1. الذرة في الفكر اليوناني
يعتبر الفيلسوف اليوناني ديمقريطس أول الفلاسفة الذين تحدثوا عن الذرة ،وصاغ مذهبا ذريا :حيث قسّم ديمقريطس الوجود الواحد المتصل الثابت المتجانس إلى ذرات لا نهائية العدد،فهي تتميز بجملة من الخصائص منها الصلابة والخلود والانفصال ،أي أنها ذرات منفصلة بعضها عن بعض تتحرك في الخلاء أو الفراغ.
وهذه الذرات عبارة عن لا منقسمات لا ترى بالعين المجرّدة،صلبة لا تنقسم ولا تتغير،وإنما يختلف بعضها عن بعض في الشكل والوضع والترتيب،وهي إلى جانب ذلك تتحرك باستمرار في جميع الاتجاهات،فلا تسقط إلى الأسفل،لأنها غير ذات وزن.
ويعتقد ديمقريطس أن هذه الذرات كانت منتشرة بادئ الأمر في الخلاء اللانهائي،ثم تجمعت المتشابهات منها بواسطة حركة الدوامةturbillon فتشكلت منها العناصر الأربعة (التراب،الماء،الهواء،النار)،ومن هذه العناصر تتألف الأجسام،وهنا يبرر ديمقريطس اختلاف الأجسام إلى اختلاف الذرات التي تتكون منها،وليس هناك شيء في الوجود غيرها،أما حركتها فهي من ذات نفسها لا من قوة خارجية،فكل شيء يسير بحتمية القانون الطبيعي[1].وهذا الشكل يوضح طبيعة الذرة عند ديمقريطس:
لكن رغم هذه التصورات الذرية الموجودة عند ديمقريطس إلا أنه من الخطأ أن نعتبر نظرية ديمقريطس نظرية فيزيائية علمية، إذ هي لم تخرج عن كونها فروض لتأملات فلسفية،لا تستند إلى أي برهان تجريبي يقوم على الأسس العلمية السليمة،كما أنه لا يمكننا استخلاص أي نتائج منها،ولا التنبؤ بصفات أخرى يمكن أن تظهر في ظروف معينة،ومع ذلك لا يمكن أن ننكر أنها فروض كانت بداية لانبثاق النظرية الحديثة[2].
[1] محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص317.
عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية،مرجع سابق،ص59.[2]