landreth, G., & Homeyer, L., 2021).

ما يجب أن نحتفظ به: 

      هو أن برامج إعادة التأهيل أو التكفل مع الأطفال أو مع ذوي الاحتياجات الخاصة يجب أن تكون في قالب ممتع يساعد الطفل ليكون أكثر تلقائياً وعفوياً ويكون اللعب وسيطاً علاجياً بين التقنيات التي يستعملها المختص والأهداف فتنموا مهاراته ويزيد من استخدام قدراته وطاقته دون أن يشعر بأنه مرغم أو مكره، هذا سيعزز من درجة استقلاليته ويرفع من جودة حياته وإدراكه لإمكاناته الجديدة واستعمالها لتطوير الذات.

       تتطلب عملية التكفل باستخدام الألعاب توفير غرفة مناسبة مع الوسائل (اللعب) المناسبة من حيث النوع والكم وإمكانية المراقبة والمتابعة والتقييم، ويختار المعالج لما يناسب الطفل ومشكلاته، ويقوم بملاحظة الطفل أثناء استخدام اللعب وقد يشارك المعالج مع الطفل في اللعب أحيانا لكي يشجعه وقد لا يشاركه، كي يترك للطفل الحرية الكاملة في اللعب على سجيته أو يمكن أن يتدخل مع الطفل للتدريب(زينب شقير، 2002)، ومهما كان الهدف العلاجي، على المعالج أن يكشف عن رغبات الأطفال وحاجاتهم ومخاوفهم ومشكلاتهم ويساعدهم بكل بساطة أن يعبروا عنها ويركز على سلوك الطفل المتكرر الزائد والاهتمام المفرط بأشياء معينة.

 خلاصة المحاضرات:

     إن أهمية اللعب لم تعد غامضة، ولا تقتصر أهمية اللعب عند الطفل فقط، بل تتعدى ذلك السن ويمكن أن تكون فعالة حتى مع الأكبر سناً كالمراهقين، الراشدين والمسنين، وتصلح مع العاديين ومع من يعانون من مشكلات سلوكية أو انفعالية أو حركية، فهي تسمح لهم بالتطور الذهني من خلال تعزيز التفكير والإبداع والتحليل والتخيل، ويساعد الأطفال في التواصل والتفاعل مع الآخرين وفهم قواعد السلوك الاجتماعي، ويحفز على الحركة والتمرن على المهارات الحركية الدقيقة والأساسية، كما يمكن للعب أن يساهم في تحسين مهارات اللغة الشفوية والكتابية.

     إذا كانت البرامج العلاجية أو برامج إعادة التأهيل تعتمد على مجموعة من التقنيات والتمارين، فمن الأحسن أن تقدم في شكل خبرات سارة (مثل نموذج العلاج باللعب) وتتدرج في الصعوبة (من السهل الى الصعب) وفق إمكانيات المفحوص، ويمكن مساعدته إلى درجة أين يكتسب الثقة في قدرته على تخطي ذلك التمرين والتدرب على استخدام مهارات أو قدرات جديدة، فالنجاح هو الآخر جزء من العلاج يكتسب الفرد من خلاله فعالية الذات ويصبح إدراكه للمثيرات يميل إلى التحدي عوض إدراكه تهديداً (وتسيطر عليه مشاعر الخوف) أو خسارة (يخضع لها ويستجيب بمشاعر الاكتئاب واليأس).

     إن العديد من الأعراض والاضطرابات لا يمكن القضاء عليها، وعلى الأخصائي أن يعمل مع المفحوص للسيطرة على الأعراض أو التعايش معها إذا استلزم الأمر وتقبلها كجزء منه وجب التعامل معها عوض أن يستنزف جهده كاملاً في الصراع مع الأعراض والاضطراب دون جدوى (بل وتظهر مضاعفات أخرى كالإجهاد، التعب، المخاوف واليأس...).

     إن جودة الحياة هو مفهوم واسع يمكن اعتباره (اعتمادا على توصيات منظمة الصحة العالمية) كمحك للصحة، فنقيس به مدى تقدم البرامج العلاجية ويخبرنا عن مدى تحسن حالة المفحوص، فاكتساب الفرد (طفلاً كان أو راشد، "عادياً" أو من ذوي الاحتياجات الخاصة) لمهارات جديدة أو تطوير قدرات جديدة لم يكن يدرك أن بإمكانه استخدامها أو لم يكن على دراية بأنه يمتلكها وكانت تحتاج فقط إلى تدريب سينشأ عنه حالة من السرور وارتفاع درجة تقدير الذات، وعلى الأخصائي أن يساعد المفحوص على تعميم واستخدام مكتسباته خارج الحصة، وسينعكس هذا على جودة حياته.

     على الأخصائي أن يفهم بأن التكفل لا يكون بالاضطراب بل يكون بالحالة، وكل حالة هي حالة منفردة لا تشبه الأخرى رغم إصابتهم بنفس الاضطراب، فالأحسن أن يقدم تمارين وتقنيات تتماشى مع احتياجات الحالة وقدراتها الآنية (لا تقنيات تخص الاضطراب)، ويجب أن تسير داخل مقابلة يسودها جو من الثقة بين طرف الأخصائي والطرف الثاني (المفحوص وأوليائه)، كما يعتبر إشراك أهله في العملية العلاجية أمر مهم إذا تهيأت الفرصة لذلك.