5. الطريق إلى بنية الذرة

انطلقت الأبحاث في بنية الذرة  انطلاقا من الظواهر الكهرومغناطيسية  ومحاولة تحويل الذرة إلى مقدار فيزيائي كمّي،ليتوصل هيلمولتز عام 1881 إلى أن الأيونات أو الشوارد هي أصغر جزء من المادة يمكن اطلاقه لتندفع منفصلة متقطعة،وكان العالم الإيرلندي Stonny أول من اقترح تسمية هذه الحبات الكهربية بالإلكترون electron أو الكهرب عام 1881،ومنذ ذلك الوقت أصبح الالكترون بمثابة الذرة الكهربائية،بل إن أبعد من ذلك بكثير،بل أصبح مكونا لها ،فالمادة تنحل إلى كهارب أو الكترونات.

   ثم قام ميليكان Milikan عام 1909 بتحديد شحنة الالكترون وكتلته ،وتوصل العلماء إلى إثبات وجود الالكترونات حتى في الأجسام المحايدة التي لا تصدر أية كهرباء مما دفع بالعلماء إلى القول أن الالكترون يدخل في تركيب المادة،وأنه جزء أساسي فيها،وهنا تغير المفهوم الفلسفي للذرة،فلم تعد الذرة الجزء الذي لا يتجزأ أو أبسط مكون للمادة،بل أصبحت عبارة عن بنية من العناصر والعلاقات التي ترتبط بينها،فذرة الهيدروجين مثلا تشمل على الكترون واحد،وذرة اليورانيوم تشمل على 92الكترونا.

  وبما أن الذرة جسم حيادي فالالكترون ذو شحنة سالبة فلا بد من البحث عن مكون آخر لها يحتوي على شحنة موجبة معادلة للكهرباء السالبة،وهنا جاءت فرضية'النواة' ذات كهرباء موجة بفضل مفعول الكهرباء السالبة.ومنذ ذلك الحين توالت الفرضيات(حقائق غير تجريبية)،وكان أنجحها تجريبيا فرضية روثرفورد Rutherford والتي يرى من خلالها أن الذرة  أشبه ما يكون بالنظام الفلكي:فكما تدور الكواكب حول الشمس تدور الإلكترونات في الذرة حول النواة ثم افترض نيلز بورNhils Bohr  أن لكل الكترون عدد من الذرات الممكنة يجري فيها دون أن يصدر طاقة،ولكن عندما ينتقل من مدار إلى آخر فإنه يصدر الطاقة أو يمتصها بقدر معلوم.

  انطلاقا من هذه الفرضيات يُظهر لنا أنها كلها افتراضات عن الذرة لا حقيقة الذرة،والواقع أن الأمر يتعلق بتصور معين للذرة أي بناء نظري افتراضي يشكل حقيقة علمية مؤقتة لا حقيقة انطولوجية ثابتة،وهو ما طرح العديد من الإشكالات الابستمولوجية أثارت وتثير  مناقشات حادة خاصة من طرف ذوي النزعة الوضعية بمختلف فروعها ،أولئك الذين  يقولون إننا لا نعرف إلا ظواهر الأشياء وآثارها لا الأشياء في ذاتها،ومعرفتنا هذه نتيجة الملاحظة وأدوات القياس،إذن فلابد أ ن تتأثر ملاجظتنا بهذه الأدوات وتأثيرها ،وبالتالي فإن في المعرفة عنصرا ذاتيا[1]،وهنا تطرح مشكلة الذاتية وموقع الموضوعية في العلم.

   وهنا تبين للعلماء أن الذرة تتكون من نواة والكترونات والنواة تتألف من بروتونات ونيترونات تسمى جميعا بالنويات،وهو عبارة عن تصغير لمفهوم النواةnueléons،ويختلف عدد هذه النويات وتوزيعها باختلاف الذرات أي باختلاف العناصر،أضف إلى ذلك أن الروتونات ذات كهربية موجبة،وهي التي تبطل مفعول الكهرباء السالبة التي تحملها الالكترونات.

  وتوالت الاكتشافات إلى درجة أن اكتشف العلماء عددا آخر من الجسيمات الدقيقة جدا لا تدخل في تركيب الذرة مثل الميزونméson  والهيليرون،وهما يعيشان فترة زمنية أقصر من لمح البصر ، واكتشفوا أشكالا أخرى  من الجسيمات الأولية الدقيقة أسموها مضادات الجسيمات les antiparticules وفي سنة 1932 تم اكتشاف البوزيتون الالكتروني positons،وهو مضاد للالكترون ولكنه يحمل كهرباء موجية.



[1]  محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص 326.